أوراق إيران من غزة إلى جنوب لبنان والبحر الأحمر: البحث عن حصة أو لعب دور الضمانة الكاملة؟

رلى موفّق
حجم الخط
0

تُمسك إيران بالإدارة الاستراتيجية للساحات التي تتحرّك فيها أذرعها العسكرية من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان التي ترتبط بها ارتباطاً عقائدياً دينياً. ستكشف مسارات اليوم التالي من الحرب في غزة ما هو حجم تأثير طهران على حركتَيْ “حماس” وجناحها العسكري “كتائب عز الدين القسام” و”الجهاد الإسلامي” وجناحها العسكري “سرايا القدس” اللتين تأتيان من خارج المنظومة العقائدية المذهبية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بوصفهما حركات إسلامية سنيّة.
حين نفّذت “حماس” هجوم “السابع من أكتوبر” على غلاف غزة، تبرَّأت طهران من أي مسؤولية، ونفى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وجود أي صلة لطهران بعملية “طوفان الأقصى” رغم مباركته لها، تماماً كما فعل الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، الذي قال إن “قرار العملية هو قرار فلسطيني مئة في المئة، وأُخفيت عن الجميع وعلمنا بها مثلنا مثل كل العالم”.
شكّل “السابع من أكتوبر” امتحاناً قاسياً لـ”محور إيران” حيث أضحت نظرية “وحدة الساحات” التي رفعها قبل سنوات على المحك، لا بل يمكن القول إنها تشظَّت إلى حد كبير، ولا سيما أن القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف دعا في بيان إطلاق “طوفان الأقصى” أطراف المقاومة في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة في فلسطين. يعتبرُ مقرَّبون من “المحور” أنّ المواجهة الكبرى التي تستلزم توحُّد الساحات والانخراط الكليّ لأذرع إيران وتجيير كامل قدراتهم لصالح الحرب لم يحن أوانها بعد. وعندما تحصل، ستكون على توقيت إيران وحسب مصالحها، وليس وفق حسابات الآخرين التي تندرج معركة “طوفان الأقصى” في سياقها. حيَّدت إيران نفسها من أن تكون جزءاً مباشراً من المعركة، ودخلت أذرعها على قاعدة “الإسناد”، بحيث تعمل كل ساحة على مساندة غزة من خلال خصوصيتها، وليس من خلال منطق الحرب الشاملة أو وحدة الساحات. بالطبع، كان للأساطيل والبوارج الأمريكية التي أتت إلى المنطقة تحت عنوان “الردع” دورها في دفع كامل “المحور” لـ”السير بين النقاط”.
فتح “حزب الله” جبهة الجنوب اللبناني في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، من دون أن يكسر قواعد الاشتباك مع إسرائيل، بحيث ما زالت الجبهة مضبوطة رغم مرور شهرين على الحرب والسحق الذي تتعرَّض له غزة. ويقوم “حزب الله العراقي” بضرب القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بشكل مدوْزَن. وتُطلق جماعة الحوثي صواريخها ومسيّراتها باتجاه إيلات ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وأدخلت في آخر بيان لها بحر العرب ضمن نطاق عملياتها التي ستستهدف السفن الإسرائيلية، أو السفن من الجنسيات الأخرى المتجهة الى الموانئ الإسرائيلية أو المبحرة منها.

منسوب القلق والتوتر يرتفع

بدأ منسوب القلق والتوتر يرتفع مع استهداف الحوثي للملاحة البحرية. تعتبرُ الولايات المتحدة أنّ إيران تُحرِّك تلك الهجمات. قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الحوثيين يضغطون على الزناد لكن إيران تسلّمهم السلاح، معلناً عن محادثات تُجريها بلاده مع دول أخرى بشأن تشكيل قوة عمل بحرية لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر. تتعامل واشنطن مع تهديد الملاحة البحرية على أنها مشكلة دولية، ولا بدَّ من حلها في إطار تحالف دوليّ عبر تشكيل قوة متعددة الجنسيات جديدة لهذا الغرض.
في قراءة متابعين أمريكيين أن واشنطن لا ترى نفسها مستهدَفة بـ”المباشر” في البحر الأحمر، وهذا يجعلها تتفادى توجيه ضربة مباشرة للحوثي على غرار ما فعلته مع فصائل “الحشد الشعبي” في العراق وسوريا. ويرى منظّرو “المحور” أنّ الحوثي الذي يستندُ في تحرّكه إلى موقع خصوصيته الجيوسياسية، يحصرُ ضرباته في إطار ما يتعلق بالمصالح الإسرائيلية بهدف عدم استفزاز الآخرين. ويُدرج هؤلاء المنظّرون تحذيرات وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني من تشكيل قوة دولية جديدة بقيادة أمريكا في البحر الأحمر، في إطار حماية الحوثي ومنعاً للاستفراد به.
فإذا كان ثمّة مَن يعتبر أن ورقة غزة ليست بيد طهران، فإن ذلك لا ينطبق على جماعة” أنصار الله” على رغم كل سردية “المحور” عن الحرية التي تتمتع بها هذه الجماعة والقدرات الصاروخية التي لديها من صواريخ أرض- بحر، وبحر- بحر، ومسيّرات، وحتى ألغام بحرية لم يتم استخدامها حتى الآن. فالقنوات الخلفية تتحرّك بقوة. وذهب المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ إلى السلطنة حاملاً رسائل إلى إيران أوصلها وزير الخارجية العُماني الذي حطَّ في طهران لغرض احتواء الموقف وكبح جِماح الانفلات.

صفقات دبلوماسية

لا تفوِّت طهران مناسبة للتأكيد على استحالة تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية للمنطقة. فهي لديها تأثيرها على الحوثي وعلى فصائل من “الحشد الشعبي” ولديها حصّة صافية في “حزب الله” الذي يُمسك بورقة جنوب لبنان، وهذا يقوّي موقعها في مفاوضات القنوات الخلفية، حيث تذهب واشنطن للبحث عن ضامنين للحلول والتسويات عبر صفقات دبلوماسية. على أنَّ اللافت هو ما ينقله متابعون من وراء الكواليس عن جسّ نبض أمريكي لمدى قدرة طهران على أن تُشكِّل ضامناً فعلياً لـ”حماس” حين تحطّ الحرب أوزارها. يقول هؤلاء إنَّ لدى الإدارة الأمريكية شكوكاً حول قدرة الأطراف المنخرطة في إيجاد حلول لوقف الحرب في غزة، في الضغط والتأثير على “حماس”. فـ”الحركة” التي تنتمي إلى “الإخوان المسلمين” متشعبة في علاقاتها والخيوط التي تنسجها مع الدول الداعمة للإسلام السياسي. والاعتقاد السائد، الذي قد يكون أقرب إلى التمنّي، هو أنَّ “كتائب القسّام”، التي كان لإيران دور في مدّها بالسلاح والخبرات، قد تستجيب لـ”ضمانة كاملة” تقدّمها الجمهورية الإسلامية. الأكيد أنّ لدى طهران مصلحة في أن تكون ذلك الضامن، لكن السؤال يتمحور حول مدى قدرتها على ذلك؟ وهو أمر لا يبدو واقعياً وممكناً، نظراً إلى حجم التحولات التي سيحدثها في المنطقة، وإنْ كان هناك اقتناع لدى كثيرين بأن للمواجهة رأسين وكذلك لربط النزاع وإعادة ترتيبه، وهما أمريكا وإيران. فالبيان الصادر في ختام الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية الصينية الإيرانية في بكين، والذي تناول غزة وقبلها مشاركة الرئيس الإيراني في القمة العربية- الإسلامية وموافقته على القرار الصادر عنها، لا يشيان بقدرة طهران على اللعب منفردة مع أمريكا في ملفات المنطقة الساخنة، وتحديداً في ما يتعلق بالحرب في غزة والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية