كيف يمكن أن ترتدع إسرائيل في رفح؟

حجم الخط
0

أعلنها بنيامين نتنياهو جهاراً نهاراً بالصوت والصورة في وجه أنطوني بلينكن: «لا سبيل أمامنا لإلحاق الهزيمة بحماس بغير دخول رفح والقضاء على فلول كتائبها هناك، ويحدوني الأمل في تنفيذ ذلك بدعمٍ من الولايات المتحدة، لكن إذا اضطررنا سنفعل ذلك بمفردنا». الولاياتُ المتحدة لا تمانع في اجتياح «إسرائيل» لرفح بل تتظاهر بدعوتها إلى الترفّق بما ينوف على مليون من الفلسطينيين الجياع والعطشى المكتظين في محيطها. كيف؟ بتسهيل مدّهم بالمساعدات الإنسانية، والتظاهر برفض تهجيرهم.
المفاوضاتُ في الدوحة تعثرت، ليس بسبب تعنّت إسرائيل فحسب، إنما أيضاً لإصرار «حماس» على اقتران الهدنة بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية كليّاً من قطاع غزة. هكذا تعثّرت وتوقّفت مساعي التوفيق والتفاوض وعادت الكلمة للميدان، فهل يُصر نتنياهو على اجتياح رفح؟
الأرجح أنه سيفعل، ليس لأن أمريكا ما زالت ممعنةَ في دعمه فحسب، بل لأنه يشعر كما غالبية مجلس حربه بأن الكيان الصهيوني بات، بعد طوفان الأقصى وتلاحم فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية، في حال خطر وجودي ماثل، حيال هذا التحدي، ماذا تراها تفعل أطراف محور المقاومة؟ تحت وطأة هذه الأحداث والتحديات المتصاعدة، شاركتُ في حلقة عصفٍ فكري مع أربعة مفكرين مناضلين تباحثوا في ما يجب عمله للخروج من حمأة الحال البائسة والمعقدة، والتحديات التي يعانيها ويواجهها الشعب الفلسطيني خاصةً، وعالم العرب عامةً. قدّم كلٌ من المشاركين تصوّراً وسيرورة في سياق النقاش، وقمتُ شخصياً بتعميق النقاش بطرح بعض الأفكار والملاحظات ومن ثم بتلخيصه للراغبين في الاطلاع.

الولاياتُ المتحدة لا تمانع في اجتياح «إسرائيل» لرفح، بل تتظاهر بدعوتها إلى الترفّق بالفلسطينيين المكتظين في محيطها بتسهيل مدّهم بالمساعدات الإنسانية، والتظاهر برفض تهجيرهم

المشاركُ الأول، وهو أستاذ جامعي، رأى أن أهل القرار في عالم العرب يرتعون في ركود نفسي وسياسي واجتماعي، ويعتقدون أن موازين القوى في منطقة غرب آسيا تميل عموماً لمصلحة أمريكا، ويحاذرون تالياً مناوأتها ما يؤدي إلى إمعان «إسرائيل» في غيّها وعدوانيتها، خالصاً إلى الاستنتاج بأن لا مخرج في المستقبل المنظور مما نحن فيه.
المشاركُ الثاني، وهو إعلامي قديم ومستقل، رأى أن ارتكابات إسرائيل الوحشية وردود الفعل الغاضبة عليها في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الأطلسية، ناهيك عن أمريكا الجنوبية واستراليا وجنوب شرق آسيا ستولّد من الاحتجاجات والضغوط ما يحمل «إسرائيل» على إبداء مرونة متدّرجة في المفاوضات وصولاً إلى إقرار هدنة لا تقلّ عن شهرين قابلة للتمديد في سياق الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية مقبولة للنزاعات المعقدة.
المشاركُ الثالث، وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، قال إنه آسف للإقرار بأن ما أورده المشارك الأول من وقائع ومخاطر صحيح في معظمه، خصوصاً لجهة حال الركود المتعددة الجوانب في المشرق العربي والخليج، المقرونة بميل موازين القوى إلى حلفاء أمريكا الإقليميين، وحرصهم على عدم مناوأتها ما أدّى ويؤدي إلى استمرار «إسرائيل» طليقةً من أيّ قيد أو كابح لمطامعها واستمرار حربها الإبادية على الشعب الفلسطيني. غير أنه شدّد على أن في وسع قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، المدعومة بمدد لوجستي سخي من إيران، تصعيد مواجهتها لـِ»إسرائيل» وإلحاق المزيد من الخسائر بها ما يضطرها، عاجلاً أو آجلاً، للإذعان للضغوط الدولية الهادفة لوقف الحرب.
المشاركُ الرابع، وهو مفكر ومناضل سياسي راديكالي، تفهّم ما أبداه المشاركون الثلاثة من أفكار وتحليلات، لكنه أصرّ على أن حال العالم، خصوصاً في منطقة غرب آسيا، تأخذ وجهةً مغايرة لمرئياتهم، لاسيما من حيث:
أولاً، تصاعدُ ظاهرة غير مسبوقة من ردود فعل شاملة على مستوى العالم كله ضد عدوانية «إسرائيل» الفاجرة، والتأييد الجارف لحق الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال الإسرائيلي وفي إقامة دولته المستقلة.
ثانياً، صعودُ قوى المقاومة في فلسطين ومعظم أقطار المشرق العربي، خصوصاً في لبنان واليمن والعراق، وتكاتفها سياسياً وميدانياً، وإفادتها من إيران لوجستياً في وجه «اسرائيل» وأمريكا ودول الغرب الأطلسي.
ثالثاً، تراجعُ قوة أمريكا ونفوذها في العالم، وصعود الصين وروسيا وبروز بوادر لتعزيز دعمهما لأطراف محور المقاومة.
في ضوء هذه الواقعات والتطورات، دعا المشاركُ الرابع إلى وجوب أن تكون لأطراف محور المقاومة رؤية أكثر تكاملاً وراديكالية، بوضع خطة لتوسيع رقعة مواجهتهم لـ»إسرائيل» بتفعيل المقاومة في جبهة الجولان المحتل، بمشاركة كفاحية فاعلة من المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) والمقاومة الإسلامية في العراق (كتائب حزب الله وغيره) والمقاومة الحوثية في اليمن (أنصار الله)، منوّها في مقاربته بالعوامل الإيجابية الآتية:
*طالما أن قادة «إسرائيل» السياسيين والعسكريين يلوّحون بضرورة شن الحرب على لبنان، خصوصاً ضد حزب الله، لدفعه بعيداً إلى ما وراء نهر الليطاني بدعوى تأمين عودة المستوطنين النازحين إلى منازلهم في المستعمرات الصهيونية في الجليل المحتل، فإن حزب الله مُطالَب وجدير بأن يكون البادئ بالاستعداد لشنّ عملية استباقية إذا اقتصى الأمر لصد «إسرائيل» وردّها على أعقابها.
*حزبُ الله موجود ميدانيا في منطقة الجولان المحرر، وله هناك من القوى والقدرات ما يمكّنه من تصعيد المقاومة ضد المستعمرات الصهيونية في الجولان المحتل.
*الجولانُ المحتل جزء لا يتجزأ من سوريا، وتحريره يبقى هدفاً وطنياً وسيادياَ ملحاً.
*إطلاقُ المقاومة في الجولان لا يخدم هدف تحريره فحسب، بل يساعد المقاومة الفلسطينية أيضاً على مشاغلة الجيش الإسرائيلي الناشط في جنوب قطاع غزة ما يضطر قيادته إلى سحب المزيد من ألويته بعيداً عن القطاع، فتتراجع فعاليته تالياً في سائر أنحاء القطاع كما في الضفة الغربية.
*ارتفاعُ وتيرة دعم أمريكا لحليفها الأوكراني، سيدفع روسيا إلى استساغة مشاغلة القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا وجنوب شرقها، بتمكين الضباط السوريين من تشغيل صواريخ الدفاع الجوي S-300 التي ما زالت في قبضة الضباط الروس، للدفاع عن سوريا وإحباط اعتداءات «إسرائيل» الجوية عليها.
*بإمكان إيران المشاركة في عملية تفعيل المقاومة في الجولان المحتل، بتزويد الجيش السوري، كما فصائل المقاومة العراقية بالصواريخ البالستية الأكثر تطوراً وقدرة على صدّ سلاح الجو الإسرائيلي.
*الإفادةُ من هذه العوامل مجتمعةً لحمل «إسرائيل» على سحب قواتها من كامل قطاع غزة كما من مزارع شبعا اللبنانية.
في ضوء هذه المشهدية الممكنة، ألا يحق لأحرار العرب أن يتوقعوا ويرجّحوا أن يؤدي إطلاق وتفعيل المقاومة في الجولان المحتل إلى ردع العدو الصهيوني عن ارتكاب محرقة هائلة في رفح؟
كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية