مسلسل «الحشاشين»: دراما الظاهر والباطن من الشباب للشيب

ما من أمور خيالية في النص الدرامي لمسلسل «الحشاشين» وإنما هي السجلات التاريخية في غالبها تركت شخصية «حسن الصباح» في غموض غير ظاهر بالتفصيل الممل، كما بناها السيناريست عبدالرحيم كمال، وقد تحولت شخصيته في هذا العصر الحديث إلى لعبة إلكترونية، اكتسحت جيل الشباب المدمن على الألعاب الاقتتالية. إلا أن عبدالرحيم كمال، استطاع فتح سيرته عربياً باعتباره فكرة، والفكرة تتطور وتكتسي عدة تصورات، وأحداث وحتى بدايات ونهايات وعقدة عصية على الفهم، لتكون الأحكام عليه ذهنية درامية وتاريخية قبل ذلك، وضمن السرد الأكثر جاذبية درامياً حتى الآن عربياً وغربياً.
كما أن فهم سيرة الإمام الغزالي الذي واكب عصره عصر الصبّاح، وأيضاً الشاعر عمر الخيام، الذي لعب دوره الفنان اللبناني نيكولا معوض، وهو الأكثر إثارة للاهتمام لما يعني الفكر في زمن التعصب المذهبي قبل الديني، لما يسمى الفرق الباطنية المختلفة في العالم الإسلامي. فالقتل هو رفيق الأوهام التي تتغذى من مبدأ ظلامي يبث الأفكار المحصورة في رأس القتلة، الذين أرسلهم الصبّاح الذي يقوم بدوره الفنان كريم عبدالعزيز الهادئ والمتزن في التعبير عن هذه الشخصية المعقدة تاريخياً، وبأسلوب دراماتيكي جذاب، لا يقل أهمية عنه الفنان فتحي عبدالوهاب، الذي يقوم بدور نظام الملك. فهل الانقسام الإسلامي ما بين مذاهب وفرق يعود إلى الأصول النزارية في مسلسل فتح تاريخ «حسن الصباح «أمام الجيل الجديد؟ وهل العودة لتاريخ نشأة النزارية، وهم الفرع الخاص من الإسماعلية هو جدلية لا تنتهي قادها حسن الصبّاح الذي قام بتدريب مجموعات صغيرة من الفدائيين الذين يضحون بأنفسهم من أجل حلم الجنة الذي أنشأه الصبّاح؟
التلقين القوي الذي انتهجه الخيام قدّمه عبدالرحيم كمال، بمنطق الفكر النقدي خاصة في الحلقة الرابعة «في ظني الأفضل أن لا تواجه العلماء يكفي أن تشوه صورتهم أمام الغلابة والمساكين فقط» فالحوار في مسلسل «الحشاشين» لم يخرج عن منطق الشخصيات الغريبة الأطوار، مثل شخصية حسن كامل الصباح، أو الشاعر عمر الخيام، وحتى نظام الملك « لفتية عاشوا الطفولة وتعاهدوا على عهد حنث به حسن الصبّاح، وما بين السلجوقيين والصليبيين كانت فرقة حسن الصبّاح، والأجمل كانت جلسات الإمام الغزالي مؤلف كتاب «المنقذ من الضلال» خاصة في الحلقة الخامسة التي شرح فيها معنى نصف جاهل، ومعنى الباطنية وأسباب اتباعها والحفاظ على العهد في الحلقة السادسة وخيانة الصباح لنظام الملك، «لو في ثلاثة من حسن الصبّاح لما كان هناك دولة كما دولتكم» إلا أن التكتيك العسكري للصباح خرج عن المعهود عندما بدأ بإرسال الفدائيين لتنفيذ اغتيالات أرهبت السلجوقيين، وحتى الصليبيين عندما رمى جندياً بنفسه من أجل حسن الصبّاح من سور القلعة. فهل فعلا كانوا تحت تأثير نبتة الحشيش التي تمنحهم قوة في وهم يعشش في أدمغتهم ويعيشون من خلاله حلم الجنة؟
ما بين الخيال والواقع التاريخي، والاختلافات العميقة بين المؤرخين في حقيقة الأمر لعب عبدالرحيم كمال، على الصور الذهنية في شخصية عمر الخيام لتكون هي القضية الميزان ما بين الكاتب والمشاهد، وحتى ما بين الكاتب والناقد وما تشكّله من قيود اجتماعية ودينية هذه الطائفة التي زرعت الإرهاب في العصور الوسطى ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر مع تشكيل صورة الإرهاب في القرن العصري الحالي أو الإسقاطات المجازية من خلال إعادة تشكيل الصورة في دراما لم تنحرف في الحقائق الأساسية من شخصية الصباح أو عمر الخيام، ما يتيح لنا أن نفهم التشكيلات الإرهابية في عصرنا، وهو ليس بظاهرة حديثة والانقسامات في أصل المذهب الواحد، وليس إسلاميا فقط، وإن لم يخرج عبدالرحيم كمال عن المنحى التاريخي للصبّاح، ولم يتوغل بعمق في علاقته مع الصليبيين إلا بتلميحات لضرورة السرد التاريخي في مسلسل سخي الإنتاج وعميق في المشاهد التصويرية التي فتحت العدسة على مدى بصري زاد من قيمة كل حلقة خاصة المشاهد الخارجية، وهذا لا يعني أن الموسيقى التصويرية التي قدّمها التونسي أمين بو حافة، لم تتناغم مع الحركة التمثيلية داخل كل لقطة ومع الصوت الذي حافظ على وتيرته الفنان كريم عبدالعزيز، ليصبح بحد ذاته نغمة يدمنها السمع ولا يقل أهمية عن ذلك صوت الفنان فتحي عبدالعزيز أو نيكولا معوض، ليكتمل كل هذا مع تتر البداية، وهو قصيدة للشاعر عمر الخيام بصوت وائل الفشني، بل أدخلنا أمين بوحافة، بموسيقاه إلى عمق عصر الحشاشين وفي الوقت نفسه عصر الشاعر عمر الخيام، والانقسامات في واقع درامي مفتوح على الارتباك السياسي، ما بين التسلل إلى داخل بلاط السلطان وقتل ابن حسن الصباح، عبر يده اليمنى وأمين أسراره برزك أميد، وتزعزعه بعد ثقة كبيرة بنفسه. فهل صراعات المنطقة في ذلك العصر تشبه صراعات عصر عشناه ويتبع ذلك؟ أم أن قفزات الحلقات الأخيرة كانت من الممكن أن تتوسع، لتصل إلى جزء ثانٍ من هذا المسلسل، الذي أدخلنا في عصر درامي يجعلنا نتفاءل بكتّاب سيناريو، وسخاء إنتاجي يجعلنا ندخل العالم فعلياً بدراما تاريخية؟ فهل فكك عبدالرحيم كمال غموض طبقة باطنية محاطة بهالة أسطورية سوداء؟ أم أنه سيكمل في الحشاشين تلك الطائفة التي أثارت الكثير من الجدل التاريخي؟

كاتبة لبنانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية