مُسلسلات الخرافة والشعوذة حلول سحرية لمواجهة الأزمات!

ثبت بالتجربة خلال مواسم فنية كثيرة أن النوعيات الدرامية المُتصلة بالخرافة والشعوذة والجن والعفاريت، هي المُفضلة لدى شريحة معينة من الجمهور، ومن ثم تشغل حيزاً كبيراً من تفكير المُنتجين الذين يراقبون الاتجاهات العامة من رغبات المُشاهدين أو بالأحرى المُستهلكين للبضاعة النوعية من الفن الشعبي.
أن يستمر إنتاج مُسلسل واحد ينتمي لهذه الفكرة لثلاث مواسم مُتتالية في رمضان على النهج نفسه في تقديم العوالم الخاصة للجن، وقُدرات أصحاب الكرامات في مطاردة العفاريت، فهذا لا يعني إلا إصراراً من جانب صُناع العمل على استثمار الحالة الهُلامية الغيبية الخرافية، استثماراً مادياً بحتاً بغض النظر عن مساوئ ذلك التوظيف الخاطئ لرأس المال والقُدرات الإبداعية لنجوم العمل والمُشاركين فيه.
لقد أثار مُسلسل «المداح» كنموذج صارخ للنوعيات الدرامية المُشار إليها، جدلاً واسعاً حول الجدوى من التمادي في ترسيخ مفهوم القوة الخارقة وإمكانية سيطرتها على الإنسان بشكل آلي، تعجز أمامه قُدرات التحصين العلمية والإيمانية كافة، على النحو الذي شاهدته جموع الملايين من المشاهدين في مصر وبعض الدول العربية الأخرى، على مدى سنوات وعبر ثلاثة أجزاء، تم عرضها من المُسلسل ذاته الذي قام ببطولته المطرب الشعبي حمادة هلال، وجسد فيه شخصية المداح، أو شيخ الطريقة الصوفية.
اللافت في الموضوع هو ردود الأفعال الجماهيرية، التي ترجمت حالة التصديق لسطوة الجن ومخاوف البشر من أن يُصبحوا أسرى للقوة غير المرئية، في استسلام غريب للمُعتقدات الخرافية وأساليب الشعوذة، لاسيما أن المُعالجة الدرامية لم تنفِ قُدرات العفاريت والكائنات السفلية، بل أكدتها وعملت على تغذية المُتلقي بالأفكار السلبية، التي أسلمته للأوهام وجعلته فريسة للمشعوذين والدجالين ومُحترفي النصب والاحتيال.
لقد تجاوز الاهتمام بمُسلسل «المداح» المستوى التقليدي للإعجاب بالقصة والسيناريو والأداء التمثيلي، فقد صار حالة راهنة تمددت أخطارها فوصلت إلى حد اليقين، بأن هناك بالفعل من يستطيع التحكم في أقدار الناس ومصائرهم ويُفسد عليهم حياتهم، فما تم عرضه من صور درامية ليس ضرباً من خيال، حسب اعتقاد البعض، وإنما هو محض حقيقة تضمنها المُسلسل، وصرح بها الأبطال وأنبأت بها المؤثرات الصوتية والضوئية!
الغريب أن موجة الشعوذة بدأت منذ فترة طويلة وارتبطت ارتباطاً شرطياً بشهر رمضان، باعتباره موسم تمرير وترويج الغث والسمين من الأعمال والمُصنفات، فقبل سنوات تم عرض مسلسل «ونوس» بطولة يحيى الفخراني ونبيل الحلفاوي وهالة صدقي. وقد دارت أحداثة حول ذات المعاني الغيبية، فالشيطان الذي جسده يحيى الفخراني كان هو صاحب القرار في كل ما يتعلق بضحاياه من الذين غواهم، وسيطر عليهم ووسوس إليهم، فآلت مصائرهم إلى التعاسة والخسران.
كذلك مُسلسل «عفاريت عدلي علام» لعادل إمام وغادة عادل وكمال أبو رية، اعتمد بشكل أساسي على تصدير الخرافة ونسجها داخل الخيوط الدرامية، للإيهام بأنها جزء من واقع يعيشه الإنسان بغير إرادته، واستمرت الأحداث وفق هذه الافتراضية اللامعقولة، واستُخدمت الكوميديا كغطاء للتمويه لتفادي الاعتراضات الرقابية والنقدية آنذاك. ولم يكن مُسلسل «هي ودافنشي» الذي قامت ببطولته ليلى علوي مع خالد الصاوي قبل عدة سنوات خارج هذا الإطار، وإنما حذا الحذو نفسه، مع تغيير في الشكل والتناول وطريقة الأداء، حيث الفكرة ذاتها صبت في الموضوع ذاته، الجنية فائقة الجمال التي أحبت الفنان التشكيلي وغدت تطارده في منامة ويقظته واحتلت موقعاً رئيسياً في حياته، رغماً عنه، إلا أنها بعد ذلك نجحت في أن تُشغله بها إلى حد العشق والهيام فامتلكته تماماً فلم يعد في إمكانه الاستغناء عنها.
وما بين الخيال والواقع تمت صياغة الحلقات بما اقتضاه خيال الكاتب، فباتت الصورة الدرامية عن تلك الجنية التي هبطت على البطل، من حيث لا يدري ولا يعلم حاضرة بقوة في أذهان العامة من المُتلقين والمُتعاطين لصنوف الشعوذة الدرامية، بقوة التأثير الدعائي وتسلط الآلة الإعلانية التي يُمكنها صناعة المُعجزات، إذا ما أرادت فرض نمط إبداعي معين وترويجه على أوسع نطاق، ليُصبح هو الواقع بذاته وتفاصيله وما عداه هو الخيال.
لقد لعبت الدراما بذهابها نحو الخيال المُطلق دوراً رائداً في استبعاد القضايا المهمة من خريطة الإبداع الحقيقي، فعملت على استبدال المُجدي والمُفيد من الموضوعات بالهزلي والركيك واللا منطقي، لتحجب عن الرأي العام ما يعكر الصفو ويُفسد العلاقة بين الشاشة الصغيرة وعشاقها الموسميين من هواة الكوميديا والمساخر!

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية