نازحون يستثمرون في مهن بدائية مدرة للمال أفرزتها الحرب على غزة

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

يواجه المواطنون في كافة مناطق قطاع غزة ومنهم النازحون الذين هجروا قسراً من أماكن سكناهم في مدينة غزة وشمالها إلى مدن جنوب قطاع غزة ظروفا معيشية واقتصادية صعبة، بسبب توقف غالبية كبيرة منهم عن العمل جراء استمرار الحرب وصعوبة الحصول على مصادر دخل، ونتيجة لذلك شرع المئات من النازحين باستحداث مهن بدائية خاصة بالحرب، من أجل توفير مصدر دخل.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتعمد الاحتلال الإسرائيلي قصف المنشآت التجارية والاقتصادية من مطاعم وفنادق وشركات تجارية وتدمير عدد كبير من كبرى المولات التجارية، بهدف تدمير القطاعات الاقتصادية ورفع معدلات الفقر والبطالة بين المواطنين، الذين فقدوا حقهم في العمل حتى لو توقفت الحرب، لن يجد هؤلاء فرصة للعودة إلى العمل، بسبب ما جرى بتلك المنشآت من خراب ودمار هائل.
ونتيجة لتفاقم الظروف المعيشية مع استمرار الحرب ودخولها الشهر الثامن على التوالي، لجأ عدد كبير من النازحين إلى العمل في مهن بدائية استحدثتها الحرب، ومن أبرز تلك المهن استخدام ألواح الطاقة في شحن هواتف المواطنين وبطاريات إنارة الخيم، عدا عن عودة مهنة التحطيب التي فقدت منذ زمن طويل في ظل انقطاع غاز الطبخ وتوجه المواطنين للطهي على الحطب، إلى جانب بيع المعلبات والمواد الغذائية التي يتم توزيعها على المواطنين، وصناعة الشيبس ومواد التنظيف بعد أن توقف استيرادها من الخارج، إلى جانب مهن أخرى وجميعها شكلت طوق نجاة لأصحابها الذين بات بمقدرتهم تلبية احتياجاتهم العائلية من وراء ما يتم جنيه من نقود.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن الاحتلال دمر أكثر من 600 منشأة اقتصادية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تنوعت ما بين مصانع ومستودعات شركات ومطاعم وفنادق سياحية، بهدف الحاق أكبر ضرر بالقطاع ورفع نسب البطالة إلى مستويات خطيرة في صفوف الشباب، وأشار المكتب إلى أن إمكانية تعافي هذه القطاعات بشكل سريع أمر في غاية الصعوبة، بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع.
بين خيام النازحين في منطقة المواصي غربي مدينة رفح، تنتشر ألواح الطاقة الشمسية التي تعود لأشخاص حصلوا عليها بفعل القصف للمساجد والبنايات السكنية وأعادوا استخدامها لشحن هواتف المواطنين مقابل أجر مادي زهيد، في خطوة لإشغال أنفسهم وتوفير مصدر دخل في ظل الظروف الصعبة.
المواطن فادي مطر كان يعمل في الأصل حدادا في إحدى الورش بمدينة غزة، ومع دخول الحرب وتوقفه عن العمل فكر في اشغال نفسه وتوفير مصدر دخل في ظل تفاقم ظروفه المعيشية، حيث قام بشراء لوحة طاقة شمسية بمبلغ زهيد ليعمل في مجال شحن الهواتف والبطاريات وتوفير مصدر دخل. يقول لـ«القدس العربي» إن المهنة التي برزت خلال الحرب تعتبر مدرة للمال، خاصة في ظل حاجة المواطنين الضرورية لشحن هواتفهم المحمولة وبطاريات الإضاءة، مع انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل عن كافة مناطق قطاع غزة منذ بداية الحرب.
أما أمير سويدان فاتجه إلى صناعة رقائق البطاطس المقلية «الشيبس» وهي من الأكلات المحببة للغزيين وانقطعت بشكل كامل مع استمرار إغلاق المعابر وتوقف الحركة التجارية، حيث يقوم بتقطيع شرائح البطاطس على شكل رقائق مدورة ولفها بأسياخ خشبية، ومن ثم قليها بزيت الطعام ورشها بالملح والبهارات استعداداً لبيعها، ويقول سويدان لـ«القدس العربي» إن الفكرة التي راودته شكلت إنقاذا له في ظل الإقبال الواسع من قبل المواطنين على شراء رقائق البطاطس وجني المال الوفير، الذي يمكنه من توفير مستلزمات أسرته من مأكل ومشرب.
وداخل سوق العودة الشعبي وسط مدينة رفح والمكتظ بمئات آلاف المواطنين من كافة مناطق قطاع غزة الذين يأتون للتسوق، تعمل شريحة واسعة جداً من النازحين، فمنهم من يقوم ببيع الحطب وآخرون يعملون في بيع المعلبات وصناعة الأحذية التي باتت مفقودة من القطاع، بالإضافة إلى العديد من المهن الأخرى.

صناعات بدائية

على أحد مفترقات السوق الشعبي يقوم عبدالله توهة بصناعة الأحذية بشكل بدائي وإصلاح ما هو مهترئ بماكينات بدائية، في ظل عدم توفر الأحذية في الأسواق. يقول لـ«القدس العربي» إن «مهنة صناعة الأحذية يعمل بها منذ سنوات، ولكن في العادة تتم صناعتها من خلال ماكينات مخصصة، لكن في ظل توقف عمل المصانع وعدم توفر ماكينات مخصصة، أقوم بصناعة الأحذية بشكل يدوي وباستخدام ماكينات بدائية» حيث تعتبر هذه المهنة بالنسبة له شاقة ومرهقة كونها يدوية، ولكن الظروف الصعبة فرضت عليه خوض المهنة لتلبية احتياجاته الشخصية والعائلية.
ويقول الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب إن المواطنين كافة في قطاع غزة يواجهون ظروفاً معيشية هي الأسوأ على الإطلاق، بسبب استمرار الحرب وتوقف شريحة واسعة جداً عن العمل خاصة عمال اليومية الذين يعملون في الشركات الخاصة والمطاعم والفنادق، وهؤلاء جميعهم انقطعت بهم السبل ولم يجدوا مصدر دخل يوفر لهم حياة كريمة.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن الظروف السيئة فرضت على كافة المواطنين سواء كانوا موظفين حكوميين أو غيرهم خوض مهن كل حسب خبرته من أجل توفير مصدر دخل، ويعود ذلك إلى عدة أمور أولها، أن الموظفين يجدون صعوبة في الحصول على رواتبهم بفعل أزمة السيولة النقدية التي باتت مفقودة من القطاع، بسبب منع الاحتلال إدخال السيولة إلى البنوك في غزة، بالإضافة إلى تدني مستوى صرف الرواتب للموظفين، وهو ما يجعل الموظف بحاجة إلى مصدر دخل آخر لتوفير كل ما يلزم في ظل حالة الغلاء الفاحش في الأسعار.
ويشير إلى أن الحرب أفرزت مهنا كثيرة كانت مفقودة في السابق وأبرزها مهنة التحطيب وصناعة المواد الغذائية بالطرق البدائية كبديل عن المستوردة، وجميع هذه المهن تجد إقبالا واسعا من قبل المواطنين.
ولفت إلى أن الاحتلال تعمد استهداف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية منذ بداية الحرب، فلم تسلم شركة تجارية ولا مصنع ولا الأراضي الزراعية من القصف الإسرائيلي والتدمير الكامل، وهذا التدمير أدى إلى حرمان الأيدي العاملة من فرصة الحصول على فرصة عمل.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل شن حرب مدمرة على قطاع غزة في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي، حيث يواصل حرب الإبادة ضد المدنيين، وتدمير البنى التحتية ومنازل المواطنين وكافة القطاعات التجارية والاقتصادية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية