المدرسون المغاربة في وقفة احتجاجية أمام البرلمان رفضاً لتوقيف زملائهم وأولياء التلاميذ يضعون أيديهم على قلوبهم

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط – «القدس العربي»: وضع أولياء التلاميذ في المغرب أيديهم على قلوبهم خوفاً من تكرار سيناريو بداية الموسم الدراسي، الذي عاش فيه أبناؤهم فترة زمنية طويلة خارج الفصول الدراسية بسبب الإضرابات التي قررتها التنسيقيات النقابية ومعها المركزيات على خلفية المطالبة بتغيير النظام الأساسي (القانون الأساسي) الذي اعتبرته النقابات “غير منصف ومجحفاً” في حق نساء ورجال التعليم.
مخلفات إضرابات الدخول الدراسي كما يصطلح عليه في المغرب، هي التي كانت السبب الرئيسي في إضراب أول أمس الإثنين، ومعه الوقفة الاحتجاجية المركزية أمام مقر البرلمان في العاصمة الرباط، حيث رفع المحتجون شعاراً موحداً يقول: “إنّا حلفنا القسم ألا نخون إخواننا… الموقوفين”، قاصدين كوادر التعليم الذين تم توقيفهم عن العمل بسبب الإضرابات السابقة، كما عبروا في الوقفة عن التضامن “المطلق” مع زملائهم، ورفعوا لافتات تفيد بأن “قرار التوقيف وسام شرف للمناضل”، مؤكدين: “كلنا موقوفون، نجوع معاً أو نشبع معاً”.
لم يكن مطلب رفع التوقيف يتيماً في الوقفة أمام مقر البرلمان أو الإضراب عن العمل، بل كانت المناسبة سانحة أيضاً لبسط جملة المطالب الأخرى لبعض فئات قطاع التعليم، حيث طالبت “التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم” بـ “ترقية استثنائية بأثر رجعي إداري ومادي”.
وزارة التعليم من جهتها ورغم الرفض النقابي، شرعت في الإعلان عن عقد المجالس التأديبية لأكثر من 200 أستاذ وأستاذة تم توقيفهم منذ أشهر بدون أجرة، حيث وجهت دعوات لأعضاء اللجان الإدارية متساوية الأعضاء من أجل حضور هذه المجالس التأديبية، التي يرتقب أن تحسم ملفات الأساتذة الموقوفين على خلفية الاحتجاج والإضراب.
بالنسبة للنقابات ومعها التنسيقيات، فإن هذه المجالس مرفوضة وقراراتها “باطلة” كما ورد في تدوينات عدة عبّر فيها نساء ورجال التعليم عن مواقفهم المتساوقة مع مواقف نقاباتهم، وكان الإثنين موعداً لاحتجاج المدرسات والمدرسين، مطالبين بإعادة الموقوفين وإلغاء المجالس التأديبية وطي هذا الملف وإعادة الأساتذة لأقسامهم، وكان هذا المحور الرئيس لوقفة البرلمان الاحتجاجية.
وكان لافتاً تلك اللهجة التصعيدية لكوادر التعليم من خلال تدوينات نشرت على الصفحة الرسمية “للتنسيق الوطني لقطاع التعليم”، وتضمنت إحداها تحذيراً للوزارة جاء فيه “قد تكون هذه بداية شرارة لحراك آخر عواقبه أخطر”، وتبدو لغة الوعيد واضحة جداً في هذه التدوينة، الشيء الذي دفع أولياء التلاميذ إلى التعبير عن خوفهم من عودة الفراغ التعليمي إلى زمن أبنائهم بعد معاناة في بداية الموسم الدراسي.
“الجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)”، إحدى النقابات التي أصدرت بياناً قوياً حول الموضوع، مؤكدة أن عضوات وأعضاء اللجان الثنائية المنتمين إليها “سيرفُضون التوقيع على أي محضر يتضمن عقوبة ضد الموقوفين، ويدعون الوزارة لطي هذا الملف عبر سحب كل العقوبات وإرجاع الأساتذة الموقوفين لعملهم دون قيد أو شرط”.
البيان الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، أدانت فيه النقابة المذكورة بشدة التوقيفات والعقوبات التي طالت أكثر من 545 أستاذة وأستاذاً”، معتبرة أنها “هي المعركة المضادة التي تخوضها الوزارة ضد مخرجات الحراك التعليمي، وتصر على إنهاء معركة نساء ورجال التعليم بشكل تراجيدي، لترهيبهم وإبعادهم عن التفكير في الاحتجاج والإضراب والعمل النقابي عموماً”، وفق تعبير البيان.
النقابة ذاتها، رفضت بشكل قاطع “إحالة الموقوفين على المجالس التأديبية، لأنهم مارسوا حقهم المشروع في الإضراب والاحتجاج”، مطالبة “الوزارة بسحب قرار إحالة الأساتذة الموقوفين والأستاذات الموقوفات على المجالس التأديبية، وسحب عقوبات الإنذار والتوبيخ المتخذة سابقاً من طرف الإدارة ضد الأستاذات والأساتذة”.
وبعد الإعلان عن رفض “التوقيع على أي محضر للمجلس التأديبي يدين الموقوفين والموقوفات”، دعت النقابة “ممثلي الموظفين التنسيق وتوحيد الموقف الرافض لشرعنة أية عقوبة في حق نساء ورجال التعليم”، كما جددت دعوة الوزارة إلى “الطي الفوري والنهائي” لهذا “وعودتهم إلى العمل دون قيد أو شرط”، محملة إياها “المسؤولية الكاملة” فيما وصفته بـ”عدم احترام القانون شكلاً ومضموناً في هذه النازلة”.
بعض أعضاء النقابة اجتهدوا في تدوينات نشروها على صفحة التنسيق الرسمية على الفيسبوك، واقترح أحدهم أنه “يجب على كل الأساتذة الموقوفين رفض المثول أمام لجان المجالس التأديبية الجائرة” حسب تعبيره، كما “يجب علينا أن نجسد وقفات أمام الأماكن التي ستخصص للمجالس التأديبية لمنعها والاحتجاج ضدها”، وأضاف صاحب التدوينة: “ونقول للوزارة والأكاديميات والمديريات إن مواقفهم ضد المدرسين مواقف ظالمة وحاقدة وغير سوية في منظومة تتبنى القيم والتعاون على تدبير التعليم بشكل تشاركي هادف”.
شد الحبل بين النقابات التعليمية والوزارة الوصية على القطاع يقف في وسطه التلاميذ وأسرهم، هذه الأخيرة عبرت عن خوفها من ضياع السنة الدراسية فيما لا ينفع الأبناء وبالتالي يمكن اعتبار السنة شبه بيضاء بالنظر إلى الزمن المدرسي الذي وصفه البعض بـ”الضائع”.
وتحركت أسر التلاميذ في وقت سابق، من خلال إنشاء صفحة على الفيسبوك سميت “آباء وأولياء التلاميذ ضحايا الإضرابات”، وكان آخر منشور لها يعود إلى بداية الموسم الدراسي الحالي وتضمن تدوينة تقول: “يا أساتذة المغرب من أجل أبناء الشعب اقبضوا العصا من الوسط ولا تكونوا متطرفين حتى لا ينقلب الرأي العام ضدكم”.
الحديث عن “انقلاب” الرأي العام ضد كوادر التعليم أمر مستبعد علناً، لكنه نقاش محبب في السر بين الآباء والأمهات وهم يقفون أمام بوابات المؤسسات التعليمية يترقبون خروج أبنائهم من الفصول الدراسية، ويتداولون في مستجدات الاحتجاجات والإضرابات وغيرها من الأشكال التي نجحت في وقت سابق في التراجع عن “النظام الأساسي” في صيغته التي أغضبت أصحاب الوزرة البيضاء من مدرسات ومدرسين.
رسمياً، لم يصدر أي بيان أو موقف من “الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب”، أو أي هيئة ممثلة للأسر، لكن أفراداً كانوا في موعد التعبير عن السبب، وهو ترقب ما ستأتي به الأيام المقبلة من معركة النقابات ضد المجالس التأديبية وهل ستكون هناك قرارات أخرى في سياق مضاعفة عقوبات الموقوفين على خلفية إضرابات بداية الموسم الدراسي، مؤكدين أن إضراب الإثنين ووقفة البرلمان في اليوم نفسه قد تكون الأولى والأخيرة في هذه المرحلة وبالتالي لا ضرورة لاتخاذ موقف.
وحسب بعض المتتبعين، فإن الأمر لن يقف عند هذا الحد، ما دامت الوزارة قد شرعت في توجيه الدعوات لأعضاء اللجان الإدارية متساوية الأعضاء من أجل حضور المجالس التأديبية التي أعلنت عن عقدها، كما أن ملامح احتجاج الإثنين، كانت غاضبة جداً وتمثلت في ما رفع المحتجون من شعارات حملت عبارات التنديد مما سميت “إجراءات تعسفية وغير القانونية في حق الأساتذة الموقوفين”، معتبرين أن قرار التوقيف بسبب المشاركة في الإضراب لا “يحترم الحقوق والحريات، وعلى رأسها الحق في الاحتجاج والإضراب الذي تضمنه القوانين الوطنية والمواثيق الدولية”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية