هل ستصيب “لعنة المرزوقي” الحلف الإماراتي المصري؟

نزار بولحية*

لعلكم سمعتم وقرأتم في السابق قصصا كثيرة عما يسمى بلعنة الفراعنة، ولكن هل سمعتم وقرأتم بالمقابل شيئا يدعى لعنة الإخوان أو لعنة تركيا؟ إن لم يحصل لكم ذلك بعد فاعلموا أن الأمر يتعلق بابتكار لغوي جديد للحلف الإماراتي المصري، الذي لم يعد له من هاجس آخر بعد كل الدمار والخراب الذي ألحقته تصرفاته الرعناء في المشرق والمغرب سوى اللعب على حبل الكلمات، وانتظار حصول حدث عابر لتلقفه على عجل وتقديمه على أنه الدليل العملي الثابت على المصير المظلم الذي ينتظر أي شخص أو بلد قد تسول له نفسه الأمارة بالسوء أن يقف وبأي شكل كان في وجه التيار الرسمي، أو يخرج عما رسمه من حدود وضوابط.

وليس مهما أو فارقا في مثل ذلك الحدث أن تكون الضحية الافتراضية فيه دولة شقيقة أو زعيما سياسيا أو مفكرا أو خطيبا أو كاتبا أو داعية إسلاميا. فالحلف الإماراتي المصري العظيم قد تزلزله وتهزه مجرد كلمة واحدة تخرج من فم فرد أعزل وتجعله يستنفر كل طاقاته وأجهزته وقواه العسكرية وغير العسكرية للرد على ما يراه تهديدا صارخا لأمنه واستقراره، قد يفوق أي تهديد آخر قد يصدر عن جهة معادية له بالفعل. وهنا سوف لن يكون مستغربا أبدا أن يكون شخص مثل الرئيس التونسي السابق أو المؤقت، كما كان يحلو للإعلام المحلي وصفه، مستثنى من تلك القاعدة أو بعيدا وبمنأى عن مرمى مثل تلك الضربات اللفظية الانتقامية للحلف. فهو رسميا وعمليا لايزال رغم أنه خارج السلطة العدو الأول للنظامين اللذين لم يغفرا له مواقفه وتصريحاته وكتاباته، لا خلال فترة حكمه القصيرة ولا بعدها.

أما المستجد الذي طرأ فهو أنه أي الرئيس السابق صار يشعر اليوم بحالة من الخذلان والمرارة الشديدة، لقد تركه وانفض من حوله من كان يعدهم أقرب المقربين منه وتركوه وحيدا يصارع أمواج الثورة المضادة التي اكتسحت تونس، ليعلنوا انسحابا جماعيا من حزبه. وذلك بالطبع يكفي وزيادة حتى يبعث في الجانب الآخر قدرا من الغبطة والنشوة بالفوز بالتحطيم المعنوي وربما السياسي أيضا، لما قد يمثل قامة أو رمزا من رموز الثورات العربية المعاصرة، والشماتة بالضربة الداخلية الموجعة التي لحقته. ورغم انه لم يعرف بعد إن كان المنصف المرزوقي قد اطلع مسبقا على بيان الاستقالة الذي وقعه ثمانون عضوا ممن قدموا كقيادات في حزب الحراك الذي أسسه فور هزيمته في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ونشرته معظم الصحف التونسية؟ أم أنه قرأه فقط مثل باقي التونسيين الأربعاء الماضي. فإنه كان واضحا في كلتا الحالتين من ردة فعله الأولى على تلك الخطوة، التي وصفتها أكثر من صحيفة تونسية بالزلزال السياسي الذي ضرب حزب المرزوقي، انه يحاول الظهور متماسكا أمام ما قد يعتبرها طعنة في الظهر.

لقد كتب على صفحته على فيسبوك بعد يومين من زوبعة الاستقالات، رسائل شكر للمغادرين يتمنى لهم فيها التوفيق وللباقين والملتحقين المقبلين بحزبه على “تمسكهم بالحلم الكبير وقدرتنا جميعا على جعله واقع الغد” كما قال.

كما لم ينس أن يشكر بالمناسبة ذاتها كل من” يؤسفهم أو يقلقهم ما يبدو صخبا وفوضى داخل الحراك (حزبه) وأيضا داخل عدد من الاحزاب وداخل النظام نفسه وداخل كثير من العقول والقلوب”، ويشكر بالاخير و”بالخصوص كل من يرفضون الإحباط، وفي أصعب الظروف يواصلون في صمت هدم الجبل الدي يسد الطريق أمام تونس ولو بالاظافر”.

الحلف الإماراتي المصري قد تزلزله كلمة تخرج من فم فرد أعزل وتجعله يستنفر كل طاقاته للرد على ما يراه تهديدا صارخا لأمنه واستقراره

ولكن أي معنى كان من وراء شكر من تركوا المرزوقي في المنعرج الأخير قبل بدء سباق الرئاسيات المفترض العام المقبل؟ لعله ببساطة لم يكن يقدر أن الظرف مناسب الآن حتى يفتح جبهات جديدة ويوسع لائحة خصومه الداخليين، ولعله يرغب أيضا بالتقليل من خسائره للحد الادنى الممكن، وان يحافظ على ثقة من بقي وفيا لطروحاته وأفكاره، ولعله لا يرغب كذلك بخوض حرب وهمية مع طواحين الهواء، بعد أن شدد المنسحبون في أكثر من مناسبة على ان خلافهم الوحيد معه كان خلافا سياسيا بحتا، وأنهم يكنون له كل التقدير والاحترام ولا يرغبون بالانسياق وراء حملات التهجم المجاني عليه. إنه يدرك جيدا أن صوت الفرقعة الإعلامية التي صاحبت إعلان تلك الاستقالة الجماعية أقوى من صوت الفرقعة التي حصلت داخل حزبه بالفعل.

وربما كان من الطبيعي أن ينتهز خصومه الداخليون الفرصة ليروا في ذلك حجة ساطعة على عزلته أو مؤشرا على فشله الانتخابي المسبق. ولكن ما الذي يعطي شأنا حزبيا داخليا زخما خارجيا ويجعله يتحول بسرعة البرق الى فصل آخر من فصول صراع المحاورالإقليمية؟ إن الجميع يعلم جيدا أن حزب الحراك الذي أسس قبل اربع سنوات فقط ليس من الأحزاب الكبرى في تونس، وهو لا يملك تمددا أو انتشارا أو قاعدة انتخابية واسعة تسمح له بأن يتصدر المشهد البرلماني أو السياسي. لقد ارتبط الحزب في أذهان التونسيين فقط بشخص مؤسسه، ولم يسمع معظمهم أن هناك أدبيات أو برامج أو حتى قرارات ومواقف خارج تلك التي كانت تصدر عن الدكتور المرزوقي مباشرة، أو من خلال صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي. وحتى قيادات الحزب كانت تعي جيدا أن الحزب هو المرزوقي والمرزوقي هو الحزب منذ اللحظة الاولى للتأسيس. ولأجل ذلك لم يكن مثل ذلك الوضع المختل وغير الطبيعي هو الدافع الاول والوحيد لتلك الاستقالات، بل ربما كانت حسابات الربح والخسارة السياسية هي المحرك الاساسي للعملية، عكس ما لمحت له بعض المصادر من أن الموقف من الاخوان أو من تركيا أو أي جهة اخرى كان وراء تلك القطيعة. والسبب ان المرزوقي لم يغير مواقفه التي عرف بها في فترة حكمه، ولم يتراجع بالخصوص عن مطالبته بإطلاق سراح الرئيس محمد مرسي، الذي لايزال يعتبره الرئيس الشرعي وباقي السجناء السياسيين في مصر، أو عن التنبيه للدور الخطير الذي تلعبه الامارات في إجهاض الثورات وهو ما يجعل كل ما ردده الإعلام المصري والإماراتي في الايام الاخيرة عن أن ما حصل للمرزوقي كان عبارة عن انتقام إلهي أو إصابة بلعنة للاخوان أو تركيا، نوعا من الشعوذة لا اكثر ولا أقل. وهنا لم يكن وصف اعلاميين مصريين للرئيس التونسي السابق قبل ايام فقط من تلك الاستقالات بالمعتوه والارهابي والاخواني، لمجرد أنه دعا الى تحرك واسع ضد الاحكام القضائية الجائرة الأخيرة في حق الإخوان المسلمين، سوى مقدمة لحملة الشماتة المصرية والاماراتية، في ما لحق حزبه من تصدع داخلي.

ولئن كان معروفا ان العبرة تبقى دوما بالخواتيم فلا احد باستطاعته ان يجزم بأن السحر لن ينقلب سريعا على الساحر، وأن العالم لن يسمع في القريب عن تفتت التحالف الاماراتي المصري، ربما بعد ان يثبت بعض المحللين البارعين ان ذلك حصل جراء اصابته بما قد تعرف لاحقا بلعنة المرزوقي!

كاتب وصحافي من تونس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية