الفنان طارق بورحيم يخوض مغامرة تنظيم مهرجان «لفراجة» في مدينة مغربية صغيرة

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: في عمق مدينة صغيرة تقع على هامش القنيطرة القريبة من الرباط، اختار الفنان طارق بورحيم، أن تكون مدينة سيدي يحيى الغرب محور نشاطه الفني والثقافي في محاولة لإعطاء البريق لبعض مدن الهامش كما يصطلح عليها محليا.

قبل فكرة مهرجان «لفراجة» اشتغل بورحيم على تنشيط هذه المدنية الواقعة في عمق الغرب، من خلال مسرحيات أنجزها بمعية طاقم محلي مئة في المئة، وشارك بها في ملتقيات ومهرجانات وفاز في بعضها بجوائز دولية هامة مثل الدورة الأولى لـ «مهرجان مسرح الرحالة» في الأردن، حين توج بجائزة أفضل إخراج مسرحي لمسرحية «الليلة» التي شاركت بها «فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب» في المسابقة الرسمية.
هذا الفنان القادم من مدينة مكناس، يوضح لـ القدس العربي» سبب استقراره في مدينة سيدي يحيى الغرب وخوضه التحدي الكبير في تنشيطها فنيا وثقافيا وترفيهيا، أن هذا السؤال كثيرا ما يطرح عليه «وبصيغ مختلفة تحمل في طياتها نظرة دونية لمدن الهامش».
ويجزم قائلا، إن هذا «الشيء الذي لا أشعر به في سؤالك» موضحا أنه «يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر» لأن «المدينة زاخرة بالطاقات» كما أن «الاشتغال في المدن الصغيرة له أهميته، فهي الأكثر احتياجا».
ويتابع الفنان بورحيم توضيحاته أن «فكرة الاشتغال بالمدينة ارتبطت بأهداف تأسيس الفرقة المتمثلة في الارتباط بالفن عموما والمسرح بشكل خاص وبالتنمية البشرية» لذلك فقد «استطعنا أن نؤطر العديد من الشباب والأطفال».
كما أن «البدايات الأولى منذ تأسيس الفرقة بالمدينة كانت تعتبر بأعمالها جسما دخيلا على مكونات المدينة، لكن بقليل من الصبر والعمل الجاد آمن العديد بأهميتها ودورها بما في ذلك المؤسسات الرسمية المحلية».
وبعد أن عبّر عن شعوره الذي لا يوصف «وأنا التقي بشاب نجح في مسار حياته وقد مر من إحدى ورشات الفرقة، والأمثلة عديدة» أكد أنه لا يؤمن بضرورة أن يصبح طلبة الفرقة فنانين في المسرح، الموسيقى أو السينما، بل يؤمن «أن يصبحوا فنانين في الحياة».
وفي سياق الحديث عن المنجزات، أفاد بورحيم، بأن «العديد من المحطات الثقافية والفنية كانت سببا في اشعاع هذه المدينة الصغيرة» وذكر على سبيل المثال مسرحية (الليلة) التي كانت «من مؤشرات نجاح الفكرة حيث انطلقت من هذه المدينة الصغيرة لتتوج إقليميا بمهرجان الشباب وجهويا بالجائزة الكبرى بالمهرجان نفسه ورشحت للعدد من الجوائز في المهرجان الوطني للشباب وحصلت على جائزة أفضل إخراج في الأردن».
واستطرد المتحدث ليفتح قوسا بخصوص «علاقتي بالمهرجانات» لأنه حديث «ذو شجون لعدة اعتبارات مرتبطة أساسا بلجن التحكيم والجهات المنظمة» وعاد إلى التتويج الدولي في الأردن، الذي «لمست أهميته في كل من حولي من متتبعين وأصدقاء وحتى المؤسسات» مؤكدا أنه لم ينتظر ولم يضع «في اعتباري الحصول على أية جائزة، لأن ممارستي للمسرح وجودية، فأنا أبدع لأكون لا غير».

الطريق لم تكن معبدة

من التأسيس والاشتغال في مدينة صغيرة هامشية، وصل السؤال إلى أسباب الإعلان عن تنظيم مهرجان يعنى بفنون الفرجة في مدينة سيدي يحيى، وهو تحد آخر يخوضه الفنان بورحيم، الذي أكد أن «الطريق لم تكن معبدة للوصول إلى هذه المحطة»، في خضم ظروف اشتغال الفرق المسرحية عموما، لأن «المهرجان هو ثاني أهم أهداف الفرقة بعد تحقيق الهدف الأول وهو خلق معهد فن المسرح، الموسيقى والسينما، الذي يؤطر شباب المدينة للموسم الثالث على التوالي».
ويوضح المتحدث أن «مهرجان (لفراجة) نصبو من خلاله إلى ترسيخ تقليد ثقافي فني بالمدينة شكلا ومضمونا، واخترنا الفنون المشهدية كمحور للمهرجان، مستحضرين التراث الفني المحلي، الوطني والدولي بألوانه الفرجوية مساهمة منا في التعريف بهذه الأنماط وتنشيط المدينة وساكنتها المتعطشة لكل ما هو جميل، ونحن نؤمن كفرقة بدور المهرجان في المساهمة في التنمية المحلية».
وعن ثيمة المهرجان المخصصة للفرجة، قال بورحيم متحدثا لـ «القدس العربي»: «بكل بساطة هو تخصصنا، زيادة على ذلك نحن ندرك التركيبة البشرية للمحيط الذي نشتغل فيه، وتراكم تجربتنا بسيدي يحيى الغرب، وما راكمناه من خبرة في محطات أخرى، يجعلنا نحدد بعناية اختياراتنا، ونحاول الخروج إلى الناس في الأماكن العامة لنتقاسم معهم واقعهم المعيش من خلال فنون الفرجة التي افتقدوا ان يتمتعوا بها في صيغ جديدة ومتجددة مع الحفاظ على خصوصيتها».
وأضاف موضحا، «أننا نعرف أن لكل أمة تراثها الخاص تحتفل به وتعرف به في كل المحافل والمناسبات كي يبقى وثيقة حية تؤرخ لمرحلة زاهية من تاريخها العتيد، ومما لا شك فيه أن وطننا الحبيب يحفل بأشكال متنوعة من التراث المادي واللامادي ساهم كسفير في إقبال جنسيات متعددة للوقوف عليه جراء انبهارها بها، ولم يكن ليتأتى لهذا التراث أن يظهر لولا وجود حراسه الساهرين عليه من الاندثار والضياع، ونحن نساهم من موقعنا في صقله وتقديمه بالشكل الذي يليق به كي يظل المغرب الثقافي حاضرا في أذهان مريديه».

لماذا المسرح؟

وشدد طارق بورحيم على الإيمان «بأهمية التراث وما يشكله في الضمير الجمعي للمجتمع» ليسأل «لماذا المسرح؟» وفي الجواب استحضر سؤال الشاعر الألماني هولدرلين (لماذا الشعر في أزمنة البؤس؟) لذلك يقول المتحدث «اخترنا المسرح كمحور لهذه الدورة تحت شعار: المسرح قاطرة للتنمية، وذلك ارتباطا بتخصص وأهداف الفرقة المنظمة، واخترنا الفضاءات العمومية لنحقق القرب والتفاعل المباشر مع ساكنة المدينة».
وجوابا على سؤال أهداف المهرجان المتمثلة في الاحتفاء بالموروث الفني والثقافي الأصيل في المغرب عموما وفي المنطقة خصوصا، وكيف السبيل إلى مزاوجة ذلك مع عروض مسرحية وورشات تفاعلية، أبرز بورحيم أن «المغرب يزخر بألوان مختلفة ومتعددة من التراث الفني، وشخصيا كمتتبع أجد أن الهيت الغرباوي (أحد أنواع الرقص والموسيقى والغناء منتشر في الغرب) على وجه التحديد لم ينل حقه، فهو لحد الآن حبيس المنطقة واحتفالات أهلها التقليدية، باستثناء بعض المحاولات القليلة، ثم إن خطر الانقراض يواجه هذا الفن الأصيل الذي يزخر بالكثير وأعتبره ديوان منطقة الغرب» لذلك يضيف الفنان «سنحاول من خلال المهرجان تقديمه كما يستحق بشكله الأصلي وبأشكال مبتكرة، كما سنعمل على تأطير الشباب من خلال الورشات للتعريف به وضمان استمراره».
وعن استضافة نجوم كبار في المشهد الفني المغربي، ودورها في إعطاء شحنة الاستمرار للتظاهرة، إلى جانب المراهنة على الحضور الجماهيري، شدد بورحيم على أن ملح المهرجان يتمثل في نجوم الفن المغربي، وصناع فرجته وإبداعه ومعارفه، وذكر منهم محمد أمين بنيوب الناقد والمؤلف المسرحي، الذي عبر عن سعادة إدارة مهرجان «لفراجة» في استضافته «ولم يكن اختياره عبثا ليكون عرّاب الدورة الأولى، لأننا نتقاسم معه أهداف الفرقة نفسها».
وأوضح أن إدارة المهرجان وجدت عناء شديدا في اختيار نجوم المهرجان، وكثيرة هي اقتراحات جمهور الفرقة ومتتبعيها، «ولا أخفيك سرا أن ساكنة المدينة متعطشة ومحبة للفنانين المغاربة، وتتوق للقائهم وقد عايشنا هذا في العديد من المحطات الفنية للفرقة بالمدينة، وسنكون سعداء باستضافة نجوم المهرجان وأوجه لهم خالص الشكر على قبول الدعوة، مع التأكيد على أن المهرجان سيعرف حضورا وازنا لفنانين مغاربة ودوليين.
الجدير بالذكر، أن مهرجان «لفراجة» سيتشهد فعالياته مدينة سيدي يحيى الغرب في الفترة الممتدة من 28 إلى 31 من شهر أيار/مايو 2024 واختارت الجهة المنظمة «مسرح الشارع» ممرا أساسيا للعبور إلى المتلقي، كما ارتكز على ثيمة «المسرح قاطرة للتنمية» كشعار يوجه أهدافه نحو خدمة الساكنة المحلية لهذه المدينة الهادئة.
وعلى مدار أربعة أيام سيكون الجمهور في هذه المدينة الصغيرة، على موعد مع عروض متنوعة منتقاة بعناية لتحقيق الفرجة والمتعة والمساهمة في إضافة وعي ركحي وفني لعموم الحضور الذي من المتوقع أن يكون كثيفا كما هي عادته خلال مختلف الأنشطة التي سهرت على تنظيمها الفرقة.
وحرصت الجهة المنظمة، على وضع برنامج غني بصم على حضور عربي من خلال محترف لكوريغرافيا ينشطه الفنان العراقي فادي أرنيفي، وعرض مسرحي لضيفة الشرف الفرقة المسرحية الأردنية «مسرح الرحالة» إلى جانب ضيف الشرف الفنان المغربي محمد أمين بنيوب، الذي سيتجاوز حضوره الجلوس في المنصة الشرفية إلى الوقوف على شرفة «عراب» الدورة برصيده المسرحي المميز من مؤلفات وكتابات ومساهمات أكاديمية شتى في مجال أبي الفنون.
يشار إلى أن الفنان طارق بورحيم، من مواليد سنة 1975 بمكناس (وسط) حاصل على الإجازة في السوسيولوجيا بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وشارك في العديد من التدريبات والتكوينات المسرحية بالمغرب وخارجه، ومن بين أعماله إنجازا وإخراجا، مسرحيات «البكارة» و«رماد يقين» عن ديوان للشاعر محمد بلو يحمل العنوان نفسه، و«الليلة» عن مسرحية شبح الألوان للكاتب الطيبي عبد اللطيف، و«الغرباويات» عن مسرحية الشقيقات الثلاث لأنطوان تشيخوف.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية