ماجد مندور في «مصر تحت قيادة السيسي»: عسكرة النظام تؤدي لإضعاف الرئيس

سمير ناصيف
حجم الخط
0

تختلف مناهج التحليل في الكتابات المعارضة للأنظمة السياسية بواسطة الأقلام الأكاديمية أو الصحافية أو السياسية التي ترى الأمور من منظار مختلف عن تلك الأنظمة.
فبين المعارضين البعض الذي يستخدم مناهج شعبوية تحريضية غير مرتكزة على الأبحاث الجدية المعمقة، فتأتي نظرياتهم مقبولة فقط من الجهات التي تعتنق مواقفهم وأفكارهم. فيما البعض الآخر من الباحثين الجديين يركزون على دراسة الوثائق والمصادر الأولية ومراقبة المجريات الحالية والأحداث التاريخية من دون التخلي عن الانتقاد اللاذع والمعارضة القوية التي لها جوانبها السلبية والإيجابية معاً والتي تؤثر على مواقف جهات مختلفة.
صدر مؤخراً كتاب للمؤلف المصري ماجد مندور، الباحث والكاتب في الشؤون المصرية وخريج جامعة كمبردج البريطانية بعنوان: «مصر تحت قيادة السيسي، دولة مصيرها على الحافة» يندرج إلى حد أكبر في السياق الثاني والذي يشمل الكثير من الانتقادات الموجهة ضد النظام المصري الحالي برغم ان بعضها قد يشكل غلافاً لمقترحات لتعديل هذا النظام نحو نظام أفضل على شتى الأصعدة.
الكاتب أهدى كتابه لأستاذه الراحل في جامعة كمبردج جورج جوفي وزميله (خريج تلك الجامعة) الدكتور يزيد صايغ الذي شجعه على الكتابة من خلال منصبه في «مؤسسة كارنيغي» الدولية للأبحاث والدراسات.
يستهل مندور كتابه في المقدمة بعرض موقف الرئيس السيسي لأسباب انقلابه على نظام الرئيس الراحل محمد مرسي على انه «قمة المعالجة السيئة لأزمة مصر في عهد مرسي التي أعلن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي انه قاد عملية إنقاذ البلد منها في ظهور تلفزيوني في 3 تموز (يوليو) 2013 وإلى جانبه شخصيات سياسية ودينية وأمنية بينها محمد البرادعي وشيخ الأزهر وبابا الأقباط ورئيس القوات العسكرية والأمنية المشتركة».
وكان السيسي آنذاك وزيراً للدفاع وانتخب لاحقاً رئيساً للجمهورية. ولدى ظهوره تلفزيونياً، أعلن إقالة أول رئيس جمهورية منتخب في مصر، الراحل محمد مرسي المدعوم من «حركة الإخوان المسلمين» على أثر تحركات شارعية جماهيرية طالبت بإقالة مرسي وعودة الاستقرار والأمن إلى البلد بنظر السلطة الجديدة.
وارتكز السيسي في خطوته آنذاك على دعم الأجهزة العسكرية والأمنية وبعض الجهات المدنية الشعبية لموقفه التي كانت تخشى بعض قرارات مرسي ونظامه.
ويؤكد مندور في مراحل مختلفة من الكتاب أن السيسي حاول تشبيه النظام الجديد الذي قاده بنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلا انه بالفعل طبّق جزءاً من سياسات عبد الناصر وخصوصاً تلك منها المرتكزة إلى تطوير الجيش والجهات الأمنية والاستخباراتية ولكن من دون اعتماد خيارات الرئيس المصري الذي رحل في عام 1970 والمتعلقة بتعزيز العدالة الاجتماعية والإنسانية وعدم اقحام الجيش في أمور ترك خلالها ناصر المجال مفتوحاً فيها لخبرات الفئات المدنية وخصوصاً عبر إنشاء «الاتحاد الاشتراكي العربي» الذي تحول لاحقاً في عهدي الرئيس أنور السادات وحسني مبارك إلى «الحزب الوطني الديمقراطي». كما لم يحصر عبد الناصر نفسه كرئيس للجمهورية في موقع خاضع لمشيئة الجيش والعسكريين الذين كانوا يتأثرون ويخضعون لمواقف نائب الرئيس المشير عبد الحكيم عامر الذي أقاله عبد الناصر بعد هزيمة مصر في حرب الأيام الستة عام 1967 محملاً اياه أخطاء تلك الهزيمة. ولم يساهم عبد الناصر (بنظر مندور) في هيمنة كبار ضباط الجيش في القطاع الاقتصادي واحتلالهم المراكز القيادية على حساب المدنيين الاختصاصيين في المجال الاقتصادي والمالي ولم يسمح لهم بأن يشكلوا سلطة اقتصادية منافسة لقيادته وقادرة على التدخل في قراراته الكبرى في هذا المجال، حسب قول المؤلف.
ويعتبر مندور أن دخول الجيش والسلطات الأمنية وكبار قادتهما إلى المراكز القيادية في القطاع الاقتصادي وفي مجالات القرارات الدستورية والقضائية «يضعف موقع رئاسة الجمهورية فيما وجود حزب سياسي مدني وقادة اقتصاديين وقضائيين مدنيين متخصصين في حقولهم يقوي موقع الرئاسة كما كان الأمر في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك، إذ أن الرئيس بإمكانه الركون إلى الأحزاب المدنية المؤيدة له خلال حدوث الأزمات وبالتالي إحداث توازن بين الجماهير المعترضة على سياساته وبين السلطة. كما أن وجود معارضة غير مقموعة عسكرياً قد يساهم في هذا المجال أيضاً. أما في غياب هذه المجموعات المدنية في السلطة فإن القمع العسكري يصبح الوسيلة الوحيدة لفرض الأمن. ويصبح الرئيس متكلاً إلى درجة أكبر على الجيش والأجهزة الأمنية للبقاء في منصبه. وقد يتطور الأمر في مثل تلك المراحل إلى مواجهات دموية كما حدث في سوريا وليبيا في السنوات الأخيرة». (ص 145ـ146). وهذا أمر يجب أن تتجنبه السلطة الحالية في مصر برأي الكاتب.
ويعتبر المؤلف انه من الصعب جداً على الجيش والسلطات الأمنية أن تتخذ القرارات بإصلاح نفسها من دون وجود عناصر مدنية فاعلة تدعم الرئيس إذا قرر القيام بمثل هذه المبادرات.
ويشير المؤلف أنه وعندما أتخذ الرئيس السيسي في نيسان (ابريل) 2022 القرار بإحداث مبادرة «الحوار الوطني» وقال في خلال انطلاق هذا الحوار كلمة تمنى خلالها الرحمة لروح الرئيس الراحل محمد مرسي اعتُبرت مبادرته خطوة انفتاح إيجابية تجاه خصوم النظام ولكنه واجه معارضة لذلك الموقف من قِبل بعض أقطاب مؤسستي الجيش والأمن. كما كان الأمر مشابهاً عندما قرر السيسي الإفراج عن بعض المعتقلين المعارضين لسياساته الذين يذكر المؤلف أسماءهم في الصفحتين 141 و142 وبينهم أحمد الطنطاوي. وطالبه صقور الجيش (حسب المؤلف) بإقصاء «الإخوان المسلمين» عن مبادرة الحوار الوطني بحجة انهم رفضوا الانصياع لدستور عام 2014. (ص143). وبالتالي، يتساءل مندور إذا كان نظام الرئيس السيسي نجح في تحقيق مركزية القرار السياسي والاقتصادي في السلطة المصرية في مقابل عدد من الأخطاء التي ارتكبها نظام الرئيس الراحل محمد مرسي وأدت إلى الانقسام الشعبي والخشية من فرض نظام قد لا تقبل به الأقليات الدينية والجندرية ولا يرتاح إليه المستثمرون في اقتصاد البلد، فإلى أي مدى بإمكان النظام المصري الحالي الصمود في مواجهة الخضات الداخلية والخارجية السياسية والاقتصادية التي قد تُفرض عليه؟
وبالتالي، يتطرق المؤلف إلى عمليات اقتصادية ومالية نفذها النظام الحالي وفي طليعتها عمليات بيع أراضٍ وجزر مصرية إلى دول خليجية ثرية وإطلاق مشاريع ضخمة لبناء عاصمة إدارية لمصر خارج القاهرة وإعادة تخطيط وبناء وحدات سكنية مكلفة جداً قد تؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية في البلد للطبقات المتوسطة والفقيرة فيما المطلوب (حسب قول الكاتب) إنشاء مؤسسات اقتصادية مثمرة تجلب الوظائف والأموال للدولة وللشعب المصري على اختلاف طبقاته الاجتماعية.
ويقول مندور إنه برغم دعم الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية عموماً للنظام المصري الحالي فإن «صندوق النقد الدولي» أبدى تحفظه حول عمليات خصخصة لمؤسسات تملكها جهات عسكرية مصرية من دون مراقبة حسابات شفافة ودولية لما يجري في مثل هذه العمليات كما في عمليات بيع الجزر والأراضي التي يسكنها الآلاف من السكان وفي إطلاق المشاريع الضخمة المستندة إلى القروض الكبيرة من الخارج.
ويذكر الكاتب في هذا المجال مشروع «الورّاق» وهو مشروع لإنشاء 94 بناية ضخمة لتضم ما يزيد عن أربعة آلاف مسكن فخم على أراضٍ يسكنها مئتا ألف شخص محدودي الدخل في جزيرة على نهر النيل في محافظة الجيزة قد يتعرضون للتهجير يجري تمويله من دولة خليجية عربية. وقد حدثت بسبب هذا المشروع اعتراضات شعبية في عامي 2017 و2022.
كما يذكر المؤلف أن اعتراضات شعبية جرت ضد بيع جزيرتي تيران وصنافر المصريتين على البحر الأحمر لدولة خليجية أخرى وعولجت في المحاكم. (ص158 ـ 159).
وفي مقدمة الكتاب بعض المعلومات أيضاً عن مواقف اتخذها الرئيس السيسي عندما كان مديراً للاستخبارات العسكرية في عام 2010 ومنها معارضته لخطة وضعها نظام الرئيس حسني مبارك لدعم ترشيح نجل الرئيس جمال مبارك لخلافة والده بحيث أبلغ السيسي القيادة العسكرية للبلد أن هذا الموقف سيزيد حدة التظاهرات والاعتراضات الشعبية ضد نظام مبارك، وبالتالي نصح السيسي باتخاذ مواقف أقل تحدياً للمتظاهرين وأكثر تفهماً لاعتراضهم على توريث الرئاسة إلى جمال مبارك. (ص 13). ولكنه وبعد انتقاله إلى وزارة الدفاع وانتخابه بعد ذلك لرئاسة الجمهورية، اتخذ مواقف متشددة ميدانياً ضد المعارضين لنظامه واعتبر آنذاك بأن «معارضة النظام تشكل خيانة للوطن وللتلاحم الوطني كما نظر إليه الرئيس عبد الناصر وكما يعتنقه هو كقائد للبلد».
وفي بداية عهد السيسي، يقول المؤلف، حظي الرئيس بدعم من جهات مدنية شعبية وقيادية بينها وزير الخارجية السابق عمرو موسى والقائد الناصري حمدين صباحي بالإضافة إلى المسؤول الدولي محمد البرادعي الذي اختير كنائب للرئيس للشؤون الخارجية، ولكنه استقال لاحقاً معترضاً على التشدد المفرط في التعامل مع المعارضة. كما ابتعد كثير من مؤيدي النظام الجديد من المدنيين بعد ما مارس الجيش القمع الشديد ضد معارضي النظام خصوصاً في صيف عام 2013 حيث وقع عدد كبير من الضحايا.
وكان بعض القياديين المدنيين وقفوا قبل ذلك إلى جانب إقصاء قيادة الرئيس محمد مرسي وحلفائه (حسب قول المؤلف) عندما: «شعروا بأن هذه القيادة كانت تحاول التفرد بالسلطة واحتكارها إلى درجة انها بدأت تتقرب من القيادات العسكرية والأمنية دعماً لهذا التفرد. كما أنها وفي بعض المواقف أشعرت القوات والجهات المدنية العلمانية بانها تتجه نحو بناء دولة دينية وفرضها على الشعب المصري المختلف الأديان والتوجهات». (ص18).
أما الرئيس السيسي، فبعد مواجهته هو وسلطته العسكرية مع مشروع خصومه الإسلاميين فقد حاول (برأي الكاتب) إضفاء طابع إسلامي متجدد على نظامه، فانتقد مواقف مراجع دينية وأيد أخرى وأقصى بعض معارضي مواقفه وسياساته من أصحاب القرارات المستقلة في الحيز الديني ودعم ضرباً جديداً من التوجه الإسلامي الذي يركز على أخطاء خصومه السياسيين الإسلاميين معتبراً بان الرئيس عبد الناصر اتخذ سابقاً مثل هذه المواقف التي تختار التوجه الإسلامي المدعوم من الدولة. (ص 40).
بيد أن «النسخة السيسية من الناصرية» تفتقد (برأي الكاتب) إلى مواقف عبد الناصر المقاومة والمتصدية للامبريالية وتوجهه الملتزم للدعم وللدفاع الفاعل عن الشعوب والفئات المسلوبة الحقوق في مصر وفي العالم العربي والإسلامي عموماً وفي فلسطين خصوصاً.

Maged Mandour: «Egypt Under El Sisi»
I.B.Tauris, London, NY. 2023
209 pages.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية