رفح على مشارف اجتياح بري ومخاوف النازحين تزداد من هجوم مفاجئ

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

ينتاب القلق أكثر من مليون نازح يعيشون في مناطق متفرقة من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث لجأوا إلى المدينة بعد أن أجبروا قسراً على النزوح من مناطق مختلفة من شمال ووسط مدينة غزة مع بدء الحرب مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على اعتبار أن المدينة منطقة آمنة حسب تعليمات الجيش الإسرائيلي، لكن مع تكرار تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بضرورة التحرك العسكري في مدينة رفح، عم القلق أوساط النازحين من تجاهل الحكومة الإسرائيلية والجيش التحذيرات الدولية التي تنادي بضرورة نقل النازحين إلى مناطق آمنة قبل بدء أي هجوم بري، والدخول بشكل مفاجئ.
ومنذ مطلع شباط/فبراير الماضي، تتصاعد تصريحات القادة البارزين من السياسيين والعسكريين في إسرائيل بشأن نية الجيش التحضير لعملية برية في مدينة رفح والتي تفصل غزة عن مصر بحدود طولها تقريباً 14 كيلو مترا، وتكرار هذه التصريحات جاء بالتزامن مع شن الجيش عمليات توغل بري لمناطق واسعة من وسط وجنوب مدينة غزة وبالتحديد مدينة خانيونس، التي شهدت عملية عسكرية امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر وانتهت بشكل مفاجئ تحضيراً لاجتياح رفح، وهذا ما أدى إلى تخوف المواطنين من شن هجوم مباغت يؤدي إلى ارتكاب المزيد من المجازر البشعة والدامية بحق المدنيين العزل.
وعقد النازحون في مدينة رفح على وجه الخصوص آمالاً كبيرة على توصل حركة حماس إلى هدنة مع إسرائيل خلال الفترة الماضية، تقضي بالسماح لهم بالعودة إلى منازلهم في شمال القطاع قبل الدخول لرفح، لكن مع فشل الجهود للمرة الرابعة على التوالي، خيم الخوف على النازحين من قرب العملية، وذلك كضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات في ملف التفاوض، وعلى ما يبدو فإن الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة رفح المكتظة بمئات آلاف الغزيين في مساحة لا تتجاوز 55 كيلو مترا مربعا بات مسألة وقت، بعد أن صادق الجيش على خطة عملياته، لكن المعضلة الكبرى أمام قرار البدء هي اكتظاظ المدينة بالنازحين، وهذا يحتاج إلى إيجاد خطة لإجلاء أكثر من مليون نازح، بعد الطلب الأمريكي والدولي من إسرائيل الموافقة على أي عملية في مدينة رفح أقصى جنوب غزة.

عملية رفح آتية

ووفق صحيفة «معاريف» العبرية فإن عملية رفح آتية رغم الضغوط الدولية التي تمارس على إسرائيل لمنعها، في حين لم تقدم الحكومة الإسرائيلية لأمريكا أي خطة لإجلاء النازحين قبل البدء بالعملية بعد طلب الأخيرة ذلك، ويعتقد محللون عسكريون إسرائيليون أن معركة رفح ستكون الأشرس والأعنف من بين المعارك التي خاضها الجيش في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وذلك لوجود لواء متماسك ومؤهل عسكرياً في المدينة، ويحتاج القضاء على الكتائب الست في المدينة لجهد عسكري كبير، وسيواجه الجيش خسائر خلال العملية.
وترفض جمهورية مصر التي تمارس ضغوطاً عبر الولايات المتحدة أي تحرك إسرائيلي في مدينة رفح، على اعتبار أن ذلك يخالف بنود اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، خاصة وأن الحديث الإسرائيلي يدور عن نية الجيش احتلال محور فيلادلفيا لقطع خطوط الإمداد عن غزة، حيث قال وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات صحافية، إن بلاده التزمت بمعاهدة السلام طيلة 40 عاماً وتتعامل مع المعاهدة بفاعلية، لكن التحرك البري من قبل إسرائيل في رفح يهدد بتعليق معاهدة السلام، حيث تعمل مصر ومنذ بدء الحديث عن نية الجيش الإسرائيلي دخول رفح، على تحريك الجيش والآليات العسكرية إلى شمال سيناء لتعزيز الحدود خشية أي اقتحام للحدود.
وفي أحاديث منفصلة مع مراسل «القدس العربي» عبر نازحون يعيشون على مقربة من الحدود الفاصلة بين مدينة رفح مصر، عن بالغ استيائهم من الواقع الذي يعيشونه، خاصة وأن حياتهم باتت خطيرة وكارثية مع نية الجيش دخول رفح برياً والسيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يكتظ بآلاف الخيم التي تأوي النازحين الفارين من الموت والقصف الإسرائيلي، ويخشى السكان من إجبارهم على الخروج تحت القصف، بدون إيجاد خطة لإيواء الأعداد الهائلة داخل مراكز مخصصة لحمايتهم من الموت والجوع.

هدنة تسمح بعودة النازحين

يقول أدهم موسى الذي يعيش داخل خيمة ملاصقة للحدود مع مصر، أنه يخشى من تجاهل الاحتلال الإسرائيلي للمطالب الدولية المنادية بضرورة نقل النازحين كخطوة لحقن الدماء وتفادياً لمحاولة الجيش ارتكاب المجازر بحقنا كمدنيين عزل، والخوف يزداد مع ارتكاب الاحتلال مجازر في مدينة خانيونس وغزة بحق آلاف النازحين وتجاهل كافة القوانين والأعراف الدولية.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن النازحين داخل مدينة رفح، باتوا منهكين من حجم المعاناة التي يتعرضون لها مع دخول الحرب شهرها السابع، وهم غير قادرين على النزوح مرة أخرى إلى مناطق بعيدة عن سكناهم، ويترافق ذلك مع تفشي الأمراض وانتشار الفقر والجوع بينهم بشكل واسع.
وأشار إلى أن حجم الإحباط الذي مني به كان كبيراً، مع فشل الجهود المتكررة للوصول إلى هدنة تسمح بعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، حتى أن الناس بحاجة إلى فترة كافية من الهدوء والتخلص من القتل والدمار المستمر، وأصوات الانفجارات التي لم تهدأ سواء خلال النهار والليل.
وفي خطوة منهم لتفادي أي هجوم مفاجئ على مدينة رفح، باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي فوق القانون ولا تهمه حياة المدنيين والحفاظ على أرواحهم، خرجت أعداد كبيرة من النازحين من مدينة رفح صوب منطقة الزوايدة وبعض المناطق الأخرى وسط مدينة غزة، تحسباً من حصارهم داخل المدينة وتعرضهم للأذى، وهذا ما حصل مع أعداد كبيرة من الذين كانوا في مناطق آمنة على حد وصف الجيش، لكن تمت مباغتتهم بالقصف ودخول الدبابات لخيامهم واعتقال وقتل العديد منهم.
المواطن محمد جرس أجبر برفقة عائلته على إزالة خيمته من منطقة تل السلطان بمدينة رفح والنزوح نحو مدينة دير البلح وسط القطاع، والتي تعج هي الأخرى بآلاف النازحين، ويعتبر جرس في حديثه لـ«القدس العربي» أن الاحتلال ومن خلال التصريحات المتكررة عازم على دخول رفح، وأي هجوم سيكون واسعا وفي حال لم يتم إجلاء النازحين قبل العملية البرية، فإن وضعهم سيكون صعبا للغاية، وربما لن يستطيع أحد التحرك تحت نيران القصف العشوائي الذي ستتعرض له المدينة من البر والبحر والجو.

غياب الأهداف الحقيقية

يقول الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي شريف السيد إن الاحتلال يعاني من أزمة عدم تحقيق أهداف الحرب على غزة بعد مرور نصف عام عليها، فهو يحاول ايهام الجمهور الإسرائيلي حتى العالم أن النصر سيأتي من اجتياح مدينة رفح آخر معاقل حماس.
وأضاف لـ«القدس العربي» أن الاحتلال سيدخل مدينة رفح استعداداً لإنهاء الحرب على غزة، والتي يتكبد فيها خسائر كبيرة في صفوف الجيش ولا يعرف كيف ينهي هذه الحرب بسبب غياب الأهداف الحقيقية، ولكن ليست هناك جدية في الحديث عن إيجاد خطة لإجلاء النازحين، والجيش في ظل الفشل في عملياته البرية يحاول تسجيل انتصارات بقتل المدنيين ومحاولة الضغط على حركة حماس للتنازل عن مطالبها.
وبين أن الهدف الأساسي من عملية الاجتياح البري، هو السيطرة على محور صلاح الدين أو ما يسمى فيلادلفيا الفاصل بين غزة ومصر، والذي يريد الجيش احتلاله والسيطرة على طرق إمداد فصائل المقاومة من هذا المحور بالسلاح والعتاد، وبالتالي تسجيل صورة انتصار واهم من داخل المدينة في ظل عجز الجيش عن تحقيق أي انتصار.
وأدان المختص في الشأن الإسرائيلي التجاهل الدولي والصمت العربي المستمر للجرائم، حيث يوفر الصمت الغطاء للاستمرار في حرب الإبادة التي يستهدف بها المدنيين، في ظل العجز الكبير والواضح من قبل الاحتلال في القضاء على المقاومة بعد مرور نصف عام على الحرب، والتي يستخدم خلالها كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً.
يذكر أن المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، يقدم بين الفينة والأخرى مقترحات لإجلاء النازحين من داخل مدينة رفح، مع الضغط الأمريكي المطالب بذلك لدعم العملية، فالكثير من الخيارات طرحت ولا تزال تطرح وجميعها لم تكن معقولة بالنسبة للإدارة الأمريكية، حيث أن اللافت في الأمر أن جميع الخيارات لم تشمل أي عودة للنازحين إلى شمال غزة، واقتصرت على توزيع النازحين على مناطق ما بين مدينة خانيونس ووسط القطاع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية