موافقة حماس على خطة التهدئة وتبادل الأسرى… خطوة ذكية… وألقت الكرة في الملعب الأمريكي والإسرائيلي

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: على مدار الساعات الماضية ومنذ اقتحام جيش الاحتلال لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفع العلم الإسرائيلي، تزايدت الضغوط على الحكومة المصرية بإلغاء، أو تجميد العمل باتفاقية “كامب ديفيد”، وفي محاولة لتبديد الغضب الذي عبر عنه كثير من خصوم السلطة، وتسرب لعدد من المؤيدين لها، أكد مصدر مصري رفيع المستوى، أن مصر حذّرت من التداعيات السلبية لوقف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، لافتا إلى استمرار الجهود المصرية المكثفة للتوصل إلى اتفاق هدنة في قطاع غزة. ومن الغاضبين كذلك الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون وعضو هيئة الدفاع في قضية طابا، الذي أكد، أن القانون الدولي يحذر من استخدام أي دولة للقوة ‏أو التهديد باستخدامها، مضيفا أن: «ما قامت به إسرائيل ليس عدوانا على أرض مصرية؛ لكن فيه تهديد لأمن المنطقة، فمصر دولة جارة لفلسطين ومرتبطة بها، وتمت مراعاة ذلك منذ اتفاقية السلام، بجعل معبر كرم أبو سالم تحت الإدارة المباشرة من جانب مصر وإسرائيل؛ لمنع تهريب المخدرات والسلاح». وأضاف خلال تصريحات تلفزيونية: «ما يحدث على أرض ‏فلسطين يؤثر على مصر، وعندما يؤثر على مصر يؤثر على المنطقة، مطلوب من ‏إسرائيل ألا تعتدي على الأراضي المحتلة؛ بل تديرها، وتحرص على السلام مع المنطقة، وفي المقدمة ‏منه مصر طبقا لما جاء في اتفاقية السلام سنة 1979». ‏وأكد أن مصر لها الحق في إدانة واستنكار ما يحدث في رفح الفلسطينية، قائلا: «ما قامت به إسرائيل وإن لم يعتبر من الناحية القانونية البحتة المباشرة هو عدوان مباشر، إنما فيه تهديد غير مباشر باستخدام القوة، وبالتالي من حقنا أن ندينه ونقول إنه ‏يخالف اتفاقية السلام، وما تقرر فيها بالنسبة ‏للتنسيق في معبر كرم أبو سالم». ‏وواصل: «إسرائيل قامت باستخدام القوة وهددت المنطقة وهددت مصر ‏بطريق غير مباشر، وثانيا خالفت ما جاء من بنود تعاون بيننا بالنسبة لمعبر كرم أبو سالم ‏بالاعتداء عليه وأغلقته هو ومعبر رفح الفلسطيني».
وأشار إلى أن «هذه التصرفات تمثل عدوانا مدانا من كل المجتمع الدولي ومن ميثاق الأمم المتحدة، ومدانا وفق اتفاقية السلام ‏الموقعة بين البلدين». بينما قال الكاتب الصحافي خالد البلشي نقيب الصحافيين، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ‏تمثل جريمة هي الأكبر في التاريخ بحق الإنسانية، مؤكدا أن اجتياح قوات الاحتلال لرفح الفلسطينية، لا يهدد فقط الحدود المصرية الشمالية؛ بل يهدد 1.5 مليون ‏فلسطيني محاصرين في المنطقة بمجزرة إنسانية‎ ‎واعتبر خلال تصريحات تلفزيونية أن اختراق العدو الصهيوني لمعاهدة السلام والسير على الحدود المصرية يمثل ‏‏«إعلان حرب» من جانبهم، مطالبا بوقفة حقيقية تجاه هذا الخرق، قائلا: «نطالب بإجراءات ‏عاجلة إزاء ما جرى». ‏وطالب بتجميد أو إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، مؤكدا أن حكومة الاحتلال ‏هي من خرقت هذه المعاهدة وليست مصر، ‏وشدد البلشي على أن مصر ليست بحاجة إلى علاقات مع دولة عدوانية تواصل عدوانها على الشعب ‏الفلسطيني الشقيق، مشيرا إلى أن ‏إلغاء معاهدة السلام وقطع العلاقات مع من يعتدي على أمن مصر القومي واجب. ‎وأكد أن «هناك محددات لا بد من ‏الحفاظ عليها تتعلق بالأوضاع الإنسانية وتهديد قرابة 1.5 مليون شخص بمجزرة جماعية على حدودنا، ‏هذا أيضا يهدد الأمن القومي، الوضع الإنساني قد يدفع نحو التهجير وإنهاء القضية ‏الفلسطينية».‏ ونفى الدكتور محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ، أن تكون المفاوضات بين حماس وإسرائيل عادت إلى مربع البداية أو النقطة صفر. وقال أن “المفاوضات ستستكمل، واليوم الأول من المفاوضات مبشر، بسبب استمرار التوافق ولم ينسحب أحد، بالإضافة إلى التصريحات التي خرجت من البيت الأبيض حول فتح معبر كرم أبو سالم، وكذلك معبر رفح”. وتابع قائلا، أن البيت الأبيض مُصر على إنهاء الاتفاق، وهذا الأمر ضمانة على أن الأمور تسير بلا مشكلات جذرية وبشكل طبيعي، وستستكمل المفاوضات للوصول إلى اتفاق الفرصة الأخيرة، لافتا إلى أن التحركات الأخيرة في الأيام الماضية مثلت نوعا من الضغط على جميع الأطراف للوصول إلى اتفاق نهائي للهدنة.
غيروا المعادلة

أعادت انتفاضة طلاب جامعة كولومبيا أهمية الحرب في فلسطين، بعدما تشتت انتباه العالم، بسبب تبادل الهجمات الاستعراضية بين إسرائيل وإيران. كما أدت القرارات السيئة التي اتخذتها إدارة جامعة كولومبيا ضد الطلاب، إلى انتشار المظاهرات في العشرات من كبريات الجامعات الأمريكية، ثم انتقلت الاحتجاجات، حسب معتمر أمين في “الشروق”، إلى جامعات أخرى في بعض الدول الأوروبية، فيما أطلق عليه البعض “طوفان الجامعات” على غرار “طوفان الأقصى”. وأسفرت هذه المظاهرات الطلابية عن زيادة القلق لدى الإدارة الأمريكية، والحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى العديد من الشركات الكبرى دولية النشاط الداعمة لإسرائيل، لأن طوفان الجامعات ينتقد الرواية الإسرائيلية عن حقيقة ما يجري، كما يكشف عن صحوة الضمير الطلابي الذي يمثل صوت المستقبل. نلاحظ في مظاهرات الجامعات الأمريكية، أنها ضد سلوك دولة أجنبية ليست في حالة عداء مع الولايات المتحدة، بل هي أقرب حلفائها، كما أنها لصالح دولة أخرى ليست قريبة من الولايات المتحدة، وإنما لا تكترث بها على أي نحو. ومن ثم، تتسبب المظاهرات في وضع الإدارة الأمريكية في حرج بالغ، فهي أكبر مصدر للسلاح إلى إسرائيل، وتعتبر مناصرها الوحيد ضد قرارات الإدانة في مجلس الأمن الدولي، كما تفعل المستحيل لتنشر السردية الإسرائيلية عن طبيعة الحرب الدائرة في فلسطين، مهما تنافت تلك السردية مع الواقع. فالولايات المتحدة تريد ألا يصدق الناس أعينهم ويصدقون ما تقوله إسرائيل.

سردية كاذبة

لا تنفرد الإدارة الأمريكية بهذا السلوك، بل تتبعها كل وسائل الإعلام الأمريكية باختلاف انتماءاتها الحزبية، ويسري الأمر نفسه وفقا لمعتمر أمين على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تقيد ما ينشر لفضح جرائم إسرائيل، وتروج لأي رواية إسرائيلية. ولكن رغم ذلك جاءت مظاهرات الجامعات الأمريكية لتقول، أن السردية الإسرائيلية غير مقنعة، وتنافي الحقيقة، وأن سياسة واشنطن مزدوجة المعايير، وأن الطلاب يريدون تغيير سياسات بلادهم، لكي تكون أكثر إنصافا، حتى لو كانت تلك السياسات ضد أهم حليف للولايات المتحدة على الإطلاق، وتصب في صالح المقاومة الفلسطينية. ارتفاع صوت الاحتجاج على هذا النحو في الجامعات الأمريكية له ما بعده.. لعل صمود الشعب الفلسطيني في أرضه، وتصديه للتهجير القسري، وإصراره على العودة إلى بيته، يبدد السردية الإسرائيلية الكاذبة التي تقول، أن الشعب الفلسطيني باع أرضه، وهجر دياره، وتركها غنيمة لليهود. والحقيقة، أن ما تم بيعه أو منحه لليهود في فلسطين منذ سيطرة محمد علي باشا على الشام، وحتى الإعلان عن قيام الدولة عام 1948 لم يتعد 6% من مساحة فلسطين. وقبل الحكم على هذه النسبة، إلى حضراتكم بيانها، حيث نصف هذه النسبة، أي 3% من مساحة فلسطين، كانت مملوكة لأثرياء من العرب، مثل عائلة سرسق اللبنانية، وقاموا ببيعها على مدار عقود إلى وسطاء عن الوكالة اليهودية، أو إلى جمعية الاستعمار اليهودي الفلسطينية. أما باقي الأرض، فتم بيع 2% من أملاك أثرياء الفلسطينيين، و1٪ فقط من أراضي الفلاحين، الذين أُجبر أغلبهم للتنازل عنها مقابل حذف ديونهم لبنوك التسليف الزراعية، التي كانت أغلبها بنوكا يهودية في فترة الاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين 1917-1948. ثم منح قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 57٪ من الأرض لدولة إسرائيل، على الرغم من أن نسبة تعداد اليهود كانت 30٪ من تعداد فلسطين عشية إعلان القرار. ثم استولت إسرائيل عنوة في حرب النكبة أو حرب «الاستملاك»، على 60٪ من الأراضي الممنوحة للجانب الفلسطيني في قرار التقسيم، لترتفع نسبته إلى حوالي 80٪ من مساحة فلسطين. وتفعل إسرائيل المستحيل لتزييف التاريخ، ولذلك يزعجها الحراك في الجامعات الأمريكية، لأنه يستدعي أسئلة عما حدث، وإجابتها تسقط السرديات الإسرائيلية واحدة تلو الأخرى.

الدخول إلى رفح

لا تنتاب الدهشة سليمان جودة في “المصري اليوم” مبررا ذلك: لا أستغرب دخول إسرائيل إلى رفح في اللحظة نفسها التي أعلنت فيها حركة حماس قبول اتفاق هدنة.. لو رجعنا إلى أحداث الأيام القليلة الماضية سنكتشف أن بنيامين نتنياهو قال صراحة إنه سيدخل رفح بهدنة وبغير هدنة.. وحتى لو اعتبرنا أن تصريحاته بهذا الشأن كانت على سبيل الضغط على حماس، والآخرين فإن علينا أن نرجع إلى ما هو أبعد من الأيام القليلة الماضية. عندها سنكتشف أن إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، هددا نتنياهو في العلن بأنهما سينسحبان من حكومته على الفور إذا لم يدخل رفح. ولا يعني انسحابهما إلا انهيار الحكومة، ولا يعني انهيارها شيئا إلا أن يجد نتنياهو أنه يقف عاريا بلا غطاء سياسي يُحصنه ضد الملاحقات القضائية، فلا يكون عليه ساعتها إلا أن يقف أمام العدالة مرتين: مرة أمام لجنة تنتظره لتحاسبه على تقصيره في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي قامت به كتائب عز الدين القسام على المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة، ومرة ثانية عن ثلاث قضايا فساد متهم فيها قبل وقوع الهجوم. ولا بد أننا نذكر لجنة أجرانات الإسرائيلية التي تشكلت بعد حرب أكتوبر 1973، واستدعت أمامها كل القادة الإسرائيليين لتحاسبهم على الهزيمة الكبرى التي أصابت إسرائيل. عندما اتخذ السادات قرار الحرب وحقق النصر.. وقتها لم تشأ اللجنة أن تستثني أحدا، فجاءت بالساسة والقادة الإسرائيليين جميعا أمامها، من غولدا مائير رئيسة الحكومة، إلى موشى ديان وزير الدفاع، إلى ديفيد أليعازر رئيس أركان الجيش، ثم إيلى زعيرا مدير المخابرات الحربية، وأدانتهم واحدا واحد. هذا ما ينتظر نتنياهو على مستوى الإدانة السياسية، ثم تنتظره الإدانة الجنائية في قضايا الفساد الثلاث.. ولأن المتطرف بن غفير يعرف ذلك جيدا، ومعه المتطرف مثله سموتريتش، فإنهما يمسكان برئيس الحكومة من يده التي توجعه، ويتحكمان فيه وفي حكومته، وكأنهما هما اللذان يرأسانها لا هو. نتنياهو يسعى منذ هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إلى إنقاذ رقبته من سيف العدالة في بلاده، لا إلى إنقاذ إسرائيل.. هذا إذا تكلمنا عن عدالة الأرض، أما عدالة السماء فلا بد أن لها معه شأنا آخر.

العراقيل والعقبات

الاتفاق على صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق، لولا العراقيل والعقبات التي يضعها نتنياهو ومجلس الحرب لإفشال الصفقة، دأب نتنياهو منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب جيهان فوزي في “الوطن”، على وضع العصا في الدواليب لإجهاض أي احتمال لتسوية سياسية قد تضع حدا للمجازر التي ترتكب يوميا ضد سكان قطاع غزة، غير آبه بالتحذيرات الأمريكية، ولا النداءات الدولية، ولا الأممية التي تطالب بوقف إطلاق النار، والرفض التام لاجتياح مدينة رفح، الذي يهدد به نتنياهو كل يوم. رفح هي المحطة الأخيرة لأكثر من مليون ونصف المليون نازح فلسطيني، ظلوا يتنقلون من «منطقة آمنة» لأخرى في القطاع، والآن يستعدون لنزوح جديد في أعقاب الحديث عن عملية عسكرية إسرائيلية وشيكة فيها، على الرغم من أن إسرائيل لم تقدم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن خطة مقنعة لضمان سلامة المدنيين، ومن هنا تعارض إدارة بايدن شن عملية عسكرية على المدينة دون خطة واضحة لاجلاء المدنيين وتأمين المأوى والمأكل والمشرب والأدوية للحفاظ على سلامتهم. ورغم أن المدنيين يمثلون أكبر عائق أمام إسرائيل في خططها لاجتياح رفح، وتتضاءل معها فرصة الانتصار فيها، بما يعكس حقيقة أن أي عملية عسكرية إسرائيلية في المدينة ستتحول إلى مجزرة مؤكدة، إلا أن هذا لم يغير من قرار حكومة الحرب شيئا، ولا تلتفت إليه، بل تمضي قدما في تجاه تنفيذ الضربة العسكرية التي طال انتظارها وتم تأجيلها أكثر من مرة.

نتنياهو ورّط جيشه

لم تكن رفح في يوم من الأيام ذات أهمية خاصة بالنسبة لحماس، ومن غير المعقول وفقا لجيهان فوزي أن يمثل دخول رفح تحولا في موازين القوى يستحق ما أثير حول هذه القضية من صخب سياسي وإعلامي على المستوى الدولي. هنا يطرح السؤال الجوهري: ما الذي يريده نتنياهو من وراء التهديد باقتحام رفح والتأكيد مرارا على أن حكومته ماضية في التخطيط لهذا الاجتياح، حتى أن عارضته الإدارة الأمريكية في ذلك؟ الجواب قد يكون مرتبطا بالتكتيك الرئيسي الذي يتبعه نتنياهو والمتمثل بخلاصة مفادها لا وقف للحرب، دون تسجيل انتصار ما يدرأ به عن نفسه سيل الاتهامات اللاحقة للحرب بالإهمال وسوء الإدارة والتقصير، وتجاهل حياة الأسرى الإسرائيليين، ودفع الجيش إلى هجوم بري لا أهداف واضحة له ولا أفق سياسيا يعجّل الهجوم ويبرر نتائجه. لقد ورط نتنياهو حكومته وجيشه في سلسلة ثقيلة من الادعاءات المشكوك في صحتها، فلطالما أعلن أنه قد فكك قوة حماس في الشمال وفي غزة الوسطى وخان يونس، بحيث لا يستطيع الآن الاستمرار في الحرب هناك، لأن هذا قد يكشف زيف ادعاءاته، ولم يتبق أمامه سوى اختلاق هدف جديد يبرر له الاستمرار في الحرب شهرا أو أكثر، على أمل أن مواصلة قصف المدنيين وقتلهم وتجويعهم، سيرغم حماس في النهاية على القبول بالشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، وإطلاق الأسرى الإسرائيليين لديها بأقل ثمن، ما يعطي نتنياهو الفرصة لإنقاذ نفسه وحكومته من السقوط المحتوم في حال لم يتحقق ذلك. بالنسبة للمسؤولين والمراقبين فقد تحولت الحرب إلى عملية ابتزاز وحشية لا تحقق أي إنجاز عسكري ذي وزن، سوى وقوع المزيد من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، الذين أصبحوا جوهر هذا الابتزاز. لذا فإن الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي هو الاستمرار في الحرب، أما الهدف التكتيكي فهو متغير باستمرار، فتارة يكون جباليا، وتارة أخرى يكون مستشفى الشفاء، ثم مستشفى ناصر، ثم حي الأمل، وهكذا تمضي الحرب وتتنقل من هدف إلى آخر وصولا إلى الهدف الأخير وهو رفح.
ما زال يراوغ

كان نتنياهو ـ كالعادة ـ يتأهب للتصعيد نحو مزيد من القتل والدمار، من تحميل الطرف الآخر «حماس» المسؤولية عن استمرار الحرب.. حين فوجئ بالرد الإيجابي الذي قبلت من خلاله «حماس» الاتفاق المقترح من مصر وباقي الوسطاء دون أي شروط.. ليجد نتنياهو نفسه وفق ما أوضح جلال عارف في “الأخبار” مطالبا بالرد وتحمل المسؤولية عن استمرار حرب إبادة يرفضها العالم كله، ولا يؤيدها إلا زعماء عصابات الإرهاب الصهيوني، الذين يشاركونه في حكم إسرائيل، يجد نتنياهو نفسه مضطرا لإرسال وفد التفاوض للقاهرة، مع الزعم بأن الاتفاق لا يلبي مطالب إسرائيل في محاولة لشراء الوقت.. بينما يمضي في التصعيد والتهديد باجتياح رفح، وهو يعرف جيدا أنه يسير في طريق مسدود، كما قال له قادة جيشه وأجهزة مخابراته قبل أيام، وهم يؤكدون له أن الحرب وصلت لنهايتها، وأن الاتفاق المعروض جيد وينبغي قبوله، وأن استمرار الحرب ستكون تكلفته كبيرة، خاصة مع افتقاد عنصرين مهمين هما: الوحدة الداخلية في إسرائيل، والتأييد الأمريكي الذي كان بلا حدود ولم يعد كذلك. يعرف نتنياهو أن الاتفاق المعروض عليه هو في جوهره ما سبق أن وافق عليه، وهو حصيلة جهد الوسطاء، وهو أيضا بداية النهاية الحتمية لهذه الحرب التي وصلت ـ باعتراف قياداته العسكرية ـ إلى طريق مسدود، ويعرف نتنياهو أن اجتياح رفح لا تستطيع إسرائيل تحمل تبعاته.. لكنه ـ في كل الأحوال يبحث عن لقطة تذكارية يحاول بها أن يقول إنه كان على حق بالاستمرار في الحرب، وأن الحرب وحدها ـ وليس التفاوض ـ هو الذي جاء بالصفقة وأفرج عن الرهائن، لعله بهذا التزييف للحقائق يهرب من المسؤولية ويرضي زعماء العصابات اليمينية الذين يبقونه في موقعه. سيسعى نتنياهو كالعادة ـ للتسويف وشراء الوقت، لكنها معركة خاسرة، العالم كله لا يريد الحرب ويرفض اجتياح رفح، وتفجير الأوضاع في كل المنطقة، محادثات القاهرة ستكون حاسمة، على إسرائيل أن تستمع جيدا لتحذير مصر بأن ما تفعله في رفح مرفوض ومدان، وأنه لا طريق لإيقاف هذه الحرب فورا ونهائيا.. وإن كره نتنياهو أو غضب بن غفير.

نجحت بالتأكيد

نجحت المقاومة الفلسطينية في «تعرية» أمريكا وإسرائيل بموافقتها على مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو المقترح الذي يتضمن حسب عبد المحسن سلامة في “الأهرام” ثلاث مراحل تشمل، اتفاقا لتبادل الأسرى والمحتجزين، وهدنة إنسانية وصولا إلى الوقف الدائم للأعمال العدائية بين الجانبين، ما يعني وقفا دائما لإطلاق النار في النهاية. مصر بذلت جهودا حثيثة ومضنية في هذا الإطار، من أجل التوصل إلى تلك الصيغة التي توفر الحد الأدنى المقبول للطرفين، وبما يؤدي في النهاية إلى وقف حمامات الدم في غزة. مصدر مصري رفيع المستوى صرح لقناة «القاهرة الأخبارية» مساء الاثنين الماضي بأنه من المنتظر وصول وفد من حماس إلى القاهرة أول أمس الثلاثاء، كما أعلن مكتب نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه سيتم إرسال وفد إسرائيلي إلى القاهرة للقاء الوسطاء لبحث التوصل إلى «صفقة مقبولة» على حد قوله. للأسف الشديد وسط هذا الزخم، وهذا التفاؤل تصر حكومة نتنياهو على إشعال الموقف، وتعقيده، فقامت بضرب معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وشنت العديد من الهجمات على منطقة رفح، في ما يؤشر إلى إمكان بدء عملية لاجتياح رفح الفلسطينية ليكون ذلك بمثابة ذروة حرب الإبادة المنظمة، التي تستهدف أرواح مليون ونصف المليون فلسطيني هناك، ليس لهم مكان آخر يلجأون إليه، أو يحتمون فيه. ردود الفعل من جميع دول العالم التي جاءت كلها مرحبة بموافقة حماس على مقترح التهدئة وتبادل الأسرى والوقف التدريجي لإطلاق النار، وثمنت الدور المصري العظيم في هذا الإطار، إلا أن نتنياهو كشف عن وجهه القبيح مرة أخرى، بمحاولاته إفشال تلك الصفقة، مضحيا بأرواح الأسرى الإسرائيليين، ومستهدفا قتل مليون ونصف المليون فلسطيني في رفح، إذا أصرت إسرائيل على اجتياحها. مصر رفضت التصعيد الإسرائيلي والهجمات على منفذ رفح باعتباره شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الأشقاء الفلسطينيين في غزة. في كل الأحوال فإن موافقة حماس على خطة التهدئة وتبادل الأسرى تعتبر خطوة «ذكية» و«موفقة» وألقت الكرة في الملعب الأمريكي والإسرائيلي، حيث كانت أمريكا تطالب حماس بالموافقة، وكانت إسرائيل تلقي اللوم على حماس في عدم القبول، وها هي الآن الكرة في الملعب الأمريكي والإسرائيلي فماذا هم فاعلون؟
لم نكترث به

لم يهتم أحد في مصر باستثناء سيد محمود في “الشروق” بوفاة الكاتب الصحافي الفرنسي برنار بيفو، الذي مات قبل يومين عن عمر ناهز 89 عاما، وعاش عمره سفيرا للقراءة في العالم. مات من صنع نجومية الكثير من أشهر كتاب العالم، واستطاع أن يجعل القراءة سلعة تجلب المال وتصنع النجومية، واكتسب مكانة رمزية في مجتمع لا يتوقف عن صنع الرموز وابتلاعها بسرعة الصاروخ. ففي بلد مثل فرنسا يعيش على صناعة الموضة، ليس من الصعب أن تحول الكتاب إلى سلعة، أو تحول المؤلفين إلى نجوم، لكن الصعب أن تفعل ذلك دون أن تستغني عن شرط القيمة، لذلك يبدو بيفو مغامرا حقيقيا، فقد واظب على استضافة مفكرين وفلاسفة وروائيين متجهمين، مثل لوكليزيو، موديانو مارغريت دوراس، ألبرتو مورافيا وغونتر غراس وتشارلز بوكوفسكي ومحمد شكري وكونديرا والروائي الروسي سولجنتسين والفيلسوف جاك دريدا وغيرهم. وبفضل أسئلته الساخنة، واستنادا إلى طابعه المرح غير المتحذلق قرّب هؤلاء من الشباب وحول القراءة إلى موضة، لكنه بقى في دائرة الباحثين عن المعنى، وأضاف للفرانكفونية سفراء جدد من الأدباء والمفكرين والفلاسفة. ولذلك لم يكن من الغريب أبدا أن ينضم إلى أكاديمية غونكور عام 2004، ويصبح رئيسا لها عام 2014 قبل أن ينسحب منها في نهاية 2019. وعلى الرغم من هوس صناع الإعلام في عالمنا العربي بنسخ البرامج الغربية الناجحة، إلا أن أحدا لم ينجح طوال 35 عاما هي عمر الفضائيات العربية في إنتاج برنامج يماثل برنامج بيفو، لسبب بسيط وهو، أن السياق في بلداننا لا يماثل السياق الأوروبي، الذي أفرز برنامج بيفو وحقق له هذه المكانة، كما أن فرنسا ليست كغيرها من بلدان العالم، فالقراءة هناك تقع في قلب التفاصيل اليومية، وليست على هامشها، وهكذا يمكن أن نفهم حزن فرنسا على بيفو ونتأمله أيضا.

لم يخجل من فشله

جعل الرجل الذي اهتم برحيله سيد محمود من القراءة الاحترافية مهنة، وكان الظهور معه حلما يراود مشاهير العالم، لأنهم أرادوا معه الحصول على بطاقة اعتراف تدخل بهم إلى فاترينة العالم. لقب برنار كلود بيفو، بـ«سفير القراءة» لأن برنامجه عاش على القناة الفرنسية الثانية 15 عاما وبُثّت منه 724 حلقة وخلق الكثير من التقاليد التي ضمنت له متابعين تجاوز حاجز الـ2 مليون مشاهد. وعلى الرغم من أنه صنع بعد (أبوستروف) برنامجا بديلا هو «بيون دو كيلتور» إلا أن تأثيره كان أقل، ووقف بثه سنة 2001 يقول البعض أن غياب برنامجه (فواصل) أو (أبوستروف) كان طبيعيا بعد ميلاد شبكة الإنترنت، حيث أصبح في استطاعة كل قارئ الوصول إلى ما يريد، إلا أن الواقع يقول أيضا أن بيفو احتفظ بجمهوره ولم يفقده أبدا، كما لم يفقد هو الشغف بالمهنة واشتبك مبكرا مع مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق عند دخول تويتر صيحته الشهيرة «من الآن يجب على الصحافيين ألا يتوقفوا عن التغريد». كما أنه تحول رغم توقفه عن العمل التلفزيوني إلى مؤلف لعدد من الكتب الناجحة وأبرزها “كتاب حياتي” كتابه الذي ترجم إلى اللغة العربية بعنوان “مهنة القراءة” وصدر عن «منشورات تكوين» وضم مراسلاته وحواراته مع المؤرخ بيير نورا، التي دارت حول تجربته في الصحافة التلفزيونية بشكل أساسي. وتقدم الحوارات التي تضمنها الكتاب دليلا عمليا يجب أن يسترشد به من يرغب في احتراف الصحافة الثقافية، فهو أقرب إلى بيان عملي على معلم، فقد دمج الرجل سيرته الذاتية مع مهنته، وروى دون حرج الكثير من المواقف الطريفة وجمع الخيبات مع النجاحات والكوارث من دون خجل أو مبالغة، لأن كل شيء كان على الهواء مباشرة. لم يخجل بيفو في كتاباته من الاعتراف بنقص موهبته في الكتابة الأدبية، كما لم يتوقف أبدا من السخرية من فشل الروايات التي كتبها.

كلب أسود

منذ سنين طويلة والكلام لرفعت رشاد في “الوطن” في قرية الحاجر في سوهاج، كان لدينا كلب أسود ضخم لكنه غير مؤذٍ. عندما كبر في العمر خرج مرة من البيت فتلقفته مجموعة من الشباب وكأنهم كانوا ينتظرونه، ودون سبب أو مبرر أشبعوه ضربا بالعصي الغليظة قاصدين قتله. لم يكن عمري يسمح بمقاومتهم، وهم في تلك الحالة من النشوة الغريبة، حيث كانوا يتصايحون بصيحات تعبر عن تلذذهم بما يفعلون، ولم أكن أملك إلا أن أبكي الكلب البريء الذي لم يفهم لماذا يضربونه ولماذا يقتلونه وهو لم يفعل شيئا ولم يعض أحدا، وحتى الآن لم أفهم لماذا فعلوا ذلك؟ ولماذا كانوا مبتهجين بقتل كلب حيوان لم يفعل لهم شيئا.. حتى الآن لم أفهم. المغني الفرنسي فرنسيس كابريل أو غابرييل غنى متبنيا وجهة نظر ثور من الثيران التي يصارعها الإسبان، الذي تحدث بلسانه قائلا: «لم أر في حياتي أشخاصا فرحين لهذا الحد بجثة ويرقصون حولها». كما تساءل كلب الصعيد عن سبب قتله ببشاعة، تساءل ثور إسبانيا أيضا عن سبب فرحة قاتليه بجثته ورقصهم حولها. عرفت إسبانيا مصارعة الثيران في زمن لم يحدد ولا يعرفه أحد بدقة. لكن هذه المصارعة الدامية زاد انتشارها في القرن الثامن عشر، وحرص المصارعون على تطوير آلاتهم القاتلة وقواعد المصارعة. وخلال تلك القرون قتل مئات الآلاف من الثيران بعد تعذيبها دون مبرر إلا شغف البشر بتعذيب حيوان بريء والتلذذ برؤية الدماء. وقد صارت تلك المصارعة جزءا من الثقافة الإسبانية التي ترعاها الدولة وتخصص الجوائز المالية للمصارعين الفائزين في المصارعة، بل اعتبرها الاتحاد الأوروبي كذلك.

ثور إسباني

حفل الأدب الإسباني بالروايات التي تحولت إلى أفلام عن مصارعة الثيران وبطولة «الماتادور» أو المصارع الذي يعني لقبه «الرجل القاتل»، وصار القاتل هذا، كما أخبرنا رفعت رشاد، نموذجا للبطل الذي تهواه الفتيات والنساء وتكون له مكانة اجتماعية مميزة. حتى في عالم كرة القدم صار إطلاق لقب ماتادور على لاعب، يعني براعته وقدرته على قتل خصمه في اللعب، وكثيرا ما تعامل مشاهير اللاعبين في الملاعب بهذه الطريقة، يلوحون للجماهير بقطعة قماش أرجوانية للاحتفال على طريقة مصارعي الثيران. صارت مصارعة الثيران بالنسبة للمثقفين والفنانين والشعراء والأدباء بمثابة نافذة إلى روح إسبانيا وشعبها، لكن في السنوات الأخيرة علت أصوات جمعيات الرفق بالحيوان مثيرة جدلا أخلاقيا بشأن فكرة قتل وسفك دماء حيوان بهدف التسلية، أو باسم الثقافة والفن. نبذ الحقوقيون توجهات النخبة أو الطبقات الغنية الذين يشجعون قتل الثيران، وعلى جانب آخر كانت مقاطعة كاتالونيا قد ألغت مصارعة الثيران على أراضيها، وهي ثاني منطقة إسبانية تحظر مصارعة الثيران بعد جزر الكناري التي حظرتها عام 1991، لكن الحكومة رأت أنها جزء من التراث الثقافي للبلاد ومن واجب الدولة الحفاظ عليه وأيدتها في ذلك المحكمة الدستورية. في المجال السياسي يؤيد اليمين بقوة مصارعة الثيران، بينما اليسار يعارض المصارعة القاتلة ويرى أنها وحشية لا مكان لها في إسبانيا الحديثة في ظل تنامي حقوق الحيوان. الخبر الجيد والمفرح لي أن وزارة الثقافة ألغت خلال الأيام الماضية المسابقة الوطنية لمصارعة الثيران، التي تقام سنويا ويحصل الفائز فيها على جائزة مالية 30 ألف يورو. استندت الوزارة في قرارها إلى «الواقع الاجتماعي والثقافي الجديد وتزايد المشاعر تجاه حقوق الحيوان وانخفاض نسبة الجمهور في حلبات المصارعة ما يدل على توجهات مختلفة للأجيال الجديدة».

رب ضارة نافعة

سبحان الله «رُب ضارة نافعة» كما يرى مختار محروس في “الوفد”، «مينوش» تدعي أنها خرجت من أرض الكنانة مطرودة مذعورة في ستينيات القرن الماضي، وهي بنت الأربع سنوات، بعد أن تم تأميم ممتلكات أبيها الإقطاعي، حتى تفتح لها في الغرب ما هو مغلق من أبواب.. أرادت «مينوش» أن تقدم فروض الولاء والطاعة، وأن تكون ملكية أكثر من الملك، وتظهر ما تكنه من عداء وبغض للعرب والمسلمين والمظلومين والمستضعفين في الأرض، ولكن يشاء العلي القدير أن يقلب السحر على الساحر وأن تقدم «مينوش» خدمة للمستضعفين في الأرض، ما عجزت عنه كل صيحات وصرخات شعب فلسطين ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة عربية وإسلامية طيلة عقود من الزمان.. ما فعلته «مينوش» كان الشرارة الأولى والطلقة التي أصابت بالخطأ كبد الحقيقة التي ظلت غائبة أكثر من سبعة عقود من الزمان عن شعوب، كانت لا تسمع إلا أصوات إعلامها وآلة الكذب الغربية عن دولة إسرائيل ومظلوميتها، وأنها الملاذ الآمن لليهود.. غيرت فعلة «مينوش» باستدعاء الشرطة لدخول حرم الجامعة، لفض المظاهرات السلمية الدنيا وما فيها، وبدأ العالم الغربي، خاصة أمريكا الراعي الرسمي للكيان المحتل، ليدرك أن هناك شعبًا تتم إبادته وتهجيره من أرضه، وتجويعه وتشريده من أجل إقامة دولة احتلال على كامل أرض وجثث شعب قُتّل أطفاله ونساؤه وجُوع وشُرد بايدي مغتصبين مجرمين، تساندهم وتحتضن جرائمهم دولتان تتمتع «مينوش» أو نعمت شفيق مصرية الأصل عربية الهوية بجنسياتهما.. نعمت شفيق أو «مينوش» كما يطلقون عليها، التي ترأست منذ ما يقرب من عام جامعة كولومبيا في أمريكا، وهي أول امرأة تترأس هذه الجماعة العريقة منذ تأسيسها.. أرادت نعمت شفيق أن توئد الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين والمطالبة بوقف الإبادة الجامعية لشعب فلسطين، وقطع علاقات الجامعة بالشركات التى تدعم إسرائيل.. نعمت شفيق أو «مينوش» استدعت الشرطة لدخول الجامعة لفض هذه التظاهرات السلمية للطلبة في سابقة لم تتحدث منذ حرب فيتنام عام 1955.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية