حج البابا من بيت لحم الى القدس وحيرة «غوغل»!

حجم الخط
11

توقف محرّك البحث «غوغل» حائراً عندما طلبنا منه طريقة الوصول من بيت لحم الى القدس وأجاب: «لم نستطع حساب الطريق بين بيت لحم والقدس، اسرائيل»!
ولعلّ هذه الفاصلة التي وضعها محرك البحث بين كلمتي القدس وإسرائيل أضخم بكثير من الجدار الإسرائيلي العازل، وهي واحدة من الأسباب العديدة التي استوجبت حجّ بابا الكاثوليكية فرنسيس الأول الى بيت لحم، مروراً بعمّان، فيما كلّفه حجّه الى القدس المرور بتل أبيب، بدلاً من قطع المسافة القصيرة بين البلدتين مباشرة، في تلخيص جغرافي رمزيّ لإحدى أكبر إشكاليات العالم السياسية حالياً.
يمثّل البابا الأرجنتيني الأصل فرصة للمؤسسة المحافظة للكنيسة الكاثوليكية لتجديد نفسها والخروج من مركزيتها الأوروبية، كما ينظر الناس الى زيارته هذه الى فلسطين التاريخية كمحاولة لتقديم اقتراحات مفيدة للخروج من الأزمة الوجودية التي دخل فيها التاريخ البشري في هذه البقعة المقدّسة لدى المنتسبين للأديان التوحيدية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام.
رغم أن البابا قال ان زيارته من طبيعة روحية لكن كل ما يقوم به تتم ترجمته سياسياً، كما أن أي تغيير في بروتوكول الزيارة يفهم باعتباره خرقاً للتوازن السياسي الدقيق الذي قام منظمو الزيارة بضبطه «على الشعرة»، ومن ذلك توقف البابا أمام الجدار الإسرائيلي الفاصل في الضفة الغربية «في خطوة لم تكن مقررة» كما قالت وكالات الأنباء، حيث ترجل من مركبته وشاهد ذلك «الجدار البغيض الذي تقيمه اسرائيل القوة الغاشمة للاحتلال على أراضينا»، كما وصفه له محمود عباس.
اسرائيل، بشخص رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وجدت في زيارة البابا فرصة إعلامية كبيرة للتسويق السياسي الرخيص، فاعتبر نتنياهو ان زيارة البابا «فرصة لعرض صورة اسرائيل الحقيقية أمام العالم»، وطابق بين مفهوم «الأرض المقدسة» و»أرض اسرائيل»، التي تحكمها دولة «متقدمة وحديثة ومتسامحة»، «الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تضمن حرية العبادة الكاملة لأبناء جميع الأديان».
وبغض النظر عن الطبيعة الروحية أو السياسية لزيارة البابا فإنها تشكّل مناسبة مهمة للتفكّر في المآلات العميقة للتاريخ البشري على ضوء النزاعات العالمية الكبرى التي تتقنّع بصراع الأديان، فهي تعيد التفكّر بالحملات الصليبية التي بدأت عام 1095 ميلادية ولم تنته آخر حملاتها حتى عام 1272 حاصدة أرواح مئات آلاف البشر، الذين لم يكونوا من المسلمين فحسب، بل كذلك من اليهود ومن طوائف الشرق المسيحية أيضاً، ناهيك عن ضحاياها من الصليبيين أنفسهم.
يشبّه كثيرون من المؤرخين وجود اسرائيل الحالي في فلسطين التاريخية بالحملات الصليبية، ويتوقعون للمشروع الصهيوني مآلاً مشابهاً لتلك الحملات، لأنه مشروع مغلق على نفسه، ومزاعم نتنياهو عن اتصافه بصفات التقدم والحداثة والتسامح، يتناقض مع المنطق الطبيعي للأشياء، فمن غير الممكن لمشروع جوهره مقفل وعنصري وعدوانيّ يكرّس منهج الاحتلال الإستيطاني والإنغلاق على الذات وكره الآخر، أن يكون متسامحاً ومتقدماً وحديثاً.
تلمس زيارة البابا جروحا تاريخية عميقة تشكلت عبر العصور بين منتسبي الأديان الثلاثة الذين يتنازعون رأسمالها الرمزي في اشتباكات مصالح سياسية متضاربة وشائكة، ورغم الدعوات، التي نفترض أنها صادقة، للجميع، أن يفكّروا بفوائد السلام، والصلوات التي تتألم للضحايا من كل الأطراف، فمن المؤكد أن لا معجزة ستغيّر الوضع المستعصي في «الأرض المقدسة» ما دام هناك شعب يحتلّ أرض شعب آخر فيما يزلزل صراخه العالم بأنه هو الضحية وليس الفلسطينيين.

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوريا:

    لا بحل ولا بربط، زار أماكن مهمة بإسرائيل ورغم عنه، أكثر من زيارته الدينية للأمان المقدسة في فلسطين، لماذا لم يزر مقبرة الشهداء في فلسطين؟ كانت سياحة دينية فلسطينية لا أكثر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية