المصالحة الفلسطينية: هل تنتقل من الورق إلى الواقع؟

من كان ينظر إلى قاعة اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت في بيروت يومي 10 و11 يناير الماضي، ودقق في رؤوس ممثلي المنظمات الفلسطينية، فإنه كان يجد خليطا من رؤوس أصبح شعرها مكللا بالبياض، لا تشوبه أي شائبة سواد، أو أن الصلعة أصبحت تحتل أغلب مساحة الرأس، ومن ظهر شعره باللون الأسود، فإن صبغات الشركات المختلفة تولت «تسويد» ما تبقى من ذلك الشعر. هذا عدا عمن توفي أو أقعده المرض عن الحضور.
أخرج من هذه المقدمة، لأقول بأنه مضى زمن طويل، على آخر جلسة عقدها المجلس الوطني الفلسطيني (منذ نحو عشرين عاما)، مع ذلك فإن علينا تسجيل إيجابيات ما حصل في الجلسة التحضيرية، فهي بانعقادها في حضور أغلبية التنظيمات الفلسطينية فيها، بما في ذلك «حماس» والجهاد الإسلامي وعودة الصاعقة والجبهة الشعبية – القيادة العامة، تسجل مؤشرات إيجابية في دورة هذا الانعقاد، كما أن الأجواء داخل الاجتماع، ورغم النقاشات الحامية والمختلفة أحيانا على بعض الأمور؛ فإن الحصيلة النهائية كما تضمنها البيان الختامي جسدت إيجابيات ما كان يحصل من نقاشات واجتهادات وتعارضات.
يمكن إيجاز أبرز الايجابيات التي وردت في البيان الختامي بـ: تجسيد الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تم الاتفاق بين المجتمعين على ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني بضم القوى الفلسطينية كافة وفقا لإعلان القاهرة 2005، واتفاق المصالحة الموقع في 4/5/2011 من خلال الانتخاب حيث أمكن، والتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات. وكمقدمة لإنهاء الانقسام اتفق المجتمعون على ضرورة تنفيذ اتفاقيات المصالحة كافة، بدءا بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع بممارسة صلاحياتها في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها القدس، وفقا للقانون الأساسي والقيام بسائر المهام الموكلة إليها بموجب اتفاقيات المصالحة.
كذلك جرى التوافق على توحيد المؤسسات واستكمال إعمار قطاع غزة وحل مشكلاته، والعمل الحثيث من أجل إجراء الانتخابات للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني. كما اتفق المجتمعون على أن تواصل اللجنة التحضيرية عملها وأن تعقد اجتماعاتها بشكل دوري بمشاركة القوى الفلسطينية كافة، لحين انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، وقد طلبت اللجنة من رئيس المجلس استكمال الإجراءات الضرورية لإنجاز نظام انتخابات المجلس الوطني.
إن المراجع لهذا البيان الختامي، يدرك أهمية كل فقرة من فقراته، وأنها راجعت وعالجت العديد من مشاكل التمثيل الفلسطيني، كما يدرك أن مشاكل أخرى تركت لمعالجات واجتماعات لاحقة – إن عقدت – كنسبة تمثيل كل فصيل، إذا ما تعذر إجراء الانتخابات في أي منطقة من المناطق التي يتواجد فيها الفلسطينيون، وهل يكون ذلك قائما على قاعدة النسبية الكاملة أو وفق مندرجات أخرى. كما تم إرجاء البحث في مكان انعقاد المجلس الوطني المقبل – إن عقد – بأن يكون في رام الله ، وهذا سيعقد الأمور ويجعل من ممثلي تنظيمات عدة، أو عدد من الشخصيات لا يحضرون جلسة المجلس الوطني بفعل المنع الإسرائيلي المعروف. وقد أبدت عواصم عربية عديدة استعدادها لاستضافة عقد المجلس المقبل في حال جرى تجاوز العقبات الأساسية والفرعية.
في ظل ما كان سائدا من أجواء إيجابية في اجتماع اللجنة التحضيرية، وفي لحظة استشعار القوى التي يمكن أن تتضرر من هذه الأجواء، ومن الإجراءات التي يمكن أن تتخذ على أرض الواقع، فإنها استلت سكاكينها وحركت بعض الإشكالات النائمة أو القائمة، في محاولة منها لتعطيل مسار ما يمكن أن يجمع ويوحد الكل الفلسطيني، ويتجاوز حال الانقسام التي أرست هياكل لحالتين متعارضتين ومتناقضتين في الكثير من المسائل والقضايا. لذلك فإن الحماوة والحماس دبت إن كان في المتضررين من إيجابيات الاتفاق في رام الله أو في غزة، كي يعطلوا ويفرملوا أي اندفاعة إيجابية في معالجة وترميم ما يمكن معالجته وترميمه.
لقد سادت في الأجواء بعض النوايا الإيجابية، وامتلأت أجهزة الإعلام ببعض الكلام الإيجابي، إلا أن الممسكين ببعض السلطات والمصالح، لم ترق لهم هذه الدفعة الإيجابية من النوايا التي يمكنها أن تخلخل بنيان سلطاتهم ونفوذهم ومصالحهم، إلا أن الشعب في النهاية هو الذي يدفع أثمان الانقسام والمعارك الدونكيشوتية والحقيقية أيضا، تلك التي يفتعلها المتضررون من أي مصالحة.
كاتب فلسطيني

المصالحة الفلسطينية: هل تنتقل من الورق إلى الواقع؟

سليمان الشّيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية