محمد أمين… مخرج مصري رفض بيع السينما لحساب السياسة

«فيلم ثقافي» الذي أنتج في عام 2000 هو باكورة أعماله السينمائية، فقد لفت المخرج محمد أمين خريج المعهد العالي للسينما دفعة 1985 النظر بقوة إلى تميزه، إذ استطاع أن يشغل الرأي العام السينمائي لمدة طويلة بفيلمه الكوميدي البسيط، الذي قامت فكرته على مفهوم الكبت لدى الشباب وما يُمكن أن يُسفر عنه من خروج على التقاليد الاجتماعية والاستسلام للغواية، في ظل إلحاح الغرائز الطبيعية، التي لا تجد لها مُتنفساً في ظل الضغوط الاقتصادية القائمة والمؤثرة بشدة على كل المناحي. لعب أمين على الوتر الكوميدي الساخر لتمرير الفيلم، دون شوشرة ومُصادرة رقابية، ونجح بالفعل في التحايل بالكوميديا على الأزمات المتوقعة آنذاك، واستطاع أن يُحرك الماء الراكد في البحيرة السينمائية بمفاهيمه غير التقليدية، وأسلوبه الفارق في المُعالجة الدرامية السلسة للقضايا الإنسانية والسياسية الشائكة.
في عام 2001 قدم المخرج محمد أمين فيلمه الثاني «جاءنا البيان التالي» بطولة محمد هنيدي وحنان ترك، ولم يستطع التخلي عن أفكاره وآرائه المُعارضة، حيث اتبع الأسلوب الكوميدي الخفيف نفسه في التعبير عن أزمة الفضائيات الخاصة، الجانحة إلى الإثارة والباحثة عن أسباب ومعطيات لتفجير القضايا السطحية، لاستقطاب أكبر نسبة من المُشاهدين على حساب القضايا الجادة والمهمة. فنادر «صلاح الدين» (محمد هنيدي) رغم أنه مُذيع ناجح ونزيه ويسعى جاهداً إلى تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي لمواجهة الفساد، إلا أنه يُعاني دائماً من استبداد رئيس القناة وتسلطه، وإحباطه لكل المحاولات الجادة في مناقشة القضايا ذات الأثر الاجتماعي. ومن هنا نستنتج رأي المخرج في ما يراه من تقاعس إعلامي يستوجب التوقف طويلاً أمام شروط التمويل الخاص، وانشغال أصحاب القنوات طوال الوقت بتحقيق الأرباح من عائد الإعلانات فقط، دون النظر للاعتبارات المهنية. هذه الصيحة المُبكرة، أطلقها محمد أمين في وقت مبكر، وكأنه كان يدق ناقوس الخطر للتنبيه لخطورة ما يحدث من تواطؤ تجاه القضايا والمسؤوليات المنوط بالإعلام الرسمي والخاص تحملها.

وبعد مرور عام 2001 ظل أمين مُنتظراً الفرصة لتقديم عمل آخر يُضمنه قضايا ومُشكلات جديدة يراها جديرة بالطرح والتحليل السينمائي، على طريقته الكوميدية المعهودة، فكان فيلمه «ليلة سقوط بغداد» الذي عُرض عام 2005 وتناول فيه المخرج مساخر الحرب الأمريكية على العراق مُوضحاً الحلقات المُنفصلة المُتصلة لمحاولة أمريكا الهيمنة على العالم العربي والكشف عن وجهها القبيح في التعامل السياسي والعسكري مع العراق وسوريا، كحلقات أولية، وانتهاءً بما حدث بعد ذلك في ليبيا واليمن وغيرها. كان ذلك استشرافاً سينمائياً للمُستقبل السياسي في المنطقة العربية وقراءة مُدققة لما هو مقبل ومتوقع، قبل أن يتحقق فعلياً بعدة سنوات بناءً على ما تقدم من مُعطيات حقيقية، لم يثبت عكسها بمرور الزمن، بل ثبتت صحتها تماماً فقد صدقت السينما وكذبت تصريحات الأمريكيين الذين وعدوا فاخلفوا وتوعدوا فنفذوا!
ولم يمر وقت طويل حتى أنجز المخرج محمد أمين فيلمه الآخر «بنتين من مصر» مُستعرضاً خلاله أزمة الفتاة المصرية التي صارت أكبر من سنها، جراء التأثيرات السلبية المُخيفة التي تحدث من حولها، فقد أشار الفيلم بأصابع الاتهام إلى شبح العنوسة الذي يتهدد نسبة كبيرة من بنات مصر نتيجة التضييق الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، وتزايد نسبة الإناث بفارق شاسع عن نسبة الذكور، في مجتمع يئن من أمراض الأمية والجهل ويصارع من أجل البقاء. وأخيراً جاء الفيلم التراجيدي «فبراير الأسود» الذي لخص كل الأزمات في تراكم السلبيات السياسية على مدى سنوات وفساد كبار وصغار المسؤولين والسعي إلى إقرار مبدأ توريث الحُكم في نظام مبارك، وكيف ساعد ذلك على قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني وإحداث الفوضى التي وقفت وراءها جهات خارجية دعمتها بشده وأطلقت عليها مُسمى الفوضى الخلاقة.
لقد رصد الفيلم كل ظواهر التدمير والتآمر على الدولة والشعب معاً، وقد اتجه المخرج إلى تحليل نقاط الضعف في البنية السياسية التي كانت سبباً مباشراً في إحداث التصدعات والانهيارات بشكل مُفاجئ، ودون سابق إنذار، اللهم إلا بعض المؤشرات والإرهاصات التي تمثلت في نشاط حركة كفاية وحركة ضد التوريث واحتجاجات بعض الأحزاب السياسية القليلة على السيطرة الكاملة للحزب الحاكم، وتصعيد قياداته تصعيداً غير مسبوق لإحكام القبضة على جميع مفاصل الدولة. بعد «فبراير الأسود» كانت هناك تجربتان تاليتان للمخرج هما فيلم «200 جنيه» وفيلم «المحكمة» لكن لم يكن لهما الصدى والتأثير نفساهما لظروف خاصة بتوقيت العرض والمناخ العام للحركة السينمائية المصرية.
هكذا كان الإسهام السينمائي للمخرج محمد أمين مضبوطاً على إيقاع المُعارضة، في مراحل سابقة من أجل مصلحة الشعب، قبل أن يتجه ـ على استحياء ـ إلى الدراما التلفزيونية ويُدلي بدلوه فيها عبر مسلسله «نور خالد وولده خالد نور» الذي عُرض في موسم رمضان الماضي. وحسبما هو مُعلن لا يزال في الجُعبة فيلمان آخران، لم يتم عرضهما بعد، هما «التاريخ السري لكوثر» بطولة ليلى علوي وزينة، وفيلم «أصل الحكاية» بطولة شيري عادل.

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية