تقييم «محور إيران»: «حماس» قادرة على الصمود 6 أشهر جديدة وفشل خلق بدائل لليوم التالي

رلى موفق
حجم الخط
0

بعد عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والتي شنّتها كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة «حماس» على غلاف غزة وبدء الهجوم الإسرائيلي على القطاع، كان لدى «محور إيران» تقييم بأن «حماس» والفصائل الفلسطينية تمتلك قدرات عسكرية تخوّلها الصمود لثمانية أشهر. اليوم، وعلى مشارف انتهاء الشهر السابع، ثمّة تقييم جديد لتلك القدرات يتحدث عن ستة أشهر إضافية تستطيع من خلالها «كتائب القسام» و«سرايا القدس» وغيرها من التنظيمات الفلسطينية أن تخرج من الأنفاق لمواجهات خاطفة مع القوات الإسرائيلية التي عزلت شريطاً متاخماً لجدار الغلاف المُخترَق، وفصلت الشمال عن الجنوب، وتتوغل يومياً في عمليات عسكرية في المخيمات والمناطق المحاصرة كافة، وأنجزت خطتها لدخول تدريجي إلى رفح، آخر معاقل «حماس» في الجنوب، والتي تأوي ما يقارب مليون ونصف المليون نسمة من بين أبنائها والنازحين إليها.
وفيما تُشير الوقائع إلى أن مسألة دخول رفح هي مسألة وقت، فإن منظري «المحور» يرون أن الفرصة للوصول إلى صفقة وقف إطلاق نار ما زالت على الطاولة، وفي حساباتهم أن إسرائيل تستعمل عملية رفح سيفاً مسلطاً على «حماس» كورقة ضغط للإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم، أكثر مما هو قرار بالذهاب النهائي باتجاه تنفيذه هذه العملية، وأن معركة رفح ما عادت – بعد الرد الإيراني – قراراً إسرائيلياً بل أمريكياً. فإما أن تحصل برغبة الأمريكيين أو لا تحصل. وتتطلب عقدة تأمين هذا الكم الهائل من المدنيين في أماكن إيواء مزيداً من الإجراءات في ظل استمرار رفض مصر عبورهم نحو رفح المصرية تحت أي مسمى. وهو ما يُعطي الوسطاء فسحة للتحرّك المكوكي وتقديم الأفكار والمقترحات، وآخرها المقترح المصري الذي وصفه الإسرائيليون بـ«الفرصة الأخيرة» لإنجاز الصفقة بما يؤخر أو يُبعد كأس اجتياح رفح.
على ماذا يُراهن «محور إيران» والذي تقود أذرعه اليمنية والعراقية واللبنانية حرب مشاغلة وإسناد؟
من وجهة نظرهم، أن كل اللاعبين في المشهد الغزاوي والمؤثرين فيه يحاولون إظهار أوراق القوة في لحظة التفاوض الجارية كجزء من إدارة المعركة السياسية والإعلامية والعسكرية لاستنفاد كل الوسائل للوصول إلى هدنة مؤقتة تُولد من رحمها هدنة مستدامة تتحوّل إلى وقف دائم لإطلاق النار. ويذهب الرهان إلى مجرد التوصل إلى هدنة 42 يوماً، من شأنها إضعاف ديمومة العملية العسكرية الإسرائيلية وسيصعّب عندها إعادة تحريكها بفعالية عالية.
ينطلق «المحور» في تقييمه من أن الحرب على المستوى الإستراتيجي، بعد مائتي يوم من الهجوم الإسرائيلي على «حماس» قد انتهت. هي حرب يُشبّهها بـ«حرب تموز 2006» على «حزب الله». الفارق بينهما هو حجم الدمار وحجم الخسائر البشرية، لكن الهدف والنتيجة واحدة: القضاء على المقاومة وهو الأمر الذي لم يتحقق. فكما لم تنجح تل أبيب في سحق قوة «حزب الله»، فإنها لم تتمكن من فعل ذلك في القطاع رغم مرور سبعة أشهر. فعامل المقاومة لا زال موجوداً. يتوغل الإسرائيلي ويدمِّر لكنه ينسحب، وفي أماكن عدة يشتبك مع الفصائل المسلحة من مسافة صفر، أو يتعرض للكمائن على قلّتها، لكنه في النهاية ينسحب، وحين يفعل، تخرج « حماس» من تحت الأرض إلى فوقها، فهي ما زالت الأقوى في إدارة القطاع، رغم كل محاولات تدمير البنى التحتية العسكرية والمدنية العائدة لها.

لا بديل
عن «حماس»

تستفيد «حماس» من رفض إسرائيل أي دور مستقبلي للسلطة الوطنية الفلسطينية للإمساك بزمام الأمور في غزة في اليوم التالي، ومن إمعان تل ابيب في إضعاف كل إمكانات سلطة أبو مازن ورفض حل الدولتين. هذا فيما تعمل هي ـ أي حركة حماس – بكل ما لديها من قوة على ضرب أي محاولات لخلق بدائل عنها، سواء من خلال «روابط القرى» أو الاعتماد على العائلات والعشائر، وذلك بغية قطع الطريق على أن يكون هؤلاء جزءاً من تنظيم الحكم في القطاع في الغد. وبالتالي، فأي منطقة ينسحب منها الجيش الإسرائيلي، لن يكون هناك فيها سوى «حماس» ولا بديل عنها!
ومن هنا، بدأ الكلام عن تكرار لمشهد ما بعد «حرب تموز 2006». فبعد صدور القرار الدولي 1701 الذي نص على وقف لإطلاق النار ووافقت عليه الحكومتان اللبنانية والإسرائيلية و«حزب الله» خرج الرئيس السوري بشار الأسد ليتحدث عن «أنصاف الرجال» وخرج بعدها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ليخطب في جمهوره مستخدماً تعبير «يا أشرف الناس»، وليتم إعلان «النصر الإلهي» الذي ما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم. المشهد نفسه ينتظره منظّرو «المحور». فبمجرد أن يتمَّ إعلان وقف لإطلاق النار، ستخرج «حماس» من تحت الأنفاق إلى فوقها لتقول إنها موجودة، وإنها ستكون جزءاً من إدارة القطاع. ستتعامل ببراغماتية بالطبع، وستأخذ ما سيكون متاحاً لها في حكومة شراكة وطنية، إنما بشكل يجعلها قادرة على إعادة بناء مشروعها وتثبيت «خيار المقاومة» على أساس الوقائع الجديدة.
يعود اطمئنان «محور إيران» إلى أن إسرائيل، رغم ما أنجزته من تدمير، لا تملك أفقاً إستراتيجياً تسيِّل فيه نتائجها العسكرية. وأكثر من ذلك، يبني «المحور» حساباته على أن إسرائيل لن تستطيع إنجاز ما يمكن تسميته «عملية عسكرية مهنية» في رفح. وستؤدي ضغوطات المسألة الإنسانية، كما السكانية، بالاتكاء على عامل الوقت، إلى إعادة إنتاج «مقاومة» وتحويل المواجهة إلى «حرب عصابات»، بحيث ستكون حكومة بنيامين نتنياهو ومعها اليمين المتطرف عندها على يقين بأن اجتياح رفح لا يُنهي التهديد الذي يعتقدون أنه يواجههم، ولا يحقق لهم سحق «حماس» وسلطتها كلياً. والأهم أن المأزق الذي سيقعون فيه هو عندما يكتشفون أنهم لم يصلوا إلى «قادة المقاومة» ولا حرروا الرهائن. في السابق، كان كلام «منظرو المحور» يأتي على طريقة سؤال: ماذا سيكون عليه موقف نتنياهو في اليوم التالي لمعركة رفح إذا لم يجد «قادة حماس» والرهائن الإسرائيليين هناك؟ اليوم، يتم استخدام مصطلحات أخرى، وهي أن إسرائيل ستكتشف أن القادة والرهائن ليسوا في رفح. قد يكون هذا الكلام اللافت جزءاً من إدارة المعركة الإعلامية ولكنه قد يكون جزءاً من حقائق الميدان.
في مشروع النفَس الطويل إستراتيجياً، ستستمر أذرع إيران من «حزب الله» إلى الميليشيات العراقية، إلى جماعة «الحوثي»، في «حرب الإسناد والإشغال» من جنوب لبنان وشرق سوريا والعراق والبحر الأحمر لتوفير مزيدٍ مما يعتبرونه فرص الصمود والثبات للفصائل الفلسطينية المرتبطة بإيران أو تشكل جزءاً من محورها أو تستفيد منه في صراعها مع الإسرائيلي.
والأكيد أن الربط بين لبنان وغزة هو عنصر إستراتيجي أساسي. وقد أعلن «حزب الله»، على لسان نصرالله، أنه جاهز لدفع الثمن لحماية مسار تأمين «أمد الثبات» لغزة في إطار حماية الأهداف الإستراتيجية.
يتم التعامل مع الصورة الكبرى على أننا أمام ثلاثة احتمالات: إما احتمال إدارة المعركة الحالية على كل الجبهات بسقفها الحالي، وإما «ربط نزاع» يمكن من خلاله أن يفتح أفق تهدئة بانتظار مجيء إدارة جديدة في أمريكا، وإما الذهاب إلى صفقة كبرى أمريكية – إيرانية يرى البعض أنها أصبحت صعبة مع ضيق الوقت الفاصل عن الاستحقاق الرئاسي الأمريكي، فيما يرى آخرون أنها فرصه ممكنة، وربما يكون شهر أيلول/سبتمبر موعداً لمثل هذا الحدث الكبير.
على أنه، ومهما كانت الخيارات، فإن أياً منها لا يمكن أن يشقَّ طريقه في وقت قريب وبين ليلة وضحاها. فالمعركة اتخذت منذ اليوم الأول سمة الاستنزاف حين قالت إسرائيل إنها تحتاج إلى سنة على الأقل. كل الأطراف تدفع ثمن الاستنزاف، لكن السؤال يبقى: مَن هو القادر على تحمّل كلفة هذا الاستنزاف ونتائجه؟ كلٌ طرف يُراهن على تعب الآخر، فيما المعركة ستكون طويلة ومضنية سواء في غزة أو في لبنان، ولا يُتوقع لها أن تستريح قبل أن تتبلور معالم الرئيس الآتي إلى «البيت الأبيض» في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية