كريم بقرادوني في «ميشال عون، رجل التحديات»: نجح كقائد عسكري ولم تتحقق آماله السياسية

 سمير ناصيف
حجم الخط
0

يكتسب كتاب كريم بقرادوني الذي صدر مؤخراً تحت عنوان «ميشال عون، رجل التحديات» أهمية خاصة في هذه المرحلة التي يتم التداول فيها محلياً وإقليمياً ودولياً في موضوع هوية رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل.
وبقرادوني هو شخصية لبنانية تنقلت في مناصب مسؤولية عديدة في جهات فاعلة في لبنان حزبية ووزارية، وكان مقرباً من عدد من رؤساء الجمهورية والأحزاب السابقين وقادة فاعلين وبينهم من يستمر في مناصبه. ولعل أفضل لقب يوصف به هو «كاتم الأسرار» الذي يأتمنه معظم هؤلاء حول قراراتهم ودوافعها، علماً انه أنجز كتباً عن عدد من رؤساء الجمهورية السابقين، الياس سركيس وأمين الجميل وأميل لحود بعد تركهم الرئاسة بأقل من سنة.
وبسبب انتماء بقرادوني إلى حلقة مقربة من الرئيس عون سمح عون له بطرح أسئلة والحصول على أجوبة عنها لم يكن ليجيب عنها لآخرين غيره. علماً أن عون قد انتخب رئيساً في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016 وبقي في منصبه لست سنوات، وكان قد قضى فترة طويلة في هجرة قسرية إلى فرنسا عاد بعدها في 7 أيار (مايو) 2005 إلى لبنان إثر اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري قبل ذلك بثلاثة أشهر 14 شباط (فبراير) 2005.
يبلغ عون حاليا التاسعة والثمانين من عمره، وهو يعيش في منزله الخاص في منطقة الرابية في قضاء المتن الواقعة شمالي بيروت، وما زال الرئيس الفخري لحزب «التيار الوطني الحر» الذي أنشأه بعد عودته إلى لبنان من المهجر القسري والذي يترأسه تنفيذياً صهره النائب والوزير السابق جبران باسيل.
يذكر بقرادوني في الفصل الأول من الكتاب أن ميشال عون، وعندما كان ضابطاً في الجيش، كان مقرباً من رئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل الذي اغتيل في صيف عام 1982 بعد فترة قصيرة على انتخابه. وكان بشير على علاقة بعون قبل انتخابه رئيساً وصمم على تعيينه قائداً للجيش لو أُتيح له الوصول إلى الرئاسة والبقاء فيها، ولكن جهات أخرى في لبنان عارضت مثل هذا التعيين بعد اغتيال بشير بسبب تنافسها مع عون على القيادة المسيحية وادراكها بكونه صاحب قرارات تتسم بالاستقلالية والتحدي للخصوم. كما عارضه قادة الأحزاب اللبنانية في المناطق غير المسيحية.
يقول بقرادوني في هذا المجال في الكتاب: «أدركَ ميشال عون باكراً أن منع تدخل الجيش اللبناني لحفظ الأمن كان الحلقة الأهم لإشعال الحرب الأهلية في لبنان بقصد تقسيمه وتوطين الفلسطينيين فيه وإذا اقتضى الأمر تحويل لبنان إلى الوطن البديل وفق خطة هنري كيسنجر في العام 1973» (ص23 ـ 24). ويضيف المؤلف أن عون، وعندما طلبت منه القيادة العسكرية للجيش عام 1976 المشاركة في لجنة رباعية بهدف إعادة بناء المؤسسة العسكرية التي أصيبت بندوب منذ اندلاع حرب 1975 أصر على بناء نواة موحدة للجيش تنطلق من وزارة الدفاع وتضم ضباطاً وجنوداً من مختلف المناطق والطوائف لإعادة بناء جيش واحد لكل لبنان. وقد حظي طرح عون بدعم من رئيس الجمهورية آنذاك الياس سركيس الذي رأى بأن صيغة عون كانت تعني الحفاظ على وحدة لبنان وصيغة العيش المشترك» (ص 25 ـ 26).
كما يضيف الكاتب أنه في العام 1980 أنشأ بشير الجميل هيئة مصغرة من المستشارين بينهم انطوان نجم، وميشال عون الذي اختار لقب «رعد» وسمير جعجع الملقب بالـ «حكيم» وذلك بهدف إيجاد صيغة سياسية جديدة للبنان. ولم تخرج الهيئة بأي نتيجة بسبب التباعد المستحكم بين عون وجعجع اللذين كانا يختلفان على أي نقطة تطرح. وعلى الرغم من الخلاف بين عون وجعجع، حافظ بشير على تواصله تنظيمياً بجعجع وسياسياً بعون والتقى مع عون على مشروع المقاومة والإصلاح. وبدأ بشير ينادي بوحدة لبنان رافعاً شعار 10452 كيلومترا مربعا وكان عون يكرر موقفه ضد التقسيم. وهكذا التقى عون وبشير على وحدة لبنان والعيش المشترك فيه وضرورة تحريره من كلا الاحتلالات» (ص 32).
كما توسط عون بين قيادتي حزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار في عام 1980 عندما تواجها ميدانياً وكان بشير يسعى آنذاك لتوحيد البندقية المسيحية في لبنان فاشتبك الحزبان في مناطق مختلفة من المنطقة الشرقية ذات الأكثرية المسيحية، علماً ان بشير طلب من عون القيام بدور الوسيط بين الحزبين.
في بداية الفصل التالي، يقول المؤلف: «عارض الوزراء نبيه بري ووليد جنبلاط وعبد الله الراسي بشدة تعيين ميشال عون قائداً للجيش بذريعة انه منحاز وهو من رموز الحرب». وكان الأكثر تشدداً في ذلك وليد جنبلاط الذي قال انه «إذا بدنا نرجع على الدوامة القديمة عمرو ما يرجع لبنان» فرد الرئيس أمين الجميل على المعترضين أن «ميشال عون هو الأقدر على معالجة الاختراقات التي أصابت الجيش اللبناني على يد القوات اللبنانية وهو الذي يستطيع إعادة لملمة المؤسسة العسكرية المبعثرة» (ص 49). وقد عيّنه الرئيس أميل الجميل قائداً للجيش في 23 حزيران (يونيو) 1984 وذلك بالرغم من ان العلاقة بين عون والرئيس الجميل لم تكن دائماً على ما يرام (ص 50).
ويضيف المؤلف: «أما سمير جعجع فكان قلقاً من جراء تعيين ميشال عون قائداً للجيش خشية من أن يكون ثمن هذا التعيين اتفاقاً بين عون والجميل على ضرب القوات اللبنانية. ومنذ البدايات ظهرت معالم الصراع الماروني على الزعامة بين الثلاثي أمين الجميل وميشال عون وسمير جعجع.
ويشير بقرادوني انه التقى عون عام 1985 وهنأه على إدارته المفاوضات مع إسرائيل وتسجيل كسب للبنان على الصعيد الإعلامي «وأبديت خشيتي من تفخيخ هذا النجاح عن طريق تفجير الوضع بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية» فرد الجنرال بالتأكيد انه «ليس وارداً عنده الاصطدام بالقوات اللبنانية أو التخلص منها لكون ذلك سيخل بالتوازن في لبنان ولأن إلغاءها له ثمن هو إلغاء كل الميليشيات وخاصة ميليشيا حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي» (ص 60).
ورأى عون أن عهد الرئيس أمين الجميل شهد فترة تكافل للثنائي السوري ـ الإسرائيلي في لبنان وأن الاتفاقات التي كان يوقعها لبنان آنذاك كانت تسقط تحت إحدى ذريعتين أما انها كانت لا ترضي دمشق التي كانت تنظر إلى أمن سوريا من أمن لبنان أو لأنها لا تأخذ بالاعتبار مقتضيات الأمن الإسرائيلي. «الثغرة الأهم في تلك الاتفاقات كانت تتمثل بعجز السلطة اللبنانية عن ضمان التنفيذ لكونها تستمد شرعيتها من الخارج. ان سوريا كانت قادرة على أن تسقط كل اتفاق ثنائي لبناني ـ إسرائيلي مثلما كانت تستطيع إسرائيل تفشيل كل اتفاق ثنائي لبناني ـ سوري». ورأى الجنرال «أن اتفاقاً واحداً كُتبت له الحياة هو اتفاق الهدنة الذي نُظم بين لبنان وإسرائيل في العام 1949». وفي كل حال برأي الجنرال «على سوريا وإسرائيل أن تدركا بعد تجاربهما الطويلة ان لبنان القوي هو الجار الأمثل لكليهما. والمؤسسة العسكرية القوية لها دور أساسي في الدفاع عن ديمومة الدولة وحماية المواطن وعليها ان تبقى دائماً على الحياد» (ص 63). الفصول الأخيرة في كتاب بقرادوني تظهر إلى حد ما بأن صورة ميشال عون كرجل مواجه للتحديات كانت تظهر بشكل أفضل قبل وصوله إلى رئاسة الجمهورية وكانت أكثر وضوحاً آنذاك. ولا يقدم الكاتب تفسيراً مباشراً لأسباب هذا التغيير فيما هناك تفسيرات من مصادر مقربة من عون وأخرى في خصومة معه. فالجهات المقربة تعتبر بأن مشروع الجنرال ميشال عون حورب على جبهات عدة داخلية وخارجية وأن القيادات الدولية والإقليمية التي حاربته عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية في الماضي استمرت في عرقلة مشاريعه بعد وصوله إلى السلطة. أما خصومه فيرون بأن الجنرال سجّل أهدافاً في مرماه عندما بالغ في توسيع نفوذ صهره جبران باسيل في قيادة التيار الوطني الحر ما أخسر ميشال عون الكثير من حلفائه وساهم في تقليص هالة التأييد الشعبي التي كان يتمتع الجنرال بها بسبب تجنبه المناورات السياسية والحرتقات واعتماده الصراحة والالتزام في المواقف خلافاً لممارسات خصومه وبعض أعوانه.
فعون كان يسعى إلى تصحيح الأوضاع المالية والاقتصادية في البلد التي سببتها تصرفات حاكم المصرف المركزي السابق وتواطؤ أصحاب المصارف معه والعمليات المشتركة المخالفة للشرائع والقوانين التي ساهمت فيها الحكومات المتعاقبة وخصوصاً الجهات المالية فيها بالإضافة إلى عدم فعالية الجهاز القضائي في ضبط هذه الأمور. ولكنه سلّم هذه المواجهة إلى معاونيه الذين فشلوا في مهماتهم. وما كان عون ليفعل ذلك عندما كان في مناصبه العسكرية السابقة بل كان يصيب الهدف في أوامره ومواقفه وترفعه عن المادية والمراوغة والتردد. ويقول بقرادوني إن عون قال كلمته الأخيرة قبل انتهاء مهمته الرئاسية وسأل الناس من سرق أموالهم ولماذا لم يوضع أحد من السارقين وراء القضبان بعد؟
وهنا يتهم عون الجميع من سياسيين وقضاة وحكام وأصحاب مصارف في وقت كان فيه ممثلوه في الحكومات المتعاقبة يتعاملون مع هؤلاء الملتوين ويستفيدون في كثير من الأحيان من قراراتهم ويجددون لهم في مناصبهم. فهل كان عون سيفعل الأمر نفسه عندما قاد اللواء الثامن في الجيش اللبناني؟ هل كان سينتظر تعاون الضباط والجنود الذين كانوا تحت أمرته ليقرروا قرارات الرد والقصف ويختار بينهم المترددين أو انه كان سيتخذ القرارات بنفسه ويتحمل مسؤوليتها؟
ويقول بقرادوني في هذا الصدد: «على بعد تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية صارحني الرئيس عون في أواخر آذار (مارس) 2022 قائلاً: «لن أترك موقعي إلا وأكون قد كشفت الفاسدين وشجعت الأوادم والشجعان على تسلم مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايتي» (ص 516) فهل فعل عون ما التزم بفعله أو أنه ما زال مصمماً على اكمال مسيرته بتوكيل أمور التيار الذي أنشأه إلى شخصيات مقربة منه في أمور ومختلفة عنه في أمور أخرى هامة بالنسبة إلى مؤيديه؟

كريم بقرادوني: «ميشال عون رجل التحديات»
كنعان للنشر والتوزيع، بيروت 2024
582 صفحة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية