«المقاهي الثقافية.. الحياة من الهامش»: الثقافة جزء من (المقهى) ولا يمكن التعرّف على (القاهرة) إلا من خلاله

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

«القاهرة ـ «القدس العربي»: نظمت الجامعة الأمريكية في القاهرة الدورة الأولى لـ(مهرجان التحرير الثقافي) وكانت مدينة القاهرة هي ثيمة مهرجان هذا العام، من حيث ذاكرة المكان من شوارع وعمارة وشخصيات وأحداث. وضمن هذه الندوات جاءت ندوة (المقاهي الثقافية في القاهرة.. الحياة الثقافية من الهامش) وضمت كلا من الشاعر إبراهيم داود والإعلامي عمرو خفاجي، وأدارها الصحافي سيد محمود.

مدخل مختلف للحياة الثقافية

في البداية أشار الصحافي سيد محمود إلى أن سرديات المقاهي تمثل مدخلا مختلفا للحياة الثقافية في القاهرة في ظل تعدد روافد هذه الثقافة، لكنها جاءت بالسرديات الفردية، على ضوء علاقة المقهى بالحياة الثقافية. فجمال الغيطاني على سبيل المثال كتب بعض المعلومات والإشارات الدالة في مقدمته لكتاب مُترجم عن المقاهي الثقافية في القاهرة، إضافة إلى كتابات محمد سيد بلال وأحمد محفوظ. وكذلك كتب عبد المنعم شميس وعباس خضر عن الحياة الثقافية في الأربعينيات والخمسينيات. ثم تأتي كتابات عبده جبير، وكتاب «نبلاء وأوباش» لسليمان فياض، و»مقتنيات وسط البلد» لمكاوي سعيد. فالفكرة المرتبطة بالهامش الثقافي ولّدت مظاهر ثقافية جعلت المقهى نموذجا لها، كمقهى ريش على سبيل المثال، الذي شهد وجود الصحافيين الأجانب لتغطية ثورة 1919 ثم الحربين العالميتين. كما أن هناك وقائع أساسية مرتبطة بريش.. كتأسيس مجلة «غاليري 68» ومدى تأثيرها في نماذج أخرى ظهرت في السبعينيات وحتى التسعينيات، كمجلات «الكتابة الأخرى» و»الجراد» وتأسيس أصوات جديدة في الأدب المصري.

المقهى حياة كاملة

يرى الشاعر إبراهيم داود أن هناك فارقا كبيرا بين مقاهي المثقفين والمقاهي الثقافية، فنجيب محفوظ كان يجلس في مقهى (علي بابا) وهي ليست قهوة مثقفين. أما (ريش) فهو حالة خاصة، وتعود أهميته إلى أن أصحاب المكان تخيلوا أنهم أصحاب الفضل على الثقافة المصرية، وليس العكس. كما أن ريش أصبح يُضيّق على المثقفين المصريين لحساب شريحة اجتماعية أخرى حاولت الانتماء للثقافة والسيطرة عليها. ويضيف داود.. فالمقهى ملجأ آمن، وكل ما كانت بسيطة وشعبية فهي مقهى ثقافي، فالمقهى بالنسبة لي ولآخرين مكان للطعام والعمل، بل حتى المبيت. المقهى سلوك في المقام الأول. ولنا أن نذكر البارات والحانات الصغيرة ـ دون الشهير منها ـ وفيها كان الناس يظهرون على حقيقتهم، مَن لديه حكاية أو قصيدة أو قصة يقولها حسب الجو المناسب. ولا ننسى المعارك التي كانت تدور في هذه الأماكن، معارك فكرية وثقافية، وحتى المشاجرات لاختلاف الآراء. من ناحية أخرى، يجب أن لا ننسى شكل آخر من المقاهي (الغُرَز) وهو مقهى عادي صغير، لكن فيه جانب لشرب الحشيش. والعديد من الأدباء عبّروا عن هذه الأجواء، ربما أشهرهم خيري شلبي، خاصة في روايته «صالح هيصة». لكن البعض مِمَن كتبوا عن المقاهي، كتبوا تصورات عن المقهى، دون معرفتها على حقيقتها، فالمقهى حياة والثقافة جزء منها وليس العكس.

أكبر من فكرة الثقافة

من جانبه يرى الإعلامي عمرو خفاجي أن المقهى أكبر كثيراً من فكرة الثقافة، فهو مكان يدور فيه كل شيء.. من هزائم العشاق حتى الهزائم السياسية. واستكمالاً لفكرة إبراهيم داود، يقول خفاجي.. هناك بالفعل سلوك المقاهي أو روادها، فـ(آتيليه القاهرة) على سبيل المثال كان بالنسبة لنا عبارة عن مقهى، دون الاقتصار على كونه مكانا رسميا للمثقفين المصريين. كما أن المقهى كان مكان لتجسيد مناسبات وحالات اجتماعية، فكانت تقام فيه سرادقات للعزاء، منها سرادق عزاء القاص إبراهيم فهمي، الذي بعد موته أقمنا له العزاء في مقهى البستان.
ويضيف خفاجي.. المقهى منتدى حقيقي للحوار والجو الديمقراطي، فالأطراف واضحة، والمناقشات مفتوحة في حرية تامة، لنا كصحافيين في الثمانينيات، فالمقاهي بالنسبة لنا حياة، فالعمل واجتماعات التحرير الرسمية كانت تتم فيه.
فربط الثقافة بالمقهى مجرد شكل، ولا يمكن التعرّف على القاهرة إلا بالمقاهي، فهي فضاء حقيقي، وفعل ثقافي غير مقصود، وهو أروع ما في هذه العلاقة. فالقاهرة دون المقهى لن نتعرّف عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية