لهذا يشنّ الإعلام الصهيوني هجومه على قطر

على الرغم من جهود الوساطة القوية التي تبذلها قطر لوقف العدوان على غزة والتوصل إلى حلول عادلة تنهي الحرب، وعلى الرغم من كوْن هذه الوساطة قد أثمرت عقد صفقات تبادل الأسرى السابقة، إلا أن الدوحة تقع في الوقت الراهن في مرمى هجوم الإعلام الإسرائيلي بشكل قوي.
صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية اتهمت قطر بأنها تسببت في زيادة حالات العداء للسامية عن طريق تمويل الجامعات الأمريكية في أنشطتها المناهضة لإسرائيل، وبث رسائل عدوانية ضد اليهود، على حد زعم الصحيفة.
إقحام قطر في قضية الانتفاضة الجامعية في أمريكا، تم نفيه بشكل رسمي عن طريق السفير القطري لدى الولايات المتحدة الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، حيث نفى وجود أي صلة بين قطر وانتفاضة طلاب الجامعات.
بنت الدعاية الصهيونية هذه الفرية على التبرعات القطرية لفروع الجامعات الأمريكية، التي استدعتها قطر منذ عقود لبناء مؤسسات التعليم العالي، فبالتالي توجه الدوحة دعمها لتمويل وصيانة هذه الفروع داخل قطر وليس في أمريكا، ومن ثمّ فلا شأن لقطر بما يحدث في الجامعات الأمريكية، علما بأن الولايات المتحدة ليست وحدها من انتفضت فيها الجامعات تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، فكثير من الجامعات الأوروبية أيضا قد انتفضت في هذا الشأن.

لقطر سجل مشرف في الوساطات وفض النزاعات، إلا أن الاحتلال يأبى إلا أن تكون أداة لتنفيذ أهدافه بالضغط على حركة حماس للتنازل أمام الاحتلال على طاولة المفاوضات

بدورها، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية، ما يفيد بأن قطر كان لها دور أساسي في تعزيز الانقسام الفلسطيني، بعد أن تودد إليها رئيس الوزراء نتنياهو ومدير الموساد السابق يوسي كوهين، لإدخال مساعدات إلى قطاع غزة، وقامت الحكومة الإسرائيلية بتسهيل الأموال القطرية إلى حماس لهذا الهدف. وذكرت أن خطة نتنياهو كانت جزءا من استراتيجية أوسع ترمي إلى ترويض حماس، وجعلها ثقلا موازيا للسلطة الفلسطينية، وتحافظ بذلك على استمرار الانقسام. مع الأسف تداولت وسائل إعلام عربية هذا الخبر بصيغة الهمز واللمز في أن قطر تم استغلالها لتعزيز الانقسام الفلسطيني بدعمها حركة حماس، إذ أنه منذ عام 2018 بدأت الدوحة في إرسال مبالغ شهرية إلى قطاع غزة، رغم رفض السلطة الفلسطينية. في الحقيقة هذا الخبر الذي روجه الإعلام الصهيوني، وتابعته عليه وسائل إعلام عربية، لا يحمل اتهاما موضوعيا، بل في رأيي هو اعتراف بالدور القطري في دعم غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، فماذا كان ينتظر من قطر أن تفعل وقد جاءتها فرصة لدعم القطاع المحاصر المنكوب، هل كانت تتخلى عن دعمها لغزة؟ هذا الخبر يحمل إدانة للكيان الإسرائيلي، لا إدانة قطر التي فعلت ما ينبغي أن يكون، بمقتضى الروابط المتعددة بينها وبين الفلسطينيين. ومن جهة ثانية، إذا كان الاحتلال قد فتح الباب للدعم القطري لغزة بهدف تعزيز الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، فهل بالفعل تحققت أهداف الاحتلال؟
الواقع يقول إن الدعم القطري لم يقدم أو يؤخر في علاقة الفصائل بعضها ببعض، فهي خيارات استراتيجية سابقة، ففي الوقت الذي تتبنى السلطة الفلسطينية الحل السياسي والدبلوماسي، تتبنى حماس المقاومة كخيار استراتيجي، إضافة إلى أن حماس هي من تدير القطاع، فمن الطبيعي أن يسلم الدعم إلى الإدارة، والاحتلال هو من يتحكم في أي دعم يصل إلى القطاع، حتى ولو من السلطة الفلسطينية، فما هي المشكلة؟ ومن جهة ثالثة، ما الذي يدين قطر لو دعمت المقاومة الفلسطينية؟ هذه الإدانة ليست إلا في خيال الصهاينة وداعميهم وأذنابهم، فلو أن قطر سلمت مساعدات مالية إلى حماس بصفتها المسؤولة عن إدارة القطاع، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها قد زودوا جيش الاحتلال بالسلاح والمال وخبراء الحرب والجنود المقاتلين، إضافة إلى الدعم الاستخباراتي، فهل هو حلال لأمريكا والغرب وحرام على قطر؟ وقد أعجبني أن سمعت مثل هذا المضمون في الرد على هذا الاتهام، تحدث به علي الهيل أستاذ العلوم السياسية والإعلام في قطر، فينبغي أن لا نتعامل مع الدعم القطري على أنه محل إدانة.
هذه الهجمة الشرسة من الإعلام الإسرائيلي على قطر، تأتي في سياق ممارسة ضغوط على الدوحة، بسبب موقفها من الوساطة في هذا الصراع، فالاحتلال لا يرضى بأن تكون قطر دولة وساطة تقف على الحياد، ولا أن تمارس دورها المعهود في فض النزاعات الذي عرفت به في ملفات كثيرة في النزاع الإقليمي والدولي، الاحتلال يريد أن تكون قطر أداة ضغط على المقاومة الفلسطينية للقبول بالشروط الإسرائيلية.
قطر أعلنت رفضها للعدوان الإسرائيلي، وتأبى أن تكون ورقة ضغط على الفلسطينيين في قضيتهم المصيرية، ومن أكثر الدول تقديما للمساعدات الإنسانية للقطاع، وتتعرض لضغوط هائلة لإجلاء المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، وجهودها في الوساطة يقتضي منها أن تكون طرفا محايدا يقرب وجهات النظر، ذلك لأن لها سجلا مشرفا في الوساطات وفض النزاعات يميزها عن غيرها من الدول، إلا أن الاحتلال يأبى إلا أن تكون قطر أداة لتنفيذ أهدافه بالضغط على حركة حماس من أجل التنازل أمام الاحتلال على طاولة المفاوضات. والدليل على ذلك هو مشروع القانون الذي قدمه نائب الكونغرس الأمريكي السيناتور تيد باد، بإنهاء وضع قطر كحليف رئيسي لأمريكا من خارج حلف شمال الأطلسي، وبرر ذلك بأن قطر لا تمارس ضغطا كافيا على حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. وهذا ما يفسر الحملة الصهيونية على الدوحة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية