ما الذي ستحمله زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس؟

ربما تساءل كثيرون في وقت سابق عما إذا كان هناك سبب آخر غير الذي فرضته جائحة كورونا، جعل الرئيس الجزائري يتأخر شهورا عديدة عن زيارة تونس. ولعل آخرين قد يتساءلون الآن بدورهم، عما يعنيه اختيار عبد المجيد تبون لهذا الظرف دون غيره حتى يقوم بتلك الزيارة، في ظل ما تعيشه الجارة الشرقية للجزائر من ظروف استثنائية، بعد الإجراءات التي أخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي وأدت إلى وقف عمل البرلمان، وحل حكومة هشام المشيشي، وما تلاها من قرارات أخرى، لعل أهمها ما تم الإعلان عنه مساء الاثنين الماضي، من تنظيم انتخابات تشريعية جديدة بعد عام.
ولا شك في أن جزءا من الجواب قد يكمن في أن الارتباط الواضح بين البعدين الظرفي والاستراتيجي في علاقة البلدين، هو ما يحدد وبدرجة كبيرة طبيعة تلك الزيارات المتبادلة من الجانبين، ويتحكم في أدق تفاصيلها، بما في ذلك ضبط مواعيدها.

الدول الغربية باتت تتخوف في حال ما إذا أقدم الرئيس سعيد، على الإعلان بشكل انفرادي عن قواعد جديدة لنظام سياسي آخر في تونس

وهذا الأمر ليس بالطارئ أو الجديد، بل لعله قد يعود إلى ما تكرس خلال السنوات الأولى لاستقلال الجزائر، قبل أكثر من ستين عاما، من أعراف وتقاليد في التعامل بين القيادتين، لكن الملاحظ هو أن التكتم الشديد من الجانبين التونسي والجزائري حول تحديد موعد تلك الزيارة، فتح الباب واسعا أمام كثير من التأويلات، بل دفع البعض حتى للحديث في بعض المرات عن وجود نوع من التحفظ الجزائري على بعض القرارات أو التوجهات، التي اختارتها السلطات التونسية بعد الخامس والعشرين من يوليو الماضي. ومن المؤكد أن المسؤولين الجزائريين ظلوا حريصين دائما، على الرغم من تأكيدهم على أن زيارة تونس ما زالت على جدول أعمال قصر المرادية، على عدم إعطاء أي تفصيل إضافي وإبقاء نوع من الغموض حولها. فبعد يومين فقط من وصول نجلاء بودن في زيارة رسمية إلى الجزائر في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، لم يجد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة من رد على سؤال صحافي استفسره عن موعد زيارة الرئيس تبون إلى تونس، سوى أن يقول له: «ستأتي الزيارة في أوانها». غير أنه وفي حال ما إذا صحت الأنباء التي نقلتها، الاثنين الماضي، بعض وسائل الإعلام المحلية في تونس، من أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سيحل يوم الأربعاء ضيفا على نظيره التونسي قيس سعيد، في زيارة دولة تستمر ليومين، فإن كثيرا من الضباب يكون حينها قد انقشع، بعد أن جاء الأوان الذي طال انتظاره. والمؤكد أنه متى ثبت ذلك، فإن اختيار التوقيت يكون هنا، وفي حد ذاته، معبأ بالدلالات ومحملا ببعد رمزي لا يخفى، بالنظر إلى الظرف الداخلي الدقيق الذي تمر به تونس في هذه الفترة، وما تجتازه المنطقة المغاربية بوجه عام من موجة من التوترات غير المسبوقة، في ظل حالة الغموض الشديدة حول مصير الانتخابات الليبية المقررة مبدئيا أواخر الشهر الجاري، وتواصل القطيعة بين الجارتين المغاربيتين الكبيرتين المغرب والجزائر، وما تسببه من شلل تام وإرباك عام في مسار أي عمل مغاربي موحد. والسؤال هو، ما الذي جعل عبد المجيد تبون يختار هذا الوقت دون غيره ليقوم بزيارة هي الأولى له لجارته الشرقية، بعد أن تعهد قبل ما يقرب من العامين، وبالتحديد خلال زيارة سعيد للجزائر في فبراير/شباط من العام الماضي بالقيام بها «فور تشكيل الحكومة التونسية بمعية وفد حكومي لمناقشة ما ينتظر التفعيل في قرارات الرئيسين» مثلما صرح به حينها؟ لا شك في أن الرئيس التونسي قد قطع الطريق مساء الاثنين الماضي، أمام كل التخمينات التي ترددت بقوة من أنه كان في طريقه لأن يعلن الجمعة المقبل عن انعطافة حادة في مسار البلد، بتزامن مع مرور أحد عشر عاما على قيام أيقونة الثورة التونسية محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه، ما أدى لإشعال شرارة الانتفاضة حينها على نظام بن علي، ثم ولادة ما عرف بالربيع العربي، وذلك بعد إعلانه عن قرارات إضافية قد تغير المشهد السياسي المحلي بشكل تام، من قبيل تواصل تعليق أشغال البرلمان، والإعلان عن تشكيل هيئة يعهد إليها بصياغة تنقيحات دستورية، بعد القيام بما سماها بالاستشارة الشعبية. وليس معروفا بعد كيف ستكون ردود الفعل المحلية والخارجية على ذلك. غير أن البيان الذي أصدره الجمعة الماضي سفراء الدول الأعضاء في مجموعة السبع المعتمدون في تونس، وأعلنوا في إحدى فقراته «التنويه بأهمية احترام الحريات الأساسية لجميع التونسيين، وبأهمية شمولية وشفافية عملية إشراك الأطراف المعنية كافة، بما في ذلك الأصوات المختلفة في الطيف السياسي والمجتمع المدني، مع تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل مؤسسات ديمقراطية، بما في ذلك برلمان منتخب يضطلع بدور مهم» لا يدع مجالا للشك في أن الدول الغربية باتت تتخوف مما قد تؤول إليه الأوضاع في تونس، في حال ما إذا أقدم الرئيس سعيد، الذي بات يمسك الآن فعليا بكل السلطات، على الإعلان من جانب واحد وبشكل انفرادي عن قواعد جديدة لنظام سياسي آخر في البلاد. ومن المؤكد أن مثل ذلك الأمر يشغل بال القيادة الجزائرية، التي يهمها أن تحافظ على حليفها التونسي، بالقدر نفسه الذي يهمها فيه أن تتجنب أي تداعيات أو تأثيرات قد يسببها أي انزلاق، أو تدهور أمني أو سياسي في جارتها الشرقية عليها. ولعل ما قد يعنيها أكثر من مجرد أن يحصل استقرار في تونس، هو أن لا يكون لقوى أو أطراف إقليمية ودولية دور في تحديد خياراتها وتوجهاتها في المرحلة المقبلة.
لقد كان الرئيس الجزائري واضحا في أغسطس/آب الماضي، أي أياما قليلة بعد قرارات نظيره التونسي حين قال في مقابلة مع وسائل إعلام محلية: «نحن مع تونس في السراء والضراء، والتونسيون يحلون مشاكلهم بأنفسهم، وهم قادرون على ذلك بدون ضغط. ونحن لا نقبل أبدا بأن يضغط عليها أي كان». وكان ذلك الموقف أقوى رد جزائري على ما تردد حينها من تصاعد ملحوظ للنفوذ المصري الإماراتي في قصر قرطاج، لكن ما الذي يمكن أن يقوله الرئيس تبون، إن قابل الآن نظيره التونسي، بعد أن ذكر في ذلك الحديث التلفزيوني أنه تلقى من سعيد معلومات عن الوضع في تونس، وأنه يمتنع عن الإفصاح عنها؟ وكيف سيتعامل الجزائريون مع التطورات التي حصلت وتحصل في جوارهم؟ لا شك في أنهم يرغبون بأن تجري ما يصفها الرئيس التونسي بعملية التصحيح الثوري بسلاسة وهدوء، ومن دون أي قلاقل أو اضطرابات. لكن إقصاء الإسلاميين ولو من خلال قرارات قد يصدرها القضاء في شأن حزب النهضة أو نوابه في البرلمان، قد لا يمضي، من دون أن يخلف ردود فعل داخلية، وربما حتى خارجية. والسؤال هنا هل يحمل الرئيس تبون معه وصفة ما، تسمح لتونس بالخروج الآمن من واحدة من أكبر وأخطر المنعطفات في تاريخها؟ سنرى.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ما العجب من الزيارة!
    دكتاتور يدعم دكتاتور !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    هذا يسانده العسكر, وذاك يسانده العسكر, وكلاهما يدعي التصحيح الثوري!
    كما هو حال طغاة العرب!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول بجاوي:

    مقالاتك يا نزار دائما في القمة شكرا لك .
    بالرغم من تداول الرؤساء في تونس و الجزائر منذ الاستقلال الا ان علاقات البلدين لم تتأثر لأن الشعبين يحبان بعضهما البعض وساقية سيدي يوسف وحدها كافية .

  4. يقول سعيد المغربي:

    فاقد الشيء لا يعطيه..تبون مجرد واجهة لنظام عسكري ليس بينه و بين الديموقراطية إلا ” الخير و الاحسان”..و سيزور تونس كحامل حقيبة شنقريحة..اذا، باستثناء الاعلام الذيسيهلل و سيطبل لزيارة فخامة رءيس الجزاءر لفخامة رئيس تونس، لا شيء ينتظر..

  5. يقول أسامة حميد -الصحراء المغربية:

    للإخوة التونسيين حذار من محولات التغرير بكم الأكيدة لجركم إلى مربع العداوة للمملكة المغربية. فمن خلال تجاربنا السابقة مع دبلوماسية النظام الجزائري نكاد نجزم أن ملف الصحراء المغربية سيكون حاضراً كأهم هواجس هذا النظام الذي لا يفارقه في الحل والترحال. فحذار من الوقوع في المحذور ولو بالإيحاء . سننتظر صدور البيان الختامي للزيارة ولكل حادث حديث. مع التحية للشعبين الشقيقين التونسي والجزائري.

  6. يقول علوان:

    تشبت غريق بغريق تونس في حالة انهيار والجزائر في حالة انتظار والكل يعول على الآخر لانقاده نظام العسكر يعتبر تونس كقاعدة لتصدير ما يمكن تصديره وتونس تعول على التمويل الجزاءري لعلها تخرج من ازمتها والكل يعرف ان لا تونس تريد ان. تصبح قاعدة خلفية لجنيرالات العسكر ولا الجزاءىر تريد تمويل التوانسة في خلق الثروة والشركات الصغيرة والمتوسطة والباقي هو نفاق لا يمكن ان يستمر لان ما بني على باطل فهو باطل

إشترك في قائمتنا البريدية