نهاية محنة الأمهات المغربيات مع جواز سفر أطفالهن

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: يتذكر المغاربة جيدا قبل عام تقريبا، عندما غالبت الدموع الممثلة الفنانة جميلة الهوني خلال حوار تلفزيوني في برنامج فني، وهي تسرد قصة قضيتها القديمة/ الجديدة، التي تعود إلى شهور خلت، المتمثلة في حرمان نجلها من طرف والده، وهو زوجها السابق الفنان أمين الناجي، من السفر إلى الخارج والتسجيل في مدرسة جديدة بسبب الوثائق الإدارية.
مرت الأيام والشهور ولم يعد أحد يتذكر القصة أو يطرح أسئلة مثل ماذا كان نصيب ذلك الطفل من خلاف والديه، وهل حصل على وثائقه الثبوتية وهل وافق والده على ذلك وهل تمكن من تحقيق حلمه بالسفر؟
الأكيد أن والدته تعرف جيدا التفاصيل لأنها تعيش محنة ابنها يوميا وترى أحلامه تتكسر على صخرة «موافقة الأب» الصلبة، من أجل إنجاز جواز سفر والتأشير لابنها من طرف والده بالسفر لتحقيق حلمه كيفما كان فهو يستحق المحاولة.
الخلاف بين الأم والأب له أسبابه ولكل طرف روايته وجانبه من القصة، لكن حكاية الابن واحدة لا تأويل فيها وهي حالة تأجيل دائم لأحلامه وآماله وحتى الإحساس بالأمان الذي كان من المفروض أن يشعر به كلما تعلق الأمر بأحد الوالدين وليس العكس الدخول في المشاحنات وتتبع تفاصيل المحاكمات.
تلك حكاية واحدة بطلها أم فنانة مشهورة حركت مشاعر الجميع وتضامن معها الرأي العام والجمعيات الحقوقية، لا لشيء سوى أن الوارد في سرديتها هو أمر واقع لدى العديد من الأمهات اللواتي عانين الأمرّين من أجل استصدار جواز سفر لأطفالهن في غياب موافقة الأب، واضطررن لخوض ماراثون متعب من أجل ذلك ومنهن من هزمتها المسافات الإدارية والجري هنا وهناك واستسلمت وبقي الأبناء دون سفر ومنهم من حرم رؤية وطنه.

محنة الطواف
بين ردهات الإدارات

اليوم اختلف الأمر، منذ الجمعة 15 آذار/مارس 2024 لم تعد الأمهات المغربيات المقيمات في الخارج مطالبات بالحصول على إذن الأب للحصول على جوازات سفر لأطفالهن القاصرين أو تجديدها، لتنتهي معها محنة الطواف بين ردهات الإدارات والمحاكم أيضا، وتنتهي قصص كانت خاتمتها حزن بفرح وزغرودة أطلقتها الأمهات المغربيات ومعهن جمعيات حقوقية نسائية وغيرها.
بعد هذا التاريخ المذكور، أصبح لا حديث في صالونات الواقع وعلى الصفحات الافتراضية في منصات التواصل الاجتماعي، إلا عن تمكين الأمهات من إصدار جوازات سفر لأبنائهن دون حاجة إلى موافقة الآباء.
الخبر الذي تلقفته الجمعيات النسائية المغربية بكثير من الترحيب، رغم أنه يتعلق بالأمهات المغربيات المقيمات في الخارج يعني المغتربات، جاء على شكل إعلان لكل من قنصليات المغرب في نيويورك وفالنسيا وجزيرة مايوركا وتورينو، يفيد بتمكين الأم من استخراج أو تجديد جواز السفر الخاص بأبنائهن دون الحاجة إلى موافقة الأب، إلا في حالة وجود قرار قضائي صادر بهذا الخصوص ويحول دون ذلك.
الخطوة التي اعتبرتها الجمعيات الحقوقية إنصافا للأمهات والأطفال خاصة الذين يكابدون المعاناة مع العوائق القانونية بخصوص إنجاز الوثائق الثبوتية التي تيسر العودة إلى الوطن، جاءت بناء على دورية لوزارة الداخلية إلى المحافظات والأقاليم بخصوص جوازات السفر البيومترية حيث «أصبح للمرأة المغربية الحق في إنجاز أو تجديد أو سحب جوازات السفر لفائدة أبنائها القاصرين دون موافقة صريحة مسبقة من الأب، ما لم يكن هناك حكم قضائي يعارض ذلك».
السؤال الذي يتردد لدى الرأي العام النسوي المغربي، هل الأمر متعلق بالأمهات المقيمات خارج أرض الوطن، ما دامت الإعلانات صادرة عن قنصليات، أم أن الأمر يشمل جميع الأمهات المغربيات، لأنه عبارة عن دورية لوزارة الداخلية، علامة الاستفهام لم تثر شهية الكثير من النساء للتعليق عليها، لأنهن انخرطن جميعا بهيئاتهن وجمعياتهن الحقوقية في الاحتفاء بهذا المعطى الجديد الذي جاء على بعد خطوات من إقرار تعديلات جديدة على مدونة الأسرة (قانون الأسرة) وما تصاعد من نيران الجدل حول قضايا خلافية عدة ما زال الحسم فيها قيد الدرس، لكن لا يبدو أن جواز سفر الأطفال سيدخل باب الخلاف لأنه مسألة تفضيل مصلحة الأبناء أولا.
مدوّنات كتبن في «الفيسبوك» أن محنة المناشدات والحكايات المؤلمة لأطفال لم يجدوا طريقا لتجديد جواز السفر أو استصداره وبقوا خارج أرض الوطن لسنين، ستنتهي، ومعها تنتهي كل المآسي التي تتزاحم على ضفاف هذا المشكل.
الذي لا يعرف قيمة هذه الخطوة القانونية الأساسية، عليه أن يكون امرأة وأمّا ليعرف أن المادة 230 من مدونة (قانون) الأسرة تمنح حق الحضانة للمرأة في حالة الطلاق والحضانة المنتظمة للأب، الذي يظل هو الممثل القانوني الوحيد للأطفال، وتعتبر موافقة الأب ضرورية لإصدار جواز سفر للطفل القاصر، وفي حال رفضه ذلك، على الأم بداية ماراثون من أجل الحصول على قرار من الجهة القضائية المختصة لتتمكن من طلب إصدار جوازات السفر لأولادها، وفي ذلك الكثير من المواقف والمشاهد والقصص والمحن التي نسجت على ضفاف ذلك الرفض الصغير الذي يقرره الأب في لحظة ما ولأسباب يعرفها وحده.
المشهد الإعلامي المحلي احتفى بالخبر ورحب بالخطوة، وكان حاضرا في سياق النقاش والتحليل حول هذه البادرة التي قد تعني تغييرا في مدونة الأسرة وبالتالي فهي بشارة خير على أن القادم أفضل فيما يتعلق بحقوق النساء الأمهات من داخل أو خارج بيت الزوجية.

تمكين المرأة من حقوقها

الصحافية المغربية حجيبة ماء العينين استهلت تصريحها لـ «القدس العربي» بالتأكيد على أن هذا الإجراء ليس بالأمر المفاجئ، إذا ما تأملنا في الإنجازات الكبيرة التي تم تحقيقها بالمغرب انصافا للمرأة التي لطالما دافع عنها العاهل المغربي محمد السادس، من جهة، وقوة الحركة النسائية المحلية من جهة أخرى، وعلى اعتبار أن المغرب قطع أشواطا كبيرة من أجل تمكين المرأة من حقوقها.
وبالنسبة لحجيبة ماء العينين، فإن هذه الخطوة «طبعا مهمة جدا، وتأتي في إطار تبسيط المساطر بالنسبة للأمهات سواء متزوجات أو مطلقات وهو الأمر الذي كان يحول دون تصرفها في العديد من الأمور التي تتعلق بوثائق الأطفال».
وأوضحت أنه «جميل جدا أن نراعي مصلحة الأطفال والقرار يصب في مصلحتهم أولا» كما أنه يأتي «تتويجا للانتصارات التي تسعى إليها الحركة النسائية في المغرب ويحد من معاناة النساء اللواتي يعشن مشاكل حقيقية مع وثائق أبنائهن».
وبعد أن عبرت عن فخرها واعتزازها كأم «بهذه الخطوة المهمة» أبرزت حجيبة ماء العينين، أن «القرار طبعا يأتي في ظل هذا النقاش المفتوح دائما حول تعديل قانون الأسرة بالمغرب حيث تطالب طبعا المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني بتعديل يضمن المساواة في الوصاية القانونية على الابناء بين الأب والأم».
مشكل الوصاية القانونية كانت تشكل العائق الأكبر أمام الأمهات، لذلك فقد وصفت الحقوقية والمحامية فتيحة اشتاتو، الخطوة بـ«المبادرة المهمة وتحول في التعامل مع قضايا النيابة القانونية» لأنه «قبل صدور هذا المنشور عانت النساء أو الأمهات من هذا التمييز» ولم تتحدث عن المعاناة بصيغة الماضي فقط، بل ألحقت بها حتى وقائع حديثة، وذلك في ظل مدونة تنص على المسؤولية المشتركة بين الزوجين.
وبالنسبة لعضو «فيدرالية رابطة حقوق النساء» فإن ما نصت عليه مدونة الأسرة بخصوص المسؤولية المشتركة بين الزوجين، «كان يجب أن تكون في إطار المساواة بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، وأن تستمر بعد انحلالها، إلا أن هذا الحيف والتمييز أكد بأن المدونة لم ترق إلى ما كنا نصبو إليه من مساواة في الحقوق، في الوقت الذي تكون فيه الحضانة للأم، ولكن تحرم من النيابة القانونية».
وشددت المحامية فتيحة اشتاتو في تصريحها لـ «القدس العربي» على أن «منشور وزارة الداخلية مبادرة جيدة قد تكون في اتجاه تغيير في المدونة التي ستخرج قريبا» وعبّرت عن أمنياتها في «أن يكون التغيير بواسطة القانون، بواسطة مدونة واضحة ترفع الحيف والتمييز والمعاناة عن النساء».
وحسب اشتاتو، فمن الضروري «تدخل المشرع المغربي لحماية المصلحة الفضلى للطفل، التزاما بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، على غرار اتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» وخلصت إلى أن الأسرة المغربية اليوم تطورت والمجتمع كذلك، وبالتالي فإن النص القانوني بدوره يجب أن يواكب هذا التطور.
للانكباب على الموضوع من زاوية حقوقية ومعرفية، تلمست الكاتبة والحقوقية مارية الشرقاوي طريق التحليل من خلال الحديث عن كيفية استقبال هذا الخبر، وكيفية تحصينه حقوقيا واجتماعيا، ثم الإجابة على سؤال الأثر الإيجابي على الأسرة.
بداية «خبر إصدار وزارة الداخلية لهذه الدورية لا يمكن أن أستقبله إلا بالتثمين» توضح مارية الشرقاوي، لأنها «خطوة إيجابية تبسط هاته المسطرة التي كانت قبلا معقدة وعانت منها شريحة واسعة من الأمهات بسبب تعنت الأب بعدم الموافقة الغرض منه غالبا تصفية حساب مع الأم الحاضنة والمآل تغييب المصلحة الفضلى للأبناء القاصرين وضربها عرض الحائط».
تتوقف مارية الشرقاوي برهة عند معطى التعنت والرفض، لتؤكد أنه «من الضروري حين إصدار القرارات وتشريع القوانين يتوجب استحضار المصلحة الفضلى للأبناء القاصرين، ففي ظل المسطرة السابقة كان على الأم الحاضنة الحصول على موافقة الأب وفي حال رفضه كان مفروضا عليها التوجه للقضاء وتقديم طلب والحكم يكون إما بالرفض أو القبول، الآن حلّت هذه الإشكالية التي أعتبرها حسب رأيي غريبة إلى حد كبير، فكيف يعقل أن تكون الحضانة عند الأم لكن التصرف في مصالح الحاضن تبقى وقفا على موافقة الأب؟» سؤال بصيغة التأكيد لا ينتظر إجابة بقدر كشفه لتفاصيل غاية في الأهمية.
قبل أن تتماهى مارية الشرقاوي مع الجوانب الإيجابية للخبر، استطردت قائلة «لكن حتى لا نرفع سقف تثمين قرار وزارة الداخلية كثيرا في هذا الموضوع، يجدر التنبيه إلى أمر مهم جدا ولا يجب تغييبه فهدا الإجراء لا يسري على الحالات التي يصدر فيها حكم قضائي يعارض ذلك وطبعا التي يتقدم بها الأب، وهنا أقول من الضروري تحصين هذا المكتسب بل تجويده أيضا من خلال التعديل المقبل عليه المغرب فيما يخص مدونة الأسرة بحيث تصبح الولاية من حق الأم أيضا كما هي من حق الأب دون تمييز كما حدث في مدونة الأسرة الحالية من خلال المادة 236 التي نصت على ما يلي: الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب».
بالنسبة لمارية الشرقاوي، فإن «هاته المادة التي كانت مجحفة في حق الأم الحاضنة وتعامل من خلالها المشرع بتمييز كبير أعطى من خلاله السمو والقدرة للأب على الأم الشيء الذي أعتبره مضحكا مبكيا في الحين ذاته، فكيف يمنح المشرع الحضانة للأم، وفي نفس الوقت يحرمها من حق التصرف في مصالح أبنائها، لذا، إذا أردنا حقوقا كاملة غير مجزأة يلزمنا الجرأة في التشريع وهذا ما نعول عليه من خلال تعديل مدونة الأسرة وتصبح الولاية من حق الأم كما هي من حق الأب، فمصلحة الطفل أسمى من كل مزايدات».
الأكيد أن الخبر يشكل تحولا كبيرا خلق نوعا من التفاؤل أو أعطى إشارات على أن التغييرات المقبلة في مدونة الأسرة تحمل الكثير من الإيجابيات لصالح الأسرة أولا وتنصف الأم ثانيا وتساوي في المسؤولية القانونية بينها وبين الأب، أما المواضيع الأخرى التي بلغ الخلاف بشأنها درجة حادة وشديدة الانفعال بين أنصار الحداثة والتيار المحافظ، تبقى قيد الدرس والاجتهاد بعد مشاورات موسعة فتحت فيه الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة الباب أمام كل الأحزاب والهيئات والجمعيات بكل ألوانها وأطيافها.
إلى ذلك الحين تنتشي الأمهات المغربيات بنصر «أخضر» على لون جواز السفر الذي طالما شكل حاجزا عاليا جدا لا يمكن تجاوزه إلا بقفزة معينة من الوالد، وإن رفض فالعثرة هي المآل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية