المقررة الأممية المعنية بالعنف ضد النساء: إسرائيل تحاول “القضاء” على الأونروا ويجب استخدام الفصل السابع لإجبارها على وقف النار

حسن سلمان
حجم الخط
0

تونس- “القدس العربي”: دعت ريم السالم، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي قالت إنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كما تحاول “القضاء” على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كما طالبت السالم بتحويل القرار الأخير لمجلس الأمن إلى “وقف دائم” لإطلاق النار في قطاع غزة، وفك الحصار عنه، مشيرة إلى أنها تؤيد توصية المقررة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، في تقريرها الصادر الثلاثاء أمام الدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الانسان، والذي أكدت فيه ضرورة “وجود وقائي دولي” في المرحلة القادمة في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، لمنع تكرار الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

السالم: من المقلق للغاية أن ترى واشنطن أن قرار وقف إطلاق النار غير ملزم، في تجاهل واضح للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة

وكان مجلس الأمن اعتمد، الإثنين، مشروع قرار يطالب بـ”وقف فوري” لإطلاق النار في غزة، بغالبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة، تقدمت به مجموعة الدول العشر المنتخبة للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن.

وقالت السالم، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “قرارات مجلس الأمن مُلزِمة في القانون الدولي، ومن المقلق للغاية أن تشير الولايات المتحدة إلى هذه القرار باعتباره غير ملزم، في تجاهل واضح للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة. هذا ينال من مصداقية النظام القائم على القانون الدولي”.

وأوضحت أكثر بالقول: “من الواضح أن لغة قرار مجلس الأمن رقم 2728 (بشأن غزة) إلزامية (فهي تستخدم كلمات مثل “يطالب”). وهذا ما يؤكده أيضاً حكم محكمة العدل الدولية عام 1970 بشأن احتلال جنوب أفريقيا لناميبيا، حيث رفضت الرأي القائل بأن التزامات الدول الأعضاء- بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة- بتنفيذ قرار مجلس الأمن لا تنطبق إلا على تدابير الإنفاذ المعتمدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لذا فإن هذا القرار يتضمن طلباً ملزماً قانونياً بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، وطلبًا آخر ملزماً قانونياً بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن”.

واستدركت بقولها: “ولكن إسرائيل ترفض الالتزام بهذا القرار، حيث تواصل قصف المدنيين والمواقع المدنية في قطاع غزة، بل وعززت من هجومها وقتلها للمدنيين الفلسطينيين. ويجب ألا يتم تنفيذ القرار دون تأخير فحسب، بل يجب أن يتحول إلى وقف إطلاق نار مستدام ودخول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وغير مشروط. وإذا لزم الأمر، يجب إجبار إسرائيل على الالتزام بهذا القرار من خلال الفصل السابع لمجلس الأمن”.

معاقبة إسرائيل

وتوجهت السالم برسالة إلى المجتمع الدولي، اعتبرت فيها أن تنفيذ القرار الذي اعتمده مجلس الأمن مؤخراً “يشكل الخطوة الأولى- مع أنه من غير المقبول صدوره بعد 6 أشهر من الحرب على غزة- ولكنه لا معنى له إذا لم يتبعه وقف دائم لإطلاق النار. ولا نتصور أن هذا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتخاذ التدابير السياسية والاقتصادية الضرورية، بما في ذلك فرض عقوبات على إسرائيل، فضلاً عن حظر تصدير الأسلحة لها. ولا يمكن لدول العالم أن تتظاهر بأنها لا تعلم أن هذه الحرب لا يمكن وصفها غير أنها إبادة جماعية. وعليها الوفاء بالتزاماتها الدولية واتخاذ إجراءات لوقف الإبادة الجماعية وإلا فستكون شريكة في هذه الإبادة، وهذا ما تحظره اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، ولذلك فاحترام التزامات الدول الموقعة على هذه الاتفاقية يتضمن حتماً وقف صادرات الأسلحة لإسرائيل”.

كما دعت إلى تمويل وكالة الأونروا و”يجب أن تتمتع الجهات (المنظمات والوكالات) الدولية الفاعلة على الصعيد الإنساني وكذلك السكان المدنيون، بالحد الأدنى من الظروف الأمنية التي تمكّنهم من تقديم المساعدة الإنسانية والوصول إليها. وقد طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بالسماح للمساعدات الإنسانية للقطاع- فهذه مسؤولية إسرائيل كدولة محتلة حسب القانون الدولي الإنساني- ويجب أيضًا إعطاء أولوية للاحتياجات الخاصة للنساء كإناث. وأؤيد ما تحدثت عنه زميلتي المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، وآخرون عن الحاجة إلى “وجود وقائي دولي” في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة”.

نهاية التهجير القسري

واعتبرت السالم أن تنفيذ قرار مجلس الأمن المتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار “يجب أن يؤدي إلى نهاية فورية للقتل، والتهجير القسري، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، والعنف الجنسي، والمجاعة القسرية، والحرمان من المساعدات الإنسانية، والحصول على المياه، والصحة، بما في ذلك الصحة الإنجابية، لفترة قصيرة”.

السالم: إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وتستخدم العنف الجنسي كسلاح لترويع الفلسطينيين

واستدركت بالقول: “من الواضح أن فترة الأسبوعين هذه ليست كافية، ونحتاج إلى تمهيد الطريق لوقف إطلاق نار أكثر استدامة (كما ذكرت سابقاً). وفي الواقع، يحق للفلسطينيين، بما في ذلك النساء والأطفال، التمتع بالحماية والأمان أكثر مما يعِد به هذا القرار”.

وفي ما يتعلق بوجود إحصائية حول عدد جرائم القتل والعنف الجنسي، بما فيها الاغتصاب، والتهديد بالاغتصاب، التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق النساء في غزة، قالت السالم: “لقد تلقيت العديد من التقارير التي تشير إلى حوادث فردية وجماعية بحق النساء والفتيات في ما يتعلق بالاعتداء الجنسي والجسدي والنفسي والمعاملة المهينة واللاإنسانية، ومصدر هذه التقارير هو الضحايا أنفسهم، أو الشهود، أو المنظمات التي تعمل مع الضحايا، أو منظمات حقوق الإنسان المستقلة، وقد خاطبت الحكومة الإسرائيلية بشأنها، ولكن لم أحصل على إجابة”.

ودعت السالم إلى إجراء “تحقيق مستقل في جميع مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك العنف الجنسي ضد أي شخص، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً أو من جنسيات أخرى”، مشيرة إلى أن إسرائيل “رفضت التعاون مع لجنة التحقيق الأممية بشأن فلسطين التي بدأت تحقيقين، أحدهما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي قد يكون ارتُكب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أو منذ ذلك الحين، من قبل إسرائيل أو الفصائل الفلسطينية المسلحة أو الأفراد”.

وأضافت: “ويجب معاقبة المسؤولين عن ذلك، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون. في غضون ذلك، يجب على الجهات الفاعلة الحكومية أو الفعلية التي تتمتع بسيطرة فعالة على منطقة ما، أن تضع حدًا فوريًا لأعمال العنف ضد النساء والأطفال، بما فيها العنف الجنسي، أو التحريض أو المساعدة على ارتكاب مثل هذه الجرائم، إذا ثبت ذلك”.

الاغتصاب أداة حرب

ويتحدث المراقبون عن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الاغتصاب كـ “سلاح” لترهيب الفلسطينيين ودفعهم للخروج من قطاع غزة.

وعلقت السالم على ذلك بالقول: “في عام 2008، أقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال قراره رقم 1820، بأن النساء والفتيات مستهدفات بشكل خاص باستخدام العنف الجنسي، وأنه يمكن أن يكون بمثابة (تكتيك حرب لإذلالهن، والسيطرة، وبث الخوف في نفوسهن، وقهرهن)، وليس لدي شك في أن الاعتداء والعنف الجنسي يُستخدم بهذه الطريقة من قبل إسرائيل، لا سيّما منذ أكتوبر 2023. وتجدر الإشارة إلى أن ادعاءات العنف الجنسي ضد النساء الفلسطينيات ليست جديدة، ولكنها متكررة”.

وأشارت، في السياق، إلى الفقرة 73 من تقرير المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، في 9 حزيران/يونيو 2023، والتي تؤكد فيها أنه “على غرار نظرائهن من الرجال، تحتجز إسرائيل أيضًا النساء والفتيات الفلسطينيات. دون محاكمة، ويتعرضن للتمييز والمضايقة والمعاملة المهينة. ويشمل ذلك عمليات التفتيش العاري، والاعتداء الجنسي، والتهديدات، فضلاً عن ظروف الاحتجاز اللاإنسانية حتى أثناء الحمل. ويتم اعتقال بعض النساء وتهديدهن ومعاملتهن بشكل سيئ لمجرد الحصول على معلومات أو ممارسة الضغوط على أزواجهن”، مضيفة: “وقد وصلنا تقارير مشابهة ومتزايدة منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023”.

إبادة جماعية وضد الإنسانية

وفي ما إذا كانت تعتقد بارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، أجابت السالم: “كلاهما، فالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية تحدث في نفس الوقت. وهذان النوعان من الجرائم قد يبدوان متشابهين، ولكن لديهما مستوى مختلف من حيث “النية الجنائية”، أو المستوى الذي يستوجب إثبات المعرفة بالمخالفات. إذ يجب أن ينوي مرتكب جريمة الإبادة الجماعية تدمير المجموعة الخاضعة للحماية، كلياً أو جزئياً، بينما لا يحتاج مرتكب الجريمة ضد الإنسانية إلا أن يكون على علم بالهجوم ضد السكان المدنيين وبدوره فيه”.

وأضافت: “نحن نعلم أن محكمة العدل الدولية أكدت-حتى الآن- وجود خطر محتمل يتعلق بوقوع إبادة جماعية، وطلبت من إسرائيل اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة. وقال العديد من خبراء القانون الدولي ومسؤولي الدولة، بالإضافة إلى الخبراء المستقلّين في مجلس حقوق الإنسان، إننا نعتقد أن هناك إبادة جماعية– تتكشف يوماً بعد آخر- ضد الشعب الفلسطيني (في جميع الأراضي المحتلة، وليس في غزة فقط)”.

السالم: الأمم المتحدة تعمل في أصعب ظروف يشهدها التاريخ الحديث، ولم نشهد قط هذا المستوى من الاعتداء ضد منظمة أمم متحدة مثل الأونروا، وهذا الحجم من خسائر في أرواح موظفيها

وتابعت بالقول: “خلصت زميلتي المقررة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، في تقريرها لمجلس حقوق الإنسان، إلى أن هناك أسباباً قوية للاعتقاد بأن إسرائيل حققت عتبة ارتكاب الإبادة الجماعية. بمعنى أن الإبادة الجماعية لا تُرتكب في غزة فقط، ولا تقتصر على الأحداث التي وقعت بعد 7 أكتوبر 2023”.

استهداف الأمم المتحدة

وفي ما يتعلق باتهام البعض للأمم المتحدة بالتقصير في وقف الحرب في قطاع غزة، قالت السالم: “تعمل الأمم المتحدة في ظل أصعب الظروف التي شهدها التاريخ الحديث، ولم نشهد قطّ هذا المستوى من الاعتداء ومحاولات “الاغتيال” (حرفياً) لوكالة تابعة للأمم المتحدة من قبل إسرائيل، كما رأينا من خلال الهجوم المنهجي والمتعمد على الأونروا، وأعرب العديد من المقرّرين، بمن فيهم أنا، عن قلقنا إزاء التحرك الذي اتخذته 18دولة لتعليق الأموال المخصصة للأونروا، وأعربوا- في المقابل- عن سرورهم بإعادة جزء كبير منها، ولكن هذا لا يكفي لسدّ العجز الذي تعاني منه. ما كان ينبغي أن يحدث ذلك أبداً تلبية لادعاءات إسرائيلية ثبت عدم صحتها”، في إشارة إلى المزاعم حول “مشاركة” بعض موظفي الأونروا في عملية “طوفان الأقصى”.

وأضافت: “إنني أفهم أن الكثيرين يشعرون أنه كان ينبغي للأمم المتحدة أن تفعل المزيد، لكنهم ينسون أنها مكونة من دول، وأنها مُنحت قواعد معينة للتعامل، وأن مدى فاعليتها في تحقيق الأمن والسلام العالمي مرتبط بشكل كبير بديناميكيات حق الفيتو في مجلس الأمن. ولا شك ان إسرائيل عوملت كدولة فوق القانون، فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لصالحها 46 مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945. ولذلك تتعالى أصوات الدول المطالبة بإصلاح الأمم المتحدة، وكيفية اتخاذ القرار من قبل مجلس الأمن، واستخدام حق النقض. اُنظر كيف هُوجم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عندما قال إنه يجب النظر إلى خلفية ما حدث يوم 7 أكتوبر (وأن هجوم حماس لم يحدث من فراغ)”.

وتابعت السالم بالقول: “من وجهة نظري، يجب أن يكون المجتمع الدولي حازماً أكثر في منع الجرائم التي تُرتَكب ضد النساء والأطفال خلال الحروب، وإلا فلا مصداقية لديه عندما يدّعي تمسكه بحماية المرأة والطفل. كما تشكّل اللامبالاة حول حياة المرأة والطفل الفلسطيني سابقة خطيرة، سنراها في حروب المستقبل. فلم يعد هناك خط أحمر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية