في فيلم «الابتسامة»: الأسرار النفسية المدفونة في ابتسامة شريرة

تبلغ الهلوسات ذروتها في فيلم «الابتسامة» Smile التي تتخذ منحى غريبا حيث يظهر الماضي الذي يتم دفنه في النفس فجأة، وبنبرة نفسية أتقنها المُخرج باركر فين وإن ضمن ميزانية متوسطة إنتاجياً، إلا أنه أستطاع إيصال مساوئ الأسرار النفسية المدفونة في ابتسامة شريرة تثير الكثير من المفاجآت المقلقة والمخيفة. فالصحة العقلية تُشكل نوعا من التساؤلات في هذا الفيلم الذي يقدم لنا رؤية عن الصحة النفسية عند الأشخاص من حولنا، وحتى صحتنا النفسية الذاتية وما نخفيه من صدمات نفسية في الطفولة، التي تخرج فجأة وتفجّر السلبيات التي نتجت عن حدث كبير في الطفولة تأثرت به النفس ودفنته في العمق. إلا أن أي حدث نُصاب فيه بطفولتنا هو بحاجة للإفصاح عنه، فما هو مرتبط بالصدمة قد يُسبب صدمة أكبر، ولا يمكن أن نتوقع النتائج ما لم نواجه مشكلاتنا، فلماذا يتم تهميش المرض النفسي عند الأطباء أنفسهم، أو حتى عند من يرفضون الإفصاح عما في أنفسهم من صدمات يخفونها بعيداً عن مجتمعات لا تهتم بما في النفس التي تعاني بصمت، ما يتسبب في الكثير من الأوجاع المجتمعية؟
الابتسامة وتناقضاتها مع الدكتورة النفسية «روز كوتر» التي تمثل دورها الممثلة سوزي بيكون المصدومة مما حدث مع مريضتها النفسية التي تسببت في إظهار ذكرياتها الطفولية، حيث انتحرت أمها أمامها، والمصابة باكتئاب شديد، وبرؤى شديدة التعاسة، وتثير الشرور في نفس المريضة نفسياً، الهاربة من رؤى كابوسية لا يشعر بها إلا المصاب بهلوسات الخوف، فقد استطاعت سوزي بيكون إظهار فاعلية الحبكة الدرامية التي تعتمد على مبدأ الصدمات النفسية، ورداتها الانعكاسية الغارقة بالخوف المسبب للمزيد من الرعب، وبقوة قد لا يمكن التحكم بها، ما لم ندركها مبكرا لنعالجها قبل أن تجعلنا نصل إلى الانتحار. لنستكشف معها الغموض النفسي الذي يلف أصحاب الأمراض النفسية واستهانة المجتمع بمصابهم، ومعاناتهم وهم برؤاهم الكابوسية يعيشون الحزن الذي ينمو ويكبر. ليصل إلى الاكتئاب فالانتحار، والأهم من كل ذلك عدم تصديق المجتمع لهم، أو فهم ما يشعرون به ليصلوا إلى الانتحار، وكأن الانتحار هو مرض وراثي بينما هو انفجار نفسي مباغت غير متوقع يحدث فجأة عند من يدفنون صدماتهم الطفولية في أنفسهم إلى أن تنقطع شعرة معاوية التي تمسك بالحدث المأساوي والذهاني في مساره النفسي. فالمؤلف والمخرج باركر فين فكك شخصية المنتحر ومنحها تسلسلا مكبلا بما قبل وما بعد، وكل ذلك مرتبط بصدماتنا القوية وقدرتنا على دفنها، إلا أن هذا لا يعني أننا نتعافى من صدماتنا تلقائيا دون مساعدة من يحيطون بنا، فالأخت التي استنكرت أفعال اختها وزوجها كانا السبب في زيادة الإحساس بالاكتئاب، وقد أدى بها في النهاية الى الانتحار، بعد فهم ما حدث لها في طفولتها بعد فوات الآوان. فهل يُشكل فيلم «الابتسامة» نوعا من الرؤية الصحية لمن نراهم يبتسمون وهم يعانون من كوابيس تؤدي بهم إلى الانتحار؟ إن السعي وراء فك لغز المسببات الأولى للانتحار، أو القيام بسلوك سوداوي يمكن من خلاله فهم معنى السوداوية التي جسدتها الممثلة سوزان بيكون، التي استطاعت بتعابيرها إيصال المعنى النفسي للمشاهد بمقدرة تمثيلية معقدة، فككتها تدريجيا كطبيبة ومصابة بصدمة نفسية في طفولتها، جعلتنا نفهم كيفية فصل الكآبة عن الحزن، وتأثير الأفكار التي نحاول من خلالها استكشاف ما حدث مع الكثيرين ممن انتحروا بغموض مطلق، ولم نفهم حتى ما في أنفسهم، فهل الكآبة تصيب أصحاب البنية النفسية الهشة؟ أم أن المرض النفسي هو الحدث الحقيقي في الحياة الأبرز والذي يجب فهمه كي لا نظلم ولا نُظلم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية