محاور «مساندة غزة» منضبطة تحت مسمّى «إعطاء الفرصة» وتنتظر مصير عملية رفح لتحديد انعطافتها

رلى موفَّق
حجم الخط
0

ثمّة تطوُّر بطيء في مساعي التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة. متابعون يراهنون على حدوث خرق قبل نهاية شهر رمضان ولا سيما في ظل مرونة طاولت مقترح حماس الأخير نتيجة ضغوطات مورست من قبل الوسطاء وكذلك على الوسطاء. تعبير «المرونة» الذي تستخدمه حماس يعكس أولاً تنازلاً عن مطلب الوقف الدائم لإطلاق النار كشرط أساسي للهدنة وصفقة تبادل الرهائن، عبر ترحيل مناقشته حتى المرحلة الثالثة من الاتفاق، ما يعني تلبية شرط إسرائيل بإطلاق سراح عدد كبير من الرهائن مقابل هدنة مؤقتة في المرحلة الأولى، وليس إنهاء القتال «بشكل نهائي» الذي يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ووفق المعلومات، تشمل «المرونة» ترحيل مطالب تتعلق بمحددات الوضع في شمال القطاع إلى المراحل التالية، وتقديم «ورقة حسن نيّة» ترتبط بالمجندات الرهائن لدى حماس. حتى الساعة لا يزال نتنياهو يرفض المقترحات ويرفع سقف مواقفه حول ضرورة الهجوم العسكري على رفح، آخر معاقل حماس في القطاع. وكان آخر تأكيد له بعد لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والذي شارك في مجلس الحرب، إذ قال: «لا سبيل أمامنا لهزيمة حماس من دون الدخول إلى رفح والقضاء على كتائبها المتبقية هناك»، مضيفاً: «أخبرته أنني آمل أن أفعل ذلك بدعم من الولايات المتحدة، لكن إذا لزم الأمر، فسنفعل ذلك بمفردنا».

واشنطن تمارس ضغوطات قوية

موقف بلينكن، والذي كان قد لمّح في مقابلة تلفزيونية عن مطالب لحماس يمكن تنفيذها وفجوات باتت تضيق والاقتراب أكثر إلى اتفاق، تحدّث عن أن الفريق الإسرائيلي في الدوحة لديه سلطة لإبرام اتفاق، وأن هناك مقترحات قوية وُضعت على الطاولة، وعلينا أن نرى ما إذا كانت حماس ستقبل بالوصول إلى اتفاق كونه الأثر المباشر لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات ومن ثم الوصول إلى سلام دائم. توقف مراقبون بقوة عند ما تُمارسه واشنطن من ضغوطات قوية من أجل إنجاز الهدنة، ويلفتون إلى تطور موقفها بالحديث عن وقف لإطلاق النار والذي تضمنه مشروع قرارها أمام مجلس الأمن، وإلى رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن الصريح لعملية عسكرية واسعة على رفح من دون تأمين المدنيين. بلينكن، الذي سبق أن أعلن عن بدائل لعملية رفح سيتم بحثها مع وفد إسرائيلي سيتوجه إلى واشنطن الأسبوع المقبل، حذَّر لدى مغادرته تل أبيب من أن «عملية رفح تُهدّد بفرض عزلة أكبر على إسرائيل حول العالم وتُعرِّض أمنها ومكانتها على المدى الطويل للخطر».
يرى مراقبون تحولات ملحوظة في مسار تطورات الوضع في المنطقة خلال الأيام الماضية، حيث انخفض بشكل ملحوظ مستوى التصعيد، بدءاً من العمليات تجاه القواعد الأمريكية في العراق وسوريا وحتى الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية، مروراً بانضباط سقف النيران على الجبهة اللبنانية التي يتسم وضعها بالكلاسيكية مع غياب الغارات الإسرائيلية العميقة والضربات القاسية من قبل الطرفين، وصولاً إلى جبهة البحر الأحمر حيث خفَّض الحوثيون من استهدافاتهم للملاحة التجارية البحرية. هذه التحوّلات ليست من قبيل الصدفة، بل إنها نتاج «القنوات الخلفية» والاتصالات ما وراء الكواليس التي لا تتوقف والتي تُشكّل إيران أحد أطرافها.
في رأي منظّري «محور إيران» أننا أمام منعطف في الوقت الراهن. وما يجري يمكن وصفه بإعطاء فرصة من اثنتين: إما الدخول في المرحلة الأولى من الهدنة التي هي 48 يوماً التي تريدها أمريكا لتوسيع الفرصة باتجاه المرحلتين الثانية والثالثة، وإما الذهاب إلى معركة عسكرية في رفح يظهر فيها الأمريكيون عاجزين أمام نتنياهو، وعندها علينا أن نُقارب المشهد بطريقة مختلفة. يرى هؤلاء أن حدود الهوامش في لعبة نتنياهو تضيق؛ وما عادت المسألة تحتمل المراوحة كل رمضان. وفي المقابل، لا قدرة إسرائيلية على شن عملية نظيفة في رفح، إذ لا خطة واضحة لدى الإسرائيليين لإجلاء السكان والمدنيين، بحسب ما يريدها الأمريكيون؛ ويتكلم بايدن عن خط أحمر إنْ حصلت العملية من دون موافقة واشنطن، وهي تدفع بقوة إلى بدائل تحول دون العملية الكبرى.
الاعتقاد السائد في أروقة «المحور» أن إدارة بايدن لا تستطيع في السنة الانتخابية الرئاسية، وحيث المزاج تغييري لدى قسم كبير من الديمقراطيين، أن تُكمل بنفس قواعد التفويض السابقة لنتنياهو في معركة رفح، إذ إن المعركة ليست كغيرها من المعارك، ليس بالمعيار العسكري، بل بمعيار القدرة على تغطية العملية بالانسيابية التي وفّرتها للعمليات السابقة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
يقول الباحث السياسي وأحد منظّري «المحور» د. وسيم بزي إن علينا التأمل في المشهد بكل زواياه التي تحمل عناصر كثيرة جديدة للوصول إلى خلاصة لما ستكون عليه الأمور في المستقبل القريب، لافتاً إلى انخفاض منسوب الجبهات التي اشتعلت على قاعدة «المساندة لغزة» وما الموقف الذي ستتخذه «محاور المساندة» إنْ حصلت عملية رفح. ويضيف إن المأزق الكبير الذي ينتظر نتنياهو يتمثل بسؤال بسيط وصعب في آن واحد: إذا دخل الجيش الاسرائيلي إلى رفح ولم يجد الأسرى ولا قادة المقاومة، ما هو اليوم التالي عند الإسرائيليين؟ ويرى أن الديمقراطيين ضاقوا ذرعاً بنتنياهو، وأن المسار الذي تشهده مشاريع القرارات في مجلس الأمن، وإن يُطوِّقها «الفيتو» من هذه الجهة أو تلك، تبدو في الظاهر أنها لا تصل إلى مكان، لكنها تُشكّل في العمق دينامية مستمرة تضيِّق حجم التناقضات وتُكبِّر احتمالات فرصة نضوج قرار على قاعدة «رابح رابح» في لحظة معينة.
ما لم يقله «منظّرو المحور» هو أن عملية الانضباط الني تشهدها «جبهات المحور» تحت مسمّى «إعطاء الفرصة» هي نتاج رقصة التانغو الأمريكية – الإيرانية. كل من الجانبين يُفتّش عن مصلحته والمصالح المشتركة كبيرة، بحسب مطلعين على عناوين ومتفرعات المحادثات الجارية من خلال قنوات ووسطاء ودول وجماعات ممارسة الضغط ومراكز الأبحاث ولا سيما تلك التي داخل الولايات المتحدة. وفق محللين، فإن لا مصلحة أمريكية ولا إيرانية في أن يحصل الانفجار الكبير في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من حدث 7 تشرين الأول/أكتوبر الكبير وما حمله من نتائج على المنطقة لم تصل إلى أي نهاياتها.
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي يوسف مرتضى والمتخصص في الشؤون الروسية إلى اعتبار أن ساحة الحروب الفعلية لواشنطن ليست الشرق الأوسط حيث إسرائيل هي أمريكا، بل الساحة الأمثل هي الحرب الدائرة في أوكرانيا وما يمكن أن تحمله من تطورات وتوسّع جبهات ولا سيما مع المناورات التي تشهدها بولندا، من دون التقليل من تداعيات الهجوم الإرهابي الذي وقع في قلب موسكو ليل الجمعة، العاصمة الروسية المحصّنة أمنياً، والذي يفتح الباب على احتمالات شتى.
بين العمل للوصول إلى هدنة مؤقتة في الحرب على قطاع غزة التي دخلت شهرها السادس والرغبة في وقف دائم لإطلاق النار والتوق إلى حل سياسي وسلام دائم في المنطقة، تبقى الشكوك أقوى في إمكانية تحقيق ذلك، ولسان حال المتشائمين يقول بأن إسرائيل، إذا قَبلتْ بأي وقف لإطلاق النار، فهو لا يتعدى المناورة، وأي هدنة لن تكون إلا مرحلية، وأنَّ لا خيار لديها سوى أن تبقى تُحارب وتُحارب لسنوات طويلة!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية