رحيل الفنان الفلسطيني الملتزم مصطفى الكرد

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

القدس ـ «القدس العربي»: نعت الساحة الفنية والثقافية الفلسطينية الفنان المقدسي الملتزم مصطفى الكرد (أبو درويش) ابن حارة السعدية (باب حطة) في البلدة القديمة في القدس المحتلة، الذي ينظر له على أنه أحد مؤسسي مسرح الحكواتي في القدس ومدير مركز الموسيقى العربية، ويعتبر من أوائل المبادرين للأغنية السياسية الحديثة.
ورحل الفنان الكرد، ذو الحضور الغنائي والموسيقي الخاص، وصاحب التاريخ المليء بالذاكرة، عن عمر يناهز 79 عاماً، وقد شغل في حياته الغنية منصب مدير دائرة الموسيقى في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني.
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية الكرد إذ وصفته بأنه فنان ومغن وعازف، ولد عام 1945 في القدس، حيث بدأ دراسة العود عام 1962، وتميز بأسلوبه الفني الملتزم في الغناء.
وتميز تاريخ الراحل الحافل بمنجزات كثيرة، ففي عام 1970 شارك في تأسيس معهد القدس للفنون والمسرح، كما إنه عزف وغنى مجموعات شعرية لسميح القاسم، ومحمود درويش، وخليل توما، وراشد حسين، وكان قد اعتقل عام 1976 وبعد إخلاء سبيله غادر البلاد إلى المنفى.
وغنى الكرد لجميع شعراء المقاومة. وعندما اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 28/12/76 خُيِّر بين البقاء في السجن أو الإبعاد الطَّوعي فاختار الإِبعاد الطوعي إلى الأردن، ومنها إلى بيروت. وكان قد بدأ بالفن الملتزم وظهرت أغنيته التي أصبحت شعارا لتلك المرحلة: «هات السكّة وهات المنجل اوعى بيوم عن أرضك ترحل» ومن ثمّ «الأمل» و»الأرض».
وتعتبر أغنية «هات السكة» عملا فنيا جوهريا تفتحت من خلالها عيون جيل السبعينات من القرن الماضي من الفلسطينيين على الوطن المحتل، وقادت جيلا آمن بالوطن وتحريره من الاحتلال.
يعتبر الكرد امتدادا طبيعيا لمؤسسي المدّ الإبداعي الموسيقي والشعري والغنائي في العالم العربي منذ سيد درويش والشيخ أمام. كما ألف ولحن الموسيقى التصويرية للعديد من المسرحيات الفلسطينية، ويتنوع الأرشيف الخاص بالفنان الكرد ما بين الورقي والصوتي. ويضم الجزء الأول من هذا الأرشيف شهاداتٍ ورسائل تكريم وتقدير حصل عليها في مجالي المسرح والموسيقى، فضلًا عن قصيدةٍ لعبد القادر العزة جاءت في مدحِ عزفه على العود.
يضاف لما سبق كتيب يتحدث عن مسرحية «معك ولعة!» التي أعد الكرد ألحانها، ومطوية باللغة الألمانية توثق إحدى مشاركاته الفنية. أما الجزء الثاني من مواد المجموعة، فيحتوي تسجيلات صوتية توثق «لقاء الخميس» وهو لقاء كان يعقد مطلع تسعينيات القرن العشرين، يجتمِعُ فيه الكتاب والشعراء لتقديم أعمالهم ومناقشتها، ويكون للكرد فقرة غنائية في نهاية كلِ لقاء.
ونعى كتاب ومثقفون وفنانون على امتداد الساحة الفنية الفلسطينية مصطفى الكرد، ومن هؤلاء الكاتب والإذاعي مصطفى بشارات، الذي قال عنه «كأنه لم يرحل» واستعاد تجربة عودته من المنفي في التسعينات، حيث قال: «مرت ثلاثون عاما أو تكاد، لا أعرف خلالها كيف كنت تتدبر أمورك كلما زاد عدد (العسكر) في القدس، وارتفعت الجدران، التي بنوها لتطوق مدينتك! لا أعرف. فعلا لا أعرف.. لكني متأكد أنك كنت تستعين بأغانيك لاحتمال عسف (العسكر) ولتجاوز تلك الجدران».
وقال الناقد الأدبي الدكتور عادل الأسطة إنه «في حرب أكتوبر ١٩٧٣ توفي طه حسين فأقيمت له، جنازة عادية، وفي كانون الأول من العام ٢٠٠٣ توفيت الشاعرة فدوى طوقان، وكانت الأجواء مطيرة وحصار نابلس في أوجهه، حيث شارك بها عدد قليل من المهتمين».
وتابع الأسطة: «أما في حرب ٧ أكتوبر فتوفي الفنان الفلسطيني المغني المقيم في القدس مصطفى الكرد، والقدس محاصرة والطرق في الضفة غير سالكة بسهولة والعيون كلها نحو غزة». وأكمل أنه «ما لا أنساه هو أن هذا الفنان الوطني الملتزم كان يضيق عليه بسبب أغانيه الوطنية».
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد سجن الفنان الكرد عدة مرات بعد عام 1967 عندما كان عمرهُ 22 سنة، وقد عُذّبَ كثيرا في السجن لأجل أغانيه الوطنية ومواقفة السياسة.
ورغم تحولات القضية الفلسطينية بقي الكرد صامدا ثابتا لم يترك الفن الملتزم. وبحسب أبناء جيله فقد كانت كل أغانيه، التي لحنها وغناها وطنية وسياسية هادفة، تتناول القضية الفلسطينية وقضايا وهموم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما يصفونه بأنه «كان يغني لأهل القدس ومعهم ومن أجلهم».
ونعت جمعية الكمنجاتي الفنان الراحل ووصفته بإنه أحد أهم الموسيقيين الفلسطينيين، وصاحب مسيرة حافلة على مستوى النهضة الثقافية في فلسطين.
ووصفته الكاتبة والإعلامية شوقية عروق منصور بأنه عَلمٌ من الأعلام المؤسسين للموسيقى الفلسطينية، إذ تأثّر واستفاد من صوفية والده درويش الذي كان يمارس شعائر الأَذكار والتراويح والأغاني الصوفية.
في سنة 1948 هُجّر مصطفى الكرد مع عائلته إلى أريحا من حي البقعة، وهو أحد أحياء القدس، عقب إصابة عمّه في معركة النوتردام، وبقوا هناك حتى بداية سنة 1950، ثم عادوا إلى القدس ليستقروا في حي «باب حُطّة» ومن ثم في حي «باب السعدية» وحي «باب العامود».
وقالت منصور: «رحل الفنان والمؤثر الكبير في المشهد الموسيقي والاجتماعي الفلسطيني منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي.. رحل عنا تاركًا إرثًا غنيًا من الأغاني الجميلة التي تلامس وجدان كل فلسطيني وفلسطينية، تاركًا بصمةً لا تُمحى في قلوب محبيه».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية