الأكاديمي الفلسطيني أحمد جميل عزم: كل مرة تخلى العالم عن القضية الفلسطينية حدثت انتفاضة وهبة شعبية

حاوره: سعيد أبو معلا
حجم الخط
1

تثير الحالة النضالية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية الكثير من الأسئلة، الجميع مشغول بأسئلة الميدان التي فجرها شبان مقاومون لا ينتمون لفصائل تقليدية، فالميدان المشتعل يثير أسئلة لا تصلح معها القراءات التقليدية، مثلما لا تعبر الحالة النضالية عن السلوك الفصائلي الفلسطيني التقليدي أيضا.
وفي هذا الحوار مع الدكتور أحمد جميل عزم، أستاذ العلاقات الدولية والمهتم بحثا ومتابعة في الحراكات الشبابية الفلسطينية، يقول عزم إن الحالة النضالية تتنقل بين حالة من المد والجزر، ويشير إلى أن السيناريو المتوقع يتمثل في أننا سنشهد مقاومة جديدة أكثر تنظيميا، «فكلما اتجهنا للأمام كلما أصبح لدينا المزيد من التنظيم».
ويقدم عزم في حواره مع «القدس العربي» رؤيته وتحليله بالاستناد للتاريخ الفلسطيني الحديث، فهو يرى أن المستقبل يحمل مرحلة فيها المزيد من التنظيم الشعبي القادر على تنظيم وحدات مقاومة شعبية جديدة، وأن الرد الفلسطيني على تخلي العالم عن القضية الفلسطينية يحدث على شكل انتفاضة وهبات شعبية. ويرى عزم أن المقاومة الفلسطينية تدريجيا تتجه من العشوائية والارتجال إلى درجة أكثر تنظيما.
الأكاديمي عزم صاحب كتاب «الشباب الفلسطيني من الحركة إلى الحراك (1908 – 2018)» مثلما يجيب عن الأسئلة فهو يطرحها أيضا، حيث يرى أن السؤال الأهم إزاء حالة المجموعات المقاومة هو: هل يمكن أن تتحول المقاومة والحاضنة الشعبية الحالية إلى حالة شعبية مقاومة؟
وفيما يلي نص الحوار:
○يمكن أن نبدأ معكم من الأخير، أي إلى ما يمكن النظر إليه على أنه نهاية أو تراجع أو ضمور لظاهرة «عرين الأسود» بعد عدة عمليات إسرائيلية، أقول ذلك وأنا أعي تماما أنه لا يمكن التنبؤ بنتيجة المجموعة في ظل أن الميدان والواقع ثري وخصب ومتحرك أيضا، كيف تقرا ما وصلت إلى ظاهرة العرين وغيرها من المجموعات المسلحة؟
•باعتقادي لو كنا نجري هذا اللقاء قبل أشهر لكان التركيز على «كتيبة جنين» أكثر من «عرين الأسود»، فنحن نتحدث عن ظاهرة مقاومة متغيرة ومتطورة يوميا. «كتيبة جنين» و«عرين الأسود» على السواء هو تطور نوعي في المقاومة الفلسطينية وذلك امتداد للهبة الجماهيرية عامي 2015 – 2016.
لو عدنا للوراء سنجد أنه في عام 2014 بدأت مظاهر تحرك جماهيري فلسطيني من دون رعاية فصائلية، مسيرة 48 ألف في رام الله، ومن ثم هبة السكاكين في 2015، ومن ثم سلسلة عمليات فردية في كثير من المناطق، ثم جاءت هذه الظاهرة. وهذا يجعلنا نقول أن المقاومة الفلسطينية، تدريجيا، تتجه من العشوائية والارتجال إلى درجة أكثر تنظيميا. لماذا كانت حالة من العشوائية؟ لأنه ببساطة هناك فراغ كبير في أداء الفصائل المقاومة، فتح حماس موجودين هذا صحيح، وهما خزانان جماهيريان كبيران، لكن من دون برنامج مقاومة شامل. في المقابل هناك واقع احتلالي متدهور يوميا، ونتجت عنه عمليات فردية، أما في جنين ونابلس فهو حالة من التنظيم. ربما تكون انتهت الظاهرة بوضعها الحالي حيث شهدت تراجعا للموجة، لكن المؤكد أنه ستعقبها موجات جديدة بأسماء قديمة أو جديدة. هنا يجب التأكيد أنه لا يمكن فصل المجموعات عن الماضي، أحد الأمثلة مجموعة «فرسان الليل» في نابلس فهي تكاد تكون امتدادا لـ«عرين الأسود». فهناك إرث نضالي تستلهم منه المجموعات.
نعم نحن في حالة مد وجزر في الظاهرة، أما السيناريو المتوقع فهو أننا سنشهد مقاومة جديدة أكثر تنظيما. كلما اتجهنا للأمام كلما أصبح لدينا المزيد من التنظيم. التاريخ يخبرنا بذلك، في عام 1965 كانت هناك عمليات فردية سبقت انطلاق حركة فتح، وبالتالي ما نراه هو ارهاصات لمقاومة أخرى جديدة.
○معطى الحاضنة الشعبية يعتبر كلمة السر لنجاح الحالة النضالية أو فشلها، هل لاحظت في الفترة الماضية نمو حواضن شعبية تحتوي هذا النوع من المقاومة وتمدها بالحماية والالتفاف الشعبي؟
•قناعتي أن الحاضنة الشعبية لم تتوقف عن الوجود بأي يوم من الأيام. صحيح الناس مرت بظروف صعبة بعد انتفاضة الأقصى الثانية التي خرجت منها مرهقة ومتعبة، لكن المؤكد أن الشعب الفلسطيني طوال تاريخه لم يتخل عن المقاومة، وكان دوما يريد ان يجد الطليعة التي تقاتل.
السؤال الأهم بالنسبة لي هنا هو: هل يمكن أن تتحول المقاومة والحاضنة الشعبية التي تلتف حول المقاومة إلى حالة شعبية مقاومة؟ هل يمكن أن نجد انتفاضة على غرار 1987 مع وعينا بالفروقات التي حدثت خلال السنوات السابقة في ظل أن هناك معطيات لوجستية جديدة على الأرض مثل: انسحاب الاحتلال من مراكز المدن. وعدم وجود تماس مباشر في مناطق الكثافة السكانية في الاحتلال؟ هل يمكن أن تتطور حالة المقاومة لحالة شعبية عامة؟
لو نظرنا للكتائب المقاومة فقد كانت فكرتها الأساسية تقوم على الدفاع عن النفس ولم تكن تسعى للذهاب لمواجهة الإسرائيليين في أماكن تواجدهم، إنها حالة من الدفاع عن النفس، فمسألة الاقتحامات الإسرائيلية مع وجود فراغ في الأجهزة الأمنية والفصائل وغياب حل يحمي المواطنين قادا إلى هذه الظاهرة. وبالتالي: هل سيكون هناك تنظيم شعبي يدفع بمقاومة شعبية ومسلحة؟
رؤيتي أنه بالمستقبل سنشهد مرحلة فيها تنظيم شعبي قادر على تنظيم وحدات مقاومة شعبية. ولدينا تجارب مختلفة، مثل «نواطير القرى» وهي عبارة عن مجموعات نشأت في الريف الفلسطيني للدفاع عن القرى من اعتداءات المستوطنين.
الأمر الثاني يتعلق بموضوع دخول فكرة التنظيم السياسي في مسار جديد، سابقا كنا نقول إننا في مرحلة ما بعد الفصائل، وكتبت قبل 2011 مقالا تحدثت فيه عن «ما بعد الفصائل ما بعد الحداثة» لكن الآن أقول إننا نعود لمرحلة ما قبل الفصائل. ما بعد الفصائل كنا نتحدث عن فكرة الحراكات والشبكات المنظمة والشباب الذي ينظم نفسه على الشبكات، وهو ناتج عن مرحلة معينة. أما الآن فنحن نعود لتنظيمات ما قبل الفصائل. بمعنى نعود لتنظيميات الأهالي. وهي مرحلة عادة ما تسبق الفصائل والأحزاب. التنظيم هنا يرتبط بالبعد العائلي والعشائري والجهود الشعبية المرتبطة بالمخيم والقرية والمدينة (أي الجغرافيا) بما يشبه تنظيمات خاصة، وكأننا نعود لمرحلة سبقت الفصائل. إنها إعادة تشكيل المقاومة على أساس مناطقي وجغرافي، وهو أمر إيجابي لأنها تشكيلات تقاتل على أرضها، وبالتالي أرى في العودة للمناطقية ضمانة توفر متطلب الحاضنة الشعبية، وهي حواضن تشكلت وتتشكل، كل منطقة تشكل وحداتها الخاصة.
وأكبر مثال تجمع أمهات الشهداء الذي يعتبر بحد ذاته تنظيما نسائيا معبرا عن الحالة المقاومة الحالية. إنه نوع من التنظيم الاجتماعي، ولو عدنا لمنظمة التحرير لوجدنا أن تجمع رعاية أسر الشهداء تأسس بطريقة مماثلة. نحن نشهد تشكل حالة شعبية حقيقية.
○نشهد تحولات وهذا مؤكد كما ذكرت سابقا، سؤالي ما هو أكثر عامل أو عوامل يمكن أن تساهم في التقاط التجمعات المقاومة للبناء عليها؟ ما هي العوامل التي تؤثر في نجاح التجربة في ظل حاجتنا لها؟
•العامل الأول يتمثل في خروج الشباب من مرحلة التجريب إلى مرحلة أكثر تنظيما وتخطيطا، مثل ما رأيناه في جنين مؤخرا من استغلال الجانب الإسرائيلي ما يبث على الشبكات لتحديد أماكن المقاومين، يشير إلى أنه وكي تنجح التجربة يجب أن تكون المجموعات أكثر تنظيما وأكثر سرية وأكثر ذكاء وخبرة في التعامل مع الشبكات ووسائل الإعلام، كما أنه عليها إيجاد فلسفة واضحة في تحديد مساحات التحرك هجوما ودفاعا. أي أن يكون الاتجاه أكثر تنظيما، هذا أمر أساسي.
العامل الثاني: انتقال الحاضنة الشعبية من فكرة التأييد الحماسي إلى التأييد الحماسي المنظم والمدروس. جزء من المرحلة التي نعيش فيها أنه لدينا سلطة فلسطينية تحولت لمؤسسة بيروقراطية تحت الاحتلال.
العامل الثالث الذي يضاف إلى ذلك متعلق بالمجتمع المدني والأهلي الذي شهد تحولا كبيرا في دوره، لقد فقد إلى حد كبير الموقف المقاوم، أي أن مؤسسات المجتمع المدني لم تعد تمارس العمل المقاوم. صحيح أنها تقوم بدور مهم للصمود لكن نحن بحاجة لمجتمع مدني مختلف ومقاوم كي نضمن نجاح التجربة.
○في كل ما يجري ميدانيا أعتقد أنه لو لم يتخلق بالطريقة التي ظهر بها لربما كان على الفلسطينيين العمل على تخليقها في ضوء حاجتنا إلى إعادة فلسطين للاهتمام العالمي والدولي، لقد أصبحت غير مرئية في ظل حجم الاستهداف الإسرائيلي للفلسطينيين؟
•في المرحلة الماضية كان هناك موقف دولي يكاد يقول للفلسطينيين أنه لا يوجد لديكم أي نوع من أوراق القوة وبالتالي استسلموا. دخلت شخصيا في حوارات مع دبلوماسيين أوروبيين وكانت وجهات نظرهم تقول ذلك. أذكر جيدا أنه وقبل تصاعد الظاهرة المقاومة قيل للمسؤولين الفلسطينيين أن عليهم أن يعترفوا أنهم ليسوا على الأجندة الدولية، والعالم مشغول عنكم بملفات أخرى، لم نعد محور الاهتمام، وكانوا يقولون إن أفضل شيء يحدث هو الاستفادة من التطبيع العربي الإسرائيلي وأن نكون جزءا منه عبر تحسين الظروف المعيشية تحت الاحتلال. وكان الرد الفلسطيني غالبا أنه يجب ان يكون واضحا أمامكم انه في كل مرة تخلى العالم عن القضية الفلسطينية حدثت انتفاضة وهبة شعبية. هذا حدث في ثورة 1965 بعد أن تناسى العالم القضية الفلسطينية، في عام 1987 بعد القمة العربية التي أهملت القضية الفلسطينية وطغت عليها الحرب الإيرانية العراقية. وكذلك في عام 2015 حيث اندلعت هبة السكاكين عندما لم يذكر باراك أوباما فلسطين نهائيا. كل مرة يشعر الفلسطيني أنه متروك وحيدا ينتفض.
○طيب أحد أبعاد هذه الظاهرة هو عامل موقف السلطة الفلسطينية منها، كيف تقرأ موقف السلطة؟
•السلطة تدرك جيدا أنه لا يمكن الاستمرار في الوضع الراهن، وأنا مطل على حديث المستوى القيادي الفلسطيني لدول العالم حيث تتكرر مقولة أن الوضع لا يمكن أن يستمر. من غير الممكن استمرار أن يدخل الجيش في المناطق الفلسطينية يقتل ويعتقل ويهدم فيما الأجهزة الأمنية لا يمكنها حماية الفلسطيني. هذا موقف صعب يدركه المستوى السياسي الفلسطيني.
الجزئية الثانية مفادها أن العقيدة الأمنية وطبيعة تركيبة الجندي الفلسطيني تدلل على أنه لا يمكن أن تصل لمرحلة مواجهة الظاهرة المقاومة، وهي في مرحلة من المراحل ستجد نفسها مضطرة للانحياز والاصطفاف إلى جانب المقاومة، وهناك مؤشرات على ذلك مثل ما قام به جهاز الأمن الوطني الذي نظم في أريحا معسكر تعايش للشبيبة الفتحاوية باسم إبراهيم النابلسي.
حتى لو وجدنا أصواتا تخاف وتخشى الظاهرة لكن المؤكد أن موقف السلطة والأجهزة لن يكون إلا بجانب الظاهرة المقاومة. فالانتماء الوطني داخل السلطة سيفرض نفسه بالأخير.
باعتقادي السلطة الفلسطينية ليست عاملا أساسيا وحاسما في هذه الظاهرة، فهي عامل معروف، هنا يمكن أن نؤمن أنه لو كان للسلطة خطة وقدرة لمنع دخول الاحتلال إلى المدن الفلسطينية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. فظاهرة الشباب المسلح والمقاوم موجودة لوجود الفراغ.
○هذا يضعنا أمام مسألة أن فلسطين ذاتها في مأزق، هناك انقسام فصائلي، وهناك غياب للانتخابات، وهناك صراع خفي على القيادة (تسريبات ملف التحقيق باغتيال ياسر عرفات) أي أن هناك عوامل داخل المنظومة السياسية الحاكمة قد تقود لتراجع الظاهرة أو أنها توفر أجندات مختلفة في التعامل مع الظاهرة؟
•أقرأ التسريبات كجزء من الحرب الإعلامية بين أطراف فلسطينية فلسطينية. أما مسألة عدم وجود انتخابات على مستوى الرئيس والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني فكلها عوامل تشعر الشباب بإنه مغيب وتعزز حالة الاغتراب التي جوهرها عدم القدرة على التأثير في الأحداث. الجيل الجديد والقوى الفلسطينية الجديدة مستثناة من أي معادلة في صنع القرار، فلا يوجد انتخابات ولا يوجد أفق لذلك. ولا يوجد تجديد للدماء، فموضوع القيادة والخلافة محصور في إطار محدود من الأشخاص وهم أيضا من مرحلة عمرية بعيدة عن جيل الشباب. كل ذلك سيعزز أن يأخذ الشباب زمام المبادرة بنفسه.
في التاريخ الفلسطيني عادة لا تحدث انقلابات، وإذا حدثت لا تنجح، الانقلاب على القيادة والتنظيمات أمر غير وارد، لكن ما يحدث هو أنه يتشكل بديل تدريجي يسد الفراغ. فلا يمكن أن يحدث فراغ في حالة الاحتلال. دوما تنشأ بدائل تفرض نفسها وتتطور حسب الوقت. في ظل عدم وجود عملية تجديد في النظام السياسي وغياب قنوات إشراك الشباب في النضال والعمل السياسي والتمثيل السياسي، وبالتالي حتما سيقومون بأخذ القرار بأيديهم وسيخرجون للشارع حتى من دون وجود استراتيجية أو رؤية واضحة، فهم لم ينتظروا تشكيل الاستراتيجية أو عملية تنظيم الفراغ، وهذا ما يشهده الميدان.
○اتفق معك لكن أرى أن ضعف التنظيم وغياب الاستراتيجية مسألة مكلفة، فنحن أمام احتلال متوحش ودموي ويقتل خيرة شبابنا، وهذا يؤثر في نفوس المواطنين لكون خسائرنا مضاعفة وأكبر مثال ما عاشته نابلس قبل أسابيع باستشهاد 5 مواطنين؟
•ما عاشته نابلس هو درس مهم للفترة الماضية، رغم أن إسرائيل دفعت خسائر كبيرة في الهبة الحالية بعكس السنوات الماضية. المسألة الثانية مرتبطة بفكرة أن رفع سقف التوقعات هو الذي يقود إلى أحساس الصدمة.
المسألة الأخرى هنا أن الموضوع يأخذنا لمكان آخر في النقاش مثل العلاقة بين غزة وغرفة العمليات المشتركة والمقاومة في الضفة، فعدم مشاركة حماس من غزة في المواجهات باعتقادي نتاج تعلم درس من مرحلة ما بعد مواجهة الشيخ جراح، فدخول الساحات وتشابكها مع بعضها البعض ليس دوما عاملا إيجابيا، ما حدث في نابلس درس كبير، والسيناريوهات ومنطق الأحداث يقول إن من يأخذ الدور الريادي في الفترة المقبلة سيتعلم من هذا الدرس حتى لا يتكرر هذا الشيء.
○كيف تقرأ ظاهرة تفريعات لمجموعات مسلحة صغيرة في قرى وبلدات فلسطينية، حتى لو لم تقم بدور عسكري كبير لكنها تمارس فعلا عسكريا؟
•يجب أن نكون صريحين، أي ظاهرة عمل مسلح وشعبي تتضمن إيجابيات كثيرة من ضمنها ظهور الفعل الشعبي المقاوم، ولكنها تتضمن مخاطر وأضرار جانبية. أحد هذه المخاطر هو أن تظهر مجموعات مقاومة مقلدة من دون مقومات حقيقية، وقد تنشأ أيضا مجموعات تستغل الوضع بادعاء إنها جزء من حالة المقاومة. وهو أمر حصل في كل حروب التحرير الشعبية، وبالتالي محبتنا للمقاومة لا يجب أن تجعلنا نغمص أعيننا عن مظاهرها السلبية. ولذلك المقاومة الشعبية بحاجة لتنظيم شعبي وإطار فكري وسياسي وإعلامي واضح وإلا هناك مخاطر من انتشار الفوضى.
في ضوء ذلك التمهيد فإن المجموعات الصغيرة بعضها سيستمر وبعضها سيختفي، وحتى توضع في الإطار الصحيح يجب أن تحدث حاضنة شعبية مساندة ومنظمة، وهي تشكل بمثابة الضامن لعدم حدوث حالات من الفوضى.
○هنا كيف ترى في التعاطي الإسرائيلي مع المجموعات المقاومة، هناك تضخيم مرة وتبسيط مخل في أحيان كثيرة بحيث تبدو وكأنها تتشكل من دون سبب موضوعي؟
•للأداء الإسرائيلي عدة مستويات، سياسي وإعلامي وأمني. ولا يخلو الجانب الإسرائيلي من تفكير رغائبي. السياسة الإسرائيلية بنيت وتحديدا في فترة غانتس، على تحسين الحياة المعيشية عبر زيادة تصاريح العمل وتسهيل الحياة اليومية، أيضا حكومة لابيد وبينيت عملت على تحقيق انفراجات اقتصادية واجتماعية لكن نتائجها كانت معاكسة.
الجانب الإسرائيلي يريد إظهار أن المقاومة أفراد وليس مقاومة شعب. وبالتالي من الطبيعي أن نرى محاولة اختصار كتيبة نابلس مثلا بـ 30 شخصا. وهنا أذكر قبل سنوات صدر تقرير إسرائيلي يقول إن من يشارك في المقاومة الشعبية لا يزيد عن 600 فلسطيني.
وما نلاحظه أن هناك تكتيكين إسرائيليين، الأول محاولة حصرها في عدد محدود من البشر. والثاني تضخيمها من أجل تبرير العمليات العسكرية.
○ لدينا حكومة إسرائيلية جديدة فاشية، فالتطور داخل إسرائيل كيف يؤثر على المجموعات المسلحة برأيك؟
•تجد وترى يوميا بإن المستوطنين في الضفة أصبحوا يتغلغلون بالحكم بشكل غير مسبوق. رئيس الوزراء بينيت كان مثالا على ذلك، والمؤكد أن الحكومة المقبلة سنجد فيها أثرا كبيرا للمستوطنين. جزء كبير من الضباط في الجيش الإسرائيلي هم مستوطنون. أعتقد أن المواجهة القادمة ستأخذ شكلا جديدا يمكن أن نطلق عليه نموذج بلدة حوارة (جنوب شرق نابلس) أي تصادم الفلسطينيين مع المستوطنين، هذا نموذج قد يتكرر بشكل كبير. باعتقادي أن كل شارع وكل حي سيكون لديه مجموعة مواجهة من أجل الدفاع عن نفسه من هجمات المستوطنين.
○نعود من حيث بدأنا، في نابلس ظهر مفهوم المواجهة المباشرة مع الاحتلال، البعض يرى ذلك بفعل الضغط الجماهيري حيث دفع عناصر عرين الأسود لمواجهة مع قوات الاحتلال من دون أي تكافؤ أو توازن في القوى، كيف تنظر إلى ذلك؟
•الموضوع ليس أن نحكم على ذلك بكون المواجهة مع الاحتلال فعل إيجابي أو سلبي، أنا أرى أن السؤال التحليلي هو: لماذا حدث ذلك؟ والسبب لكونه لا يوجد بديل. الصمت يصبح خطأ، أي نوع من المقاومة إيجابي وأخطر رد فعل يمكن أن تقوم به هو أن لا تقاوم.
السؤال: هل المقاومة قادرة على تنظيم صفوفها بحيث تكون القرارات مدروسة بشكل أكبر، بحيث تبحث وتدرس أسئلة: متى تواجه؟ ومتى لا تواجه؟ هل لديها حاضنة مقاومة شعبية أكثر وأكبر؟ وهذا يجعلنا نقول إن المقاومة الشعبية الحالية سواء ضد الجدار أو الاستيطان بحاجة لنقلة نوعية الآن تحديدا. وبكل الأحوال أسوأ الأمور هو ألا تقاوم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول لحسن عبدي:

    ما حك جلدك مثل ظفرك ***فتول انت كجميع امرك
    واذا قصدت لحاجة. ***فاقصد لنعترف بقدرك

    فلسطين تحررت من استغلال العرب لقضيتها ودخلت معترك التحرر والحصول على والاستقلال

إشترك في قائمتنا البريدية