الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية : المقاومة أهم عامل في وقف العدوان على غزة وفي إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينيةـ فيديو

حاوره: سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

منذ أن شن الاحتلال الإسرائيلي هجومه الوحشي على قطاع غزة منذ أكثر من مئة يوم، يقوم الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، بجهود كبيرة في سبيل رفع الصوت الفلسطيني محليا وعربيا ودوليا، فهو لا يفوت فرصة من أجل إيصال القضية الفلسطينية في أصعب أوقاتها وأكثرها مفصلية.

التقت «القدس العربي» البرغوثي وطرحت عليه أسئلة الواقع الفلسطيني الساخنة، وعلى إيقاع القتل الفلسطيني اللحظي والذي تقابله مقاومة باسلة، يرى الأمين العام للمبادرة الفلسطينية أن تحقق الوحدة الوطنية سهل للغاية، لكن الصعب هو أن يتخلى «البعض» عن نهج أوسلو الذي فشل بشكل جذري، معتبرا أن استمرار التعلق بأهداف شيء فشل، هو الخطأ الكبير، وهو ما يعيق الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون على مبدأ مقاومة المشروع الصهيوني.
ويرى أن أبرز العوامل فلسطينياً التي يمكن أن تساهم في الدفع بوقف الحرب هي المقاومة الباسلة والصامدة، والتي تعتبر من أهم عوامل جذب الاهتمام العالمي والتضامن مع الشعب الفلسطيني.
ويرى البرغوثي أن هناك تراخيا وترددا سياسيا فلسطينيا كبيرا سمح للولايات المتحدة بالقدوم والقول إنها تريد «سلطة متجددة» ويشير أنه عندما فحص الفلسطينيون ماذا تعني السلطة المتجددة، وجدوا أنها تقوم على توسيع الجهاز الأمني الفلسطيني من أجل خدمة الاحتلال.
ويشدد البرغوثي على أن واجب القادة والسياسيين والمناضلين، هو أن يزرعوا الأمل في الناس، وليس اليأس والإحباط، معتبرا حضوره على وسائل الإعلام العربية والغربية بمثابة توزيع «المناشير» (البيانات السياسية) على المواطنين بهدف زراعة الأمل.
ويرى أن الحركة الصهيونية دخلت مرحلة الفاشية وهذا ما يجعلها أكثر خطورة، وأكثر ضعفاً، وهدفاً أسهل للنضال الفلسطيني. فهذه الحركة حسب البرغوثي، ترى في التطهير العرقي حلا على حساب حل الدولتين، أو دولة ثنائية القومية. وفيما يلي نص الحوار:

○ هناك مفارقة مفادها أننا شارفنا على اليوم 100 للعدوان الإسرائيلي على غزة، ولكن للأسف نحن حتى اللحظة في مكاننا نفسه منذ اليوم الأول، كيف تقرأ هذا العدوان بنتائجه حتى اللحظة؟

• إذا أردنا أن نقيم ما يجري، أرى أن العدوان على قطاع غزة، فشل فشلاً ذريعاً، فالاحتلال فشل في تحقيق أربعة أهداف رئيسية، وهي، الأول: التطهير العرقي لكل قطاع غزة، وهذا هو العمود الفقري للهدف الرئيسي للعدوان، ونتنياهو هو شخص كاذب عندما يقول أنه غير مهتم بالتهجير، لأنه هو أول من دعا إلى تهجير سكان قطاع غزة منذ اليوم الثاني للعدوان، والناطق باسمه ريتشارد هيشت، الناطق باسم جيش الدفاع، قال يجب أن يرحل كل فلسطيني في قطاع غزة إلى سيناء، الآن هم تراجعوا لأن الشعب فلسطيني صمد وببطولة، أنا الآن فخور بمئات الآلاف الذين ما زالوا في غزة، وفي شمال غزة رغم تدمير البنية التحتية بالكامل، وفي الصباح كنت أتحدث مع فرقنا الطبية في شمال ومدينة غزة، تعاونوا مع الصحة، وأعادوا تشغيل المستشفيات، وفتحوا مراكز، رغم هدم مراكزنا كلها، أعادوا تشغيلها، وأعادوا تشغيل الخدمات للناس المحتاجين إلى كل شيء، وهذا الهدف الأول قد فشل.
الهدف الثاني: وهو اقتلاع المقاومة، وأيضاً فشل فشلاً ذريعاً، والهدف الثالث: كان فرض هيمنة واحتلال الجيش، والسيطرة على المناطق التي دخلتها الدبابات، فليس من الممكن أن تقصف منطقة على مدار شهر كامل بالطائرات والمدفعيات، ومن ثم تدفع بدباباتك، هل فرضوا سيطرتهم؟ لم يفرضوا سيطرتهم، والهدف الرابع: هو استرداد الأسرى، وأيضاً عجزوا في ذلك.
وبالتالي العدوان بمجمله قد فشل فشلاً ذريعاً، والآن السؤال الرئيسي هو: كيف نستفيد من هذا الفشل، وكيف نحول هذه الكارثة التي حدثت والتي لا تقل عن نكبة عام 1948 من حيث حجم الخسائر البشرية، كيف نحولها إلى فرصة وإنجاز للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب بالطبع إجراءات كثيرة.

إسرائيل لا تريد المقاومة، ولا تريد السلطة، ولا تريد أحدا، تريد عملاء ليعملوا معها

○ سؤال استثمار الفشل كان سؤالا مؤجلا قليلا، ولكن طالما تناولت هذا الموضوع، فالسؤال هو كيف نستثمر هذا العدد المهول من الضحايا والتدمير، نتحدث عن غزة، كارثة حقيقية بكل معنى الكلمة، كيف تستثمر هذه التضحيات الكبيرة؟

• أولاً، دعنا نوضح ما جرى، نحن نتحدث عن 29 ألف شهيد إذا حسبنا من هم تحت الأنقاض، ونتحدث عن حوالي 60 ألف جريح، ومن الشهداء هناك ما لا يقل عن 11 ألف طفل، شيء هائل، هذا يشكل 4 في المئة من سكان قطاع غزة، لو هذا جرى في بلد كالولايات المتحدة من حيث عدد السكان، سيصل العدد إلى 12 مليونا بين قتيل وجريح في نفس الفترة القصيرة هذه، لذلك هذه فعلاً نكبة لا تقل عن نكبة عام 1948 فكيف يمكن أن نستفيد؟ أولاً: من دون شك أن هناك تراخيا فلسطينيا على المستوى الرسمي، وترددا، وهذا يجب أن ينتهي، فيجب أن نتصدى الآن لمحاولات فرض إسرائيل لاحتلال جزئي أو كلي لقطاع غزة، وفرض محاولة إسرائيل اختلاق مجموعات «حفنة» عملاء ليعملوا تحت إشراف الاحتلال، إسرائيل لا تريد المقاومة، ولا تريد السلطة، ولا تريد أحدا، تريد عملاء ليعملوا معها، وتريد أن تعيد تكريس واقع الاحتلال، والجواب على ذلك، وإفشال الألاعيب الأمريكية حول موضوع اليوم الثاني والثالث، الذي يتكلمون عنه لجذب الاهتمام عما يجري الآن، هو، أولاً: تشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة، تضم جميع القوى، بدون استثناء، وهذه القيادة يجب أن تكون مرجعية لحكومة وحدة وطنية مؤقتة، تتشكل وتحظى بثقة القوى جميعها، وتعيد وتؤكد وحدة غزة والضفة الغربية معاً، في مواجهة المشاريع الإسرائيلية، وتكون مؤقتة بمعنى لفترة معينة، وتحضر لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية فلسطينية، كما كان يجب أن يجري عام 2021.
أنا أعتقد أن هذه الإجراءات الثلاثة إذا تمت سنحبط المشروع الإسرائيلي بالكامل، وسنفشل المخططات الخطيرة التي تخطط ضد الشعب الفلسطيني، وسنردع كُل مُحاولات أطراف عديدة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، من أن تُملي علينا كيف يجب أن نُقاد، ونرسل رسالة للعالم من الشعب الفلسطيني نحن لسنا بقُصَّر، ولسنا بحاجة إلى وصاية من أحد، والشعب الفلسطيني هو الذي يدير شؤونه وبشكل حر وديمقراطي، طبعاً اليوم لا يمكن أن نجري انتخابات، إلى أن تنتهي الحرب، وتنتهي الكثير من الأمور، ولكن، الآن يجب أن تتشكل قيادة وطنية موحدة، ولو جرت انتخابات عام 2021 لما كنا على هذا الوضع على الإطلاق.

○ ولكن قبل شهر تقريباً، قدمت مجموعة من الشخصيات الوطنية وبعضها حزبي، مبادرة الخلاص، وأعتقد أنها تتقاطع مع ما ذكرت، سؤالي، وسؤال الشارع، لهذه الدرجة الوحدة الوطنية صعبة فلسطينياً؟

• لا ليست صعبة، ولكن الصعب على البعض أن يتخلوا عن نهجهم الذي فشل، نهج أوسلو، بصراحة. الرسالة التي أرسلتها لنا إسرائيل خلال الـ30 سنة الماضية، ليس فقط إسرائيل كحكومة، وإنما المنظومة الصهيونية كلها، هي أنها لا تريد حلا وسط مع الشعب الفلسطيني، وبالتالي، لا يريدون حل الدولتين، ولا يريدون دولة فلسطينية مستقلة، يريدون ضم وتهويد الضفة الغربية بكاملها، ونتنياهو، لم يتورع أن يقف في الأمم المتحدة، ويحمل خريطة إسرائيل التي تضم الجولان المحتلة، وكل الضفة، وكل غزة، قبل أن تبدأ الحرب بأسبوعين. إذاً، نحن نتعامل مع طرف لا يريد حلا وسط، فاستمرار التعلق بأهداف شيء فشل، وهو اتفاق أوسلو، هو الخطأ الكبير، واستمرار المراهنة بعد كل الذي فعلته الولايات المتحدة، فهل الولايات المتحدة تستطيع أن تكون راعيا ووسيطا، كلام فارغ. الولايات المتحدة وإسرائيل وحدة واحدة، في هذه الحرب الولايات المتحدة كانت شريكة لإسرائيل، ليس فقط داعمة، إنما مشاركة، مشاركة بالجنود، مشاركة بالضباط، مشاركة بالطائرات، ومشاركة بأكبر جسر جوي في تاريخ المنطقة، لذلك فإن الخطأين الكبيرين، الاعتقاد بامكانية حل وسط، بدون سلاح ومقاومة ونضال، والاعتقاد بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تلعب دور وسيط، هذا النهج يجب أن ينتهي، التمسك به هو الذي يعيق الوحدة الوطنية اليوم، وأنا أقول، قيادة وطنية موحدة على برنامج كفاحي، ليس على أي شيء، على برنامج وطني كفاحي يقاوم الذي يجري بكل الأشكال والوسائل، لا أحد يفرض على أحد شكلا نضاليا معينا، كل أحد يناضل بما يستطيع، ولكن، المبدأ هو مقاومة المشروع الصهيوني.

○ ربما السؤال هو كيف نحقق اختراقا في هذا الطرف الفلسطيني، الذي لا يريد أن يعترف بالفشل، وهو طرف فلسطيني وازن، موجود على الساحة، ومسيطر عليها، كيف نؤثر في قناعاته؟

• التأثير يكون بالحوار، بالنقاش، بإبداء الرأي، وبالضغط الشعبي، لا نريد ولا نقبل أن ينجر أحد إلى صراعات داخلية ونحن نتعرض لهذا الاحتلال المجرم، ولكن، الأسلوب يجب أن يتم بالحوار السلمي، وأيضاً، بالضغط الشعبي، وهذا حق للناس، وفي نهاية المطاف، الأسلوب الأصح اللجوء إلى الانتخابات الديمقراطية، وإعطاء الشعب حق اختيار قيادته، فهو لا يختار فقط قيادته، يختار برنامجه، فعندما يختار طرفا معينا، هو يختار برنامج هذا الطرف، وبالتالي، دعنا نعطي الشعب هذا الحق الذي حرم منه منذ عام 2006 أما أن تأتي الولايات المتحدة وتقول أنها تريد سلطة متجددة، وعندما نفحص ماذا تعني بالسلطة المتجددة، نجد أنها تريد توسيع الجهاز الأمني، وتغيير الجهاز الأمني، الأمني لمن؟ إذا السلطة عاجزة أن تحمي أي فلسطيني من اعتداءات أي مستوطن، ولا تستطيع أن تحمي الفلسطينيين من اعتداءات الاحتلال، في أي عرف يريد من الناس تحت الاحتلال أن يحموا الذي يحتلهم وهم عاجزون عن حماية أنفسهم من هذا المحتل؟ إسرائيل أعادت احتلال الضفة الغربية بالكامل، ألغت أوسلو، وجردت السلطة من آخر ما تبقى من سلطتها، اليوم، السلطة بلا سلطة.

○ الفلسطينيون اليوم، هناك اتفاق على هدف ربما وحيد، وهو إيقاف الحرب، من وجهة نظرك، ما هي أبرز العوامل فلسطينياً التي يمكن أن تساهم في الدفع بوقف الحرب؟

• المقاومة، أول شيء، المقاومة الباسلة والصامدة، هذا أهم عامل، ليس فقط في إيقاف العدوان، هذا أهم عامل في جذب الاهتمام العالمي والتضامن مع الشعب الفلسطيني، لولا المقاومة على الأرض، ما كان هناك تضامن خارجي، لذلك فالمقاومة والكفاح والصمود الباسل للناس، والعامل الثاني الذي يساعد هذه الثورة العالمية الجارية على امتداد المعمورة، القضية الفلسطينية عادت إلى الصدارة، أهم قضية للإنسانية جمعاء، بعد أن دفنت، بعد أن تم تهميشها، بعد أن بدأ نتنياهو يقف ويتفاخر أنه سيلغي القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع المحيط العربي، عادت لتتصدر المشهد، وهذا مهم جداً استثماره والاستفادة منه، وبالإضافة إلى المقاومة والهبة العالمية الجارية، العامل الثالث الذي يمكن أن يساعد، يجب أن يكون هناك موقف عربي وإسلامي أقوى، الـ57 دولة التي اجتمعت في السعودية، وقالت أنها ستكسر الحصار، ماذا فعلت لكي تكسر الحصار؟ أنا دعيت الـ57 دولة لأن تشكل قافلة إنسانية، وتذهب إلى رفح، وتكسر الحصار، هل ستجرؤ إسرائيل على قصف قافلة تضم أعلام وممثلي 57 دولة عربية وإسلامية؟ ومعها مؤسسات دولية من كل العالم، ليس سهلا، إذن، لماذا لا يفعلون هذا الشيء؟ هذا مثال، وأيضاً الدول العربية والإسلامية يمكن أن تساعد، بأن تقول للولايات المتحدة، ما دمتم تصرون على رفض وقف إطلاق النار، ستتضرر مصالحكم، لا نريد أن نشتري منكم بضائع، ولا أسلحة.

○ لكن، من الواضح دكتور أن الموقف العربي غير معني بالتفكير بالطريقة الإبداعية والخلاقة التي طرحتها، وبالتالي، ماذا تريد الدول العربية من الفلسطينيين في سبيل تحرير أنفسهم؟

• برأيي أنه يجب أن نتحاور أيضاً مع الأخوة العرب، لأنه لا غنى عنهم، لكن يجب أن نقنعهم بأن إسرائيل لا تشكل خطرا على فلسطين فقط، بل عليهم أيضاً، يعني من زاوية مصلحتهم، وليس فقط من مبدأ التضامن الأخوي مع الشعب الفلسطيني، مصلحة البلدان العربية أن تأخذ موقفاً ضد هذا الذي يجري، إسرائيل تريد أن تستهدف الجميع، سموتريش ليس طفلاً صغيراً، هو وزير المالية الإسرائيلي، وثالث أهم وزير في الحكومة الإسرائيلية، إن لم يكن ثاني أهم وزير، يقف في باريس قبل أشهر، ويلقي كلمة على منصة تضم فلسطين كلها والأردن وأجزاء من السعودية وسوريا، هذه ليست رسالة؟ الخطر على الجميع، أعطيك مثل آخر، من تآمر على مصر في مياه النيل؟ أليست إسرائيل مع إثيوبيا، من تآمر على السودان وقطع أوصاله، ومن كان يغذي حربا أهليه فيه؟ …ألخ، الآن إذا حدث تهجير للفلسطينيين، من الدول التي ستتضرر؟ أليست مصر والأردن، أليس أحد أهم أسباب ودوافع الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة، التفكير بإنشاء قناة «بن غوريون» كبديل لقناة «السويس» والتفكير بأن هذا سيعطي إسرائيل هيمنة على غاز البحر المتوسط كله، والذي تقدر بقيمة 50 مليار دولار، نحن نريد أن يفكروا معنا في مصالحهم، ليس فقط في مصلحة الشعب الفلسطيني، لذلك برأيي لا يجب أن نيأس، ويجب أن نواصل الشرح والتوضيح، وأعتقد أن الكثير من الأخوة العرب الذين توهموا بأنهم يمكن أن ينشئوا تحالفات مع إسرائيل، أو أن يستفيدوا منها أصبحوا يكتشفون اليوم مطامعها.

الاحتلال لا يستهدف فقط حماس، أو المقاومة، بل حركة فتح أيضاً

○ نعود إلى الوضع الفلسطيني الداخلي، وأقصد الضفة الغربية، هناك ملاحظة مفادها أن هناك غيابا للفعل السياسي ضمن السياق الفلسطيني، كل ما يجري أن هناك أشخاصا يزورون المقاطعة ويغادرون، ولا يوجد هناك مخاض سياسي، كما لا تتوفر معلومات مثلا حول مضامين اجتماعات القيادة مع الدول الغربية، كيف تقرأ هذه الحالة الفلسطينية؟

• السبب الرئيسي لهذه الحالة أنه تم تغييب كامل للبنيان الديمقراطي في فلسطين، وتم تغييب كامل لمبدأ فصل السلطات، ولا يوجد لدينا لا مجلس تشريعي، ولا سلطة قضائية مستقلة، كل شيء متمركز في السلطة التنفيذية في مجموعة قليلة، وهذا بالطبع يؤدي إلى الشلل، حتى داخل منظمة التحرير الفلسطينية، هناك قوى مهمشة بالكامل، وداخل المنظمة ليس الجميع في قيادة المنظمة، إضافة إلى حماس والجهاد الإسلامي، وبالتالي هذا ينشئ وضعا غير صحي ضد مصلحة من يقومون به، لأن الشلل الذي رأيناه، والسلبية التي رأيناها، تضعف الشعبية لدى الناس، وتُحدث لدى الجمهور الفلسطيني نوعا من الغضب والاستياء، وتضعفهم أمام الإسرائيليين وأمام العالم، الذي يريد أن يضغط عليهم، فلم يعد هناك مخرج إلا التوحد، وقيادة موحدة لا يتفرد فيها أي كان بالقرار، وتخضع فيها القرارات للمناقشة والمشاركة، وبعد ذلك إجراء الانتخابات الديمقراطية، واستعادة ما فقدناه… أكبر بلاء أصابنا هو إلغاء الانتخابات، ليس فقط على صعيد السلطة أنا أتكلم، هناك من يقول أننا لا نريد انتخابات تحت الاحتلال، لكن، ماذا عن المجلس الوطني الفلسطيني، متى جرت انتخابات له؟ هل انتخب الفلسطينيون في أمريكا من يمثلهم؟ السؤال يتعلق بكل البنيان، وآن الأوان أن يتغير الحال إلى الأفضل، وهذا ليس ضد أي شخص، على العكس، الاحتلال لا يستهدف فقط حماس، أو المقاومة، بل حركة فتح أيضاً، أكثر طرف مستهدف هو فتح التي دفعت ثمنا كبيرا لوجودها في السلطة.

الآن يجب أن تتشكل قيادة فلسطينية وطنية موحدة

○ تحدثت قبل قليل في إشارة كأن ما جرى في غزة يتضمن الكثير من الفرص، أنت أشرت إلى إعادة الاهتمام للقضية الفلسطينية، ضعنا أمام الفرص المتاحة لنا كفلسطينيين، وفي جزئية التحديات، ما أبرز التحديات/ المخاطر التي تترتب على الحرب في غزة؟

• أبرز المخاطر استمرار حالة الانقسام الداخلي السياسية الفلسطينية، هذا يتيح للاحتلال وللولايات المتحدة وأطراف عديدة أخرى معادية لنا، أن تنفذ سياسة «فرق تسد» وتستغل ذلك لإضعاف الفلسطينيين، الفرص التي أمامنا تتمثل في أن المشروع الصهيوني انكشف مرة أخرى أمام وعي الشعب الفلسطيني، نحن لا نواجه احتلالا فقط، وليس فقط نظام «أبرتهايد» وتمييز عنصري، نحن نواجه مشروع استعمار احلالي استيطاني، وهذا الطابع لإسرائيل اليوم لا يمكن أن يتم تغيير الواقع بدون تخلي إسرائيل عن طابعها كاستعمار إحلالي استيطاني، هذه أهم فرصة نشأت اليوم، نحن لا نريد مجرد اتفاقيات، كاتفاقية أوسلو، وتبقى إسرائيل كما هي. وبالتالي يجب الاستثمار في برنامج ورؤية فلسطينية مختلفة عن السابق، رؤية ترى أن تحررنا واستقلالنا يرتبط أيضا بإلغاء طابع هذا الكيان.

○ هذا كلام جميل، لكن يقابله في السياق الفلسطيني أن هناك أصواتا تقول إن ما ينتظرنا هو أوسلو 2؟

• من يريد أن يعمل أوسلو 2؟
○ طالما نحن بذات السلبية، يقولون إنه في الأفق أكثر من حكم ذاتي، أقل من دولة، وإعادة ترتيب الوضع؟
• من يحلم بذلك لن يحدث، الذي ينتظرنا إما حرية أو احتلال كامل ومحاولات تطهير عرقي، واليوم الحكام الإسرائيليون يتحدثون عن تطهير عرقي تدريجي وطوعي، هذا الخطر الحقيقي القائم، ولذلك أهم هدف بعد، أو إلى جانب وقف العدوان على غزة، دعم صمود وبقاء الناس، معركتنا مع الحركة الصهيونية تعتمد في المحصلة النهائية على مسألة واحدة، بقاء الشعب الفلسطيني في أرض وطنه، والحرب على غزة، الذي كان هدفها الرئيسي طرد مليونين و300 ألف نسمة، التطهير العرقي هو حلهم، فما هي الحلول الممكنة؟ إما دولتان، أو دولة واحدة ديمقراطية، وهذا يعني إلغاء يهودية الدولة، أما الحل الثالث عند الحركة الصهيونية، فهو التطهير العرقي، لذلك أنا أعتبر أن الهدف المركزي للنضال الوطني الفلسطيني، بقاء الفلسطينيين في فلسطين، غزة والضفة الغربية والداخل المحتل، وهذه معركة كبيرة، إذا بقينا على أرض وطننا وصمدنا، سننتصر في هذه المعركة.
○ ولكن، فكرة الصمود لوحدها لا تكفي، فهناك احتلال يقضم الأراضي، ويقتل، ونشاط استيطاني كبير، ففكرة الانتظار لوحدها، ليست استراتيجية بقاء ومقاومة فعالة..
• أنا قصدت ذلك كهدف، والعمل يكون بالصمود المقاوم، لذلك، تحدثنا أن أهم عنصر لوقف العدوان، هو استمرار المقاومة وثباتها بالتأكيد، وهناك فرق بين وجود بشري سلبي مستكين، وبين وجود بشري مقاوم، والمقاومة كل شيء، فالفلسطيني عندما يتعلم يقاوم، عندما يعالج الناس يقاوم، عندما يصر على التنقل من منطقة إلى أخرى هو يقاوم، عندما يصر على الصلاة في المسجد الأقصى هو يقاوم، لكن الشعب يحتاج إلى قيادة وطنية موحدة، تشعره بأن كل ما يقوم به هو الإسهام في هذا النضال الوطني.

○ هناك من يطالب أن يكون مصطفى البرغوثي رئيس دولة فلسطين، أنا أقرأ ذلك من مدخل أن هناك غيابا للقيادة الفلسطينية التي تقنع الناس..

• أنا لا أسعى لأي منصب، هذا ليس المهم، أنا ترشحت للرئاسة، والناس صوتت في عام 2005. إذا كانت الناس مقتنعة بالرأي الذي نتكلم به، وبالرؤية هذه، وهذا شيء أنا أفتخر وأعتز به، وإذا الناس تشعر بتأييد الفكر الذي نطرحه، لنعمل معاً من أجل تطبيقه، والشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى قائد واحد، وهذه العقلية الغربية الاستشراقية التي تقول فلان مكان فلان، ومن سيحل مكان من، عقلية استشراقية لا ترى فينا بشراً متساويين في الحقوق والواجبات، الشعب الفلسطيني اليوم بحاجة إلى قيادة جماعية حقيقية لا تفرد فيها.
والسبب أنه لدينا قوى مختلفة، هناك فتح وحماس والجهاد والمبادرة والجبهة الشعبية، وهناك رؤى مختلفة، ولكن لديها قاعدة مشتركة في الرؤية، وعليها يجب أن نتفق، ولكن القيادة لا يجب أن تكون حكراً على طرف واحد.

الهدف المركزي للنضال الوطني الفلسطيني بقاء الفلسطينيين في فلسطين

○ وجهت انتقادات للسلطة، وحركة فتح تحديداً، لكن، منظمة التحرير فيها أكثر من فصيل، والسؤال هنا له علاقة بغياب الفاعلية في الضفة الغربية، لا أتكلم عن الفصائل الصغيرة، فهناك فصائل أساسية فيها، كالجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، وغيرها، لماذا نرى أيضاً هذا الغياب؟

• أولا، الجبهة الشعبية مثل المبادرة الوطنية، ليست في اللجنة التنفيذية، ليست في القيادة، وأعضاء اللجنة التنفيذية يجب أن يسألوا عن وضعهم، أنا لا أستطيع أن أتحدث نيابة عنهم، ولكن، يجب تفعيل المنظمة بحيث يحدث أمرين، تدخل إليها القوى التي ما زالت خارجها، وتكون هي وعاء القوى الوطنية الموحدة، وحتى تستعيد دورها لصالح السلطة الفلسطينية، ويجب تفعيل مشاركة كل القوى التي داخل المنظمة، فنحن لدينا حتى داخل المنظمة سلطة ومعارضة، وهذا الواقع، هناك معارضة داخل المنظمة، والفعل الشعبي على الأرض يمنع تهميش أي طرف.

○ سؤالنا قبل الأخير مرتبط بحضورك في الإعلام الغربي، المذيعة البريطانية جوليا، والتي تسببت في شهرتها أكثر بالمناسبة، اتهمتك «بأنك لا تسمع النساء» وجمهور كبير كان يريد أن ترد على هذه النقطة تحديدا، فماذا تقول في هذا السياق؟

• هي لم تعطني مجالا للرد، ولكني أجبتها بجملة «أنتِ تضللين الجمهور» وبعد ذلك عندما سألتني ما تريد أن تقول في 10 ثواني، رفضت الدخول في لعبة الدفاع عن النفس، وقلت لها أهم رسالة في المقابلة كلها، عند سؤالها «ماذا كان يجب أن تفعل إسرائيل» فقلت إنهاء الاحتلال، وهذا هو العمود الفقري للمقابلة، هي استفزت لأنني استطعت في أول 6 دقائق من المقابلة أن أضع الرواية الفلسطينية، وعندما قالت تدين أو لا تدين حماس؟ قلت لها لماذا لا تديني الإرهاب الإسرائيلي، فهي استفزت لأنها مناصرة لإسرائيل. من يريد أن يشاهد المقابلة، فليشاهدها من أولها لآخرها، وسيعرف سبب استفزازها، هي فقدت مهنيتها، وجزء من فقدانها لمهنيتها عندما اتهمتني أنني لا أستمع للنساء، ولكن من يفتح في سجلي، يجد أنني أكثر من يدافع عن حقوق المرأة، وأنا أفتخر بأن زوجتي عالمة وباحثة ومعروفة بأنها من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة العربية. المذيعة جوليا لم تعمل بحثا عني قبل المقابلة، وإلا ما كانت نطقت هذه الجملة العنصرية، لكن السبب الرئيسي وراء ما قالته، هو عنصريتها، هي لم تر في مصطفى شخصا، بل رأت فيه فلسطيني عربي ومسلم، وبالتالي طبقت الصورة الخاطئة المستشرقة عليه، لذلك نحن حاسبناها، ومحطتها تلقت مليون و800 ألف شكوى واحتجاج، والآن، هناك شكاوي كثيرة في «الأوفكوم» (هيئة تنظيمية للاتصالات في المملكة المتحدة) وأنا أرسلت لهم رسالة احتجاج، وقمت بتهديدهم، وبعثوا لي رسالة تفسير بأنها لم تكن تقصد ما وصلنا من سلوك المذيعة، كانت بمثابة نصف اعتذار.
هنا أنا أحيي الشباب الفلسطيني، لديهم الفضل الأكبر في تفاعل الناس فيما جرى بعد المقابلة، التفاعل الذي حدث ذكر كل الناس بما يجري منذ 100 يوم، وانحياز الصحافة الغربية المطلق لإسرائيل، وهي جسدته بعنصرية تفوق العرق الأبيض ضدنا، فهم لا يعتبروننا بيضا، هم مستعمرون، ينظرون لنا بصفتنا عبيدا، ولذلك رأت الناس في ردة فعلها العنصرية، وإسرائيل في هذا العدوان حاولت إعلامياً أن تجند «الإسلاموفوبيا» العداء للمسلمين، وجندت العنصرية بشكل عام، وجندت عنصرية أصحاب فكرة تفوق العرق الأبيض. إسرائيل هي الآن جالسة في مستنقع أكثر عناصر الرجعية والفاشية في العالم.
مسألة أخرى، أحب أن أشرح للذين سألوا عن سبب عدم انسحابي من المقابلة، والسبب أنني استراتيجياً فهمت هدفها، لقد كانت تريد من هذا الاستفزاز أن أترك المقابلة، وبذلك تقول إنني لا أقبل أن أسمع امرأة، أنا فهمت هدفها الاستراتيجي وأفشلته، وعلى العكس كنت أبتسم، وهذا ما استفزها أكثر.

○ من خلال مقابلاتك في الإعلام الغربي، هناك أصوات انكشفت، الإعلام الغربي تعرى، مهنية زائفة بكل تأكيد، هل لديك نصائح، وما هي أبرز الاستراتيجيات التي تعتمدها عندما تظهر في الإعلام الغربي؟

• أن تتذكر دائماً أنك صاحب رسالة، وأنك لم تذهب لهدف شخصي، إنما لقضية شعب، وأوصل رسالتك كيفما كان السؤال، بأسلوب ذكي، وتوصل رسالتك من خلال الأجوبة، ونحن رسالتنا يجب أن تكون موحدة، ومتكررة، فأنت تعلم جيداً كإعلامي، إن لم تكرر الرسالة جيداً لا يسمعها الإنسان، لذلك الإصرار على المنهج والرسالة، وأهم شيء التحضير قبل كل مقابلة، أن تحضر وتأخذ كل شيء بشكل جدي، سواء محطة كبيرة أو صغيرة.

○ في لحظة ما ستنتهي الحرب على غزة، ونتمنى ذلك قريباً، لكن البعض يرى أن المعركة المقبلة في الضفة، أمام 50 ألف قطعة سلاح مع مستوطنين يؤمنون أنهم يتقربون للرب من خلال قتلنا، كيف ترى الصراع المقبل؟

• الحركة الصهيونية هي حركة استعمار إحلالي استيطاني، وهؤلاء دخلوا في مرحلة الفاشية، بن غفير وسموتريش دخلا في مرحلة الفاشية والتطرف، وهذا ما يجعلهم أكثر خطورة، ولكن، أيضاً يجعلهم أكثر ضعفاً، ويجعلهم هدفاً أسهل لنا ولنضالنا ولكفاحنا، من المهم أن نفهم أن هؤلاء لا يمكن التفاهم معهم ما داموا مصرين على هذا المنهج، أي شخص يحلم أن يعمل مفاوضات مع شخص مثل غانتس، أو نتنياهو، لا يكون فقط واهما، إنما هو مجرم في حق نفسه.

○ أحياناً يتسلل شعور الإحباط إلينا، وأتذكر دائماً أن الحالة التي نحن فيها في ضوء الهدف الإسرائيلي بقتل الأمل في روح الفلسطيني، كيف ترى من خلال احتكاكك مع الشارع الفلسطيني ثنائية الأمل والإحباط، أيهما أكثر؟

• هذا واجب القادة والسياسيين والمناضلين، أن يزرعوا الأمل في الناس، وليس اليأس والإحباط، والصمت أيضاً، واجب كل سياسي أن يشجع ويعبئ الناس ويشرح للناس، هناك من يسأل لماذا أظهر في التلفاز؟ أنا عندما أظهر في التلفاز، أشعر بأنني أوزع «مناشير» (بيانات سياسية) على الناس، أحاول أن أزرع وعيا وأزرع أملا، وبالتالي هدف المناضل الأول أن يزرع الأمل، وهدف إسرائيل الأول خلق الإحباط، قال سموتريش، عندما جاءوا إلى الحكم في أول يوم، «علينا أن نملئ الضفة الغربية بالمستوطنين، والمستوطنات، حتى يفقد الفلسطينيون كل أمل في وجود دولة مستقلة لهم، وعليهم عندها إما أن يرحلوا، (تطهير عرقي) أو يرضخوا لإسرائيل، (قبول نظام أبرتهايد عنصري) أو يموتوا (إبادة جماعية)» هذا البرنامج قاله سموتريش في أول أيام الحكومة الإسرائيلية، ولذلك خلق الإحباط واليأس لدينا هو هدف إسرائيل. لذلك يجب أن نتذكر أن الهدف المركزي للعدوان والاحتلال الإسرائيلي هو كسر إرادتنا، وخلق الإحباط بدل الأمل، والبقاء على الأمل والإصرار هو سر الانتصار في نهاية المطاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية