نيويورك تايمز: داخل البيت الأبيض وتفاصيل تأمين وقف إطلاق النار في غزة.. الغموض في اللغة والتصرفات هو سيد الموقف

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمراسلها في البيت الأبيض بيتر بيكر، قال فيه إن الأخبار من الشرق الأوسط، وعلى مدى ساعات قليلة، بدأت ترد إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض بسرعة ونشاط وتقول إن: إسرائيل تأمر بخروج 100 ألف مدني من رفح تمهيدا للغزو. وحماس “تقبل” اتفاق وقف إطلاق النار، مما قد يحول دون الغزو. ثم إسرائيل تشن ضربات على رفح، وربما تكون بداية الغزو.

وقال الكاتب إن تطورات الحرب هذه والتي حصلت يوم الإثنين دفعة واحدة، جعلت مسؤولي البيت الأبيض يتدافعون لتتبع ما كان يحدث وما يعنيه كل ذلك.

وفي نهاية المطاف، توصلوا إلى اعتقاد مفاده أن كل خطوة من التحركات كانت تشير إلى مستوى أقل مما كان متوقعا في الأصل، ولكنها عكست الجهود الرامية إلى اكتساب الضغط على طاولة المفاوضات من خلال التوصل إلى حل واضح لم يلح في الأفق بعد.

والواقع أن حماس لم “تقبل” اتفاق وقف إطلاق النار، بقدر ما قدمت عرضا مقابلا للاقتراح المطروح على الطاولة والذي باركته الولايات المتحدة وإسرائيل في السابق، وهو العرض المقابل الذي لم يُعتبر في حد ذاته مقبولا ولكنه علامة على التقدم، بحسب ما تقول الصحيفة.

وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الضربات الإسرائيلية في رفح لم تكن بداية العملية الكبرى التي تم التهديد بها منذ فترة طويلة، ولكنها استهدفت الانتقام من هجمات حماس الصاروخية التي أسفرت عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين قبل أيام، وهي وسيلة لزيادة الضغط على مفاوضي حماس.

وقد أبرزت موجة الإجراءات مدى تقلب الوضع في المنطقة، حيث يحاول الرئيس بايدن وفريقه التوسط في صفقة يأملون أن تنهي في نهاية المطاف الحرب التي دمرت غزة، وقتلت عشرات آلاف الفلسطينيين، وألهبت المنطقة، وأثارت اضطرابات في الجامعات الأمريكية.

وخلال الأيام القليلة الماضية، تحولت المحادثات من آمال كبيرة بقرب التوصل إلى اتفاق، إلى طريق مسدود جديد يبدو أنه يتركها على حافة الانهيار، إلى مبادرة متجددة من جانب حماس لإعادتها إلى المسار الصحيح.

وقالت مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس باراك أوباما، والتي تعمل الآن في مركز ميلر بجامعة فرجينيا: “يواصل بايدن كل الجهود لإدخال خيط في عدة إبر في وقت واحد”. وقالت إن الرئيس لا يزال يحذر بنيامين نتنياهو من أن “الغزو البري لرفح فكرة سيئة، بينما يضغط أيضا على حماس بكل الطرق الممكنة لإخراج الأسرى الإسرائيليين، ودخول المزيد من المساعدات الإنسانية”.

واتصل بايدن بنتنياهو يوم الإثنين لتزويده بالتقييم الأمريكي حول موقف محادثات وقف إطلاق النار، وللضغط مرة أخرى على الزعيم الإسرائيلي لوقف أي هجوم شامل على رفح. كما استضاف بايدن حفل غداء في البيت الأبيض مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي يتوق، مثل غيره من القادة العرب، إلى إنهاء الحرب.

وتعلق الصحيفة أن الأسبوعين الماضيين كانا حافلين بالتوتر والترقب على الصعيد الدبلوماسي. وبعد أشهر من الجمود في المحادثات، عادت إسرائيل في 26 نيسان/ أبريل باقتراح يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه غير الديناميكيات، وقدّم فرصة جدية للتوصل إلى اتفاق.

وبموجب المرحلة الأولى من الاقتراح، ستوقف إسرائيل الحرب لمدة 42 يوما، وتطلق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجونها، بينما ستطلق حماس سراح 33 أسيرا إسرائيليا وتحديدا النساء وكبار السن والمرضى والجرحى.

كان الرقم 33 زيادة عن الرقم 18 الذي اقترحته حماس، ولكنه أقل من الرقم 40 الذي طالبت به إسرائيل في الأصل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن المسؤولين الإسرائيليين أدركوا أنه لم يكن هناك أكثر من 33 أسيرا تنطبق عليهم المعايير، وفقا لأشخاص مطلعين على المناقشات. وبالفعل، كشفت حماس للإسرائيليين يوم الإثنين أن الـ33 إسرائيليا ستشمل رفات بعض الأسرى الذين ماتوا، وكذلك أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، تسحب إسرائيل قواتها من المناطق المأهولة في القطاع، وتسمح لسكان غزة بالعودة إلى الجزء الشمالي بمجرد استيفاء الشروط. ولتحقيق هذه الغاية، فإن وقف إطلاق النار من شأنه أن يتيح زيادة كبيرة في تدفق المساعدات الإنسانية. و”في محاولة لكشف مراوغة حماس، بحسب أشخاص مطلعين على المحادثات، قام الإسرائيليون فعليا بقص ولصق بعض اللغة من اقتراح حماس في آذار/ مارس ووضعوها في اقتراحهم”.

وخلال وقف إطلاق النار الذي يستمر ستة أسابيع، سيضع الجانبان بعد ذلك خططا للمرحلة الثانية، والتي ستتضمن وقفا آخر للأعمال العدائية لمدة 42 يوما، وإطلاق سراح المزيد من الأسرى. وفي هذه المرحلة فإن الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم سوف يشملون جنودا إسرائيليين، وهم فئة من الأسرى الذين كانت حماس دائما أكثر مقاومة للتخلي عنهم. وللتغلب على هذه العقبة، وافق الإسرائيليون على إطلاق سراح نسبة أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل كل إسرائيلي يعود إلى بيته.

التنازلات الإسرائيلية جعلت الوسطاء الأمريكيين والمصريين والقطريين متفائلين بإمكانية التوصل إلى اتفاق. ولكن مرّ أسبوع دون رد واضح من حماس، وربما يرجع ذلك جزئيا إلى تحديات التواصل مع يحيى السنوار.

وعندما وصل المفاوضون إلى القاهرة يوم الجمعة، لم يرسل الإسرائيليون وفدا، وهو ما فسره بعض منتقدي نتنياهو على أنه ازدراء. لكن المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين نفوا ذلك، قائلين إنه لا حاجة إلى وفد إسرائيلي في تلك المرحلة؛ لأن إسرائيل قدمت اقتراحها وتنتظر رد حماس.

رد حماس خلال عطلة نهاية الأسبوع أحبط الوسطاء لأنها رفضت بعض العبارات التي اقترحتها في السابق والتي اعتمدها الإسرائيليون، وفقا لأشخاص مطلعين على المحادثات. وأعلن الجانب الأمريكي أن موقف حماس الجديد غير مقبول، وأشار إلى أنه إذا كانت حماس لا تريد حقا التوصل إلى اتفاق، فربما تكون المفاوضات قد انتهت. لكن حماس أشارت إلى أنها لا تحاول نسف المحادثات وأنها ستعود بنسخة جديدة.

وكان هذا هو العرض المضاد الذي قدمته حماس يوم الإثنين. ولم يجد الإسرائيليون والأمريكيون ذلك مقبولا، لكنهم اعتقدوا أنه يترك مجالا لمزيد من المفاوضات.

ومن المتوقع أن تُستأنف المحادثات في القاهرة على المستوى الفني، ربما يوم الأربعاء، للخوض في التفاصيل. هذه المرة، وافقت إسرائيل على إرسال وفد لدراسة عرض حماس المقابل.

ولم يكن من الواضح تماما للمحللين القدامى في المنطقة، ما إذا كان أي من الجانبين يريد بالضرورة التوصل إلى اتفاق. وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنه من المحتمل أن حماس اعتقدت أن “التعجيل بعملية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح سيكون باهظ التكلفة، لأنه سيعزل إسرائيل” على مستوى العالم ويعمق الانقسام بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي الوقت نفسه، قال: “ربما يكون نتنياهو يسعى إلى تحقيق ثلاثية” من خلال الضربات يوم الإثنين: دفْع حماس إلى الاستسلام، والإظهار للجمهور الإسرائيلي أنه ضرب رفح كما وعد، والحصول على الفضل من الإدارة الأمريكية لعدم شن هجوم واسع النطاق تخشى واشنطن أن يؤدي إلى كارثة مدنية.

وقال خالد الجندي، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، ومستشار سابق للقادة الفلسطينيين خلال مفاوضات السلام الماضية، إنه يظل متشككا في أن نتنياهو يريد بالفعل اتفاق وقف إطلاق النار بسبب سياساته الداخلية.

وقال: “لا أعتقد أن التحركات ضد رفح أو دخولها، بما في ذلك أوامر الإخلاء، هي مجرد تكتيك للتفاوض. نتنياهو يحتاج إلى عملية رفح للبقاء في السلطة واسترضاء المتعصبين في ائتلافه”. وأضاف: “خلاصة القول، لن يكسب نتنياهو الكثير من اتفاق وقف إطلاق النار وسيخسر الكثير”.

وبطبيعة الحال، فإن انعدام الثقة لدى الجانبين يجعل التوصل إلى اتفاق أمرا بعيد المنال. وبينما يبدو أن الجانبين متصالحان بشأن المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، لا يزال هناك عدد من الاختلافات الأخرى بين الاقتراحين المتنافسين، وفقا للأشخاص المطلعين عليهما. لكن الخلاف الأساسي هو ما إذا كان الاتفاق سينهي الحرب في نهاية المطاف.

وقد حاول المفاوضون إتقان ذلك من خلال تكتيك دبلوماسي عريق يتمثل في استخدام لغة غامضة بما يكفي ليفسرها كل جانب كما يشاء.

وبموجب الاتفاق، سيستخدم الجانبان وقف إطلاق النار المؤقت للعمل على عودة “الهدوء المستدام”. فحماس تريد أن يعني “الهدوء المستدام” وقفا دائما للأعمال العدائية، في حين لا تريد إسرائيل أن تجعل من هذا التزاما صريحا. ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالرضا عن ترك تعريف “الهدوء المستدام” غامضا بعض الشيء، ولكنهم يعتمدون على فكرة مفادها أنه بمجرد توقف الأسلحة عن إطلاق النار لمدة ستة أسابيع ثم ربما 12 أسبوعا، فإن الزخم نحو سلام أكثر استدامة سوف يكون أمرا مفروغا منه. ولهذا السبب يكرسون الكثير من طاقتهم للأيام المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية