الأطفال الأكثر تضررا بسبب تصاعد العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان والانهيار الاقتصادي

عبد معروف  
حجم الخط
0

تُؤرق أصوات غارات الطائرات الحربية والصواريخ التي يُطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي أطفال الجنوب اللبناني، على الرغم من كل ذلك، تبقى فطرة الطفل البريئة بحاجة إلى المواكبة السليمة لحمايتهم من أيِّ أذىً نفسيٍّ قد يلحق بهم بسبب صوت الطائرات الحربية التي تقترب من المنازل، أو صوت الغارات التي قد تقع إلى جانبها.
واستناداً إلى أرقام وزارة الصحة اللبنانية، فإن 8 أطفال من بين 344 شخصاً قتلوا، و75 طفلاً من بين 1359 شخصاً اصيبوا بمختلف الإصابات، منذ اندلاع الحرب منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وفي ظل الحرب المستمرة، لم تتوقف الحياة في قرى جنوب لبنان فحسب بل عُطل التعليم في القرى البعيدة عن المواجهات مع الجيش الإسرائيلي بحيث أصبح غالبية أطفال هذه القرى بدون مدارس، وقلة هم من التحقوا بالمدارس في المناطق التي قصدها النازحون، وبالنسبة للمدارس الخاصة في مناطق التوتر والتي تتابع مع طلابها الدراسة أونلاين يواجه أيضاً الأطفال المسجلين فيها معاناة كبيرة بمتابعة دروسهم في ظل غياب أو ضعف شبكة الإنترنت والضجيج في مراكز الإيواء.
وفي السياق، أكد مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» في بيروت، أن الأطفال في لبنان يدفعون ثمن احتدام الصراع المسلح في الجنوب اللبناني وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد.
وأشارت المنظمة الأممية في بيان إلى أن 75 في المئة من الأطفال في لبنان معرضون لخطر الفقر، في ظلِّ أزمات متعددة متداخلة تدفع الأسر نحو حافة الهاوية.
وتُسفر الأعمال العدائية المستمرّة في جنوب لبنان عن خسائر فادحة للسكان، حيث إضطرّ نحو 90 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 30 ألف طفل، إلى ترك منازلهم.
وأدى تزايد النزاع المسلح إلى تضرر البنى التحتيّة والمرافق المدنيّة، كما وأثّر على الخدمات الأساسيّة التي يعتمد عليها الأطفال والأسر بما في ذلك تعرض تسع محطات مياه، تخدم 100 ألف شخص على الأقل إلى أضرار جسيمة. وأغلقت أكثر من 70 مدرسة أبوابها، ما أثّر بشكل كبير على تعليم حوالي 20 ألف طفل. كما اضطرّ ما لا يقل عن 23 مرفقاً للرعاية الصحيّة الى التوقف عن تقديم الخدمات إلى أكثر من أربعة آلاف شخص.
«بينما يدخل النزاع الذي يؤثر على جنوب لبنان شهره السابع، نشعر بقلقٍ عميق تجاه الأطفال والأسر الذين أجبروا على ترك منازلهم، وإزاء الأثر طويل الأمد الذي يتركه العنف على سلامة الأطفال وصحتهم وتعليمهم» يقول ممثل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر. «طالما يستمرّ الوضع غير مستقر إلى هذا الحدّ، فإنّ المزيد من الأطفال سيعانون. إنّ حماية الأطفال هي إلتزام بموجب القانون الإنساني الدولي، فكلّ طفل يستحقّ أن ينمو بأمان».
وقبل إندلاع هذا النزاع، كانت الخدمات الأساسيّة في لبنان، بما في ذلك أنظمة الصحّة والتعليم، مهددة بالانهيار بعد سنوات من العمل فوق طاقتها. النظام الصحي غير قادر على تلبية متطلبات الرعاية الصحيّة العامة بسبب ندرة الموارد، بما في ذلك الطاقة والموارد البشرية والمعدات والأدوية. وأدّت الأزمات الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد منذ العام 2019 إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية القائمة، وبالتالي فقدان الوظائف والدخل وارتفاع التضخم ونقص الخدمات الأساسيّة، بما في ذلك الأدوية والكهرباء.
وتعمل اليونيسف، بالتعاون مع شركائها، على تقديم المساعدات الحيوية للأسر المتضررة من الأعمال العدائية، بما في ذلك اللوازم الطبيّة المنقذة للحياة، ومستلزمات النظافة ومواد التغذية للعائلات النازحة التي انتقلت الى مراكز الإيواء العامّة وفي المجتمعات المضيفة. الى ذلك، زوّدت اليونيسف تلك المراكز بالوقود والمياه وخزانات المياه والملابس الشتوية والبطانيات. كما قدّمت بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية دعما نقديا طارئا لمرة واحدة لتلبية الاحتياجات الفورية لـ 85 ألف شخص. وتمكّن بعض الأطفال النازحين من استئناف تعليمهم في المدارس الرسمية وحصلوا على لوازم مدرسية جديدة ومساعدات في مجال النقل.
«إنّ الوضع في جنوب لبنان، يفاقم من حدّة الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد منذ العام 2019» أضاف بيجبيدر. «حدّة هذه الأزمات أشدّ وأكبر من قدرة الأطفال على تحمّلها، لذلك، يجب بذل المزيد من الجهود لوقف معاناتهم. ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية الأطفال والمدنيين. علينا مضاعفة جهودنا جميعاً للتأكد من أن كلّ طفل في لبنان يذهب إلى المدرسة ويتعلّم، وأنه في منأى عن الأذى الجسدي والنفسي ولديه الفرصة في النمو والمساهمة بفعالية في المجتمع».
وحول تأثير حرب الاستنزاف والاضطرابات السياسية وحالة الانهيار الاقتصادي على الأطفال في جنوب لبنان، رأت المتخصصة في علم النفس الدكتورة ليلى شرف الدين، أن «لحالة الحرب والعدوان الإسرائيلي المتصاعد المترافق مع أوضاع سياسية واقتصادية مأزومة، تأثير كبير على حياة الأطفال خاصة في جنوب لبنان، وتأثير على صحتهم الجسدية والنفسية والتربوية».
وأشارت الدكتورة شرف الدين لـ«القدس العربي» إلى أن العديد من الأطفال اللبنانيين قرب الحدود سقطوا ضحايا وعدد آخر أصيب بجروح معظمها بليغة، إلى جانب الحالة النفسية التي تولدها أصوات الغارات الجوية وأصوات الصواريخ ومشاهد الدمار في قراهم وبيوتهم ومدارسهم.
«كما أن نزوح العائلات وتشردهم في المدارس والأماكن العامة في مناطق أكثر أمنا أدى أيضا إلى توتر نفسي لدى الأطفال بسبب التغيير الكلي في نمط الحياة والابتعاد عن المقعد الدراسي».
وفي محاولة لتخفيف أثر النزوح عن الأطفال، أُطلقت مبادرات إنسانية لاحتضان العائلات الجنوبية النازحة، كان منها مبادرة فريدة لتخفيف معاناة الأطفال من خلال تقديم الألعاب لهم في مراكز الإيواء، وتوظيفها كوسيلة لتخفيف الألم والقلق لديهم، إذ تعمل هذه الألعاب على توجيه الطاقة السلبية نحو نشاط إيجابي، وتعزز صحتهم النفسية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية