لقمة العيش تحت الاحتلال: رحلة العبور الخطر لعمال الضّفة إلى أراضي 48

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ جنين – «القدس العربي»: يضطر العامل الفلسطيني (م. س.) من مدينة جنين لأن يخرج من منزله بعد انتصاف الليل ومعه عشرات العمال من بلدته، مخاطرا بحياته للعمل في بلدة «برطعة» التي تقسمها سياسات الاحتلال إلى نصفين، وذلك سعيا وراء توفير قوت يومه.
ويفضل عدم الكشف عن اسمه تحاشيا لتنكيل محتمل من قبل أجهزة أمن الاحتلال.
وتقع بلدة برطعة التي تقسم شطرين بين فلسطينية وإسرائيلية شمال الضفة الغربية، وفيها يغامر مئات الفلسطينيين بالعمل في القسم الذي يخضع لسياسات الاحتلال الإسرائيلي.
وجميع سكان البلدة فلسطينيون يحملون الهوية الإسرائيلية الزرقاء، وتعتمد البلدة بدرجة كبيرة على عمال فلسطينيين مهرة يأتون من مناطق جنين وطولكرم شمال الضفة الغربية.

رحلة بين الحواجز

وعن رحلة المرور واجتياح المعيقات الإسرائيلية، يؤكد العامل م. س. لـ «القدس العربي» أنه وبعد أشهر من الجلوس في البيت قرر المغامرة بحياته للعمل أسوة بمئات العمال في منطقته.
وتابع: «في شهر رمضان قررت أن انطلق للعمل في بلدة برطعه، كل من فيها فلسطينيون يوفرون لنا مكانا للمنام ويقدمون راتبا مجزيا».
ويقول إن رحلة اجتياز الحواجز الاحتلالية (الحدود) وكاميرات التصوير الحرارية والطائرات المسيرة التي تراقب كل من يقطع الأسلاك الشائكة محفوفة بالمخاطر، وتتطلب تحركا على شكل مجموعات تحت جنح الظلام بمجرد مرور الدورية الإسرائيلية التي تحرس نقاطاً محددة في منطقة الخط الفاصل بين الضفة الغربية والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ويكمل: «بعد ساعة من انتصاف الليل، وعلى شكل مجموعات، بمعدل 10 في كل مجموعة، نقطع الطريق من مناطق فتحها عمال وأرباب عمل، وبعد اجتياز الشريط الحدودي المراقب بالكاميرات أيضا، على العامل أن يسير ركضا لمدة كيلو متر واحد حتى يصل إلى منطقة الأمان».
ويكمل العامل م.س. الذي يعمل اختصاصيا في تركيب المنازل الحديدية المتنقلة «اجتياز الشريط الحدودي مهم، وبعدها نكون أمام اجتياز نصف صعوبة الطريق، بحيث يتبقى علينا الوصول إلى أطراف البلدة في انتظار مركبة تأتي لتنقلنا إلى وجهاتنا المختلفة».

10 آلاف عامل يدخلون إسرائيل

وحسب تقديرات فلسطينية وإسرائيلية فإن ما يقرب من 10 الاف عامل يعبرون الخط الأخضر، رغم إجراءات الاحتلال التي منعت نحو 150 ألف عامل كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل.
ويقول (م.س) إن العمال لم يعودوا قادرين على الجلوس في انتظار فتح المعابر (الجلمة، سالم، جبارة) بشكل رسمي للذهاب إلى أماكن عملهم، فهذا يعني الجوع.
ومنذ نحو سبعة أشهر لم تسمح إجراءات الاحتلال للعمال بالدخول إلى مناطق 48، فيما سمحت لنحو 20 ألف عامل بالعمل في مستوطنات تقع في مناطق الضفة الغربية وقريبة من مدينة سلفيت والأغوار الشمالية.
وسألت «القدس العربي» العامل الذي كان ينسق للعودة إلى مكان عمله بعد عودة قصيرة لبلدته استغرقت يومين، ما طبيعة المخاطر التي تعترض طريقهم أثناء الذهاب وفي رحلة العودة، فقال: «الموت أحد هذه المخاطر، أحيانا يطلق الجنود النار علينا بشكل فوري، فالوقت يكون بعد منتصف الليل، وغالبا ما يحالفنا الحظ بالمرور في ظل أننا نراقب الطريق جيدا، ولا نتقدم إلا في لحظة مرور سيارات الجيش من المكان، وفي أحيان أقل خطرا قد نعتقل ونسجن، وفي مرات يمكن ان يقوموا بالاعتداء علينا وضربنا بشكل وحشي».
ويتابع: «أنت وحظك، وحسب مزاج الجنود وحسب الوضع الأمني في المنطقة، لكن المهم بالنسبة لنا أننا لا يمكن أن نستمر بلا عمل لمدة أطول، ولذلك نخاطر بحياتنا».
وقال الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، إن جيش الاحتلال قتل خمسة وعشرين عاملا منذ مطلع العام الجاري باستهدافهم بالرصاص الحي أو بالغاز المسيل للدموع أو الاعتداء بالضرب.
وأضاف في تصريح صحافي أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ بداية العدوان 5100 عامل من الضفة وقطاع غزة، وأخضعتهم للتحقيق وغالبيتهم عمال بناء.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن أثر إجراءات الاحتلال لم يقتصر على قطاع غزة، وإنما انعكس على الضفة الغربية أيضاً، وإن كان بشكل أقل، فقد كان لأثر عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تبعه من تداعيات في الضفة الغربية تمثلت في تشديد الخناق على محافظات الضفة، وتقطيع التواصل بينها، ومنع وصول العمال للعمل داخل أراضي عام 1948، كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شل الحركة الاقتصادية، ما كان له تأثير مباشر في سمات القوى العاملة في الضفة الغربية.

317 ألف عاطل عن العمل

ووفقا لذلك فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 317 ألفا في الربع الرابع من 2023 مقارنة بحوالي 129 ألفاً في الربع الثالث 2023 قُبيل العدوان على قطاع غزة، كما ارتفعت معدلات البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية خلال الربع الرابع 2023 إلى حوالي (32%) مقارنة بحوالي 13% في الربع الثالث منه. وانخفض عدد العاملين (لا يشمل العاملين في الخارج) من حوالي 868 ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى حوالي 665 ألف عامل في الربع الرابع بنسبة 23%.
وانخفض عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل بشكل كبير جدا ما بين الربعين الثالث والرابع 2023 بحوالي 130 ألف عامل نتيجة الإغلاقات المشددة التي فرضها الاحتلال عقب العدوان على قطاع غزة، فبلغ العدد الإجمالي للعاملين في إسرائيل حوالي 17 ألف عامل في الربع الرابع 2023، مقارنة بحوالي 147 ألف عامل في الربع الثالث 2023.
كما انخفض عدد العاملين في المستوطنات الإسرائيلية من حوالي 25 ألف عامل في الربع الثالث 2023 إلى 7 آلاف عامل في الربع الرابع. في سياق آخر، تستهدف منظومة الاحتلال الإسرائيليّ العمال الفلسطينيين، حيث شكّلت عمليات الاعتقال والملاحقة أبرز السياسات التي ينتهجها الاحتلال، هذا عدا عن أن جزءًا كبيرًا من الأسرى الفلسطينيين الذين خاضوا نضالهم في سبيل حرية أرضهم وشعبهم هم من الطبقة العاملة.
وعمل الاحتلال على مدار عقود على تطوير أدواته وسياساته لاستهدافهم وسلبهم حقوقهم، وفرض المزيد من عمليات السيطرة والرقابة على حقّهم في العمل والحياة.
وفي بيان صدر عن مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) أكّدت فيه أن قضية العمال الفلسطينيين تعتبر قضية بارزة في ضوء تصاعد الجرائم والانتهاكات الممنهجة بحقّهم، ومنها عمليات الاعتقال والملاحقة والتّعذيب، حيث تعرض الآلاف من العمال الفلسطينيين من كافة الجغرافيات الفلسطينية لعمليات اعتقال جماعية وجرائم ممنهجة، وتحديدًا بعد تاريخ السابع من أكتوبر، وذلك في إطار سياسة الانتقام الجماعي التي صعّد الاحتلال من ممارستها وبشكل غير مسبوق، مقارنة مع محطات شهدت فيها فلسطين انتفاضات وهبات شعبية واسعة ضد منظومة الاحتلال الإسرائيليّ.
وقد صعّد الاحتلال من عمليات ملاحقة العمال واعتقالهم على خلفية الدخول دون تصريح على الأراضي المحتلة عام 1948 للعمل خلال الشهور الماضية، وذلك في ظل تصاعد سياسات التضييق الممنهجة على شعبنا، وتمدد الاستيطان، وسلب أموال الشعب الفلسطيني، وقد رافقت عمليات الاعتقال هذه اعتداءات بطرق مختلفة، وعمليات احتجاز في ظروف قاهرة وصعبة.
وأكدت المؤسسات الحقوقية أنّ الاحتلال يمارس عمليات تنكيل وتعذيب وسلب بحق العمال المعتقلين إلى جانب كافة الإجراءات الانتقامية التي فرضها على الأسرى والمعتقلين داخل سجونه ومعسكراته ومنها سياسة التجويع والإذلال المتواصل، هذا عدا عن الاعتداءات التي رافقت عمليات اعتقالهم، والتي أدت إلى استشهاد ثلاثة عمال في سجون ومعسكرات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر وهم من بين 16 شهيدًا من الأسرى ارتقوا بعد السابع من أكتوبر: (الشهيد ماجد زقول من غزة، والشهيد الثاني لم يتسنّ للمؤسسات التأكد من هويته، وكلاهما من غزة، إضافة إلى الشهيد عبد الرحيم عامر من قلقيلية).

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية