ليلة سهر فيها العالم بأسره حتى الصباح!

حجم الخط
0

كان المسرح جاهزاً تماماً، لإقامة الأفراح والليالي الملاح، ولإحياء ليلة ولا ألف ليلة، سهر فيها العالم حتى الصباح، فقد تم توقيع صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات!
وهذه الزينات المنصوبة، فسرت لنا مشهداً بدا غريباً، فالبرلمان الذي اختار أهل الحكم أعضاؤه بالواحد، وعلى الفرازة، أقام محاكمة كلامية لوزير التموين، لشح السلع وغلاء الأسعار، بشكل يوحي بأن جلساتها لن ترفع إلا بإقالة الوزير وهو ما لم يحدث!
ثم شاهدنا الأبواق الإعلامية للسلطة تنتقل من مرحلة الانكار والتبرير، إلى الاعتراف والانحياز للشعب، في سابقة هي الأولى من نوعها، وكان الحديث عن الأزمة الاقتصادية، وعجز الحكومة عن حلها، وتوقع العامة إقالتها، بربطة المعلم مصطفى مدبولي!
فمثلي، ومثلكم، وأمثالنا، نتذكر رفض الجنرال الاقتراب من الحكومة، عندما كان الاتجاه أن يصنعوا منه مبارك آخر، فالوزير أخطأ، لكن الرئيس لم يعلم، والحكومة تتصرف من وراء ظهر الرئيس، ولو علم الرئيس بهذا الاجراء لتدخل على الفور، وذلك بعد مرحلة السادات الذي كان يتصدى بنفسه للمعارضة، فتبادلت معه النقد والهجوم. بيد أن الجنرال رفض بحدة، فهو المسؤول، وهو يعرف أداء المسؤولين أكثر من أي إعلامي!
وعندما نشاهد هذا الهجوم، في البرلمان، وفي برامج «التوك شو»، فلا بد أن يكون هناك توجيه، لتحميل الحكومة وزر الفشل، استعداداً لرحيلها، لكن الأيام أثبتت أن هذا الاعتراف بالأزمة لكسب بعض المصداقية، عندما تقام الأفراح على وقع توقيع الحكومة اتفاق رأس الحكمة مع الجانب الإماراتي!

الليلة عيد والزفة المنصوبة

ظهر أحمد موسى، وقد مط رقبته حتى صارت أطول منه، في بداية برنامجه هذه الليلة، والليلة عيد، تعبيراً عن الانتصار في موقعة «مرج دابق»، ثم هزها يمينا ويساراً، قبل أن يتحدث عن هذه الصفقة التاريخية!
وحسد مذيع «إم بي سي مصر» عمرو أديب الإماراتيين، لأنهم أخذوا حتة أرض «زي اللوز» في رأس الحكمة، ولم يصف مذيع قناة «أون» خالد أبو بكر، «الحتة» باللوز، يبدو لأنه ليس من هواة «المكسرات» مثلي ومثل عمرو، وأنه مؤمن بأن الذي بنى مصر كان في الأصل حلواني (بحسب الأغنية التتر للمسلسل التلفزيوني بوابة الحلواني)، فقد وصف الأرض بأنها «بونبوناية البونبوناية»، وإذا كنا نعرف «البونبوناية» فإن مصطلح «بوبنوياية البونبوياية»، يعد جديداً على مادة «النظرية السياسية»!
وعلى ذكرها، فإن الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، والوزير الفاشل في عهد مبارك، علي الدين هلال، وجد الفرح منصوباً، فأمسك بالعصا وطلب أوركسترا الطبل البلدي أن يسمحوا له بعشرته، بأن قال إن مصر خرجت من عنق الزجاجة. ولغير المصريين فإن الجزء من البرنامج التلفزيوني أو الإذاعي تسمى فقرة، والجزء من الرقص يسمى وصلة، في حين فقرة الرقص في الطبل البلدي تسمى «عشرة»!
ودخلت مذيعة «صدى البلد» الرفيقة «عزة مصطفى» على الخط، ولا أقول لتؤدي وصلتها، لأني أحترمها وأقدرها، وقد حللت ضيفاً في السابق على برنامجها أكثر من مرة، ومن سماتها أنها لا تقاطع حيث يلزم الصمت، ولا تصمت حين يستوجب الحديث، ولسنا من الذين يبصقون في الطبق الذي أكلوا فيه، وكان هذا الطبق هو برنامجها «صالة التحرير»، وللاسم وقع في نفسي، وهو جزء من غالبية تاريخي المهني، بل معظم هذا التاريخ، وقبل يوم واحد، حاولت استدعاء اسم هذه القاعدة الواسعة نسبياً في صحيفتنا التي كنا نجلس فيها كمحررين، فقلت «النيوز روم»، وكنت في حديث مع أحد الزملاء، ثم حاولت التذكر، فجاء في ذهني اسم برنامج عزة مصطفى «صالة التحرير» فذكرني بما نسيت.. نعم كنا نجلس في صالة التحرير! فقط فإن «عزة مصطفى» دخلت على الخط، وقالت «الكل فرحان».
ويبدو أن الفرح امتد للعالم بأسره، فمذيع «دي إم سي» العائد بعد غياب، والذي يشبه حضوره غيابه، قال إن العالم لم ينم منذ الإعلان عن اتفاقية تطوير رأس الحكمة، وأن وكالات الأنباء ومراكز الأبحاث لا تزال في دهشة عارمة (عارمة مني)، من هول المفاجأة ومن وقع الرقم الضخم الذي استطاعت مصر تحقيقه في هذه الصفقة المذهلة.. (المذهلة منه)!

البنود السرية للصفقة

وعلى ذكر الرقم فإن عمرو أديب، وبعد أن وصف أرض الصفقة بأنها «حتة لوز»، فقد استدرك وقال إن الإماراتيين دفعوا فيها سعراً جيدا، وأنه سعر عادل ومحترم. وودت لو كان الأمر بيدي فلن أصفها بـ «اللوز» أو «بونبوناية»، ولكن بالقول إنها «حتة من بيت الكلاوي»، ومع احترامي للوز وأشقائه (الفستق والبندق والعين جمل)، فإنني من فصيلة لا تزال ترى أن اللحم هو سيد الطعام!
وهذه الصفات للصفقة (حتة لوز)، «حتة من بيت الكلاوي»، «بونبوناية البونبوناية»، لابد أن تثير التساؤل عن الجهة التي قدرت سعر الأرض؟، وفي الدولة الحديثة لابد من جهة محايدة للتقدير، أو أن يعرض الأمر للمزاد، وتتقدم كل دولة بعطائها، لتكون المفاصلة بين هذه العطاءات، ولا مانع أن يرسى العطاء على دولة الإمارات العربية المتحدة، إنما ونحن وهم على بينة، فلا يشكك الأشرار في الصفقة، وليس بيع مضطر أو مديون!
وقد نفت الحكومة أن تكون الأرض قد تم بيعها، فلم تخبرنا عن الوضع بالضبط؟، فهل هي ايجار مفروش مثلاً، أم أنها حق انتفاع، فقد سكتت شهرزاد عن الكلام المباح، مع أن «أديب» قال «دافعين فيها سعر كويس، فلماذا لا تقول الحكومة الحقيقة، وما الذي يمنعها من نشر العقد، وهو امتناع يوشك أن يجعل أهل الشر يقولون لأن بها بنوداً سرياً، وهو الكلام الذي قيل عن اتفاقية السلام مع إسرائيل!
لاسيما وأن تشكيك القوم الذين هم أهل الشر، وصل لرأس الحكومة مصطفى مدبولي فطالب في اليوم التالي من المصريين ألا يلتفتوا لأهل الشر، وهو يطالبهم أن يحافظوا على مثل هذه المشروعات الاستثمارية الكبرى، ولا نعرف مثلاً كيف نحافظ على هذا المشروع، هل نذهب للأرض لنحرسها؟ وممن؟!
فيبدو رئيس الحكومة كما لو كان يتمرن على الكلام الكبير، وربما تؤهله هذه الصفقة الكبيرة لأن يكون نائباً لرئيس الجمهورية، وهو الموقع الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية منذ خمس سنوات (نائباً أو أكثر) ولم يتم اعمال النص، حتى صار استحداثه بلا معنى، عقب هذه التعديلات انتشر على نطاق واسع أن هذا المنصب ليشغله الفريق العصار رحمه الله، وفي مقابلة مع محمد ناصر على قناة «مكملين» قلت من المستحيل أن يشغل عسكري هذا المنصب، وبالذات الفريق العصار رحمه الله، علمنا منطق القوم!
ولهذا فإن مصطفى مدبولي استخدام اصطلاح «أهل الشر» في وصف المعارضة والخصوم السياسيين، وكان عليه أن يفحمهم بنشر العقد، إلا أنه – ولأسباب يعلمها الله- ارتأى ألا ينشر!

قبل تعديل الدستور

ليس هذا موضوعنا، فهذا الفرح المنصوب، وفي العالم بأسره (لم يقل أسامة كمال بأسره للدقة)، تم التمهيد له بتسريب هو مكالمة هاتفية بين «خيري رمضان» والاقتصادي «هاني توفيق»، وكان واضحاً أنها محادثة مصنوعة بغرض التسريب، واستمر الحال، إلى أن وصلنا لـ «عاجل» الحكومة المصرية!
فقد نشرت القنوات التلفزيونية والفضاء الإعلامي المملوك للسلطة أن رئيس الحكومة سيلقي بيانا مهما بعد قليل، وذلك مسبوقاً بمفردة «عاجل»، واستمر الانتظار لأكثر من ساعتين، حتى قال كثيرون إنه الإعلان عن استقالة الحكومة، لكن ظهر الرجل وهو يزف بشرى عن التوصل لصفقة كبرى مع الإمارات سيتم توقيعها غداً، ليتبين أنه أسلوب التشويق، فإن كان التوقيع غداً، فلماذا هذا الإعلان الذي لم يسمن ولم يغن من جوع، ولماذا يتم الانتظار للغد، ولماذا «عاجل»؟!
في الغد وعقب توقيع الصفقة، تم الإعلان عن هبوط سعر كل من: الدولار، والريال السعودي، والدينار الكويتي، والدرهم الإماراتي، (لا أعرف ما هو مصير الين الياباني)، كما انخفضت أسعار الذهب والأجهزة الكهربائية، هكذا بمجرد التوقيع، دون أن يصل دوي الصفقة إلى «البيضة»، و»البصلة»، والسكر، وزجاجة الزيت؟! فلما جن الليل كانت الحملة الإعلامية والرقص على واحدة ونصف!
وهي صفقة وحملة تليقان بالتمهيد لتعديل الدستور، فلا يتصور عقلاً أن السيسي – لو مد الله في عمره – يمكن أن يغادر مع انتهاء ولايته الحالية في 2030، ولا يمكن القيام بزفة جديدة عندما يحين الحين، لأن تأثير فشل هذه الزفة سيكون عالقاً في الأذهان، ولن يجد «العالم» لديه أعصاباً تمكنه من السهر لليلة أخرى!
مبارك الصفقة!
٭ صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية