عامان من حرب مكلفة في أوكرانيا.. انسداد أفق الحل السياسي ومخاطر تهدّد الأمن الأوروبي- (فيديو)

وائل الحجار
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: يبثّ المستشار الأوكراني جرعات تفاؤل عندما يُسأل عن مستقبل الحرب. هو اليوم يستمتع بدفء حرارة جاوزت الـ17 درجة في العاصمة اليابانية طوكيو، مقارنة مع معدّل حرارة تحت الصفر في كييف.

لكن، ليس الطقس الربيعي هو الدافع وراء زيارة يوري ساك إلى طوكيو.
سبق لساك أن طالب حلفاء أوكرانيا بأمرين، السلاح والصبر!
وعمل من دون كلل لسنوات، في منصبه السابق كمستشار لوزير الدفاع الأوكراني، على رفع الصوت في الدوائر الدبلوماسية والإعلامية الغربية: «أعطونا مقاتلات أف 16».
اليوم، انتقل ساك إلى دائرة أخرى، ليصبح مستشارا لوزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني.
ومن الطرف الآخر من الكوكب، في طوكيو، حيث يُعقد مؤتمر لإعادة إعمار أوكرانيا، يقول يوري ساك لـ«القدس العربي»: «من المدهش رؤية هذا الدّعم الكبير لأوكرانيا في بلد بعيد كهذا. هذا درس آخر يجب أن نتعلمه جميعًا من هذه الحرب، أنه عندما نواجه تهديدًا، فإننا كمجتمع دولي، نجد طرقًا لنكون متحدين ونساعد بعضنا البعض».
لكن الدعم الغربي ليس مضمونا دائماً بعد عامين من الحرب في أوكرانيا.
في وقت سابق من الشهر الحالي اضطُر المدافعون الأوكرانيون عن بلدة أفدييفكا في الدونباس شرقي البلاد إلى الانسحاب أمام تقدم القوات الروسية.

والسبب؟

الكونغرس الأمريكي، وخلفه الحزب الجمهوري ومؤيدو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذين يعوقون إقرار 60 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن إن أوكرانيا تحتاجها بشدة. حمّل بايدن المسؤولية إلى الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، وقال البيت الأبيض صراحة إن الانسحاب من أفدييفكا حصل «بعد أن اضطُر الجيش الأوكراني إلى تقنين استخدام الذخيرة بسبب تضاؤل الإمدادات نتيجة تقاعس الكونغرس».
مع ذلك، يشيع الدبلوماسيون الأمريكيون، أجواء تفاؤل.
وتقول إليزابيث ستكني المتحدثة الإقليمية لوزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات لـ«القدس العربي»: «قطعت أوكرانيا شوطا طويلا منذ شباط/فبراير 2022 من خلال استعادة أكثر من 50 في المئة من الأراضي التي استولت عليها روسيا بشكل غير قانوني، وصدّ القوات الروسية من عبور الخطوط الأمامية».
وتضيف ستكني: «لم تتمكن أوكرانيا من صد غازٍ أكبر منها بكثير فحسب، بل وحاصرت روسيا في البحر الأسود، وحافظت على تدفق الحبوب إلى الأسواق العالمية، وواصلت تشغيل شبكات التدفئة والكهرباء، واستمرت في تقديم الرعاية الصحية وخدمات الطوارئ، كما أقرت مجموعة من الإصلاحات التي تحرّكها نحو العضوية في المؤسسات الأطلسية».
وتعتقد ستكني بأنّ «كل هذا حول الغزو الروسي إلى فشل استراتيجي باهظ» و«تسبب في عزلة دولية لروسيا، وخفض من حجم الخدمات الاجتماعية، وأضعف الاقتصاد ــ وكل هذا الفشل هو نتيجة النزعة الإمبراطورية لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين».
وتؤكد ستكني فاعلية الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا، وتقول «نجحت أنظمة الدفاع الجوي التي سلمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها إلى أوكرانيا خلال العام الماضي في إضعاف الهجمات الروسية المستمرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار. مساعداتنا الإنسانية تبقي الناس على قيد الحياة. وذلك يشمل المساعدة الاقتصادية التي تمكن عمال الطوارئ والخدمات الحكومية من العمل وتضمن تعافي الاقتصاد الأوكراني حتى يتمكن من تمويل الدفاع في أوكرانيا وتحريك البلاد نحو مستقبل أوروبي معاصر ومزدهر».
لكن مطالب الأوكرانيين كثيرة.
وبعد سقوط أفدييفكا، أقرّ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأن قواته تواجه وضعا معقّدا جدا في بعض نقاط الجبهة، ويؤثر تأخر وصول المساعدات العسكرية الغربية على الوضع الميداني.
وقال إن أوكرانيا «تعاني نقصا في القذائف المدفعية وتحتاج إلى أنظمة دفاع جوي على خط الجبهة وأسلحة أبعد مدى».
ويعلّق يوري ساك، في حديثه لـ«القدس العربي» على طلب المساعدات: «عندما تخوض حربًا بهذا الحجم، لا يمكن أن يكون أي مقدار من الدعم كافيًا لأنك تقف في مواجهة عدو قوي جدًا».
لكنّه ينوّه بالدعم الذي تلقّته أوكرانيا من دول في الناتو، ويستدرك «أشدد على أن هذا ليس دعمًا من تحالف الناتو، ولكنه دعم من دول أعضاء في الناتو».
ويتابع «تلقينا أنظمة دفاع جوي. نتيجة لذلك نحن قادرون على الدفاع عن مدننا من الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية. تلقينا دبابات، ومدفعية ثقيلة، وأنظمة راجمات هيمارس، وأشياء أخرى كثيرة. نتلقى الآن معدات إزالة الألغام. سنتلقى قريبًا طائرات مقاتلة من طراز إف 16».
خلال عامين من الحرب، غيّرت أزمة أوكرانيا السياسة الدولية، وأعادت عقارب الساعة إلى ما قبل انتهاء الحرب الباردة.
لكن، كيف وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التعقيد؟

عامان على الحرب

في الساعات الأولى من يوم الرابع والعشرين من شباط /فبراير 2022 أيقظت أصوات قنابل، الصحافيين في الطوابق العليا من فندق «أوكرايينيا» الشاهق في وسط كييف.
وما لبثت أن دوّت صفارات الإنذار.
خلال الأيام التي سبقت، كان الحديث يدور عن احتمالات متفاوتة لاندلاع الحرب.
اعتقد كثيرون بأن تهديدات سيّد الكرملين، قد تكون تهويلاً. لكنّ التقارير الغربية عن الحشود الروسية الضخمة فاقمت القلق من مغامرة روسية وشيكة.
اجتاحت القوات الروسية البلاد من ثلاث جبهات رئيسية في الشمال، والجنوب، والشرق.
وخلال الساعات الأولى للغزو تقدمت هذه القوات داخل الأراضي الأوكرانية، وكان طابور منها يتّجه رأسا إلى كييف.
ساد الاعتقاد بأن سقوط كييف قد يكون مسألة وقت، خصوصاً بعد إنزال قامت به القوات الروسية في الساعات الأولى في مطار غوستوميل العسكري بضواحي العاصمة.
لكن الأمر بدا أكثر صعوبة على الجيش الروسي، وتحول الغزو إلى عامين من حرب يعتبرها المراقبون أكبر تهديد واجهته أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
«هذا صحيح على الأرجح من دون أي مبالغة. لم نشهد شيئًا مثل هذا من قبل في أوروبا» يقول جايمس موران، الدبلوماسي البريطاني المخضرم والسفير السابق للاتحاد الأوروبي في حواره مع «القدس العربي».
ويقول موران: «كانت هناك حروب البلقان في تسعينيات القرن الماضي. وحدثت هجمات إرهابية وغير ذلك. ولكن هذا على الأرجح أكبر تهديد شهدناه خلال أجيال، بالتأكيد منذ عام 1945».
ويتفق يوري ساك مع الدبلوماسي البريطاني، وهو يرى أن الحرب في أوكرانيا «أكبر الحروب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
ويقول ساك لـ«القدس العربي»: «قلة الذين آمنوا بأن أوكرانيا ستستطيع القتال وحماية نفسها ضد دولة مثل روسيا، الضخمة من حيث حجمها، وعدد سكانها، وقوتها العسكرية. ما أظهرناه في العامين الماضيين، هو أننا لا نستطيع فقط الدفاع عن أنفسنا، بل يمكننا الدفاع عن بقية أوروبا والعالم ضدّ هذا المعتدي».

الكلفة الباهظة

دفعت أوكرانيا ثمنا باهظاً من دون شكّ لردّ الغزو الروسي، لكنّ الخسائر الروسية كانت أيضاً كبيرة.
لا توجد أرقام يعتدّ بها لتبيان خسائر الحرب البشرية، فالطرفان ينشران أرقاماً لا يمكن التحقق من دقتها.
في الجانب الأوكراني، تقول الأمم المتحدة في تقرير صادر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، إن أكثر من 10 آلاف مدني قتلوا منذ الغزو.
أما الخسائر في صفوف الجنود، فكل طرف يروّج لأرقام عند «العدو» ويتحفظ عن ذكر أرقام دقيقة لخسائره، ما جعل الاستمرار في العدّ عملية غير أكيدة.
وتقول مصادر أمريكية في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في آب/أغسطس من العام الماضي، إن خسائر روسيا قد تكون جاوزت الثلاثمئة ألف إصابة من بينهم 120 ألف قتيل، مقابل تقديرات بمقتل 70 ألف جندي أوكراني وإصابة عدد يتراوح بين 100 ألف و120 ألفاً.
وتؤكد إليزابيث ستكني المتحدثة الإقليمية للخارجية الأمريكية لـ«القدس العربي» الكلفة البشرية الباهظة التي دفعتها روسيا خلال الحرب، وتقول «أدى الغزو إلى التضحية العبثية بأرواح أكثر من 300 ألف جندي روسي».
مع ذلك، فإن حركةً مناهضةً للحرب في روسيا يعتدّ بها، لم تظهر إلى العلن، بل زاد الرئيس فلاديمير بوتين من تضييقه على الطّيف السياسي، مانعاً أي حراك مناوئ، وفارضاً مزيداً من القيود على القلة من معارضيه، أو المختلفين مع مصالحه، إلى حدّ تصفيتهم.

الحرب التي بدأت قبل سنوات

والصراع الغربي مع روسيا في أوكرانيا، يعود لسنوات خلت.
في العام 2014 غزت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمّتها إلى أراضيها، واندلعت اضطرابات في كييف انتهت بالإطاحة بحكم مؤيد لموسكو برئاسة فيكتور يانوكوفيتش.
والزائر لكييف في ربيع العام 2014 يلاحظ بيُسر عودة المشاعر القومية الأوكرانية إلى الواجهة، حاملة معها إرث الحرب العالمية الثانية، والشروخ التي أحدثتها في شرق أوروبا.
في ربيع 2014 كنّا نشاهد ملصقات ستيفان بانديرا ورايات مؤيديه، وهو ملهم أقصى اليمين الأوكراني المتحالف مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، ترتفع في «ميدان الاستقلال» في كييف.. ظاهرةٌ استخدمها بوتين لاتهام خصومه ببساطة بأنهم «نازيون».
ودعمت روسيا ميليشيات انفصالية في مناطق الدونباس شرقي البلاد، وقالت إن أقلية ناطقة بالروسية تعاني اضطهادا قوميا وثقافياً، واتهمت الغرب بجرّ كييف إلى حالة عداء معها.
وانقسم الدونباس بين مناطق سيطرت عليها الميليشيات الانفصالية، وأخرى تخضع لقوات الحكومة الأوكرانية.
والدونباس مناطق شاسعة تشكّل نحو 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية، وتحوي مساحات زراعية شاسعة تؤمن نتاجا هائلا من الحبوب، وكانت تسمى في الحرب الباردة بالسلّة الغذائية للاتحاد السوفييتي.
قبل عام من الحرب، زرت بصفتي الصحافية مناطق الدونباس.
وفضلا عن الحالة الأمنية المتوترة التي كانت سائدة في نيسان/أبريل من العام 2021 والخروقات المتقطعة لوقف إطلاق النار الذي كانت تشرف عليه بعثة منظمة التعاون والأمن الأوروبية، بناء على اتفاقيات مينسك، عانى السكان من مشاكل أخرى جديّة.
كانت المصانع الكبيرة المهجورة والمتهالكة، الموروثة من الحقبة السوفييتية، والطرق المحفّرة التي تصل بين المدن والبلدات، عناوين أعمقَ للأزمة الاقتصادية، مع تهميش، وارتفاع في معدلات البطالة.
وساهم إقفال المعابر بين المنطقتين، الخاضعة للسلطة المركزية، وتلك التي تسيطر عليها الميليشيات المؤيدة لروسيا، في مفاقمة مآسي العائلات التي تمزّقت بين الجهتين.
وألقت الحكومة باللائمة على روسيا، لتبرير الفقر المدقع الذي تعاني منه هذه المناطق، وغياب المشاريع الحيوية، على عكس الغرب الأوكراني الأكثر ازدهارا.
مع ذلك، ازدهرت في مدينة كراماتورسك في الدونباس، أمور أخرى: صفوف تعليمية للكبار.
كانت الحكومة في ربيع العام 2021 مشغولة بتطبيق قانون جديد، يفرض تعليم اللغة الأوكرانية على السكان الذين يتحدث معظمهم الروسية فقط، وكان العديدون منهم لا يعرفون الأوكرانية، وهو حال مناطق أخرى في البلاد التي كانت يوما جزءا من بلد واحد مع روسيا.
ذريعة أخرى استخدمتها موسكو لتبرر الغزو، ثم الضمّ بعد الغزو بشهور، في سبتمبر/أيلول من العام 2022 بعد استفتاء شكّكت بمصداقيته كييف وحلفاؤها الغربيون.

عقدة العقد: حلف الأطلسي

لم تكن هذه الذرائع التي تحجّجت بها روسيا، التي قالت إنها تدافع عن الأقليات الناطقة بالروسية، هي السبب الأهم، فسجلّ موسكو في حماية الأقليات مشكوك فيه.
ولا يزال تتار القرم حتى اليوم، وهم المتحالفون مع حكومة كييف، يستذكرون مأساة تهجيرهم القسري من شبه الجزيرة في عام 1944 وهي ذكرى حرصت السلطات الروسية على حظرها في كل مناسبة، وزادت معاناة تتار القرم بعد ضم روسيا شبه الجزيرة عام 2014. لكن الدافع الرئيس، والمعلن، للغزو الروسي هو التقارب الكبير بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو».
وشكّل طلب أوكرانيا الانضمام إلى الحلف تحديا مباشرا لموسكو، التي اعتبرته تهديدا خطيرا لأمنها، وكانت المسألة حاضرة في جولات التفاوض التي تلت الحرب.
وتقول إليزابيث ستكني إن «العدوان الروسي على أوكرانيا بدأ عندما غزا الرئيس (فلاديمير) بوتين شبه جزيرة القرم، وحاول إعادة رسم حدود أوكرانيا بالقوّة في عام 2014. ومن وجهة النظر الأمريكية فإنّ شبه جزيرة القرم هي أرض أوكرانية. ونحن لا نعترف ـ ولن نعترف ـ بمحاولة روسيا غير القانونية لضمها أو ضم مناطق أوكرانية أخرى».
وترى أن «عدوان بوتين على أوكرانيا» تحوّل «إلى فشل استراتيجي بالنسبة لروسيا. لقد أراد تقليص حجم الناتو؛ لكن الحلف أصبح الآن أكبر. لقد أراد إضعاف الناتو؛ والآن الحلف أقوى مما كان في السابق».
وتؤكّد ستكني أن إدارتها تؤيّد «سياسة الباب المفتوح لحلف شمال الأطلسي. وكما قال الوزير (وزير الخارجية الأمريكي أنتوني) بلينكن، فإن أوكرانيا ستصبح عضواً في حلف الناتو عندما يتفق الحلفاء على استيفاء أوكرانيا للشروط».
وتضيف «لقد ركزنا أيضا بشكل مكثّف على الجانب العملي الضروري الذي يتوجب القيام به، ونحن نتجه نحو قمة واشنطن بشأن مواصلة تعزيز قدرات أوكرانيا».

بيان إسطنبول.. المحاولة المجهضة

هدّدت الحرب في أوكرانيا الأمن الدولي، مع التصريحات غير المسبوقة التي أطلقها مسؤولون روس في مقدمتهم بوتين نفسه، وتضمنت تهديداً باستخدام الأسلحة النووية.
تحركت الدبلوماسية، ولعبت تركيا دورا في هذا المسار.
فرئيسها رجب طيب اردوغان، الذي كان زار كييف أسابيع قليلة قبل الغزو مطلع شباط/فبراير من العام 2022 وأجرى مباحثات مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، تحرّك على مسافة واحدة من البلدين اللذين تربطهما ببلاده علاقة وثيقة، على الرغم من كون تركيا عضواً أساسيا في حلف الناتو.
وهكذا رعت تركيا جولات من المفاوضات، واستطاعت في آذار/مارس من العام 2022 أن تجمع وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني ديميترو كوليبا، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي.
ومع أنه لم يتم التوصل إلى أيّ توافق خلال الاجتماع، إلا أن مفاوضات أخرى قادت إلى ما عرف بوثيقة «بيان إسطنبول» (آذار 2022).
وبموجب البيان الذي قدمه الجانب الأوكراني، والمكون من عشر نقاط، تلتزم أوكرانيا بحيادها وتقدم ضمانات أمنية دولية.
لكن الكرملين رفض بشكل قاطع أي تفاوض بشأن شبه جزيرة القرم التي ضمتها بلاده قبل سنوات، وضرب بعرض الحائط كلّ التنازلات التي قدمتها أوكرانيا، وأبدى موقفا متشددا في ما يخص وضع مناطق الدونباس.
ويقول ظافر ميشي، مدير مكتب مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية «سيتا» في برلين، وهو مركز أبحاث تركي على تماس مع دوائر صنع القرار في أنقرة، إن «لتركيا القدرة على جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات».
ويرى ميشي في حوار مع «القدس العربي» أن «تركيا هي الدولة الوحيدة التي تتبع نهجاً إيجابياً تجاه كلا البلدين. فتركيا، أو الرئيس اردوغان، حصل على ثقة زيلينسكي وثقة روسيا. وعندما أُسأل دائمًا عن دور تركيا، هنا في ألمانيا أو في أوروبا وفي المؤتمرات، عندما يقولون، حسنًا، لماذا تركيا قريبة جدًا من روسيا، لماذا لا تفرض عقوبات، إلخ. أقول، هيا يا رفاق، الدولة الوحيدة التي يجب سؤالها عما إذا كان دور تركيا إيجابيًا أو سلبيًا، هو أوكرانيا. وأوكرانيا راضية جدًا عن دور تركيا. ما هي مشكلتكم؟».
تعثّرت مساعي التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب، لكن الدبلوماسية التركية رعت بالتعاون مع الأمم المتحدة اتفاقية تتيح تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، أسهمت في الحدّ من أزمة غذاء عالمي لاحت في الأفق.
ويقول ميشي «حصل أيضًا تبادل الأسرى، رعته تركيا في إسطنبول. وخصوصًا ما هو مهم جدًا، هو أن تركيا، من خلال دورها، وبناء على اتفاقية مونترو، ضمنت ألا تحدث حرب في منطقة البحر الأسود».

سلاح العقوبات

وإذا كانت تركيا أبدت حذرا فيما يتعلق باللحاق بالعقوبات الغربية على روسيا، فذلك لأنّ سلاح العقوبات كان أساسيا في الحرب.
فلقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، من بينها الصين، عقوبات على روسيا وعلى الرئيس الروسي وأعضاء آخرين في الحكومة.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عن 11 حزمة عقوبات، ثم اعتمد في الشهر الحالي لائحة جديدة تقضي بفصل الأرباح الناتجة عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي، بهدف استخدام تلك الأموال «لدعم أوكرانيا وتعافيها وإعادة إعمارها».
ويسود تفاهم بشكل عام في بروكسل بشأن كيفية التعاطي مع موسكو، رغم اعتراضات المجر ورئيس وزرائها فيكتور أوربان الذي تربطه علاقات جيدة مع الكرملين.
ويقول السفير السابق للاتحاد الأوروبي جايمس موران لـ«القدس العربي»: «أعتقد بأننا شهدنا تضامنًا مستمرًا في الاتحاد الأوروبي على الرغم من بعض المعارضة، خصوصاً من المجر وواحدة أو اثنتين من الدول الأخرى، في العامين الماضيين. والدليل على ذلك كان إعلان حزمة مساعدات لأوكرانيا أخيراً بقيمة 50 مليار يورو».

المفاوضات الصعبة

اليوم بعد عامين على الحرب، يبدو مسار التفاوض السياسي صعبا.
ويستبعد جايمس موران، في حديثه لـ«القدس العربي» احتمال أن يحقق العام الحالي تقدما على مستوى المساعي السياسية.
ويقول إن عوامل عدة من بينها حالة الجمود في ساحة المعركة، وعزم أوكرانيا على مواصلة دفاعها ضد الغزو، والوضع في روسيا نفسه، تحول دون تحقيق تقدّم.
ويضيف الدبلوماسي الأوروبي والبريطاني المخضرم: «لا أعتقد بأن أيا من الطرفين لديه القدرة في الوقت الحالي على توجيه ضربة قاضية وإنهاء هذه الحرب».
ويشرح «لا تزال الدول الأوروبية الكبرى تقول بترك أمر المفاوضات بالكامل للأوكرانيين، وهذا ليس بالتأكيد الوقت المناسب لبدئها. هذا موقف مشترك واضح إلى حد كبير في أوروبا، بقدر ما يتعلق الأمر بالعقوبات (على روسيا). من المحتمل جدًا أن يكون هناك المزيد منها قريبًا جدًا. حزمة أخرى. وقتل (المعارض الروسي ألكسي) نافالني قبل أيام قليلة في روسيا، سيشدّ عزم أوروبا على القيام بالمزيد».
أما يوري ساك، مستشار وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني، فيقول: «لدينا صيغة سلام أعلنها الرئيس زيلينسكي منذ أكثر من عام. شركاؤنا الدوليون يدعمون صيغة السلام الخاصة بنا. لكن، في الوقت الحالي لا مؤشرات على أن روسيا مهتمة بأيّ عملية سلام ذات مغزى. وروسيا تهاجم أوكرانيا بشكل مستمر. من المبكر جدًا الحديث عن أي فرصة لعملية التفاوض الآن».

خطر على أمن أوروبا

إلا أن غياب أفق حلّ سياسي، يهدّد بتوسّع الصراع في شرق أوروبا إلى ساحات أخرى.
ويعتقد السياسيون المعنيون بالأمن الأوروبي بأن روسيا تسعى لزعزعة استقرار دول في شرق أوروبا، ويحملونها المسؤولية عن التوترات التي يشهدها إقليم كوسوفو مع صربيا، فضلا عن تهديدها لأمن دول كمولدوفا (حيث هناك إقليم ترانسنيستريا الموالي لروسيا) ولاتفيا (توجد أقلية روسية) وجورجيا وبولندا، واستخدامها ورقة الأقليات القومية، وعلاقاتها الوثيقة مع بعض الدوائر وحتّى الأحزاب السياسية في أوروبا.
ويضيف جايمس موران خطراً آخر، يتعلق بالأمن السيبراني في أوروبا، ويقول «عندما يتعلق الأمر بالانتخابات الأوروبية، هناك تاريخ طويل من التدخلات. وهذا سيستمر. لذلك، كان بُعد الدفاع السيبراني ينمو بهذا الوتيرة على مدى العام أو العامين الماضيين هنا في أوروبا».
أما يوري ساك، فيتهم روسيا باستخدام آلتها الدعائية «لزعزعة الاستقرار في دول مختلفة حول العالم، من الولايات المتحدة إلى دول الجنوب العالمي في أستراليا، وفي كل مكان. لذا بالطبع، كلما نجحت روسيا أكثر في زعزعة هذه الأوضاع، زاد احتمال نجاحها في تحقيق أهدافها. هذا شيء يجب أن نكون على وعي به».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية