وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف: العدوان على غزة محاولة لنفي الفلسطيني خارج المكان… وأعمل لتسجيلها عاصمة للثقافة العربية ـ فيديو

حاوره: سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

حسب وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف فإن ما يجري في قطاع غزة من استهداف للمكان وكل مقوماته الثقافية والفنية ليس حدثا «صدفويا» إنما هو ترجمة لهدف إسرائيلي أول يتمثل في نفي الفلسطيني خارج المكان.
وكان الوزير أبو سيف قد عاش جانبا من تجربة العدوان على القطاع حيث يستعيد جزءا من تفاصيل تجربته القاسية في هذا الحوار الخاص مع «القدس العربي».

ويرى الوزير، اللاجئ ابن القطاع، أن الاحتلال يسعى في غزة إلى استكمال مشروع النكبة، بإفراغ الساحل الفلسطيني ونقله إلى رفح، كما يقرأ الممارسات الاحتلالية في تدمير المكان بفعل لا يقوم به سوى البرابرة والهمجيين.
ويضيف أبو سيف أن المشروع الصهيوني في مركبه الأساسي، هو مشروع ثقافي، بدلالة ما قام به الاحتلال قبل النكبة بعشرات السنين، وهو هنا يستغرب مِمَن يستغرب من مدى بشاعة الاحتلال في عدوانه على القطاع.
ويشدد على أنه مثلما «لا توجد استجابة على الصعيد الإنساني، فإنه لا توجد استجابة على الصعيد الثقافي». ورغم ذلك ينشغل حاليا بسؤال «استعادة عافية» القطاع بعد وقف الحرب حيث يرى أنه لا يجب تهميش العامل الثقافي الفني في إعادة بناء المكان من جديد، ولهذا الغرض يسعى إلى تسجيل غزة عاصمة للثقافة العربية كنوع من تحدي سياسات الاحتلال الذي دمر المسارح، والمكتبات، ودور النشر، والمطابع، والمتاحف..ألخ. وفيما يلي نص الحوار:
○ لو طلبنا منك تقديم جرد غير نهائي، للأسف، لنتائج للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، من حيث استهداف قطاعي الحياة الفنية والثقافية في القطاع، بلغة الأرقام والمعطيات، ما آخر الإحصائيات التي تتوفر لديك؟
• قطاع الثقافة والفنون والتراث الثقافي المادي وغير المادي، مثل جميع قطاعات الحياة في غزة، التي تم استهدافها بشكل بشع وممنهج، ولا يمكن أن يكون حدثا «صدفويا» بمعنى أنه قد حدث صدفة، بل كان مقصودا وبشكل مستمر، دولة الاحتلال تستهدف في غزة البشر والحجر والشجر، وتستهدف اللوحة والكلمة والأغنية، كما تستهدف حكاية وجود الشعب الفلسطيني على الأرض، بالتالي خسائر القطاع الثقافي تنوعت وتعددت ما بين خسائر بشرية، بمعنى خسارة المثقفين والكتاب والفنانين، قبل فترة، وتحديداً قبل 3 أيام، رحل الفنان الكبير فتحي غبن، لأن دولة الاحتلال لم تسمح له بتلقي العلاج في الخارج، وكنا قد تقدمنا عبر المنظمات الدولية، وجميع جهات الأرض، بطلب لإخراج فتحي غبن من غزة، والسماح له أن يتنفس الهواء خارج غزة، إلا أن فلسطين والفن العربي والعالمي، خسر قامة بحجم الفنان غبن.
وأيضاً خلال مسيرة المقتلة التي تجري بحق شعبنا في قطاع غزة، 47 كاتبا وفنانا وفنانة، قتلوا واستشهدوا في هذه الحرب، منهم أسماء كبيرة، مثل: فتحي غبن، الشاعر الكبير سليم النفار، وإيناس السقا، ومحمد الكحلوت، وعبد الرحمن حجاج، إضافة إلى كوكبة كبيرة من الزملاء والزميلات الكتاب، والأدباء، والفنانين والفنانات، فمثلاً إيناس السقا، واحدة من أبرز مَن وقف على خشبة المسرح في غزة، في آخر نصف القرن، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية العظيمة، إلى جانب المسلسلات الفلسطينية الكبيرة، بالتالي هناك خسائر بشرية تتنوع ما بين فنانين وكتاب وغيرهم.
إضافة إلى ذلك، هناك خسائر في البنية التحتية الثقافية، تقريباً، يمكن القول أنه لم تعد هناك بنية تحتية ثقافية في قطاع غزة، جميع المسارح، المتاحف، دور النشر، المطابع، المراكز الثقافية، والاستوديوهات الفنية، كلها تم تدميرها، المكتبات العامة، والخاصة، وبالتالي بلغة الأرقام، فإن ما يجري، هو محرقة ثقافية تجري في قطاع غزة، نتحدث عن 32 مؤسسة ومركزا ثقافيا تم تدميرها بشكل كامل، من مسرح رشاد الشوا الشهير، مسرح هولست، قرية الفنون والحرف، الاتحاد العام للمراكز الثقافية، إضافة إلى مركز يافا الثقافي في خانيونس، تم تدميره قبل أيام، وأيضاً المتاحف، 12 متحفا فلسطينيا تم تدميرها، إما بشكل جزئي أو كامل، بدءاً من متحف غزة الموجود في شاطئ شمال غزة، الذي يضم ثروة تراثية كبيرة، من تماثيل من العهد الفينيقي، والكنعاني، والفلسطيني، وصولاً إلى العهود الإسلامية المتأخرة، والحقبة العثمانية، وأيضاً هناك متحف القرار، والذي يضم رأس عشتار القديم، الذي تم اكتشافه قبل 3 سنين، في منطقة القرارة، المنطقة الشرقية من خانيونس، إضافة إلى متحف قصر الباشا، متحف البداوة في منطقة المغراقة، متحف العقاد في خانيونس، متحف مدينة خانيونس التابع للبلدية.
بالتالي، ذاكرة الشعب الفلسطيني بشكل عام، تعرضت إلى محاولة استلاب من المشروع الصهيوني، خلال 150 سنة، قبل مؤتمر بازل، في النكبة، تمت سرقة الآثار والتراث والمقدرات الثقافية، في حيفا ويافا والقدس، والآن يتم استكمالها في غزة، بالتوازي طبعاً مع ما يتم من سرقات في القدس ونابلس وسبسطية، وهي بنفس بشاعة ما يجري في قطاع غزة. فمثلاً، قلعة قصر الباشا، جميع الغزاة حين جاءوا جلسوا فيها، وعندما جاء نابليون حولها إلى مكتب، وجلس فيها، لم يهدمها، ربما المفارقة الوحيدة، هي عندما دخل المغول بغداد حرقوا مكتبة المدينة.
○ برأيك ما هي دلالات الفعل، كيف تقرأ كمثقف وروائي وابن غزة، هذا الاستهداف «غير الصدفوي»؟
• الهدف الأول للعدوان على غزة هو نفي الفلسطيني خارج المكان، بمعنى إزاحة سكان غزة نحو سيناء، هذه كانت أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية في الحرب، وإلى اليوم موجودة، ولكن، ربما، خف سعارها الآن، بسبب الضغط الدولي، وقبل كل ذلك، بسبب صمود شعبنا، فشعبنا مستعد أن يموت في الخيمة، وهو ما يحدث في رفح على أن يغادر فلسطين.
وبالتالي كان الهدف الأساسي هو استكمال مشروع النكبة، بإفراغ الساحل الفلسطيني، ما تبقى من الساحل الفلسطيني ونقله إلى رفح، منطقة الـ42 كيلو، إفراغها من سكانها، لكي يحدث ذلك، يجب إفراغ المكان من مقوماته، وكي يحدث هذان الأمران، كان يجب تدمير الرواية الفلسطينية عن المكان، فكيف تجسد حكاية الشعب الفلسطيني عن هذا المكان، بآثاره، فمثلا، الجرار الفينيقية في متحف المتحف، الذي يملكه رجل الأعمال الفلسطيني والمثقف، جمال الخضري (أبو الناجي) فحين يتم تدمير الجرار الفينيقية يتم إخراج الفينيقيين الذين هم أجدادنا في غزة، فإذاً يجب تدمير كل ما له علاقة في تاريخنا حتى تبدو هذه الأرض وكأنها كانت خالية تنتظر الغزاة أن يقيموا عليها حضارة.
حين يتم تدمير الأرشيف المركزي لمدينة غزة الذي يحتوي ذاكرة المدينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل محاضر اجتماع البلدية منذ 1890 حتى اللحظة، حين يتم تدمير أرشيف، لماذا يدمر؟ لأنه حين يتم إفراغ مدينة غزة من سكانها، لا يُراد لأحد أن يتذكر أن هناك فلسطينيين كانوا موجودين في غزة، وبالتالي، هذا ما نسميه الحرب على الرواية الفلسطينية، على الذاكرة الفلسطينية، على السردية الوطنية الفلسطينية.
في أية حرب عسكرية، أنت بحاجة إلى مكان مرتفع، مثل: مركز رشاد الشوا، وأي عسكري يقف فوقه كي يسيطر على حيّ الرمال، والجندي المجهول، ومربع مدينة عرفات للشرطة، وشارع الناصرة، وشارع الشهداء، وشارع فلسطين وهو امتداد شارع الوحدة، لكن ماذا فعل الاحتلال، قام بتدمير المكان، ولا يفعل ذلك سوى البرابرة والهمجيين، فالقصد، هنا ليس فقط تنفيذ احتلال عسكري، بل تدمير الرواية الفلسطينية والذاكرة، فهذا المكان الذي شهد ميلاد مئات المسرحيات الفلسطينية، بما فيها مسرحيات كتبتها أنا، ومثلتها إيناس السقا في ذلك الوقت.
○ كأنك تقول إن هناك قراءة ثقافية، معرفية عميقة، لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.
• أولاً، المشروع الصهيوني في مركبه الأساسي، هو مشروع ثقافي، ماذا حدث قبل النكبة؟ أو ماذا حدث في الخمسين عاما التي سبقت النكبة؟ أو، ربما، ماذا حدث تحديداً في آخر 300 سنة، حين بدأ المشروع الاستعماري يدخل على المنطقة العربية، أو التفكير في دولة للغرباء في فلسطين. أولاً: تم سرقة فلسطين ثقافياً، وهذا من المهم أن نتذكره، كيف حضر المشروع الصهيوني لفكرة أرض الميعاد في الوعي الأوروبي، وتمت كتابة روايات حول ذلك، وقصائد، منذ القرن السابع عشر حتى اللحظة، حتى الفنانين الذين كانت تأتي بهم البعثات الاستكشافية، ويقومون برسم فلسطين، كيف كانوا يرسمون شاطئ يافا في القرن التاسع عشر؟ الصياد يرتدي ملابس مهلهلة، وربما قمبازه مخروق، ويمسك بشبكة يبدو عليها الضعف، وأيضاً، كيف كانت ترسم القدس؟ المكان المقدس في الظلال، ولم يكن يوماً مصوراً بشكل كامل، ومن ثم العائلة الفلسطينية البائسة تحت الشجرة تأكل، إذن، بكل شيء، تم استلاب فلسطين ثقافياً، قبل أن تتم سرقتها واحتلالها مادياً، وكان كل شيء بدا جاهزاً، بمعنى، تمت صناعة أساطير، وحكايات، كتب تاريخ، حملات استكشافية، وروايات، بنجامين دزرائيلي الروائي الإنكليزي الذي أصبح بعد ذلك رئيس وزراء بريطانيا، وحتى في الأدب الغربي، من انتقد ذلك، تم نبذه، فمثلا: ملفيل، الروائي الأمريكي الشهير، صاحب كتاب «موبي ديك» له معلقة جميلة جداً في الأدب، دفع ثمنها إلى اليوم، يتم استبعاده من مكانته الرمزية في الأدب، رغم أن ملفيل، بعد ويتمر ربما، وصولا إلى حد ويليام فوكنر، في القرن العشرين، واحد من أعظم ثلاثة كتاب في الأدب الأمريكي، ولكن، لأنه كتب في ملحمة «كلاريسا» وتحدث في سطر صغير، بوصف رحلة «كلاريسا» وقال عندما شاهد مستوطنة «ريشون لتسيون» واصفاً: «هذه البيوت لا تشبه الأرض» دفع ثمنها، وتم استبعاده من مدونة الأدب الأمريكي العظيم، هم لم يتمكنوا من نفي رواية بعظمة «موبي ديك» فأبقوها، ولكن، ملفيل نفسه تم استبعاده، وبالتالي، أي شخص انتقد مسلكية سرقة فلسطين ثقافياً قبل سرقتها معرفياً، وبالتوازي مع مذبحة دير ياسين، ومذبحة قبيا، ومع تدمير حي العجمي في يافا، أو بالأحرى، حي المنشية بالقرب من مستعمرة تل أبيب، كان يتم سرقة المتاحف، دور السينما، مثل: السينما الحمراء الشهيرة في يافا، ودار النبيل، وأبولو، تم تدمير بعضها، والبعض الآخر ما زال موجودا، مثل سينما الحمراء، وبعضها تمت سرقته، وتحويله إلى أكثر من مؤسسة، وأيضاً، تمت سرقة المطابع الفلسطينية، مطابع الصحف، مثل: صحيفة الدفاع، صحيفة فلسطين، وغيرها من الصحف، وبالتالي، عندما تنظر إلى مشروع هذا الصراع تجد أن مكونه الأساسي ثقافي، الحركة الصهيونية هي حركة ثقافية، قبل أن تكون حركة سياسية، تمت سرقة فلسطين على مستوى الوعي الغربي، وتم تزوير هذا الوعي، وأصبح المجتمع الغربي جاهزا لكي يتقبل أن الحقيقة تقول: «يجب أن يعود اليهود إلى البلاد التي كانت لهم».
إذن، تمت سرقة البلاد منا على مستوى الفكر، حتى كلمة فلسطين، ماذا تعني كلمة فلسطين في أول قاموس في اللغة الإنكليزية؟ قاموس الدكتور جونسون، تعني الهمجي، حدث هذا عام 1700 تم خلق كلمة اسمها فلسطين بال «PH» تقرأ، وتعني الهمجي والبربري، أبشع 27 صفة في البشرية وضعوها في كلمة فلسطين، فيما تعني كلمة «PALESTINE» الأرض الموعودة، طبعاً، حتى نحن الفلسطينيون نهلل للجنيه الفلسطيني، ولكن، الجنيه الفلسطيني مكتوب عليه باللغة العبرية جملة أرض إسرائيل!.
○ هذه القراءة مهمة بلا شك، ولكن، هل تعتقد أن ما يجري في غزة، أعاد لنا اكتشاف إسرائيل، كمشروع استعماري، بعد أن تناسينا حقيقة هذا المشروع؟
• لقد أمضيت في غزة ثلاثة أشهر في الحرب، وشهدت معركة جباليا الشهيرة الأبشع في الحرب، من اجتياح وقصف جباليا الهمجي، بعد ذلك، خرجت إلى رفح، وجلسنا في خيمة، أنا أستغرب مِن مَن يستغرب هذه البشاعة، فالأساس أن لا نستغرب، كل ما في الأمر، أن إسرائيل التي تمارس كل هذه الهمجية والتسلط والقتل، وغير مهتمة في العالم، هي تمارس ذلك منذ الـ48 والحقيقة تقول أن إفراغ القرى الفلسطينية لم يبدأ عام 1948 فهناك أكثر من 30 قرية فلسطينية هجرت قبل 48 تم تهجيرها مِن قِبل الاحتلال البريطاني، وهذا لم يكن انتدابا، بل احتلالا، مِن أجل إقامة مستوطنات يهودية.
هذا القتل كان موجودا زمن أجدادنا في حيفا، يافا، اللد، الرملة، صفد، وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية المختلفة، ما حدث أن «السوشال ميديا» باتت أكثر بروزاً، وأكثر استخداماً، وبات هناك تمظهر أكثر لفكرة المواطن الصحافي، بفعل الهواتف الذكية وما إلى ذلك، ولكن، ما حدث في هذه الحرب، أن المستعمر، أو الذئب الذي يريد أن يبتلع الفريسة، بات أكثر لا مبالاة في العالم، بمعنى، أن إسرائيل أدارت ظهرها لكل العالم، لم ترى أحداً في هذه الحرب، هي تقتل وتدوس وتدمر، وغيرها، على مرأى ومسمع العالم، والعالم ماذا يفعل الآن؟ يقول لإسرائيل رجاءً، لا تقتلوا في اليوم 800 اقتلوا 200. نحن لسنا ضد أن تجوعوهم، ولكن ليس لدرجة الموت، فتقبلوا رجاءنا، وادخلوا لهم بعض سيارات المساعدة، لا يقول ارفعوا الحصار، أو اوقفوا الحرب.
○ بصراحة هذا الأمر كان صادماً جدا، نحن إزاء موقف دولي متواطئ، لكن الأهم هو موقف المؤسسات والمنظمات الثقافية الدولية التي تجلى عجزها، وأنتم كوزارة الثقافة توجهتم لها، ورفعتم الصوت.. لكن؟
• نحن خاطبنا الجهات المعنية، بالذات اليونيسكو، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة- الإيسيسكوا، ولكن، للأسف، لم يتحرك أحد، وتحديدا اليونيسكو، وقلنا، كيف يمكن لدبابة أن تسير فوق أقدم ميناء في العالم، ميناء الأنثيدون التاريخي، ميناء غزة الفينيقي، كيف يمكن للجندي أن يركل برجليه وبلا مبالاة، قبور أول مقبرة مسيحية في التاريخ، ونحن لم نقل ذلك، الفرنسيون الذين جاؤوا في عام 1998 إلى مقبرة جباليا في غزة، قالوا: «هذه أقدم مقبرة دفن فيها المسيحيون عبر التاريخ، وفق التقاليد المسيحية» فكيف يمكن لأوروبا أن تقبل بذلك؟ في القطاع تل يحتوي المدينة الإدارية الفلسطينية الأقدم، لا يوجد في العالم مثله، إلا في فلسطين، وليس ذنبنا أن التاريخ بدأ من فلسطين، وليس من ذنبنا أن أجدادنا الفينيقيين هم من اخترعوا الكتابة، والأحرف، وأننا نحن أول من ركبنا البحر، وجُبنا العالم، ومع كل فخر أن هذا هو تاريخنا، ولكن، هذا جزء من ذاكرة العالم، وهذا ما كتبناه في رسائلنا للمنظمات الدولية، «احموا ذاكرتكم الموجودة في فلسطين» وللأسف، لم يتحرك أحد، تتم سرقة الآثار، القطع التراثية، وتدميرها.
نحن في الحكومة الفلسطينية، قمنا بتوثيق ذلك، وأنجزنا تقريرا حول هذا الأمر، وتم تشكيل لجنة برئاسة وزير الخارجية من أجل متابعة الأمر مع الجهات الدولية، ولكن، كما لا توجد استجابة على الصعيد الإنساني، لا توجد استجابة على الصعيد الثقافي.
○ برأيك، هذا له علاقة بقوة دولة إسرائيل، أم ضعف وجبن وتخاذل المؤسسات الدولية الثقافية؟
• القصة ليست قصة هذا ذنب من، من المؤكد أن بشاعة هذا الاحتلال لا يمكن لها أن توقف ضمير العالم، لكن، بشاعة الجرائم لم تنجح في إيقاظ ضميره أيضاً.
○ سأقتبس من تجربتك في غزة التالي: «كنت أذهب إلى العمل بسيارتي صباحاً، وعند عودتي مساءً، لا أعلم الطريق بسبب اختفاء معالمه جراء قصف البنايات والشوارع» بصراحة استوقفتني بشدة هذه الجملة وبدت هدفا بحد ذاته وهو يتجاوز الهدف العسكري؟
• كان هذا المشهد خلال أيام إقامتي في مخيم جباليا، كنت أداوم في بيت الصحافة، والآن بيت الصحافة دمر طبعا، واستشهد الصحافي بلال جاد الله، وهو من أعظم الصحافيين في غزة، كنت أذهب لمتابعة الأخبار، ومتابعة عملي كوزير للثقافة، وفي اللجنة الوزارية المسؤولة عن متابعة شؤون قطاع غزة، كنت أذهب صباحاً، وخلال النهار كان يحدث قصف في أماكن مختلفة، والقصف كان مستمرا في النهار والليل، وحين أعود كنت لا أعرف الطريق، أدخل في شارع، لا أعرف معالمه بسبب قصف بناياته، أدخل في شارع آخر، وأنا لا أعرف أين يؤدي هذا الشارع، وحين تنعطف السيارة يساراً مثلاُ، يكون الشارع مغلقا، بالتالي، قد يستغرق الأمر ساعة، كي أسلك شارعا، كنت سابقاً أسلكه في خمس دقائق، بالتالي، هذا دائماً أقوله عن الحرب والمكان، دائماً ما أقول إن غزة مدينة بعمر التاريخ لم تتمتع بشبابها، بمعنى، امرأة عمرها 6000 سنة، لكن ولا مرة كان عمرها 20 سنة، ولدت هرمة، بسبب هذه الحروب المتتالية عليها.
قبل فترة، كنت أقرأ إحدى رواياتي، وبكيت، لأنني استطعت أن أرى شخصياتي في الرواية تبكي الأماكن التي كانت تعيش فيها، الشخصيات في رواياتي، مثل: حياة معلقة، والحجة كريستينا، شعرت أن رواياتي باتت حزينة، لأنها لو خرجت من الكتب، لن تجد الشوارع التي كانت تعيش فيها.
كنت أقضي نهاري في غزة في أماكن محددة، سواء بيت الصحافة الذي لم يعد موجودا، على مقهى الكروان التاريخي، الذي كان يجلس فيه معين بسيسو، محمد حسيب القاضي، وغالبية شعراء غزة منذ الأربعينيات، لم يعد موجوداً، حمام السمرة، لم يعد موجوداً، وهو واحد من أقدم الحمامات في المنطقة العربية، المبني منذ سنة 1400 بالتالي، ذاكرة المكان حين تهدم، الشخوص الذين يعيشون في المكان يشعرون بألم غير موصوف، بالتالي، أنا لا أحزن على شخصيات رواياتي فقط، أنا أقول، لو الحجة كريستينا خرجت من الرواية، فلن تعرف مخيم جباليا، ولو نعيم خرج من رواية «حياة معلقة» لن يتعرف على شارع النصر، لأنه لم يعد موجودا، ولم يعد هناك ما يربط هذه الشخصيات في العالم الواقعي، وستكون هذه الشخصيات ربما، حتى بالنسبة لي ككاتبها، أنها كانت تعيش في عالم افتراضي، وخيالي.
○ هناك تصريح لك، شبهت فيه ما يجري في غزة، بما جرى في النكبة، التشبيه بحد ذاته جيد في توصيل المعنى، لكن، في سياق آخر، وأنت كمثقف وروائي، أعتقد أنه يحرمنا من قدرة توصيف دقيقة لما يجري في قطاع غزة اليوم؟
• هذا يعتمد على أين تقف لحظة الحدث، بالنسبة لي، كعاطف أبو سيف، وكلاجئ في مخيم جباليا، ورثت كل حكاية اللجوء، لا يوجد ولن يوجد أبشع مما حدث في النكبة، بالنسبة لي ما حدث في النكبة هو أن نفينا خارج المكان، ولكن، كمواطن عاش الحرب في غزة، وأصبتُ خلال العدوان، وفقدت 113 شخصاً من عائلتي، بما فيهم أولاد عمومتي، وشقيقة زوجي، وغيرهم، في لحظة موت 9 أشخاص من عائلتي، أصبت في شظية، ولم أتمكن من الذهاب إلى المشفى، لأنني خجلت أن أذهب إلى المستشفى، وأنا كنت بحاجة إلى 6 قطب طبية، لكن لجأت إلى القهوة والملح، وربطت الجروح ببلوزة، «ومشت» الأمور، كإنسان عانى من كل ذلك بالنسبة لي، هذا أبشع حدث في التاريخ.
لكن، على مستوى الوعي، ما حدث بالنكبة، هو أبشع ما يمكن أن يحدث، ربما، يضاهي ما قام به المستوطنون الأوروبيون في أمريكا، حين أبادوا الهنود الحمر، وربما، كان يجب أن يحدث في النكبة هذا، وكان يجب أن نُكنس مثل الغبار عن عتبات البيوت، نتطاير، وربما، المستعمر يقيم في مكان منزل جدي في يافا، يقيم تمثالا للفلسطيني، ويبكي ويقول: «الله، لقد كنت قاسياً عليهم حين أخرجتهم من البلاد» هذا لم يحدث، بقينا، وبقي أهلنا صامدين في أراضي الـ 48 وبعضهم من أبناء عائلتي، وظل الشعب الفلسطيني الوحيد الذي حين يغادر بلاده لا يفكر إلا بالعودة لها.
مرة أخرى، إذا كنا نتحدث إنسانياً، من تجربتي الشخصية، أقسى ما قد حدث للشعب الفلسطيني، هو ما يحدث في غزة الآن، ولكن، على المستوى المعرفي، والسياسي، والوطني، لا شيء يضاهي النكبة. النكبة كانت مؤامرة مخطط لها، النكبة جريمة كبرى، والعالم متواطئ معها، دون أن يعفي هذا العالم من المسؤولية عن الجريمة التي تحدث الآن في غزة، وهو متواطئ معها أيضا.
○ تعتبر النكبة الحدث التأسيسي الأول في الوعي الفلسطيني، وما يجري في غزة باعتقادي يجب أن يكون حدثا تأسيسيا ثانيا، وهنا يكون السؤال لكم كوزير ثقافة فلسطينية، كيف يمكن أن نبلور هذا الوعي فيما يتعلق بما يجري في غزة..
• أولاً: علينا أن نفشل أي مخطط يدعو للتهجير، لأنه إن حدث، بالفعل سيكون هو الحدث التأسيسي الأهم ربما، لأن الشاطئ الفلسطيني بات خالياً من الفلسطينيين، باستثناء وجود أهلنا في حيفا ويافا، وهو ما نفعله في القيادة الفلسطينية مع الأشقاء المصريين، وبعض الدول العربية، تحديداً، الأردن، من أجل منع مشروع التهجير الذي سيحدث، هذا يتطلب منا تعزيز صمود أهلنا في قطاع غزة، في رفح وجباليا، تحديداً في رفح، لأن التهجير يتم على رفح.
ثانياً: وهو الأهم، أن نعمل على وقف هذا العدوان على شعبنا، وهذا الأمر من الواضح أن المجتمع الدولي فشل في تحقيقه، فالناس الآن تتحدث عن الهدنة لا تتحدث عن الحرب، إذن، نجح نتنياهو في حرف أنظار العالم كله، ماذا تفعل إسرائيل الآن؟ إنها تفاوض من أجل الهدنة، انظر إلى الصحف الكبرى كيف تغطي الأخبار الآن، مثل: نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ذا نيشن، وغيرها، لا تتحدث عن الحرب، تتحدث عن وجود الهدنة، الهدنة التي حولها نتنياهو إلى مزحة، من أجل إلهاء العالم.
نعود للسؤال، ما يجري في غزة حدث تأسيسي بأي معنى؟ بأنه أعاد لنا حقيقة الصراع، وهو ما حدث في النكبة، أي الاحتلال الإسرائيلي، نحن لسنا بجيران مع دولة الاحتلال، نحن شعب تحت الاحتلال، ويجب ألا ننسى ذلك، يجب أن نتذكر ذلك دائماً، ما يحدث في غزة الآن هو لأن هذا الاحتلال لم ينته بعد، إسرائيل لم تقدم لنا خدمة، ولكن، بمجازية الشعراء والكتاب، هي أعادت تذكير كل أبناء شعبنا بما يفعله الاحتلال بنا كفلسطينيين، أي أنه يهجرنا.
إضافة إلى ذلك، العدوان قدم لنا مواد حية ومباشرة، من طائرات تقصف، وناس تهاجر حاملة خيمها، وتبحث عن أكلها، ذكرتنا بأننا لا يمكن أن نكون سعداء كفلسطينيين إلا حين أن تنتهي النكبة، وتنتهي كل تبعاتها.
○ حواري الأساسي معكم كان سببه جملة وردت على لسانك، وهي: «استعادة العافية لغزة» أنت مسؤول في الملف الثقافي والفني، كيف يمكن أن تستعيد غزة عافيتها، لقد قمت بعقد اجتماع مع مؤسسات ثقافية وفنية في رام الله، وأنا أفترض كصحافي، أن هناك خطة، هناك مشروع طوارئ لمد الحياة بكل مقوماتها إلى غزة بعد انتهاء الحرب، أريد أن أعرف ماذا في عقل وزير الثقافة حول ذلك؟
• أولاً: يجب أن لا تغيب غزة وحضورها الثقافي عن الفاعلية الثقافية الفلسطينية، غزة واحدة من حواضر الثقافة الفلسطينية القديمة، غزة واحدة من مدن الفينيقيين، والكنعانيين، فيها واحد من أقدم موانئ العالم، يجب أن لا تغيب غزة، صحيح أن غزة لم يعد بها مقومات الحياة، وواحدة من الأشياء التي سأقولها، أننا سنسعى لتسجيل غزة عاصمة للثقافة العربية، وسأقول ذلك في اجتماع وزارة ثقافة العرب، صحيح أنه لا يوجد أي مسارح، ولا مكتبة، ولا دار نشر، ولا مطبعة، ولا جريدة، ولكن، نريد أن نتحدى الاحتلال، ونعلن غزة عاصمة للثقافة العربية بعد سنوات، ولكن، حتى ننجز ذلك، علينا أن نقوم بإعادة بناء البنية التحتية الثقافية في غزة، من مسارح، مؤسسات ثقافية، دور سينما، معارض وصالات عرض، شركات إنتاج، وغيرها، وبالتالي، استعادة عافية غزة يعني أن تبقى غزة حاضرة، وغزة قدمت للثقافة الفلسطينية، أعلاما سواء في الشعر أو الرواية أو السينما، فسينما السامر موجودة في غزة من عام الـ42 وقبل النكبة كان هناك 4 دور سينما في غزة، وبعد النكبة 13 دارا، في دول عربية كاملة في الخمسينات لم يكن فيها 13 دارا للسينما.
حاولنا في الوزارة تسليط الضوء على الحياة في القطاع من خلال شهادات للكتاب من خلال كتاب حمل اسم «كتابة خلف الخطوط» طبعنا الجزء الأول، والجزء الثاني سيصدر في الأسبوع المقبل، ونعمل على الجزء الثالث والرابع، بمعنى أن يصبح 100 كاتب وكاتبة من غزة يتحدثون عن حياتهم في غزة خلال الحرب.
أيضاَ، هناك معرض للفن التشكيلي، وهو 100 لوحة من غزة، وسيكون في 11 محافظة شمالية، بعد ذلك سننقله عربياً، ونحن لم نهتم في غزة بسبب الحرب، تقديرنا لغزة ليس بسبب «موضة» كما يحدث عند البعض، فالمئة لوحة أخذناها من معرض الكتاب العام الماضي، لقد حملت اللوحات على كتفي، لأنه كان ممنوعا إدخال اللوحات الفنية للضفة، بعد ذلك، عرضنا جزءا من اللوحات في معرض الكتاب في «ممشى الفن» والآن نعرضها في المحافظات بشكل مختلف.
الاهتمام في غزة، لا يمكن أن يكون رد فعل، و«موضة» ولا قصة استقدام تمويل، يجب أن يكون مؤسسا على قناعة تامة بالثقافة الوطنية، وبدور غزة في الثقافة الوطنية، وبمساهمة فناني وكتاب غزة ومسرحييها بالثقافة الوطنية، وأن غزة ظلمت خلال حصار الاحتلال لها، وظلم فنانو غزة وكتابها من المشاركة في الفعاليات العربية.
حاولنا بقدر كبير من الجهد، الذي نجحنا في بعض منه، وفشلنا بالبعض الآخر، من أجل أن تظل غزة دائماَ حاضرة، إذن، استعادة غزة لعافيتها هو، أولاً: استعادة مكانتها في الثقافة الفلسطينية، لقد طلبت من فنان في غزة، أن يبعث لنا ماذا يرسم في الحرب، فأرسل لي لوحة لشخص يعزف وحوله أطفال، بالفعل نحن «شعب مالناش حل» لأننا نؤمن بهذه البلاد، وحقنا بهذه البلاد، وأننا لا يمكن أن نزول، لن نذهب إلى أي مكان آخر، ليس لنا إلا فلسطين.
○ أريد توصية منك معالي الوزير، وأنت في جزء من حكومة قدمت استقالتها قبل أيام، ما هو المطلوب بلغة الاهتمام، ميزانية، أو اهتمام حقيقي بالثقافة والفنون، كونك ابن غزة، وعشت جزءا من التجربة؟
• من المؤكد أن غزة بحاجة إلى إعادة بناء ليس إعمار.
○ أعلم ذلك، لكن كثقافة، ونحن نعلم أن ميزانية الحكومة في المجال الثقافي والتعليمي قليلة..
• علينا أن نميز بين شيئيين، أولاً: الموازنة التي ستخصص لإعادة إعمار أو إعادة بناء غزة، جزء منها يجب أن يخصص لإعادة بناء البنية التحتية الثقافية، ويجب ألا نقول إن الثقافة ليست أولوية، فمركز رشاد الشوا كان أهم معلم في غزة، الجندي المجهول وتمثال العنقاء في ميدان فلسطين، كان أهم معلم في مدينة غزة، بالتالي، ما سأقوله سواء كنت داخل أو خارج الوزارة، ما سأقوله كمثقف وسياسي فلسطيني، يجب أن تُعطى أولوية لإعادة صورة المدينة، صورة المكان. وهذا هو التعافي المعنوي، ليس علينا القول أن بناء السكن أهم من بناء المسرح، فبناء المسرح أساسي لكي يتم تعمير المكان، وبالتالي، أحد أهم النصائح، أنه يجب علينا أن نهتم بإعادة بناء البنية التحتية للقطاع الثقافي.
ثانياً: يجب تخصيص موازنات إضافية لتتعافى غزة، وجزء منها، ما قلته بأننا سنقدم لتسجيل غزة عاصمة للثقافة العربية، لأننا نريد أن نسلط الضوء على إبداعات غزة، ونريد أن تتعافى غزة ثقافياً، ونريد أن تعطى استثناء في كل الموازنات بعد ذلك، مرة أخرى، الأمر لن يكون سريعاً، وأنا قلت إعادة بناء وإيجاد غزة التي دمرها الاحتلال بشكل كامل.
يجب تخصيص موازنات خاصة لغزة في القطاع الثقافي، من أجل إعادة تكوين البنية التحتية، ومن أجل تفعيل المشهد الثقافي في غزة، وربما، فكرة أن تكون غزة عاصمة للثقافة العربية في واحدة من الثلاث سنوات المقبلة.
○ السؤال الأخير، وسأعود لتجربتك في قطاع غزة، ما المشهد الذي لا يمحى من ذاكرتك، وربما أنت بمنطق الروائي، تفكر في أن تكتبه وتقوله لنا..
• من المؤكد أنه مشهد الخروج من الشمال إلى الجنوب، وعبور الواد، كيف كنا نصطف في طابور، وأنا خرجت لأن ابني كان معي، وتعرضنا لإصابات، ولم يعد الأمر قرارا ذاتيا أو شخصيا، القرار هو جمعي للعائلة، مشهد الخروج كان مؤلما، واستغرقنا من 4-5 ساعات في المشي، والتوقف، والتفتيش، الدبابة التي كانت تقف على تلة فوقنا، والجندي الذي يحمل فنجان القهوة الكبير، ويرتشف القهوة وهو يعذب الرجال والنساء، ويعطي أوامر بأن تقف هنا وهناك، هذا المشهد، أظن أنه من المشاهد التي ستظل توجعني في ذاكرتي، لأنه، أولا: يعيد تذكيرك في الحكاية الأساسية، حكاية الخروج من يافا، جدي وجدتي وعائلتي، ثانياً: يقول لك كم هو قاس هذا الاحتلال، ولا يمكن التساهل معه، ولا يجب علينا أن نتساهل معه، لا على صعيد الوعي، ولا على صعيد الممارسة من أجل البقاء.
مشهد الخروج من الشمال إلى الجنوب مؤلم، وربما بعض المشاهد الأخرى، مثلاً: عندما كانت قذائف الدبابات تمر أمامنا ونحن في الشقة في جباليا، أو مشهد صديقي أدهم حين ذهبنا لإنقاذ أحد البيوت، فوجد ابنه شهيدا، هو كان يبحث تحت الركام عن أناس، فوجد ابنه بينهم شهيدا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية