حملات المقاطعة تعرف طريقها للأثرياء… وعصر جديد من العلاقات المصرية الكويتية

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: جميعنا موتى بالعجز وقلة الحيلة وهم فقط الأحياء.. في سائر بقاع قطاع غزة لا يعدم الأهالي الحيلة في البقاء صامدين في وجه أسلحة بايدن، وجنود نتنياهو وخذلان العرب والمسلمين، الأمهات يبتكرن الحيل لتوفير وجبة من اللاشيء تقريبا، والاطفال يفتشون عما تبقى من أخضر على سطح الأرض لطهيه، والمقاومة تمضي في حربها المشرفة مدافعة عن الأرض والعرض وملطخة بسمعة السلاح الأمريكي والجيش الذي لا يقهر.. وعلى الرغم من أنهم يواجهون ظلاما دامسا وحياة لا حياة فيها، ما زال مليونا غزاوي قادرين على تصدير الأمل للعالم.. فرغم انتشار الفتن التي تسعى ألسنة ناطقة بالعربية من خلالها للوقيعة بين المقاومة الباسلة وشعبها، إلا أن كل الدسائس كتب لها أن تنتهي بالفشل، متسببة في الخيبة للكيان ومن يسيرون على دربه من عرب التطبيع.
وبينما دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة الدكتورة فرانشيسكا ألبانيز، إلى ضرورة إنهاء الحرب في غزة ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وضرورة محاسبة إسرائيل على ما تقوم به من انتهاكات، ومنع تصدير السلاح إلى إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين. قالت إنه لا يمكن للدول المجاورة وحدها مساعدة الفلسطينيين، ويجب على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها في المساعدة الإنسانية لتخفيف العبء على مصر والمصريين، الذين قاموا بدور كبير في المساعدات. وكشفت فرانشيسكا عن أنها قامت بجمع الأدلة وتسجيل المواقف التي ترصد الانتهاكات الإسرائيلية، من خلال زيارة مصر والأردن فقط، حيث إن السلطات الإسرائيلية رفضت أن تدخل إلى الأراضي الفلسطينية، مؤكدة أنها ستقوم خلال الأيام المقبلة بتقديم تقرير شامل عما رأته من مجازر.
وبالنسبة للحملات الشعبية الرامية لمواجهة التجار الجشعين: مازالت أصداء حملة «خليها تعفن» لمقاطعة شراء الأسماك تتسع على نطاق واسع، لتلحق بها حملة «كفاية جشع»، لإجبار التجار على تخفيض أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والسمك والبيض، وسط تضامن عدد كبير من المواطنين في جميع المحافظات. وأعلن الكاتب محمد جلال عبدالقوي، تضامنه مع حملة المقاطعة، ودوّن بوست على صفحته قائلا: «أقسم بالله لن أذوق أو أشتري اللحمة والفراخ لمدة شهر من يومي هذا»، وهو الأمر الذي لاقى تفاعلا كبيرا من المواطنين، وأكد كثير من المواطنين، أن المقاطعة التي عرفت طريقها لبعض أوساط الأثرياء تحول بين كبار التجار واستغلال المواطن، وسجلت اللحوم البيضاء ارتفاعا جديدا بعد تراجعها قبل أيام وتجاوز سعر الدجاج 95 جنيها للكيلو، وسبق أن أعلنت الحكومة انخفاضا كبيرا في أسعار الدواجن واللحوم بمقدار 20٪.
تنتظر من يشيعها

كان متوقعا استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» ضد مشروع قرار ينص على منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة. وكان واضحا كل الوضوح كما أشار الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام”، إلى أن الأمريكيين يكذبون كعادتهم دائما حين يتحدثون عما يُطلق عليه حل الدولتين. ساستهم الغارقون في دماء الشعوب لا يتصورون أن يكون لأصحاب الأرض التي يغتصبُونها همج مثلُهم، حق في دولة، أو حتى في الحياة، مثلما لم يكن ممكنا أن يسمحوا للسكان الأصليين في المناطق التي اغتصبوها وبنوا عليها دولتهم، بأي حقوق. الاستعمار الاستيطاني الإحلالي لا يقبل أقل من إبادة أصحاب الأرض التي يسرقها، إن استطاع إلى ذلك سبيلا. لم يخسر الشعب الفلسطيني شيئا من فشل محاولة الحصول على عضويةٍ في مؤسسةٍ تحتضرُ في انتظار تشييعها. وهل أفاده في شيء، أي شيء، حصول فلسطين على وضع دولة لها صفة المراقب في هذه المؤسسة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ورفع علم فلسطين أمام المقر الدائم للمؤسسة الدولية في نيويورك، ولكن بعيدا قليلا عن تتابع الأعلام الأخرى؟ وما الذي عاد عليه من اعتراف 137 دولة من بين 193 عضوا في الأمم المتحدة بدولة لا وجود لها، ولن يكون إلا بنضاله ومقاومته بكل أشكالها وأنواعها. معلومةُ أهمية التضامن الدولي مع شعبٍ طال أمد ظلمه، وقضية هي الأكثر عدلا في عالم اليوم، حتى حين يكون تضامنا سلبيا. المتضامنون الذين لا يُقدمون على فعل، ولا يُحركون ساكنا، ويحسبون كل كلمة تصدر عنهم حين يعبرون عن تضامنهم، خيرا في النهاية من البُكم الصُم العُمي، وأفضل بالتأكيد من المعتدين المُجرمين. ولهذا يجوز أن نرى مكسبا في التصويت الذي أُجري قبل أيام في مجلس الأمن، إذ يدل على توسع نطاق التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني وقضيته، خاصة مع موافقة فرنسا على مشروع القرار في إشارة جديدة إلى تغير يحدث في العالم، ونُذر تفكك رمزي على الأقل في تحالف الإرهاب الغربي -الصهيوني. والمتوقع أن يُظهر تصويت متوقع على الموضوع نفسه في الجمعية العامة مزيدا من التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني، وربما تظهر فيه نُذر أخرى لتفكك التحالف الإجرامي.

خراب لشعبه

يدفع نتنياهو بالعربة أمام الحصان في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ويقوض صلاحيات الوفد الإسرائيلي المفاوض بهدف إفشالها، رغم أن حصيلة الشهداء والمفقودين تجاوزت، حسب جيهان فوزي في “الوطن” 41183، أما الجرحى فقد تجاوز عددهم 77 ألف مصاب، وكان النصيب الأكبر من الضحايا للنساء والأطفال، بما يعادل 72%، فضلا عن الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة على القطاع، التي تُقدر بـ30 مليار دولار، وإلقاء 75 ألف طن من المتفجرات، وتدمير أكثر من 380 ألف وحدة سكنية جزئيا أو كليا، بالإضافة إلى تدمير المؤسسات الصحية وخروجها عن الخدمة، فضلا عن تدمير المواقع الأثرية والتراثية، والمؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات. وبعد كل ذلك ما زالت الرؤية الإسرائيلية للحرب وما بعدها غامضة وضبابية، لكن من الواضح أن نتنياهو وبسبب تعقيدات الحرب وصعوبتها يحاول شد زوايا رؤيته لتكون مطاطة تتّسع وتضيق، استنادا إلى ما يمكن تحقيقه من نتائج ملموسة، بما يتيح له ادعاء تحقيق نصر ما في النهاية. لقد ورّطت الحكومة الإسرائيلية نفسها في تعهدات تبين أنها غير قابلة للتحقّق، فلا الجيش تمكن من تفكيك فصائل المقاومة، ولا الأجهزة الأمنية استطاعت خلق بدائل من أهل غزة لإدارة شؤون القطاع، ولا الدبلوماسية تمكنت من إقناع دول أخرى بتشكيل قوة أمنية دولية مشتركة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، ولا المفاوضات أدت إلى تحرير أي أسير إسرائيلي بعد الصفقة اليتيمة الأولى.

يقامر بنفسه

في اليوم التالي لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت الحكومة الإسرائيلية قد وضعت لنفسها أهدافا واضحة، أعلنها نتنياهو مرات كثيرة، وكانت وفقا لجيهان فوزي، تبدي ثباتا لا يتزعزع لتحقيق تلك الأهداف، لكن مجرى العمليات الميدانية صدمها بواقع لم تألفه وترفض الاعتراف به، وبدلا من إعادة النظر وتقليص تلك الأهداف إلى الحدود الممكنة، لجأت إلى التمويه والتضليل وتعديل لغتها وإعادة جدولة أهدافها بطريقة تكشف عن عجز فاضح في التكيّف مع الحقائق المهينة لها في الميدان. وبمقارنة تصريحات أعضاء مجلس الحرب ما بين أكتوبر/تشرين الأول الماضي واليوم، سنلاحظ الفرق الجوهري بين هذه وتلك، وحتى في المقارنة ما بين تصريحات كل من أعضاء مجلس الحرب في ما بينهم، ستتضح الفجوات الكبيرة التي أملتها عليهم وقائع الحرب، فمثلا يميل غانتس وإيزنكوت إلى اعتبار تحرير الرهائن معيارا للنجاح أو الفشل في هذه الحرب، بمعنى أنهم سيعتبرون النجاح في تحرير الرهائن عبر المفاوضات انتصارا لإسرائيل يبرر وقفا دائما لإطلاق النار، ويشاركهم في هذا الرأي رئيسا جهازي الموساد والشاباك اللذان يشكلان معا المصدر الأهم لاتهام نتنياهو بعرقلة المفاوضات، ومنع الوفد المفاوض من التصرّف بصلاحيات واسعة لتحقيق النتائج المرجوة، أما نتنياهو ومعسكر اليمين المتطرف فما زال يعتبر أن الضغط العسكري سوف يُرغم حماس في النهاية على القبول بالشروط الإسرائيلية، وهو في الحقيقة يؤسّس هذا الاعتقاد على وهم لا يتكئ على أي مؤشرات حقيقية أو دلائل جدية، لأن تقديرات أغلب الأجهزة الاستخباراتية الدولية، وفي مقدمتها الأمريكية، تقول عكس ذلك، وتؤكد أن حماس ليست في وضع يمكن فيه إرغامها على قبول ما سبق أن رفضته. أمام هذا الانسداد في الأفق السياسي يحاول نتنياهو بذل كل الجهد العسكري الممكن لتحقيق إنجاز ما قبل أن يضطر إلى تعديل أهداف الحرب، لأن هذا الخيار الأخير يُشكل مجازفة خطيرة لخسارة الرأي العام الإسرائيلي.

شكرا بورسعيد

خطا شعب محافظة بورسعيد خطوة للأمام في اتجاه ضبط أسواق السمك وخفض الأسعار، بعدما ارتفعت أسعار الأسماك في المحافظة المطلة على المياه من كل حدودها، قرر المواطنون الذين تابع خطواتهم رفعت رشاد في “الوطن” الانتفاض ضد جشع التجار، واستغلالهم رفع الأسعار في السلع الأخرى، ليزيدوا أسعارهم أضعافا مضاعفة. قام أهل بور سعيد بمقاطعة شراء السمك، انخفضت الأسعار بالفعل بعدما خلت المحلات من الزبائن، رئيس شعبة الأسماك في الغرفة التجارية في بورسعيد دافع عن التجار بمبرر غريب، قال: ليس من الطبيعي أن يربح تجار السلع الأخرى بينما نهاجم تجار السمك ونظلمهم في أرباحهم؟ ما قاله يستحق المحاسبة، فهو لا يهتم بما يعانيه المواطنون وإنما يهمه مساندة زملائه حتى ينتخبوه مرة ومرات أخرى. هب الشعب البورسعيدي وتبعته شعوب بعض المحافظات الأخرى، وإن كان بنسبة أقل ليعلنوا لتجار السمك أنهم يرفضون جشعهم، ليقولوا إننا يجب أن لا نعاني من ارتفاع أسعار السمك في الوقت الذي يتم الإعلان عن زيادة الإنتاج. بدأت المقاطعة في ظل عدم انصياع التجار لتوجيهات الحكومة ورفضهم خفض الأسعار. إن التجار عامل مؤثر سلبيا في زيادة أسعار السلع، دون مبرر، فهل السمك مستورد حتى يبرروا الزيادة ويلقوها على مسؤولية الدولار؟ الدولار الذي صار المبرر الذي يطلقه في وجوهنا كل من يريد زيادة الأسعار. إن المقاطعة سلاح فعال لردع التجار ولكي يطبق قانون العرض والطلب وهو ما سيجبر الجميع على احترام المواطنين الذين يعانون أشد المعاناة. كما أنها نموذج لأخذ الحق وعدم انتظار الإجراءات الحكومية، وعلى المواطنين تنظيم أنفسهم لمقاطعي اللحوم التي وصل سعر الكيلو فيها إلى 450 جنيها، وليقاطعوا الدواجن التي جنت أسعارها والخضر والفاكهة، التي صار بائعوها يسخرون من المواطن، إذا طلب كيلو فاكهة، رغم أن الناس في الخارج تشتري الفاكهة بالحبة الواحدة. الشعب هو الذي يملك البحار ويملك كل شيء وعلى الجميع احترامه وعدم التلاعب في قوته، وهو الصامد والمساند للدولة المصرية حتى النهاية وهو الذي يتحمل فاتورة الأزمات التي تصب عندنا والإصلاح الاقتصادي بينما التجار يزيدون من معاناة الناس. على الحكومة أن تقوم باللازم لضبط الأسواق والأسعار، وإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي والواقعي.

معقولة بشروط

يمكن القول إن علاقات الشعبين المصري والكويتي جيدة، اذ أن غالبية الكويتيين يحترمون المصريين ويقدرون دورهم وجهدهم وعلمهم في الماضي والحاضر، لكن هناك قلة انتبه لها عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” تسعى أحيانا إلى إفساد هذه العلاقات وتشويهها لمصالح مختلفة، وللأسف فإن صوت هذه القلة العالي ينجح في مرات كثيرة في تضخيم أشياء صغيرة، معتمدا على وسائل التواصل الاجتماعي، التي لعبت الدور الأكبر في إفساد العلاقات بين الشعوب العربية بالحق والباطل. للموضوعية، لا يمكن حصر المشكلة في السوشيال ميديا، فهناك أيضا أسباب أخرى لا يمكن إغفالها. على سبيل المثال صدر قرار قبل 16 شهرا بوقف دخول العاملين المصريين والعديد من الجنسيات الأخرى إلى الكويت. من حق الكويت بطبيعة الحال أن تنظم سوق العمالة فيها بما يخدم مصالحها. ولكن بمجرد تغير الحكومة ومجيء حكومة جديدة، ألغت القرار السابق مع وضع بعض الشروط التنظيمية. العدد الإجمالي للمصريين بلغ قبل قرار وقف استقدام العمالة، أكثر من 900 ألف شخص بقليل، انخفض عددهم الآن إلى 622 ألف شخص. وليس مسموحا باستقدام عمالة حكومية، بل للقطاع الخاص فقط، مع بعض القيود التنظيمية. إذا كان البعض في الكويت تسبب في وقف استقدام المصريين، فالموضوعية أيضا تقتضي أننا نحن أيضا أخطأنا حينما تركنا الزحام والفوضى أمام السفارة الكويتية في القاهرة، وحينما لم ندرب ونؤهل عمالتنا بالشكل اللائق، ما ترك انطباعا بأن غالبية العمالة المصرية عشوائية وغير مدربة، علما أن الكويتيين يفضلون المهنيين المصريين، خصوصا الأطباء والمعلمين والقضاة.

الأمور اختلفت

المصريون مظلومون في السوشيال ميديا في الكويت، وهناك من يحاول أن يظهرهم وكأنهم السبب في كل المشاكل، وهو أمر يراه عماد الدين حسين غير صحيح، على سبيل المثال هناك تقرير رسمي يقول إن العمالة المخالفة في الكويت حوالي 127 ألف شخص، نصفهم من العمالة المنزلية، والمعروف أن هذا النوع من العمالة لا يضم مصريين مطلقا. أما النصف الثاني من المخالفين فمعظمهم من العمالة الآسيوية، وعدد المصريين فيهم قليل جدا. مثالان دبلوماسي مصرى قال لي إنه حينما يلبس الجينز والتيشيرت ويتجول في الأسواق يتلقى أفضل معاملة من الكويتيين حينما يعرفون أنه مصري، دون أن يعرفوا مطلقا أنه دبلوماسي. المثال الثاني، وحينما كنت في زيارة لمسؤول كويتى في ديوانية العائلة الخاصة، فوجئت أن كل الموظفين مصريون. والرجل قال إنهم يثقون في العمالة المصرية كثيرا. خلال وجودنا مرّ علينا أكثر من شخص كويتي وكان العامل المشترك بينهم أنهم يستثمرون في مصر، وبعضهم يحرص على قضاء وقت طويل في بيوت يتملكونها في مصر منذ سنوات.. الأجيال تغيرت، لم يعد في الكويت أو غالبية دول الخليج من المسؤولين الآن من درس في مصر، مثلما كان الحال. بالنسبة للأجيال القديمة التي إما رحلت أو اعتزلت العمل السياسي والعام. المطلوب منا في مصر ألا نبكي على اللبن المسكوب وألا نظل نتحدث عن الماضي فقط رغم كل أهميته. علينا أن نفهم الواقع جيدا وندرسه بدقة، ونعيد بناء علاقاتنا مع الأشقاء على أسس ثابتة ومستمرة، جوهرها الشراكة التي تعود بالنفع على الجميع. نريد إعادة تنشيط للعلاقات المصرية الكويتية على أسس صحيحة، خصوصا أن أمير الكويت الشيخ ينتظر أن يزور القاهرة قريبا جدا في أول زيارة لأمير كويتي على مستوى ثنائي منذ سنوات طويلة.

كلنا ننتظر

كثيرون ينتظرون تعديلا أو تغييرا حكوميا بفارغ الصبر. جزء من فراغ الصبر سببه من وجهة نظر أمينة خيري في “المصري اليوم”، أن مثل هذه الأخبار والإجراءات تجذب الناس وتثير فضولهم واستطلاعهم. وجزء آخر يعود إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي طالت الجميع والتي أبدى الجميع جلدا وصبرا عظيمين يستحقان جائزة نوبل في الجلد. هذا الانتظار الشعبي ليس كرها في الحكومة الحالية، ولكن أملا في أن أي تغيير سينعكس حلحلة في أوضاعهم المعيشية. الجميع أجرى تعديلات جذرية على ما كان يتم شراؤه من قبل من سلع غذائية. تم الاستغناء عن السلع التي جن جنونها، وجرى ترشيد الباقي. ومن غير زعل، أقول بكل ثقة إن الغالبية المطلقة من الناس لا تثق أو تستبشر كثيرا لدى الإعلان عن أي إجراءات حكومية لضبط الأسواق أو مراقبة الأسعار، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء العديد من الأسباب التاريخية، واللوجستية أيضا. المواطن يعرف أن الحكومة، تلعب لعبة القط والفأر مع التاجر. والمواطن يعلم أيضا أن التاجر ذكي ولن يحدث أبدا أن يمس هامش ربحه، حتى لو كان قد رفعه إلى سقف يناطح السماء. لا أقول إن الزيادات الرهيبة التي حدثت في الأسعار على مدار الأعوام القليلة الماضية، والتي احتدمت نيرانها خلال العام الماضي، سببها التجار فقط. نعلم أن أسبابا عالمية، وأخرى محلية لها علاقة بأوضاعنا، تسببت في جزء مما نكابده.

العبرة بالاستدامة

بالنسبة لعدم الثقة في إجراءات خفض أو ضبط الأسعار التي تروج لها الحكومة ويحلم بها المستهلك فذلك يعود وفق ما ترى أمينة خيري إلى أن المواطن يحمل خبرة عقود طويلة مفادها أنه حتى لو تم ضبط السوق يوما أو يومين، فإن العبرة بالاستدامة، والظروف والأحوال والثقافة والضمائر لا توفر ما يضمن هذه الاستدامة. وجهة نظري الشخصية هي أن الحكومة الحالية أشبه بحكومة الحرب. بقيت الوزيرات والوزراء في مناصبهم في ظروف اقتصادية هي ضمن الأصعب في تاريخ مصر الحديث، وتحملوا سيولا من الانتقادات التي حملتهم بصفة شخصية ما يعانيه الناس. إنها ضريبة العمل العام والسياسي والقيادي. شخصيا مسألة التعديل أو التغيير الوزاري لا تشغل بالي كثيرا. باستثناء حب الاستطلاع والفضول الفطريين مضاف إليهما طبيعة العمل الصحافي، أي تعديل أو تغيير وزاري يحدث في هذه المرحلة، مع كامل وشامل الاحترام للوزراء الموجودين حاليا والمستقبليين، إن تم التغيير. والباقون لو تم تعديل وبقوا في مناصبهم – لن يؤثر كثيرا على المشهد إلا لو شهدت السياسات الاقتصادية تغييرا وتعديلا مدروسين ومخططين. أما ما عدا ذلك، فهو حب استطلاع وفضول فقط. وأقتبس مما قاله الدكتور زياد بهاء الدين في حديث تلفزيونى قبل نحو شهرين. قال إن تغيير السياسات مطلوب، يصحبه تغيير في الأشخاص. وأشار إلى أن أي دولة لها دور في الاقتصاد، لكن المسألة تحتاج «تنظيما»..

أمريكا بمفردها

مع كثرة الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم، والصراعات التي طغت على كل شيء.. والحروب التي تحيط بنا.. والتهديدات التي أصابت منطقة الشرق الأوسط.. بداية من إطلاق فيروس كورونا، وصولا للمناوشات الإيرانية الإسرائيلية، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.. وما يحدث في السودان وليبيا والعراق ولبنان ومن قبل سوريا.. هذا بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي تفاجئنا كل يوم بجديد. كل هذا جعل صالح الصالحي يتساءل في “الأخبار” من يدير العالم؟ ومتى تتوقف هذه الحروب والصراعات؟ ومن يدفع الفاتورة؟ إذا عدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا الاتهامات تشير إلى أمريكا والصين في انتشار فيروس كورونا، والغريب أن لجان تقصي الحقائق الأممية لم تعلن أي شيء، ولم تحدد المسؤول عن انتشار هذا الفيروس سواء كانت دولا أو شركات لها أغراض اقتصادية. وقبل أن نخرج من رعب كورونا، فوجئنا بالحرب الروسية الأوكرانية.. وطبعا كانت أمريكا هي الفاعل الرئيسي والمحرك لها، والداعم الأساسي لأوكرانيا.. هذه الحرب التي أثرت أيضا تأثيرا بالغا على سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية.. ومع مرور الوقت وطول أمد الحرب الروسية الأوكرانية، تأتي حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.. وبالتأكيد تقف أمريكا بجانب إسرائيل بكل قوة، بل وتدعمها في المحافل الدولية والأممية «بالفيتو» وبغيره.. ثم تظهر المناوشات الإيرانية الإسرائيلية.. وطبعا برعاية أمريكية كاملة، وتحت إشراف مباشر منها.. فإسرائيل ذراع أمريكا في المنطقة، وإيران أحد أصابعها.

كلنا نراقب

عموما والكلام ما زال لصالح الصالحي الجميع يرى ويتابع ويراقب عن كتب ما يشهده العالم من أحداث دامية.. ويتابع الحروب والصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط المتتالية والمتلاحقة.. التي بالطبع لها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة والأخيرة هي الأهم. على أي حال، ورغم أن ما يحدث يذكرنا بالحروب العالمية.. إلا أنني أرى أن أمريكا لن تجر العالم الآن إلى مثل هذه الحروب، وإنما ستكتفي في الوقت الراهن بهذه الأحداث على الساحة.. خاصة أن أمريكا هي العامل المشترك في كل هذه الأحداث، بل هي المحرك والفاعل الرئيسي لمعظمها.. بهدف فرض وبسط سيطرتها على العالم، وصولا لما يعرف بعالم القطب الأوحد.. وبالتأكيد هناك دول سوف تتحمل فاتورة هذه الحروب، فلن تتحملها أمريكا وحدها. رغم أنها من تخطط لكل ذلك سواء كان من خلف الستار أو من أمامه، من أجل إضعاف دول وإنهاكها، بل القضاء عليها.. وللإلهاء ولفت النظر عن حدث بافتعال حدث آخر جديد. لقد اختارت أمريكا منطقة الشرق الأوسط مسرحا للأحداث.. هذه المنطقة التي لم تخرج من حرب إلا لتدخل في أخرى، ناهيك عن الصراعات الأهلية التي تشهدها معظم الدول، من أجل تحقيق ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد. العالم يمر بمرحلة غاية في الصعوبة والتعقيد.. وعلى الجميع أن يكون يقظا ومنتبها.. وأن يعلم جيدا أن أمريكا تظهر بمظهر المدافع الأول عن حقوق الإنسان والراعي الرئيسي للحريات.

كي لا ننسى

كاتب هذه الرسالة مقاتل قوات خاصة طوال السنين من 1965 حتى 1977، ودون الخوض في الأسباب والظروف السياسية والعسكرية التي أدت إلى هزيمتنا في يونيو/حزيران 1967. دعانا محمود عبد المنعم القيسوني في “الشروق” إلى ألا ننسى البطولات الخارقة التي أنجزها ضباط وجنود القوات المسلحة في هذه الحرب، التي كانت ظروفها بشعة بكل المقاييس، حيث حاربنا عدوا لا يعترف بالمواثيق الدولية ولا بالإنسانية، عدوا أعطى لنفسه الحق الكامل في استخدام كل الأسلحة المحرمة دوليا في جميع حروبه حتى اليوم. عدو تخلصت منه كامل الدول الغربية من أراضيها، وليضمنوا عدم عودته وتغلغله في نسيج شعوبهم دعموه بالسلاح والمال وبالتأييد الأعمى المناقض والمخالف لكل القوانين الدولية والمبادئ الإنسانية بلا قيد ولا شرط، ليضمنوا بقاءه كالطاعون حيث تم زرعه بالقوة وسط الأراضي العربية. يونيو/حزيران 1967.. يجب ألا ننسى الجندي الذي شاهد طائرات العدو في سماء العريش وهي تقذف ألسنة النابالم المحرمة دوليا على زملائه، فقفز خلف مدفع مضاد للطائرات وبدأ يضربها بتصميم وشجاعة مذهلة ليصيب إحدى هذه الطائرات، لتنقض عليه طائرة من الخلف وتغطيه هو والمدفع بالنابالم فيحترق ويتفحم في وضعه المتشبث بالمدفع وزناده، ويستشهد أمام زملائه. يجب ألا ننسى الجندي الذي كان يعاون وحدته المتمركزة برفح في نقل حاويات الماء إلى مواقع زملائه المتفرقة حينما شاهد دبابة للعدو تقتحم موقع وحدته وتضرب بعنف دون تمييز، فيلقي ما بيده وينطلق إلى موقعه حيث يلتقط مدفع آر. بي. جي ويرتكز على ركبته ويصوب الصاروخ في اتجاه الدبابة التي تنبهت لجسارته ونيته، فأدارت برج ماسورة مدفعها في اتجاهه بسرعة وأطلقت عليه دانة مدفع ليتحول إلى أشلاء طاهرة بعد أن ضغط على زناد سلاحه وانطلق الصاروخ في اللحظة نفسها في اتجاه الدبابة ليرتطم بها ويفجرها.

سنوات عجاف

السنون تمر والحياة تلهينا ويطوي النسيان مواقف وطنية وبطولات واجب أن تبقى منارة ساطعة إلى الأبد يفخر بها أبناء هذا الشعب، حسب محمود عبد المنعم القيسوني فبعد مرور أكثر من خمس سنوات عجاف قاسية والجنود والضباط لا هم لهم غير التدريب والتطوير مع التركيز الكامل على كل تحركات العدو على جبهة القناة، وقد اختفت الابتسامة تماما من على وجوههم لتحل مكانها قسمات الغضب والتصميم والصبر. خلال هذه السنين ظهرت مجلة “لايف” التي كانت من أشهر المجلات في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت وعلى غلافها جندي إسرائيلي مصاب وعلامات الألم الشديدة مرتسمة على قسمات وجهه وزملائه ينقلونه من الخندق إلى المستشفى الميداني، وتعليق على الصورة كتب فيه ثلاثون ثانية كانت كافية، والتفاصيل المرتبطة بصورة الغلاف داخل المجلة تسجل أن هذا الجندي كان يحاول الاستخفاف بالجنود المصريين على الجبهة أمام وفد صحافي أمريكي، حيث رفع يده لأعلى ليلوح للمصريين ويتفوه بكلمات ساخرة وفي لمح البصر اخترقت رصاصة قناص مصري كفه أمام ذهول الجميع الذين لم يتخيلوا سرعة ودقة القناص المصري، الذي لمح تصرفات الإسرائيلي فوجه بندقيته تجاهه وأطلق الرصاصة لتصيب هدفها في فترة زمنية لم تتعدَ النصف دقيقة، ما نتج عنه التزام جنود العدو بالتحركات ورؤوسهم تحت سطح الأرض. حل شهر رمضان المعظم عام 1973، وأشرقت شمس اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم وكل الجنود والضباط، مسلمين ومسيحيين، صائمون، وانطلقت شرارة العبور العظيم وسط النهار؛ وهي اللحظة التي انتظروها بصبر طوال هذه السنين فينطلق دعاؤهم المخلص إلى السماء.. «اللهم اكتب لنا الإفطار في جناتك» ويتحرك أكثر من ثمانين ألف مقاتل كالموج الهادر من أعلى الساتر الرملي الواقع على الساحل الغربي لقناة السويس ليقفزوا للزوارق المطاطية وكلهم يرددون معا بصوت واحد كالرعد (الله أكبر/ الله أكبر/ الله أكبر).

ليس صحيحا

لا تصدق من يقول لك أن كرة القدم لعبة.. تلعب والسلام.. خالد حمزة في “المشهد” لديه الكثير من الأدلة: قبل المباراة النهائية في كأس العالم 1938؛ التي جمعت بين المجر وإيطاليا موسوليني؛ أرسل الأخير برقية مختصرة حملت تهديدا للاعبي فريقه مفادها: انتصر أو مت. وبعد نهاية المباراة وفوز إيطاليا بالكأس؛ علّق حارس المجر بطرافة: ربما أكون قد فوت أربعة أهداف في مرماي، لكنني على الأقل؛ أنقذت حياة أحد عشر لاعبا. والحكم.. هو الطاغية البغيض الذي يمارس ديكتاتوريته دون معارضة. هو الجلاد المتكبر الذي يمارس سلطته بإيماءات لا تخلو من تهديد أو وعيد. الصفارة في فمه، ينفخ بها رياح القدر المحتوم، ويمنح الأهداف أو يلغيها.. البطاقة في يده، يرفع ألوان الإدانة: الأصفر لمعاقبة المذنب وإجباره على الندم، وإلقاء صاحب البطاقة الحمراء إلى المنفى ومثل الحكم.. كان مشاهير الديكتاتوريين حول العالم يتحكمون بالمستديرة. وفي الفصل الثالث من الكتاب الأخضر، تساءل القذافي لماذا يلعب 22 لاعبا كرة القدم.. بينما يتفرج عليهم الآلاف من المغفلين؟ والقذافي كان مشجعا لفريق ليفربول الإنكليزي؛ عكس أولاده الذين كانوا يميلون إلى النوادي الأيطالية واستثمروا ولعبوا فيها. أسامة بن لادن كان مشجعا لفريق أرسنال الإنكليزي، وأبدى حماسا للنادي منذ أيام المراهقة حين زار بريطانيا في حقبة السبعينيات. وكان يتابع مبارياته.. وهو هناك في جبال تورا بورا الأفغانية. رادوفان كاراديتش جزار صربيا كان مشجعا فريق إنترميلان الإيطالي، وكان يتابع نتائج الفريق.. حتى وهو يحاكم أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي الهولندية الإرهابي الأشهر كارلوس كان مشجعا مجنونا لفريق أرسنال الإنكليزي، وكان يتابع نتائجه من داخل سجنه الفرنسي. وأدولف هتلر مشجع فريق شالكه الألماني، كان وراء فوز الفريق ست مرات بالدوري الألماني.. وعلى الطريقة نفسها.. سارت النظم الديكتاتورية في أمريكا الجنوبية في تشيلي والبرازيل والأرجنتين.. وديكتاتور إسبانيا فرانكو؛ وأصبحت معها أخبار كرة القدم تشغل كل الشعب عن كوارث الحكم العسكري؛ ومئات الآلاف من المساجين والناشطين المختفين قسريا.

دمى أطفال

قال حسين أمير عبداللهيان، وزير الخارجية الإيراني، إن الطائرات المُسيرة التي هاجمت بها إسرائيل قاعدة جوية إيرانية في منطقة أصفهان، هي طائرات أقرب ما تكون إلى دُمى الأطفال.. وأضاف الوزير في حوار أجرته معه قناة «إن بي سي نيوز» الأمريكية، أن بلاده لن ترد إلا إذا تعرضت لهجوم اسرائيلي كبير. الهجوم الذي يتكلم عنه الوزير واهتم به سليمان جودة في “الوفد” وقع في مساء يوم 18 من هذا الشهر، وكان ردا على هجوم إيراني قامت به إيران في 13 من الشهر نفسه.. وبدورها كانت إيران ترد على هجوم قامت به إسرائيل على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق يوم 1 أبريل/نيسان، فقتلت وأصابت كل الذين كانوا في داخل مبنى القنصلية.. وكان من بين الموجودين في داخل المبنى الضابط محمد رضا زاهدي القيادي الكبير في الحرس الثوري الإيراني، وكان معه عدد من مساعديه الذين لقوا مصرعهم جميعا. وهكذا تجد المنطقة أنها تدور في دائرة أشبه بالدوامة فلا تعرف أين نهايتها، ولا ما هي بالضبط عواقبها في المستقبل؟ وإذا كان الوزير الإيراني يصف الطائرات المسيرة التي هاجمت بلاده بأنها كانت أقرب إلى لعب الأطفال، فالحقيقة أن الطائرات المسيرة الإيرانية التي قادت هجوما مشابها على إسرائيل لم تكن هي الأخرى تختلف عن لعب الأطفال، من حيث ما تابعناه أمامنا على الأقل. إننا لا نزال نذكر تلك الليلة التي قيل فيها إن عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية في طريقها من منطقة كرمنشاه الإيرانية إلى شمال إسرائيل.. ولا نزال نذكر أن العالم قضى ساعات أمام الشاشات يتابع ويترقب، فإذا به في اليوم التالي يكتشف أن 99% من الطائرات المهاجمة تم إسقاطها قبل الوصول لأهدافها، وأن الواحد في المئة المتبقي لم يكن له أي تأثير على الأرض، لا على مستوى الإصابات البشرية، ولا على مستوى أي إصابات أخرى. وشاعت نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إيران، وإن المجلس لما سأله عن سبب الشكوى قال إن الإيرانيين: سهرونا على الفاضي وإذا تصورنا أن لعب الأطفال على الجانبين كانت مسألة غير مقصودة فإننا نكون مخطئين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية