«أثير» وفيصل القاسم وكوهين … وكواليس «الاتجاه المعاكس»!

حجم الخط
0

تعرضت لضغوط من الرأي العام، لكي أشاهد لقاء منصة «أثير» مع فيصل القاسم، فأينما ذهبت وجدت من يسألني هل شاهدته؟، حتى استقر في وجداني، أن متابعة كل ما هو مهم، لا تكتمل إلا بمشاهدة هذا اللقاء، ففعلت، ولم أندم، بل وجدت من الطبيعي أن يثير كل هذا الاهتمام!
وهو لقاء استغل شهرة فيصل القاسم، وتدفقه، كما استغل كونه غير مستهلك، فهو في كتاباته لا يكتب عن نفسه، أو عن برنامجه «الاتجاه المعاكس»، الذي هو أحد عناوين قناة «الجزيرة»، فلا نتخيلها بدونه، ومع خالص احترامي للأجيال الجديدة، فإن «البصمة» هي للجيل المؤسس، ومن لحق به مستوعباً التجربة!
ومهما يكن، فإن نجوم الجزيرة يظلون مادة مهمة لدى الناس، ويمكن رصد هذا من خلال استغلال بعض المواقع لذلك بالنشر عنهم، لجذب الزبون، والدعاية لها، ولو كان معلومات بسيطة عنهم، مثل أعمارهم أو جنسياتهم، أو الحالة الاجتماعية، الأمر الذي تذكرت معه مجلة «الإذاعة والتلفزيون»، التي تصدر من مبنى ماسبيرو في مصر، وكانت في أيام مجدها، تستغل نجومية المذيعات والمذيعين في المبنى، وتقدمهم للقراء. الآن أذهب لقنوات ماسبيرو، فأجدهم يشبهون بعضهم بعضاً، فلا بصمة ولا حضور، وهناك اتجاه لتصفية المبنى، وتصفية الصحافة القومية المملوكة للدولة، بالتدريج!

استثمار الذخيرة الحية:

والسهل الممتنع في استغلال هذه الذخيرة الحية، من قبل الإعلام الموازي، أو الرقمي، ولا نقول البديل، فهذه تسمية جائرة، فليست هناك وسيلة إعلامية يمكن أن تنافس التلفزيون، لا سيما إذا كانت «الجزيرة» كقناة. والبداية كانت من خلال برنامج خديجة بن قنة، ثم كواليس برنامج «شاهد على العصر»، عبر منصات القطاع الرقمي بشبكة الجزيرة.
و»أثير» تجربة مهمة، لقيام المؤسسات الإعلامية الكبرى بالدخول إلى هذا العالم الجديد، بعد أن ترك لفترة في يد الهواة، الذين حققوا حضوراً بدون معنى، وأفسدوا الذوق العام، وبدلاً من أن الصحافيين المحترفين يمثلون المعادل الموضوعي في التجربة، صاروا يقلدون زعماء هذه المنصات، وقد تحللوا من أي قيمة مهنية أو قيد، وإن كان البعض سايرهم حتى كشف امكانياته المتواضعة، فهل هذه الركاكة للنجم الإعلامي؟ فكانوا كمن سترهم الله فأبوا إلا أن يفضحوا أنفسهم.. وهناك في الإعلام التقليدي يقف خلف الكاميرا جيش يوجه ويدير ويمد بالمعلومة والسؤال، ولو تعطلت «سماعة المذيع»، لكانت مشكلة كبرى، ولا أدري مبرراً لهذا التدافع على منصات التواصل الاجتماعي من جانب هؤلاء.. بحثاً عن الشهرة؟ وهل هناك شهرة تعادل شهرة الشاشتين الكبيرة (السينما)، والصغيرة (التلفزيون)؟!
والبديل الذي تمثله «أثير» وغيرها، ليس في الانتقال بمنصات الإعلام الرقمي من الهواة إلى المحترفين فقط، ولكن في أن تمثل بديلاً لمنصة مثل «يوتيوب» ونعلم أنها في العدوان الإسرائيلي على غزة، تضع المحاذير والقيود على المادة التي تنحاز لغزة وأهلها، وإن كانت ليست في تعسف «مارك» ثكلته أمه والذي هو صهيوني أكثر من نتنياهو!
وفي حدود علمي، وهو علم محدود في هذا المجال، فإن جريدة «القبس» الكويتية كانت سباقة في هذا المجال، وقد أشدت ببرنامج «الصندوق الأسود» هنا مرتين، الأولى لا أتذكر مناسبتها، أم الثانية فكانت بعد المقابلة الثقيلة مع رئيس الوزراء، وزير خارجية قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم، وهو نوع من الإنتاج الثقيل، الذي لا تقدر عليه سوى المؤسسات الكبرى!
ولا أعرف ما إذا كان «الصندوق الأسود» لا يزال تابعاً لـ «القبس»، أم انتقل إلى وسيلة إعلامية أخرى، بعد أن أنحرف عن مساره، وأصبح من برامج «الفضائح»، يستدعي ضيوفه ليخاطب الغرائز. فلم أجدد اشتراكي في «القبس»، واللقاءات الأخيرة نطالعها كمقاطع عبر «يوتيوب» و»تيك توك»، وأعتقد أن عزوف المشاهدين كان سيرصد لو استمرت الخدمة بمقابل في «الصندوق الأسود» فمن يدفع ليشاهد مصطفى الفقي، أو مرتضى منصور؟!

قيمة الضيوف الكبار:

وعامة، فأنا من المؤمنين بأن المقابلة الإعلامية فن، وأبسط قواعدها أن تكون الحروف واضحة، والكلمات منطوقة، والإعداد جيداً، ولست مع الذين يقولون إن زعماء اليوتيوب مثلاً، يمكن أن ينتقلوا بزعامتهم إلى مجال إدارة الحوار، فالنجومية لا تصاحب صاحبها أين ذهب، وقديما قررت إحدى المطبوعات استغلال نجومية كبار الممثلين فقامت باستكتابهم، ففشلت التجربة، وفي الانتخابات البرلمانية في سنة 1987، وأمام الحضور الكبير لحزب الوفد المعارض، وقائمة ما سمي بالتحالف الإسلامي، فكر قادة الحزب الوطني الحاكم في مصر أن يضعوا على رأس كل قائمة من قوائمهم أحد لاعبي كرة القدم الكبار، ثم تراجعوا عن ذلك فهذه نقرة، وتلك نقرة أخرى!
من المفيد القول، أن الضيوف الكبار يغطون على ضعف من يجري الحوار، وضعف أسئلته، لأنهم هم الموضوع، وعلى أيامنا كانت بعض الصفحات الفنية مثلاً، تجرى حوارات مع كبار الممثلين، فتضع مكان السؤال نقاطاً.. تنتهي بعلامة استفهام هكذا (……؟)، لأن الأهمية في الإجابة، وهذا نوع من الضعف المهني، فالأصل ألا تكون الأسئلة أقل أهمية من حيث صياغتها وجاذبيتها وموضوعها من الإجابات!
وفي أيام مجدي الغابر كنت أبرز أسئلتي مع من أحاورهم في العناوين، فسألناه… فأجاب. قلنا له.. فقال: وهكذا، باعتبار أن فيها ما يلفت الانتباه!
مالي وقد تحولت إلى «كوهين» الذي كتب في إعلان مدفوع بصفحة الوفيات ينعى ابنه، وحشر في المساحة المتبقية الإعلان عن نشاطه للزبائن بأنه «يصلح ساعات»، وفي الأسبوع الماضي، لم يجد مفتي مصر السابق علي جمعة من يشيد ببرنامجه على قناة «سي بي سي» في شهر رمضان، فأشاد هو به وقال: «برنامج نور الدين ظهر في الوقت المناسب وهدفه انقاذ المجتمع من الانهيار».
فيبدو أن هذه «الحالة» التي اشترك فيها مع علي جمعة مردها إلى الشيخوخة، وأنا أدخل على الستين بقدمين ثابتتين. بصوت الرئيس السادات. رزقني الله بطول العمر، وحسن العمل، وموفور الصحة، والعافية!
طبيعة الاتجاه المعاكس:
ما علينا من هذا كله، ففي حضور الإجابات لم يشعر المشاهد بحاجته للأسئلة، ولو جلس فيصل القاسم بمفرده أمام الكاميرا وقال ما قال لأثار اهتمام المشاهد، وقد تحدث عن نشأته الأولى في أسرة فقيرة، وعن تجربته الإعلامية وبداية التحاقه بالجزيرة، وعن برنامجه المثير للجدل «الاتجاه المعاكس»، وهناك اتهام قديم حديث أن المذيع من يحرض ضيوفه على هذه الصراخ، كشرط للظهور فيه، وهذا بحسب تجربتي غير صحيح، فطبيعة البرنامج تفرض نفسها على المشاركين فيه، وقبل سنوات وفي حلقة قدمها زين العابدين توفيق، لغياب فيصل القاسم، وشاركت فيها وكانت الحدة متبادلة مع الضيف الآخر، مع أن المذيع ود لو كان النقاش هادئاً.
فيصل القاسم كشف عن جانب مهم، فأنظمة، وأجهزة مخابرات، ترسل ممثليها للبرنامج، فيأتي وفي نيته قمع الرأي الآخر، وهنا يشتد الوطيس.
وربما تلعب طبيعة المذيع في إدارته للنقاش دوراً في ذلك، لكن الأمر ليس على الإطلاق، ففي حلقة قديمة كانت من القاهرة لا أعرف ملابساتها، ولا السبب في تحول طريقة فيصل القاسم في إدارتها، حيث كان هادئاً حد البرود، واكتفى فقط بإدارة الحوار.. ومع هذا فإن ضيفيه استمرا في نفس اتجاه البرنامج!
ما لم يقل في اللقاء، أنه أتى علينا حين من الدهر، حاولت كثير من القنوات التلفزيونية تقليد «الاتجاه المعاكس»، وفي التلفزيون المصري كانت الاستعانة بنفس الشكل، وتقريباً من نفس الأستوديو الذي يبث منه عندما يكون في القاهرة، وهو استوديو خاص يقع على النيل!
لقد انتشر أن سر نجاح «الجزيرة» أنها استعانت بصحافيين لتقديم برامجها، وفي مصر يقع التمييز بين الصحافيين (ينتمون للصحافة المقروءة)، والإعلاميين (الذين يعملون في الراديو والتلفزيون)، وقد تنفرد مصر بذلك، ومن هنا وقع الالتباس، وكانت فرصة لمجاملة بعض الصحافيين بتقديم برامج في التلفزيون، ولتبرير هذه المجاملات كان القول لننجح كما نجحت الجزيرة، وكانت تجربة فاشلة لأن المشكلة كانت في الاختيار حسب قواعد المجاملات!
ومن هذا الباب عرض عليَّ، محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار، أن أقدم برنامجاً يحمل اسم «النادي السياسي»، واعتذرت له، وما لم أقله إنها رشوة، وما قلته في حيثيات الاعتذار عن عدم قبول العرض الكريم، إنني متحقق في مهنتي وقانع بما حققته فيها، فلماذا أذهب إلى «كار» جديد، أكون عرضة فيه للتقييم!
عذراً فكوهين ينعى ابنه ويصلح ساعات!

 صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية