«في وصف حالتنا» كتاب الإعلامي البريطاني جون سنو: مهمة الإعلام مكافحة التفرقة وعدم المساواة في العالم

 سمير ناصيف
حجم الخط
0

ما هو دور الصحافي، أكان أجنبياً أو شرقياً وعربياً أو يعمل في الإعلام المكتوب أو المرئي والمسموع أو في أي وسائل إعلامية أخرى كوسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً عندما تحدث الأزمات الخطيرة والكبيرة؟

هذا سؤال صعب يحاول الصحافي التلفزيوني البريطاني المعروف جون سنو، الذي عمل في معظم حياته المهنية الإعلامية في تقديم الأخبار في القناة التلفزيونية الرابعة في التلفزيون البريطاني، الإجابة عليه في كتاب صدَرَ مؤخراً بعنوان: «في وصف حالتنا» عن وضع الإعلاميين كمجموعة إنسانية في معالجة الإيجابي والسلبي.
خلاصة هذا الكتاب القليل في صفحاته والغني في محتواه الفكري والإنساني هي أن بث إعلام التفرقة المشجع على عدم المساواة المنتشر بشكل كثيف هذه الأيام في سائر أنحاء العالم يشكل الآفة الأخطر والأسوأ أن في بريطانيا حيث عمل سنو أو في البلدان التي غطاها كمراسل في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
عموماً، عندما يُطرح السؤال على أي شخص بريطاني عادي عن رأيه في جون سنو، يأتي الجواب بأنه صحافي حرفي وموضوعي متمرس ذو ميول إنسانية.
ولسوء الحظ صدَرَ كتاب سنو المراجع هنا قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وما تبعها من مجازر ارتكبتها السلطة العنصرية التي تقود الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. فلا عجب أن يعبّر في الفصول الأولى من كتابه عن حسرته وألمه لاستشهاد طفلة من آل الهاشمي في مأساة احتراق مبنى برج غرينفل تاور، في منطقة كينزنغتون في لندن بسبب إهمال بلدية كينزنغتون في مراقبة وضبط تجهيزات الحماية من الكوارث في ذلك المبنى لكونها منشغلة في أمور أخرى مادية ربحية لا تندرج فيها حماية أبناء المهاجرين المقيمين في أبنية في لندن خالية من تجهيزات الحماية الكافية.
ويتساءل سنو في الفصل الأول قائلاً: «كم من الأثرياء في بريطانيا والعالم قضوا محترقين في أبراج سكنية غير مجهزة بوسائل الحماية كما حدث في برج غرينفل؟ وهل على هؤلاء المهاجرين المقيمين في مثل هذه الأبراج أن يدفعوا ثمناً لكونهم هاجروا إلى بريطانيا سعياً إلى حياة أفضل لأولادهم؟» (ص 8). خلاصة هذا الكتاب في فصوله الأولى تمتد إلى فصوله التالية حيث يعرض جون سنو ما جرى معه في لقاءاته المتعددة مع كبار قادة بريطانيا منذ لقائه رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر وحتى الساعة.
في الفصل الرابع يقول سنو: «قد يندهش البعض لمعرفة إلى أي حد كانت علاقتي كصحافي جيدة مع رئيسة الحكومة الراحلة مارغريت ثاتشر. فبرغم عدم تأييدي لسياساتها عموماً فإنني احترمتها كثيراً نظراً لشجاعتها في الرد على الأسئلة ولأنها كانت سياسية فاعلة وخصوصاً انها كانت أول امرأة تحتل منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا، وهي سعت للقيام بمهمتها بمهارة ولم تكترث وتتردد إذا كان الصحافي الذي يجري مقابلة معها يوافق على آرائها أو لا، بل كانت تدلي بآرائها من دون تحفظ. وكانت مستعدة لمواجهة الصحافة عموماً خلافاً لكثير من السياسيين في العالم الذين يخشون القيام بذلك. كما أنها كانت مستعدة للمحاسبة من جانب الصحافة والشعب وبالتالي كانت برأيي تمثل نموذجاً للقائد أو القائدة التي يجب ان يُحتذى بها في المجتمعات الديمقراطية» (ص 85 ـ 86).
ويعتبر سنو أن قادة حزب المحافظين الذين تبعوا ثاتشر لم يكونوا في نفس جرأتها وبعضهم ارتكب أخطاء كبيرة بسبب ترددهم وفي بعض الأحيان انتهازيتهم. وعلى رأس القائمة (برأي سنو) في هذا المجال كان بوريس جونسون الذي لم يعتبره المؤلف سياسياً جدياً محترفاً والذي كان يمارس دوره في رئاسة الوزراء «وكأنه في لعبة عليه أن يحسن إدارتها للفوز فيها بدلاً من كونها مهمة عليه أن يخدم من خلالها شعبه بأخلاقية وتجرد». و«عملية بريكست (الانسحاب البريطاني من أوروبا) كانت جزءاً من هذه اللعبة بالنسبة إليه حيث كان يلعب أدواراً مختلفة ومتناقضة تناسب سلطته» (ص 87).
أما ديفيد كاميرون وزير الخارجية الحالي فمع احترام سنو له فإنه يلومه بشدة على طرح قضية بريكست للاستفتاء العام في عام 2016 لأن الشعب الذي صوّت مع الانسحاب من أوروبا لم يدرك خطورة هذا الأمر اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بل صوّت للتعبير عن نقمته من الأوضاع العامة والانقسامات بين الأحزاب والمجموعات المختلفة في البلد. كما أن الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الحالي في بريطانيا بعد بريكست سيء جداً ومن الصعب معالجته. «وهنا يبرز الفارق بين قرارات ثاتشر الحكيمة مصيرياً وقرارات كاميرون وجونسون، فإنها ما كانت لتطرح موضوعاً بهذه الأهمية حول مصير بريطانيا في استفتاء شعبي أو أن تستغله لمصلحة بقائها في منصبها» (ص 87 و88). وبرغم الخطأ الذي ارتكبه كاميرون فإن سنو يكنّ له الاحترام ويتمنى له النجاح في منصبه الحالي كوزير للخارجية كما أنه كان يرتاح إلى إجراء مقابلات تلفزيونية معه، إذ ان كاميرون كان وما زال صريحاً في هذه المقابلات وغير موارب، بيد انه بالغ في الثقة بنفسه عندما كان رئيساً للحكومة وعندما دعا إلى الاستفتاء بالنسبة إلى بريكست وحول الانسحاب البريطاني من أوروبا وأوصل بريطانيا إلى وضعها السيء الحالي اقتصادياً وسياسياً، كما توقع سنو.
ويعتبر سنو أن الإعلام البريطاني أخفق عندما لم ينبه الشعب البريطاني كفاية حول خطورة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ما أدى إلى فوز مؤيدي الانسحاب بهذا الاستفتاء (ص 90).
في الفصل الختامي يعرض سنو رأيه بقادة بريطانيا الذين قابلهم في عمله في القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني أو في مناسبات أخرى، فيقول إن رئيس الحكومة الذي اعتبره الأكثر نزاهة ومهنية في عمله كان غوردون براون الذي وصل إلى منصبه في فترة صعبة بعد انتهاء حكم توني بلير، إذ كان البلد يمر بفترة اقتصادية صعبة، كما أن بلير وبعد اقحام بريطانيا في الحرب على العراق في عام 2003 وتقديمه هو وحليفه جورج بوش الابن تفسيرات «ملتوية» وغير مقنعة لدوافع تلك الحرب، وضع براون في موقع صعب جداً. كما ان براون وبرغم نزاهته ومهارته في الشؤون الاقتصادية لم يكن يمتلك الكاريزما الإعلامية التي كان يمتلكها توني بلير والذي كان بإمكانه إقناع الجمهور بسياساته والتغطية على أخطاء سلفه بلير بواسطتها.
ولكن بلير (برأي سنو) امتلك قدرات أخرى غير الكاريزما، «وكان بإمكانه ان يحتل مركزاً مرموقاً في تاريخ قياديي بريطانيا لولا انه كان يستخدم دائماً وسيلة عدم الإجابة الصريحة على الأسئلة. وبالتالي، ستتذكره الأجيال الحالية والمقبلة حول سياسته الفاشلة في العراق في عام 2003» (ص 228 و229).
ولم يظهر سنو أي اهتمام بتحليل مواقف رئيسة الوزراء تيريزا ماي سوى انه أشار إلى صعوبة استقصاء آرائها في المقابلات معها، وأما بالنسبة إلى بوريس جونسون، فيقول إن فترة حكمه رافقتها الفضائح وإن «المعجزة كانت في تمكنه من البقاء في منصبه لمدة ثلاث سنوات» (ص 229).
وعن رئيس الوزراء الحالي ريتشي سوناك يقول: «لم يتوقع كثيرون في حزب المحافظين وصول ريتشي سوناك إلى رئاسة الحكومة وهو من أقلية ومن أصل غير بريطاني. وعندما تسلم منصبه اعتبر بعض هؤلاء ان هذا المنصب سيكون مؤقتاً بانتظار الانتخابات الاشتراعية المقبلة» (ص 230). ولكن سنو فضل عدم اتخاذ أي موقف حاسم في هذا المجال في كتابه. سوى انه أكد بأنه ما زال مصمماً على الاستمرار في عمله الصحافي والتمسك بالموضوعية إلى أقصى درجة ممكنة.
كما أن سنو رفض تسلم وسام ضابط في الإمبراطورية البريطانية «DBE» لاعتباره بان مثل هذا الشرف واللقب برغم أهميته لأي بريطاني قد يدفعه إلى أن يصبح جزءاً من نظام في بلد يتسم بعدم المساواة والتفرقة، ولأنه يفضل الاحتفاظ بموضوعيته وحياده وأمله في ان تتحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بريطانيا وان تتاح الفرص للجميع بالوصول إلى أعلى المناصب وألا تبقى هذه الفرص مقتصرة على أبناء النخب الاجتماعية وحدهم ومنحصرة عموماً بأصحاب الثروة والسلطة.
وفي الفصل السابع، يتحدث سنو عن زياراته إلى إيران ومشاعره نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية رابطاً التغطية في هذا الفصل بحرية الصحافة. ويؤكد في هذا الفصل انه يحب ويحترم الشعب الإيراني وثقافته الغنية. وأن إيران بالنسبة إليه هي إحدى أجمل بلدان العالم التي زارها. وخلال زيارته لها في عهد شاه إيران كانت تتسم بعدم المساواة بين أبناء شعبها وبالتالي لم يعجبه الوضع الطبقي فيها برغم تناغمه مع أبناء الشعب الإيراني على اختلاف طبقاتهم. وإيران، حسب قوله، دولة متطورة وانه بإمكان أوروبا وأمريكا التفاعل حضارياً مع إيران (ص 171). وهذا يخالف الصورة التي يرسمها الإعلام العالمي في هذا المجال (برأيه).
ويؤكد سنو أن ثروة إيران الرئيسية هي شعبه النشيط والديناميكي، كما أكد بانه يعرف صحافيين عانوا الاعتقال بسبب آرائهم ولكنه يعتقد بأن على السلطات أن تفتح المجال أمام الحريات الصحافية وحرية الرأي لأن في ذلك مصلحة للنظام الإيراني (ص 173). وطرح سنو ضرورة فتح الحوار بين النظام الحاكم ومعارضيه في إيران لأن الشعب المثقف والواعي والعميق الحضارة لن يكون أبداً مستعداً للتخلي عن ثقافته وجذوره تحت الضغط والخوف.
ويستخلص قائلا: «إيران تمثل نموذجاً لبلد جرى فيه قمع الصحافة والحريات الصحافية ما أضر بالبلد، وذلك ليس فقط بالشعب بل بالنظام أيضا. لو فاتح النظام مواقفه وطرحها للحوار مع خصومه وانتقاداتهم وحاولت الجهتان اعتماد الاقناع لاستفاد الجميع» (ص 173). ويعتبر انه «لو اعتمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية سياسة حرية الصحافة لوجدت أن كثيرين سيحتفلون بحضارتهم الغنية ولن تقتصر مواقفهم على الانتقاد والتشهير» (ص 175).
أما بالنسبة إلى موقف جون سنو من زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن فإن أحد أخطائه (برأي الكاتب) عاد لحذره من الانفتاح نحو الصحافة واعتباره بانه إذا طرح مواقفه بصراحة فإنه سيتم سوء استخدامها وإضعاف مواقفه. وفي ذلك تشارك مع بعض خصومه في حزب المحافظين.
ويقول سنو في هذا المجال «عندما أجريت مقابلة مع كوربن، كنت أسعى لمعرفة ما هو برنامجه السياسي بالفعل. وكان هذا الأمر صعباً ولم أستطع الحصول على أجوبة واضحة… كما أن فريق عمل كوربن لم يبذل جهداً للاتصال بنا والتحدث إلينا لتفسير مواقفهم ومناقشتهم معنا. أن مثل هذا التصرف من جانب مجموعة كوربن يوضح أهمية التفاعل مع وسائل الإعلام والصراحة في التعامل معها، ومن الخطأ اتخاذ المواقف المسبقة في هذا المجال من جانب أي سياسي» برأي سنو.

Jon Snow: «The State of Us»
Penguin Books, London 2024
262 Pages.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية