استمرار الشكوك حول جدوى الهجوم الإيراني على إسرائيل… ومخاوف من نسيان مأساة غزة

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: هل انتصرت إيران وثأرت لرموزها الذين قتلوا في قنصليتها في دمشق؟ وهل ما جرى من زحف للمسيرات الإيرانية على الكيان المحتل لصالح غزة وأهلها، الذين يضربون أروع الأمثلة على النضال للشهر السابع على التوالي، دون أن يدعمهم أحد لا بسلاح ولا بدواء، أم أن المواجهة التي انتهت في وقت وجيز نتائجها ضد القضيىة وأهلها؟ على مدار الساعات الماضية احتدم النقاش بين فريقين، أحدهما مع إيران وآخر ضدها، وإن كان كلا الطرفين يتعاطف أفراده مع مليوني غزي ما زالوا يواجهون أبشع جرائم حرب عرفتها الإنسانية في غيبة عن المؤسسات الفاعلة والحكومات المغلوبة على أمرها.
وعن الهجوم الإيراني على إسرائيل، قال علاء مبارك ابن الرئيس الراحل حسني مبارك: “بعد الانتظار الطويل والسهر تأتي النهاية الكوميدية وهي عبارة عن شوية بمب من بتوع العيد لا يودي ولا يجيب”. وأضاف أنه “فيلم هابط تم عرضه بسرية تامة دون علم الكيان المحتل، لم يحقق أي إيرادات ولا أهداف بل ربما تكسب إسرائيل بعض التعاطف الدولي ومحاولة فاشلة لصرف النظر ولو لوقت قصير عن مذابح وجرائم قوات الاحتلال في غزة”.
صدّق الرئيس السيسي على القانون الذي يحمل رقم 19 لسنة 2024 بإصدار قانون رعاية حقوق المسنين، الذي وافق عليه مجلس النواب. وأوضح القانون، الذي نُشر في الجريدة الرسمية، أنه يهدف إلى حماية ورعاية المسن، وكفالة تمتعه بجميع الحقوق الاجتماعية والسياسية والصحية والثقافية والترفيهية وغيرها من الحقوق، وتوفير الحماية اللازمة له وتعزيز كرامته وتأمين حياة كريمة له. كما وافق الرئيس السيسي على الاتفاقية الموقعة بين مصر والوكالة الفرنسية للتنمية، التي تأتي ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لتحسين الصوامع في مصر. وتنص الاتفاقية على تقديم منحة لمصر بحد أقصى يبلغ ستة وخمسين مليونا وسبعمئة واثنين وأربعين ألف يورو لتطوير سعات تخزين صوامع القمح..
ومن أخبار الحكومة: التقى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ لمتابعة عددٍ من ملفات عمل الوزارة. وتطرَّق رئيس الوزراء إلى ملف إحياء “مسار آل البيت” وتطوير منطقة جنوب القاهرة التاريخية بما يدعم حركة السياحة ويُسهم في إحياء المناطق التراثية؛ لافتا إلى أهمية الحفاظ على تلك المنطقة، ولاسيما في ظل ما تتفرد به من مبان أثرية وتراثية تزخر بها، وكذا التغلب على التحديات التي تعاني منها، والحفاظ عليها من الزحف العشوائي الذي طالها، تحقيقا لتوجه الدولة في الحفاظ على الوجه الحضاري لتلك المناطق بما يُعيد لها عُمقها التاريخي. وأوضح أن اللجنة ستضم في عضويتها الوزارات والجهات المعنية، بهدف تكامل عملها، واتساقه مع الرؤية العامة، التي تستهدف الحفاظ على هذه المنطقة المتميزة.
نصر أم هزيمة؟

تستطيع إيران وفقا لرؤية عبد القادر شهيب في “فيتو” أن تقول إنها ثأرت من إسرائيل التي استهدفت قنصليتها في دمشق، وهي قالت بالفعل ذلك بلسان مندوبها في الأمم المتحدة، وتستطيع إسرائيل أن تقول إنها حققت نصرا بعد أن أحبطت 99 في المئة من الضربة الإيرانية التي تعرضت لها بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهي قالت ذلك بالفعل بلسان متحدثها العسكري ولسان بايدن رئيس الولايات المتحدة، في اتصاله بعد انتهاء الضربة الإيرانية بنتنياهو، فإن نتيجة تلك الضربة تسمح بذلك في وقت واحد، فهي رغم أنها كانت ضربة بنحو ثلاثمئة صاروخ وطائرة مسيرة فإنها لم تلحق بإسرائيل سوى أضرار محدودة، بعد أن تصدت لها دفاعاتها ودفاعات حلفائها الأمريكيين، لكنها في الوقت ذاته أثارت قلق إسرائيل وجعلتها تعلن حالة الطوارئ وتوقف حركةَ الطيران، خاصة أن الإيرانيين أعلنوا أن تلك الضربة أصابت قاعدتين عسكريتين في إسرائيل، لكن مع ذلك فإن تلك الضربة لم تغلق ملف الصراع الأمريكي الإيراني، لأن إسرائيل ترغب في أن ترد على الهجوم الإيراني، رغم أن بايدن طالب نتنياهو بعدم الرد حتى لا يتسع الصراع العسكري في المنطقة.. ولا تقتصر تلك الرغبة على نتنياهو وحده، الذي يعمل بشكل ممنهج على إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها ليستمر في الحكم أطول وقت، وإنما يشاركه في تلك الرغبة أيضا حلفاؤه من المتطرفين في إسرائيل، الذين يطالبون بأن يكون الرد الإسرائيلي على هجوم إيران موجعا بشدة لها. والسؤال هنا ما تداعيات ذلك على الصراع الأساسي، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الحرب الوحشية التي يشنها الإسرائيليون للشهر السادس على قطاع غزة، وبالتبعية على جهود الهدنة التي تسعى لها مصر مع قطر وأمريكا، أملا في أن تفضي في ما بعد إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

حققت أهدافها

رغم أن العالم حبس أنفاسه مساء السبت الماضي وهو يشاهد تلفزيونيا مئات المسيرات والصواريخ تنطلق في توقيت متزامن ومنسق من إيران وسوريا والعراق واليمن في اتجاه إسرائيل، ردا على الاستهداف الإسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق منذ أسبوعين، إلا أن الأجواء وفق ما تابع أشرف أبو الهول في “الأهرام” سرعان ما عادت للهدوء بشكل كبير بعد ساعات قليلة، عندما انقشع دخان الهجوم لنكتشف أن شيئا لم يتغير، وأن تسعة وتسعين في المئة من المسيرات والصواريخ تقريبا جرى إسقاطها قبل أن تصل لأهدافها، حسب البيانات الإسرائيلية والأمريكية، والباقي أوقع ضررا محدودا. والحقيقة أن هذه الهجمات لم تكن إلا عملية تبادل رسائل علنية بين طهران وواشنطن، فالإيرانيون من ناحيتهم أرادوا أن يؤكدوا مرة أخرى للأمريكيين أنهم قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، وأن زمن تهميشهم وحصارهم وعزلهم، لا بد أن ينتهى لأنهم يمتلكون القدرة على إشعال المنطقة والعالم، إن أرادوا، وفي أي توقيت يختارونه، وها هي صواريخهم تصل إلى أهدافها على بعد آلاف الكيلومترات، كما أنهم يستطيعون حشد أتباعهم في العديد من الدول لتجاهل حكوماتهم والمشاركة في الغزوات المقدسة، ولكنهم اختاروا مرة أخرى عدم توسيع نطاق الحرب والاكتفاء بمناوشات حزب الله والحوثيين دعما لغزة، رغم أنه كان بإمكانهم إطلاق آلاف وليس مئات المسيرات والصواريخ، وأنه أن الآوان للحصول على المكافآت نتيجة انضباطهم وقدرتهم على التحكم في غضبهم وردود فعل أتباعهم. وعلى الجانب الآخر فالمؤكد أن واشنطن، ورغم أنها وحلفاءها أسقطوا كل المسيرات والصواريخ تقريبا فهمت الرسالة الإيرانية وتحمد الله على أن الغزوة الإيرانية توقفت في بداياتها، لأن التكلفة المادية للتصدي للمسيرات والأسلحة الإيرانية باهظة الثمن، وأن النظام الإيراني يمكن ترويضه والتعايش معه لأنه وببساطة نظام براغماتي.

العدو يعلم

عشنا نعرف أن الحرب خُدعة، ولم نكن نعرف أنها تحولت إلى فُرجة، وقد كان هذا ما جلسنا نتابعه على الشاشات في ليلة عبثية. الحرب خُدعة لأن الذي يريد أن يحارب لا يقول إنه سيحارب، لكنه يخفي ذلك عكس هذا كله، حسب سليمان جودة في “المصري اليوم”، فعلته الحكومة الإيرانية، فأشاعت من حولها أنها بصدد القيام بحرب على إسرائيل، وأنها ستفعل كذا وكذا، وأنها ستنتقم لتدمير قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، ودون مقدمات راح العالم يسمع أن مئة طائرة مُسيرة في طريقها من إيران إلى الدولة العبرية، وأن عددا من الصواريخ سوف يأتي من بعد الطائرات المُسيرة، وأن الطائرات والصواريخ ليست سوى بداية لها ما بعدها.. وكانت هذه هي أعجب عملية عسكرية سمعنا بها في أي وقت، لا لشيء، إلا لأن الكشف عن إطلاق الطائرات المُسيرة في لحظة إطلاقها، وقبل وصولها إلى أهدافها المفترضة في إسرائيل بست ساعات، معناه المباشر أن تأخذ إسرائيل حذرها تماما، وأن تستعد لاعتراض الطائرات المقبلة إليها وإسقاطها، وأن تحمي نفسها ومواطنيها بكل وسيلة ممكنة.. وهذا بالضبط ما جرى. أي عبث إيراني هذا؟ وأي استخفاف بعقول الناس؟ وأي ضحك على الذقون؟ وأي ضحك على النفس؟ وأي ضحك على الإيرانيين أنفسهم؟ إن إسرائيل عندما حولت مبنى القنصلية إلى تراب، وعندما أتت على كل الذين كانوا في داخلها، وعندما قتلت ضابط الحرس الثوري الكبير محمد رضا زاهدي، وعندما قتلت معه مساعده، وعندما أضافت إليهما عددا آخر من الضباط، لم تهلل مسبقا، ولم تعلن مُقدما، ولم تملأ الأجواء صخبا، ولكن الدنيا نامت ثم استيقظت على مبنى القنصلية وقد تمت تسويته بالأرض. أما حكومة المرشد فلأن الدعاية أداة أساسية من أدواتها في المنطقة من حولها، فإنها قادت عملية دعائية من الدرجة الأولى، وأوهمت كل الذين تابعوا عمليتها بأنها ذاهبة إلى ضرب إسرائيل انتقاما لتدمير القنصلية، فلما بلغت العملية منتهاها تبين لكل متابع أنه كان أمام عمل دعائي في المقام الأول، لا عملا عسكريا حقيقيا في أي مقياس. إيران مستعدة للقتال حتى آخر جندي من جنود وكلائها في المنطقة.. ولكنها ليست مستعدة للقتال بنفسها، ولا بجنودها، ولا بأبنائها، وإذا شئت فراجع وقائع عمليتها الفشنك بالمعنى العسكري.

ما أكثرهم

عاد جنرالات المقاهي، كما يطلق عليهم رفعت رشاد في “الوطن” مرة أخرى – وسيعودون دائما- للإدلاء بدلوهم في ما حدث بين إيران وإسرائيل، أرغوا وأزبدوا ولم يعجبهم أن الضربات الإيرانية لم توجع إسرائيل، بالشكل الكافي ولم تشف غليلهم، كان المجال العربي مؤيدا لإيران، ويرى فيها الأمل في مواجهة العدو الصهيوني، الذي دمر وقتل في غزة حتى لم يعد قادرا على فعل المزيد من القتل والتدمير، لأنه لم يعد في غزة طوبة على طوبة، ولم يعد مكان لم يسو بالأرض. الضربات الإيرانية حققت أهدافها، حتى لو لم تدمر منشآت أو لم تقتل بشرا، كانت أول مرة تطلق فيها إيران أسلحتها من أراضيها مباشرة، التي تبعد آلاف الكيلومترات وهو اختبار لمدى قدرات أسلحتها ورسالة إلى إسرائيل، أنها قادرة على أن تطالها الأذرع الإيرانية الأصلية وليست التابعة فحسب، كما أن إيران أرادت اختبار مدى قدرات إسرائيل على التصدي لأسلحتها خاصة المسيرات الأكثر فعالية، التي صارت مطلوبة في كل مكان، وكانت أمريكا وبريطانيا اللتين تصدتا للأسلحة الإيرانية وليس إسرائيل، ما يعني أن إسرائيل يمكن القضاء عليها إذا تخلت عنها أمريكا ولو لبرهة. أصابت إيران إسرائيل والمعسكر الغربي بالذعر عندما أعلنت، وكان ذلك مقصودا، أنها سترد على ضرب إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، وكان من بين أهداف ردها، استمرار وجود الأساطيل الأمريكية في شرق المتوسط وعدم مغادرتها المنطقة في اتجاه الصين، وهو هدف تتعاون في تنفيذه إيران مع الصين وروسيا، ولذلك تقوم الأذرع الإيرانية العربية بضرب أمريكا وإسرائيل في باب المندب، وفي شمال فلسطين المحتلة بقوة ودون خوف.

عالة عليهم

عمليات الكر والفر بين إيران وإسرائيل مسألة تكتيكية في الحروب وليس من المفروض أن تكون الحروب بالسلاح فقط أو مدمرة للغاية، فإذا تحقق الهدف فتكون حققت نصرا. وقد خسرت إيران عددا من المسيرات والصواريخ لكن عملية التصدي لهذه الأسلحة، كما أوضح رفعت رشاد كلفت إسرائيل مليار دولار، وبالتالي لو أن إيران قامت بتكرار تلك العملية بالتنسيق مع أذرعها فإن إسرائيل التي تعيش عالة على أمريكا، لن تتحمل. قلبي مع الجمهور العربي الذي يشاهد فريقين أجنبيين يتصارعان على ممتلكاته ولا يقدر بنفسه على الدفاع عن هذه الممتلكات، فيقوم بتشجيع أحدهما لعله ينتصر أو في سره يقول: اللهم انصرهم على بعض. وأقول لهم إن إيران كانت مدفوعة لكي تقوم بتلك الضربات حتى تحفظ ماء وجهها أمام أتباعها في المنطقة، ولتأكيد مكانتها الإقليمية كدولة كبرى في الإقليم، كما أن تلك الضربات ستجعل إسرائيل تفكر كثيرا قبل أن تقدم على ضرب مصالح إيران في أي مكان. أمران أود الإشارة إليهما، الأول أن المنطقة بأكملها عربية أو غير عربية تكره إسرائيل، ولا تريدها في الشرق الأوسط، والثاني أن الأمم المتحدة والدول الغربية بكامل عددها أدانت ضربات إيران التي لم تصب إسرائيل بأي ضرر، بينما لم تأت على ذكر ضرب القنصلية الإيرانية وقتل مواطنين إيرانيين فيها بأي حرف. هكذا الغرب الاستعماري الذي يردد بايدن نيابة عنه دوما حماية بلاده ودول الغرب جميعا إسرائيل وهي الظالمة دوما.

النضال هوايتهم

قراءة المشهد الحالي من الأحداث، من وجهة نظر الدكتور خالد قنديل في “الأهرام” ليس مستبعدا منها إدراك نية الكيان المحتل في توجيه دفة ما يسمونه ـ زوراـ صراعا، نحو حرب بالمفهوم الكامل للكلمة، من توافر أطراف يتواجهون ويتقاتلون، فحتى هذه اللحظة وحتى كتابة هذه السطور، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر من توجيه الأسلحة الفتاكة بأنواعها تجاه أبناء غزة، وما خلفته ممارسة الإبادة الجماعية من أكثر 33 ألف شهيد وأكثر من 75 ألف مصاب، واستمرار القصف والتدمير والقتل على مدار الساعة، أي الحرب من طرف مسلح تجاه مواطنين عُزل، وأصحاب حق تاريخي ومصيري في الأرض، وعلى الرغم من أن الأوضاع الأخيرة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، دفعت واشنطن لطرح مقترح لوقف إطلاق النار على غزة، بسبب اضطراب موقف بايدن بالانتخابات الرئاسية، لكن تبدو في الأفق دوافع مستجدة وأخرى متراكمة، للدفع نحو توسيع نطاق الحرب في الشرق، ربما كان منها على المستوى النفسي، الهزائم النفسية المضادة للكيان من قبل أبناء غزة وأطفالها الذين يصرون على معانقة الحياة بشكل طبيعي، وقد عرفوا أقسى درجات الوحشية، وهم يلملمون أشلاء ذويهم أو يستخرجون الجثث من تحت أنقاض منازلهم التي تهدمت، ومع كل ذلك مارسوا حياتهم وأقاموا شعائرهم وموائدهم البسيطة في شهر رمضان، بل إن الأطفال استطاعوا أن يستقبلوا عيد الفطر ببهجة وأمل وإقبال على الحياة، صنعوا ألعابهم من حطام الحرب، وجعلوا من جدران البنايات المائلة تجاه الأرض جراء القصف زلاجات يمرحون فوقها، وتبادل من بقي من الأهالي الزيارات في ما بينهم، وقالوا للموت ننتظرك ولكن بطريقتنا.

بين موسكو وغزة

مرة بعد أخرى يطرح السؤال الروسي نفسه تحت وهج النيران في غزة بحثا عن شيء من التوازن الدولي المفتقد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضى وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم والتحكم في مصائره. هناك الآن حسب عبد الله السناوي في “الشروق” خشية واسعة من الانجرار المحتمل إلى حرب إقليمية واسعة تشمل إيران ودولا أخرى تتداخل معها المصالح الاستراتيجية الروسية. ما طبيعة وحدود الدور الروسي إذا ما أفلتت كتل النيران من مكامنها؟ روسيا ليست الاتحاد السوفييتي هذه حقيقة يستحيل إغفالها قبل إصدار الأحكام والتحليق في فراغ التصورات.. لكنها لاعب جوهري لا يمكن تجاهله في العلاقات الدولية. قوة كبرى، لكنها ليست عظمى في أوضاعها الحالية من اقتصاد مستنزف أثر العقوبات المفروضة عليها، وتراجع قدراتها على الإسناد الاستراتيجي فإنه من غير الممكن التعويل عليها في ردع الدور الأمريكي. حاولت السياسة الروسية منذ اندلاع الحرب أن تجد لنفسها دورا مؤثرا بقدر ما تطيقه أحوالها، مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية في أكثر أقاليم العالم أهمية وخطورة وتأثيرا على مستقبلها المنظور. أدانت العدوان على غزة دبلوماسيا وسياسيا في المنتديات الأممية، دون أن تدخل طرفا مباشرا في الأزمة المشتعلة بالنيران والمخاوف. إذا ما نشبت حرب إقليمية واسعة يصعب أن يظل الدور الروسي في حدوده الحالية مكتفيا بإدانة العدوان على غزة، أو استخدام حق النقض في مجلس الأمن لإجهاض أي مشروعات قرارات أمريكية تعمل على إدانة المقاومة الفلسطينية، أو تمديد العدوان على غزة والتنكيل بأهلها. وفق موسكو فإن مشروعات القرارات، التي دأبت الولايات المتحدة على طرحها “مسيسة بشكل مبالغ فيه”.

الوقت في صالحها

لم يكن خافيا على أحد المكاسب الاستراتيجية المفاجئة التي جنتها روسيا أثر اندلاع الحرب على غزة. إذ تراجعت، كما يرى عبد الله السناوي أولوية الحرب الأوكرانية في الخطابين السياسي والإعلامي الدوليين، حتى كادت تنسى وسط طوفان المآسي الإنسانية في القطاع المعذب. رافقت حرب غزة بتداعياتها وأجوائها ومساجلاتها أوضاعا عسكرية مستجدة على الجبهة الأوكرانية، لم تعد سيناريوهات كسب الحرب وإذلال موسكو واردة. عاد الحديث عن حلول سياسية، أو الذهاب مجددا إلى التفاوض دون أن تبدى موسكو حماسا، فالوقت يعمل لصالحها وسيناريوهات تقليص تمويل الحرب غير مستبعدة. إذا ما انتهت الحرب على غزة الآن فإن موسكو سوف تتصدر رابحيها. كلما تأكد المأزق الأمريكي المزدوج في حربي غزة وأوكرانيا يستشعر الكرملين ثقة كبيرة في مستقبله المنظور، أن يكسب حربه في أوكرانيا، يحفظ أمنه القومي عند حدوده المباشرة، ويفرض أغلب مطالبه على الحلفاء الغربيين. خسارة الحرب الأوكرانية قد تفضي إلى تفكك الدولة الروسية، وكسبها يساعد إلى حدود بعيدة في استعادة الأوزان الروسية السابقة، أو تأسيس نظام دولي جديد على أنقاض الهيمنة الأمريكية شبه المطلقة. بصورة مباشرة تداخلت روسيا في ملف المصالحة الفلسطينية حتى تكون هناك إجابة أخرى على سؤال اليوم التالي. دعت إلى اجتماع في عاصمتها لفصائل المقاومة، شملت الدعوة الحكومة الفلسطينية، توصلت الاجتماعات إلى مخرجات تساعد على إنشاء حكومة فلسطينية من التكنوقراط، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بضم حركتي “حماس” والجهاد”، غير أن تلك المخرجات تقوضت تماما بإعلان سلطة رام الله حكومة جديدة، دون تشاور مسبق. الأوزان والأدوار كلها الآن على المحك إذا ما جرى الانجراف إلى حرب إقليمية واسعة. المصالح الروسية عند المسافة صفر.. في مرمى النيران مباشرة. انخراط روسيا في أي حرب إقليمية مكلف وأثمانه لا تحتمل.

بينهما ضحية

عندما يتفق البلطجي مع الشرطي تزيد السرقات وتكمم العدالة، ويعتلي الظلم شعارا للمرحلة، وتتوقف كل القوانين الوضعية والأخلاقية والدينية ويسود قانون الغاب، القوى يأكل الضعيف ويسلبه حقوقه ويسرق ممتلكاته ويهتك عرضه، ويتحول إلى فرعون ومارد يلتهم الأخضر واليابس. البلطجي الذي تحول إلى فرعون العالم من وجهة نظر سامي أبو العز في “الوفد” هو إسرائيل التي تعيث في الأرض فسادا وتتحدى المجتمع الدولي وتضرب بقراراته عرض الحائط، غير مبالية بردود أفعاله، لأن جميع السوابق التاريخية تنتصر فيها كجان وتتم معاقبة المجني عليه، لأنه تجرأ وقال لا للظلم ودافع عن أرضه وحقوقه بأعز ما يملك، فداء لوطنه ليعمل عداد الشهداء بكامل قوته دون توقف ويسجل أعلى قراءات. الشرطي الذي يحمي البلطجي، ويدافع عنه هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تلعب دور شرطي العالم، وتحول الحق إلى باطل، والباطل إلى حقوق واجبة التنفيذ، حتى لو كان الثمن لا يصدقه عقل ولا منطق، لترسخ مبدأ الغاب البقاء فيه للأقوى واغتيال المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية، وأموالها وترساناتها وأساطيلها البحرية وجيشها وصواريخها النووية جاهزة وتحت أمر إسرائيل، لحمايتها وتنفيذ مطامعها مهما كان الثمن. الضحية المجني عليها هي شعب فلسطين صاحب الأرض، والمالك الحقيقي لها، وتعد قضية فلسطين أهم القضايا الدولية المعقدة والممتدة جذورها إلى عقود طويلة، وتتعلق بحقوق الأشقاء ووجودهم في دولتهم المحتلة. وانطلق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني منذ تأسيس الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان، والدور الذي لعبته الدول الكبرى في الأحداث، لتحتل إسرائيل الأراضي الفلسطينية عبر عدة مراحل تاريخية مختلفة، لتصل إلى ما نحن عليه من محاولاتها تهجير الفلسطينيين بعيدا عن أراضيهم، بإغلاق ملف القضية إلى الأبد.

البلطجي المدلل

إسرائيل التي زرعت في المنطقة بالقوة، نفذت سلسلة من الإجراءات المتفق عليها تضمنت هجمات إرهابية على القرى والمدن الفلسطينية، نفذتها منظمات صهيونية بهدف ترحيل الفلسطينيين وتنفيذ التطهير العرقي، أدت إلى احتلال اليهود لـ78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتشريد مليون فلسطيني بالقوة إلى دول الجوار. ووفقا لسامي أبو العز خلال حرب 1948 نزح 750 ألف فلسطيني إلى مناطق تحكمها إسرائيل والأردن ومصر، ومنحت إسرائيل الجنسية للقابعين داخل حدودها، وشهدت الأراضي المحتلة بعد مذبحة دير ياسين العديد من الانتفاضات في وجه المحتل على مر عقودها، كانت أبرزها انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الأقصى، وأخيرا طوفان الأقصى، الذي انطلق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. باختصار.. أمريكا صاحبة اليد الطولى، لا ترى في الوجود إلا فتاها البلطجي المدلل إسرائيل وتبرر كل انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها دفاع عن النفس، وترى أن إسرائيل البريئة المظلومة هي صاحبة الحقوق الشرعية في الأرض، وأن آلاف الشهداء والمصابين والمختفين تحت الأنقاض والأرامل واليتامى وبحور الدماء في غزة، تجرأوا ودافعوا عن أرضهم وعرضهم، وأزعجوا المحتل الغاصب البريء. ويرى شرطي الزور حامي الحمى أن ما يفعله البلطجي اليهودي في لبنان وسوريا وتدميره للقنصلية الإيرانية أمن قومي لإسرائيل، وأن أي رد فعل من قبل المجني عليهم سوف تتصدى له أمريكا بالقوة، الأمر الذي يهدد استقرار المنطقة، وأن أي رد فعل سيواجه بعنف والمزيد من التدمير والقتل، حتى لو اضطر الأمر لانطلاق حرب عالمية ثالثة.

جديرة بأمريكا

العام الحالي هو موسم الربيع في الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا الولايات الواقعة في الوسط والشرق، الذي يبدأ من 19 مارس/آذار حتى 20 يونيو/حزيران، إلا أنه وفقا لرأي محمود عبد المنعم القيسوني في “الشروق” لن يتميز بما هو معروف في دول العالم، أي شهر تفتح الزهور بألوانها الزاهية، وروائحها العطرية على الأشجار والحدائق العامة والخاصة، والنسيم العليل، وانتشار اللون الأخضر اليانع الجميل، وموسم تزاوج الطيور المهاجرة والمقيمة، فهذا سيحدث، لكن لن يستمتع بها المواطنون والمواطنات، حيث ستحدث ظاهرة صادمة ومزعجة وقبيحة تتكرر كل سبع عشرة سنة، أو كل ثلاث عشرة سنة، خصوصا في هذه الولايات. هي ظاهرة بيئية هائلة بكل معاني الكلمة، حيث تتعرض معظم الولايات الشرقية والوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية لهجوم كاسح حاشد من حشرات السيكادا الطائرة (المكتملة النمو التي تشبه الجراد والصراصير (طولها عشرون سنتيمترا، ولها عيون حمراء بارزة من الرأس، وستخرج بأعداد تتعدى التريليون دون مبالغة من باطن الأرض بعد حالة بيات دامت إما سبع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أسفل سطح الأرض. ظاهرة العام الحالي شاذة لم تحدث منذ عام 1803 حيث سيخرج نوعا هذه الحشرة معا لأول مرة لتغطي بكثافة كامل المسطحات وأشجار وسطوح المنازل والسيارات وعلى أكتاف ورؤوس البشر المتحركين في المساحات المفتوحة، وهي حشرات يسعى ذكورها للتزاوج محدثة صريرا وصخبا يعتبر الأعلى صوتا في عالم الحشرات؛ صرير يتعدى ارتفاعه خمسة وتسعين ديسيبيل (وحدة قياس الضوضاء) صرير قد يسبب نزيفا دمويا في الأذن البشرية.

خطرها داهم

هذه الحشرات التي حدثنا عنها محمود عبد المنعم القيسوني ستضرب ولاية إلينوى وسط القارةالأمريكية وعند إتمام مهمة التزاوج تتساقط الذكور وتموت لتغطي جثثها مساحات هائلة من أراضي الولايات الأمريكية ولتشكل وجبات ضخمة للطيور والزواحف والقوارض بينما تضع إناثها البيض ملتصقا على فروع الأشجار لتتساقط في ما بعد بالميارات وتخترق يرقاتها سطح الأرض لتقضي حسب نوعها إما السبع عشرة سنة التالية، أو الثلاث عشرة سنة أسفل التربة لتنمو خلالها ولتبزغ مكتملة النمو من الأرض عند اكتمال نموها، لتبدأ دورة الحياة من جديد لمدة شهر ونصف الشهر ثم تعود لباطن الأرض. وقد تحرك عدد كبير من علماء الحشرات في دول العالم لزيارة هذه الولايات لدراسة هذه الظاهرة الهائلة على الطبيعة، أما هنا في مصر فالحال مختلف تماما، حيث نواجه كل حين وآخر هجمات هائلة من أسراب حشرات الجراد المقبلة من صحارى جنوب شرق مصر، أو من الجزيرة العربية عابرة البحر الأحمر أو من غرب مصر عابرة المحيط الأطلنطي ودول شمال افريقيا، فهذه الحشرة قادرة على اجتياز مسافة ألف كيلومتر في أسبوع واحد، وتطير في أسراب تتعدى الخمسين سربا والسرب الواحد يتعدى عدده الثمانين مليون حشرة بالغة تغطي أثناء طيرانها أو عند هبوطها علي الأرض مساحة كيلومتر مربع، تستهلك غذاء خمسة وثلاثين ألف شخص في اليوم الواحد، وكل جيل جديد منها يكون أكبر من الجيل السابق بعشرين ضعفا. توابع هذه الحشرات ضارة للغاية، حيث يمكنها تحطيم الأشجار بسبب ثقل تجمعات أعداد هائلة منها على فروع الشجر، كما تفسد النباتات بإفرازاتها الضارة وتدمر المحاصيل الزراعية والمراعي، لذلك فهي خطر مؤكد للأمن الغذائي، ما دفع وزارة الزراعة والإدارة المركزية لمكافحة الآفات إقامة أربع وخمسين قاعدة للمراقبة والمقاومة منتشرة على الحدود والسواحل.

مال سهل

لم يعد السفر والترحال، أو الاجتهاد في مشروع اقتصادي، هو السبيل للحصول على المال، بل بات “العمل الافتراضي” كما أكد الدكتور محمود خليل في “الوطن” هو الطريق الذي يمكن أن يتحقق من خلاله المال لبشر عاديين، والمال الذي يتحقق في هذه الحالة ليس بالقليل، ويصعب قياسه، على سبيل المثال، بما كان يحققه بالأمس من كان يسافر ويعمل في إحدى دول الخليج ويدخر قسما كبيرا من دخله. فالتحقيق المالي يتم على مستويات كبيرة وفي وقت سريع، ربما بخبطة واحدة، الخبطة هنا قد تكون فيديو يتم بثه على موقع يوتيوب، أو تيك توك، أو غيرها من مواقع التواصل، ويستقبله جمهور التواصل الاجتماعي بالترحاب واللايكات والتعليقات، ويتعاظم الترافيك – المرور- عليه، فيحصد صاحبه من الأرباح، ما لا يربحه عن طريق الجهد والعرق في العمل، وما يسبقه من اجتهاد في التعليم من أجل الحصول على الشهادة. ومن يجرب وينجح في الحصول على المال الافتراضي يغري غيره بالدخول في التجربة، فيبدأ سباق محموم بين الأفراد من أجل جمع المال. هذه الطريقة في جمع المال تناغمت مع مناخ عام يدعم فكرة “السمسرة”، فعمل السماسرة بدأ في الانتعاش، وأصبح في كل مجال مساحة للسمسرة، في الطب والهندسة والتعليم والتجارة وغير ذلك. ولم تعد السمسرة لعبة أراض وبيوت وغير ذلك، بل توغلت في كل جوانب الحياة، ولأن المال الافتراضي ظهر في أحضان السمسرة، فقد باتت العلاقة بينهما وطيدة أيضا، إذ لم تعد مسألة جمع المال الافتراضي عن طريق إنتاج محتوى يحظى بمتابعة الجمهور مجرد إجادة في تقديم محتوى، بل لعبة سمسرة أيضا، بعد أن أصبح الترافيك هو الآخر قابلا للشراء. لقد تكاملت الأمور حين التقت حيل السمسرة بألعاب المال الافتراضي.

الرقم مغلق!

وهو يقوم بعمل جرد لأرشيفه الصحافي عثر كارم يحيى في “الأهرام” على مقال في “أهرام” 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعنوان “النائب العام والاختفاء القسري”، فطالعت اسمه بين السطور: إبراهيم متولي المحامي ومؤسس ورئيس “رابطة أسر المختفين قسريا”، وأب واحد منهم ما زال مصيره مجهولا منذ 2013. مرّ على المقال، الذي كتبه صحافي كان حينها في الجريدة ومواطن مصري اسمه كارم يحيى، ثلاثة من النواب العموم للآن دون رد. ومع أنه يستند لبلاغ جماعي قدمه متولي نيابة عن 10 أسر، بل ما حدث أن مقدم البلاغ، وليس كاتب المقال المحظوظ لليوم، جرى اعتقاله من مطار القاهرة الدولي في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10 سبتمبر/أيلول 2017. وكان المحامي والأب متوجها إلى جنيف مدعوا لدورة مجموعة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، وتطبيق اتفاقيتها الدولية لحماية جميع الأشخاص من هذا الاختفاء، التي لم توقع عليها السلطات المصرية للآن.. بحلول عيد الفطر، لا بد من تذكرة، وهو ما زال في الحبس الاحتياطي والانفرادي، وبعدما تم “تدويره” في ثلاث قضايا تباعا بالاتهامات ذاتها أعقبت قرارات إخلاء سبيل. أتذكره وأطلب له ولغيره الحرية والسلامة والخروج من (سجن بدر 3 )، الاسم الكودي الجديد “للعقرب الرهيب”. وقد شكا لمحاميه إهمال علاجه من مضاعفات تضخم “البروستاتا” والتهابها التهابا حادا، مع وقائع تعذيب بالكهرباء سبقت خلال اختفائه محتجزا “بالمقار إياها”. ولا أعرف هل جرى التحقيق بشأنها؟ وما النتيجة؟ وأتذكر أيضا مقدمة مقال “أهرام” 2015 على هذا النحو: “انفطر القلب عندما استمعت إلى أم أخبرتني أنها تتصل بابنها المختفي منذ أكثر من عامين على رقم هاتفه المحمول لتقول له في كل عيد، بما في ذلك عيد ميلاده: كل سنة وانت طيب. تصمم على قول التهنئة، وهي تغالب الدموع واليأس وصوت الرسالة المسجلة: (هذا الرقم مغلق أو غير متاح)”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية