أصحاب الأرض في الترويدة الفلسطينية الخاصة بدراما مليحة

اندمجت المصطلحات الدرامية في مسلسل مليحة للمخرج عمرو عرفة، بين حكاية الحرب الصهيونية على الفلسطينيين أصحاب الأرض عبر المعنى الذي جاء على لسان الفنانة أصالة نصري في الترويدة التي اختصرت المسلسل بأكمله والمسماة بالمولالاة، ومنحت تتر هذا المسلسل نوعاً من تاريخ الترويدة الفلسطينية الذي ينعش الذاكرة، في محاولة لفك شيفرتها. ليجعلنا بشكل مباشر أمام الفن المشفّر الذي يصل للقلوب للتفكّر بقضية شعب استطاعت النساء فيه استنباط الترويدة، التي يمكن لها أن تصل للكثير من الناس، إن بلحنها العذب، أو بالرسالة القوية التي تحملها، خاصة في ما جاء في نهاية الترويدة «ثبت جذورك في التراب فأنت باق ها هنا/الأرض أرضك يا فتى هذه البلاد بلادنا/هم جهلة لا يعلمون بأن وطنك خالد /فاصمد ورابط واحتسب إنا وراءك كلنا/ كم من شهيد قدموا أرواحهم من أجل تحقيق اليقين/ يا صاحب الأرض اعتصم فالأرض عرض المتقين».
والترويدة بحد ذاتها نسبة كبيرة من العالم لا يعرفها، رغم أنها جمالياً تختزل احتلال إسرائيل الأرض الفلسطينية، فهل البروباغندا المصرية في هذا المسلسل هي لفهم أهمية معبر السلوم والباب المصري وحمايته، لكيلا يكون المعبر دخول لمخربين قد تُنتقد مصر في إغلاقه. أما البناء الدراماتيكي في الحرب الصهيونية على فلسطين عبر هذه الدراما اتخذت لونا فلسطيناً عربياً في أحداث تشاركت فيها ليبيا ومصر، كمثال بارز على نقاط العبور التي استهدفها الصهاينة في حربهم على غزة، فهل انتفاضة عام 2000 للشباب تعيد الذاكرة لنكسة 1967، أم أن وثائقية الحكاية بلسان الفنان سامي مغاوري بدور الجد، الذي يحكي الحكاية للحفيد هي للحفاظ على الاتساق السردي الذي استكملته الفنانة ميرفت أمين، عبر حضورها المحبب جماهيرياً، لتجذب أصحاب الأرض أمام الواقع المصري، وما قدمه عبر معابره من دعم للقضية الفلسطينية، وما حدث في ليبيا وغزة، أو ما يحيط بهما. فهل مليحة هي الخطاب السياسي الاجتماعي، دون كبت في مرموز بدأ بتتر، أو ترويدة أصحاب الأرض التي كانت تُغنى تراثيا من أيام العثمانيين في الثورات والحب، وما تحمله من رمزيات كثيرة لو فككناها لاحتجنا لمقال خاص بالترويدة، فماذا عن أغاني نساء فلسطين المشفرة، التي تخضّ السمع لإثارته في اكتشاف معناه؟ وماذا عن خاصيتها الفلسطينية كالأرض التي نزح عنها أصحابها؟
حكاية موضوعية بعيداً عن الخطأ الذي حدث في البداية، إلا أن الجانب الوثائقي فيه نجح في تسجيل الموقف السياسي والاجتماعي للحرب الفلسطينية من وجهة نظر مصرية برؤية وثائقية ارتبطت دراميا بخصائص مختلفة مفتوحة الرؤية للإمساك بالعقل النقدي الشبابي لقضية هي لأصحاب الأرض، الذين تم تهجيرهم بقساوة ، وبملاحقتهم عبر الزمن الحديث إلى الدول المجاورة التي يسكنونها في مخيمات لم تُرحم فيها مليحة الممرضة الفلسطينية، التي خرج أهلها من فلسطين إلى ليبيا، لتخرج هي ابنة الجيل الجديد إلى مصر عبر معبر سلوم، ومع ذلك عادت إلى غزة وعاشت انتهاكات حرب غزة بأسلوب تمثيلي خفيف، غير معقد مشهديا، رغم صعوبة حرب غزة الحالية، وبشخصيات تؤكد على أهمية ما تعيشه القوات المصرية على المعابر، وهي تؤمّن حماية من يعبر إلى الأراضي في السلوم بالاتجاهين، فمعبر السلوم الذي وضعه المسلسل في المشاهد الأولى هو المعبر الحدودي البري المصري الذي يقطع الحدود المصرية الليبية ويربط بين مصر وليبيا، ويقع بالقرب من مدينة السلوم المصرية، فالتقاطع في الخيوط الدرامية تأرجح بين وثائقية الحكاية التي بدأت في التهجير الفلسطيني والاحتلال الشبيه نوعاً ما، بما حدث لمليحة ومرارة اغترابها، وإيمانها بالعودة لأرضها، فهي من أصحاب الأرض ومن نساء الترويدة. فهل دياب هو لسان القوات المسلحة المصرية لحدث ربما يجهله الكثير من المصريين قبل العرب في دول الجوار، لأهمية حماية معبر السلوم والمعابر الأخرى وخوفا على الفلسطينيين أنفسهم؟
لا يمكن لمسلسل «مليحة» أن يدخل السباق الرمضاني في 2024 لأنه يقدم دراما وثائقية وبتتر مرضي سمعياً وبصرياً، ويثير الغرابة وحب اكتشاف المعاني فيه، وهو فكرة وإخراج عادل رضوان، لهذا الفيديو كليب الذي اعتمد فيه على ثلاثية بصرية الأولى تبدأ بالسيدة العذراء، وهي تحمل المسيح في مهده في إشارة لمذابح الأطفال وإخفاء السيدة العذراء للمسيح بعيداً عن عيون الأعداء. وفي الثانية لوحة الصلاة الأخيرة لجيروم عام 1883 في تجسيد للحظة الموت، وفي ثالثها هجرة الفلسطينيين في نزوح جماعي نحو البلاد العربي المجاورة. فماذا عن الرسالات الأخرى التي تحملها هذه الترويدة في الكلمة والمشهد، أكثر مما تحمله دراما «مليحة» تمثيليا؟ وهل التتر والحكاية الوثائقية هما لتلطيف النوع الدرامي في هذه الدراما التي تلقي الضوء على دور مصر في الحكاية الفلسطينية؟

كاتبة لبنانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية