المرضى في غزة يلجأون إلى الطب البديل بعد نفاد الأدوية

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

يجد المرضى في قطاع غزة صعوبة كبيرة في الحصول على الأدوية، وذلك بعد نفاد جميع الأصناف من مستودعات وزارة الصحة والمستودعات الخاصة بالشركات، حتى أن الصيدليات باتت مغلقة جميعها، ويزداد الخطر أمام العديد من أصحاب الأمراض المزمنة الذين يواجهون الموت، بسبب عدم تناولهم الأدوية الخاصة نتيجة منع الاحتلال إدخالها في ظل الحصار المشدد الذي يفرضه على قطاع غزة منذ بداية حرب طوفان الأقصى مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ويواجه مرضى السكري والضغط والقلب والكلى والعديد من الأمراض الأخرى مضاعفات صحية خطيرة، حيث يحتاج المصابون بهذه الأمراض إلى تناول الأدوية بشكل يومي ومنتظم، لكن مع نفاد الأدوية الخاصة بهذه الأمراض، فإن ذلك يفاقم من أوضاع المرضى الصحية، ويزيد من احتمالية فقدان حياتهم بشكل أكبر.
وتفرض إسرائيل منذ بداية حربها المستعرة على غزة حصاراً خانقاً على كامل القطاع، حيث عمدت على تقسيم القطاع إلى مناطق عسكرية، وإقامة حواجز بين المحافظات والمدن، الأمر الذي زاد من صعوبة إيصال المساعدات الطبية غيرها إلى مناطق عدة وبالتحديد شمال قطاع غزة، التي تشهد أوضاعا مأساوية نتيجة المجاعة التي تطال أكثر من 500 ألف مواطن هناك وفرض طوق أمني على السكان، مع الاستمرار في منع إدخال الغذاء والدواء والمياه إليهم.

مرضى فارقوا الحياة

وأعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد من تفاقم الأوضاع الصحية لأعداد كبيرة من أصحاب الأمراض المزمنة في قطاع غزة، نتيجة نفاد الأدوية من مستودعات الصحة وصعوبة الحصول على تلك الأدوية بشكل مستمر ومنتظم، وأشار المركز إلى هناك الآلاف من المرضى تعرضوا لمضاعفات خطيرة وبعضهم فارقوا الحياة، نتيجة عدم تلقيهم العلاج بشكل منتظم وصعوبة الحصول عليه، حيث طالب المركز السلطة الفلسطينية بالعمل الفوري على التدخل وإدخال العلاج من أجل انقاذ حياة المرضى.
وما يزيد من معاناة النازحين بشكل أكبر في مختلف مناطق قطاع غزة، تعرض الكثير منهم لأمراض خطيرة ناجمة عن الاكتظاظ داخل مراكز الإيواء، عدا عن سوء التغذية واعتماد المواطنين على تناول المعلبات التي تحتوي على مواد حافظة تضر بصحة الإنسان كوجبات أساسية، نتيجة غياب اللحوم الطازجة والأسماك من الأسواق بفعل الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل، حيث يجد المرضى المصابون بالتهاب الكبد الوبائي إلى جانب أمراض الجهاز الهضمي، صعوبة في الحصول على أبسط العلاجات التي تخفف من أوجاعهم، وتوجه الكثير إلى تناول الأعشاب كحل بديل لغياب الأدوية.
ونتيجة الأوضاع المتدهورة في قطاع غزة وتعنت الاحتلال في السماح بإدخال الأدوية، يلجأ العديد من المرضى إلى تناول الأعشاب التي من شأنها تخفيف المضاعفات الصحية المترتبة على عدم تناول أدويتهم منذ فترة طويلة، حيث باتت الأعشاب أو ما يسمى بالطب البديل، رائجة بين السكان الذين يتعذر عليهم الحصول على علاج من الصيدليات والمستشفيات نتيجة خروجها عن الخدمة، فعلى سبيل المثال يتجه مرضى الضغط إلى تناول عشبة الكركديه التي تعمل على تنظيم ضغط الدم، ومرضى السكرى إلى تناول الزنجبيل لتنظيم مستوى السكر في الدم، وأصبح الإقبال على ما تبقى من محلات عطارة لافتاً من قبل المواطنين للبحث عن بدائل للأدوية.

علاجات بديلة

ينتاب المواطن محمود مزهر القلق على حياة والده الذي يعاني من أمراض مزمنة خطيرة منذ فترة طويلة، حيث تتفاقم أوضاعه الصحية يوماً تلو الآخر إثر التوقف عن تناول الأدوية اللازمة بشكل منتظم منذ أكثر من شهرين، بعد نفادها وصعوبة توفر حتى بديل عنه.
وأوضح لـ«القدس العربي» أنه يلجأ إلى البحث عبر مواقع التواصل عن علاجات بديلة عن الأدوية من أجل إنقاذ حياة والده، وذلك كحل وحيد أمامه في ظل الواقع الصعب الذي يمر به قطاع غزة على إثر الحرب الإسرائيلية المدمرة، وعدم وجود بوادر إيجابية للوضع المتردي، في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على منع ادخال المساعدات الطبية.
ولفت إلى أن الواقع الطبي في قطاع غزة ينذر بمخاطر كبيرة لا يمكن السكوت عنها، وذلك مع تفاقم الأوضاع الصحية لشريحة واسعة من المرضى، الذين باتوا عاجزين عن تناول أدويتهم، حتى أن الصيدليات باتت مغلقة وما يتوفر بداخلها فقط مستحضرات التجميل، كما أن المراكز الصحية التابعة لوكالة الأونروا لا تقدم الأدوية الكافية للمرضى نتيجة العجز في مستودعاتها.
ويقول الخبير في الطب البديل الدكتور محمد شامية إن هناك العديد من الأعشاب تعتبر وصفات علاجية فعالة للعديد من الأمراض على الرغم من الفعالية الضعيفة لها، حيث يمكن للمرضى استخدامها في حال صعوبة حصولهم على علاجهم المناسب كحل ممكن للحفاظ على صحة المرضى وخاصة مرضى الجهاز الهضمي والتنفسي وغيرها من الأمراض الأخرى.
وقال لـ«القدس العربي» إن مرضى قطاع غزة يواجهون ظروفاً سيئة مع نفاد العديد من الأدوية من مستودعات الصحة، نتيجة حرمان الاحتلال المرضى من حقهم في تلقي العلاج، وذلك ضمن سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان القطاع.
وبين شامية أن الأعشاب يجب أن يتم تحضيرها بطرق صحيحة حتى لم تؤثر على صحة المرضى، وضرورة توخي الحذر عند تناول الأعشاب بكميات معتدلة، فرغم أن الأعشاب مفيدة للعديد من المرضى، إلا أنها في بعض الأحيان تشكل مضاعفات على المرضى عند خلطها مع أصناف أخرى أو تناولها بكثرة، لذلك يتطلب من المرضى استشارة العطارين أو ذوي الاختصاص قبل أن يتم تناول الأعشاب حتى يتم الاستفادة منها.

قرارات صعبة

نقص الأدوية لا يؤثر على المرضى فقط، بل أن المستشفيات تجد صعوبة في علاج الجرحى الذين يتوافدون بالمئات كل يوم، حيث أجبر الأطباء على استخدام الوسائل القديمة والبدائية في تطهير جراح المصابين، وذلك باستخدام مادة الخل والكلور، بعد نفاد المستلزمات الطبية من داخل المستشفيات، ومحاولة الأطباء تضميد جراح المصابين وحمايتها من العفن، حيث أن الأوضاع الصحية السيئة للجرحى والتي نادرا ما عهدها الأطباء بغزة بهذا الحجم على مدار الحروب المتتالية التي شهدها القطاع، دفع بالكثير من الطواقم الطبية المختصة لاتخاذ قرارات صعبة، إلى جانب بتر أعضاء المرضى المتعفنة لإنقاذ حياتهم وتجنب تفاقم أوضاعهم الصحية.
من جهته يقول الطبيب موسى أحمد إن واقع المستشفيات في مختلف مستشفيات قطاع غزة يشهد تدهوراً مع انهيار كامل المنظومة الصحية، ونفاد أصناف كبيرة من الأدوية اللازمة داخل المراكز الصحية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع أعداد الإصابات التي تتوافد للمستشفيات بشكل يفوق قدرتها الاستيعابية، ومنع الاحتلال الاسرائيلي ادخال المستلزمات الطبية بكافة أنواعها.
وأشار في حديثه لـ«القدس العربي» إلى أن الأطباء اتجهوا مؤخراً إلى اتخاذ خطوات بدائية بشكل استثنائي لعلاج الجرحى وتجنب تفاقم أوضاعهم الصحية، وذلك باستخدام المطهرات من مادة الخل والكلور التي يتم خلطها بالماء وتنظيف الجروح، التي عادةً ما تكون ملوثة بغبار الصواريخ والأتربة وتحتاج إلى تعقيم سريع، وهذه العملية يتم إجراؤها بشكل يومي للسيطرة على التلوث المصاحب للجروح.
ولفت إلى أن توجه الأطباء إلى استخدام البدائل جاء بعد التكدس الكبير لأعداد المصابين في المستشفيات ونفاد أدوية التعقيم، إلى جانب ظهور علامات تبين وجود صديد وتقرحات على بعض المرضى والتهابات حادة، خاصة للذين لم يتم عمل تعقيم دوري لجراحهم، فوجد الأطباء من استخدام الخل والكلور السبيل الوحيد لإنقاذ حياة المصابين.
ودعا الطبيب أحمد منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ موقف جدي وحازم لإنقاذ ما تبقى من القطاع الصحي المتهالك، ودعم مستشفيات قطاع غزة بكافة الأدوية والمستلزمات الطبية، وأن تخرج المنظمة من حالة الصمت المريب أمام ما يحدث من جرائم بغزة، وما تتعرض له المستشفيات والكوادر الطبية من اعتداءات مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي.
وتشن إسرائيل حرب إبادة مع سبق الإصرار على قطاع غزة منذ أكثر من خمسة أشهر على التوالي، وسط صمت عربي وعالمي لما تمارسه من جرائم ضد الإنسانية، وفرض مزيد من الحصار على إدخال المساعدات الغذائية والطبية للسكان في مختلف مناطق قطاع غزة، وهذا ما يهدد حياة سكان القطاع، مع انهيار المنظومة الصحية التي باتت عاجزة عن تقديم الرعاية الصحية الكاملة للمرضى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية