خان يونس: انتشال المزيد من الجثامين… وعائدون مصدمون من هول الدمار

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة – «القدس العربي» : انتشل الدفاع المدني في غزة، أمس الأحد، جثامين 13 شهيدا من حي الأمل غرب خان يونس جنوبي قطاع، وأشار إلى وقوع إصابتين في محيط منزل قصفه جيش الاحتلال في حي البرازيل جنوب شرق مدينة رفح.
وكان الدفاع المدني قد وجّه دعوة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في المجازر الجماعية في القطاع، لا سيما ما جرى في مجمع ناصر الطبي في خان يونس.
وقال متحدث الجهاز محمود بصل لـ “لأناضول”: “تم توجيه دعوة للأمين العام للأمم المتحدة لفتح تحقيق مستقل في تفاصيل في المجازر الإسرائيلية الجماعية في قطاع غزة، لا سيما ما جرى في مجمع ناصر الطبي في خان يونس (جنوب)” .
وأشار إلى أن “طواقم الإنقاذ تمكنت حتى اللحظة من انتشال 392 جثمانا لفلسطينيين من المقابر الجماعية المكتشفة في مجمع ناصر الطبي، تم التعرف على 165 شهيدًا منهم بصعوبة من قبل ذويهم وعوائلهم، فيما تم انتشال 110 جثامين أخرى لشهداء خارج أسوار المجمع وفي محيطه غرب خان يونس”. ولفت إلى “وجود أكثر من 500 بلاغ من المواطنين عن فقدان أبنائهم في منطقة خان يونس فقط، وذلك بعد الاجتياح البري الإسرائيلي للمنطقة والانسحاب منها “.
ويأتي ذلك، في وقت لا يزال فيه النازحون العائدون إلى وسط خان يونس، يواجهون الواقع المر المتمثل بالدمار الذي حل بمنازلهم وأحيائهم، بعد إعلان جيش الاحتلال انسحاب قواته البرية.
وكان العديد من سكان خان يونس قد نزحوا إلى مخيمات جنوبي قطاع غزة، تزامناً مع إعلان جيش الاحتلال بدء عملية برية في المدينة في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبعد الانسحاب بدأ السكان في العودة تدريجيًا إلى منازلهم المدمرة.

مفتاح وأنقاض

وقد فوجئت عائشة عبد الهادي بحجم الدمار الذي لحق ببيتها، بينما تنظر في حسرة إلى مفتاحه، الذي لم تعد له فائدة: “لن أترك مفتاح بيتي أبداً، سيبقى معي حتى أموت”.
وتشير لـ “القدس العربي” إلى أنقاض بيتها متألمة “هذا بيتي بنيته بالتقسيط، وحتى الآن أدفع أقساطه”. وتضيف “تم تشريدنا رفقة عوائلنا وأولادنا، دفعنا ثمن هذه الحرب، نحن ضحايا المجتمع والسياسة دون أدنى ذنب”.

عودة بلا مياه

رأفت بريكة أحد العائدين من مخيمات النزوح في رفح، التقيناه في شارع جمال عبد الناصر، وسط خان يونس، يجلس على كرسي بلاستيكي فوق أنقاض منزله المدمر، يتحسر على حال بيته والشارع الذي كان يعد من أجمل شوارع مدينة خان يونس، ويشير إلى مطاعم وصيدليات ومخابز، دُمرت عن بكرة أبيها.
ويتمنى المواطن الفلسطيني الأربعيني ألا يعاود جيش الاحتلال الهجوم على خان يونس، والاكتفاء بما أحدث فيها من دمار: “الحرب دمرت كل شيء فلم تبق على إنسانٍ أو شجر”.
وطالب المؤسسات الحكومية والإغاثية بتوفير مياه نظيفة لهم: “نريد العودة إلى مدينتنا، متمسكين بالبقاء في منازل مُدمرة، لكن تنقصنا المياه”.
ويتمسك عبد الرؤوف الفرا أيضاً بالبقاء في خان يونس رغم حمله الجنسية البولندية إلى جانب الفلسطينية، وهو أيضاً من سكان شارع جمال عبد الناصر، أقدم شوارع المدينة.
يقول لـ “القدس العربي”: “طلبت مني حكومة بولندا العودة إلى وارسو مع بداية الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكنني رفضت لأني منحاز إلى شعبي وأهلي، ولن أخرج من الأراضي الفلسطينية إلا في ظرف طبيعي”.
ويشير المواطن الفلسطيني الخمسيني، الذي بنى خيمة لأمه التسعينية وزوجته على أنقاض منزله الخرِب، إلى مدرسة حيفا المدمرة أمامه، ويستعرض تاريخ المدرسة المبنية بالحجر القدسي منذ عام 1942 قبل قيام دولة الاحتلال: “جرى استهداف هذه المدرسة، من أجل محو التعليم، هدفهم التدمير، ويرجعوننا 100 سنة للوراء”.
ويصف الفرا الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي بأنها “حرب إبادة جماعية، استهدفت الإنسان الفلسطيني، لم تستهدف حركة أو تنظيما، لأنهم اعتدوا على المدارس والجوامع والكنائس، وعلى كل شيء فيه مقومات حياة”.

صمود على الأنقاض

ويؤكد المواطن الغزي الذي فرقت الحرب بينه وبين أولاده الموزعين على دول بولندا والسويد وبريطانيا، تمسك الشعب الفلسطيني بالنضال من أجل حقوق أطفاله ونسائه، ومن أجل الحق في الحياة مثل باقي شعوب العالم: “جرب شعبنا السلام، ولم يمنحنا شيئا، على العكس زاد الاستيطان أكثر، وتم الاعتداء على حقوق شعبنا، ولم نُمنح أي حقوق”.
ويطالب العالم بالتحقيق في الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ 76 عاما: “منذ عام 48 ونحن نعيش في كوارث، نريد حياة طبيعية”.
ويناشد المسؤولين عن خان يونس بتوصيل خطوط المياه، التي دمرها الاحتلال للأهالي: “لن نستمر نازحين عن بيوتنا، نعيش ضحايا للذباب وقلة المرافق الصحية. عُدنا إلى بيوتنا المهدومة، لنمثّل حالة صمود على أنقاضها”.

المخابز مدمرة

كذلك عاد محمد عويضة، صاحب مخبز حيفا، المسمى على اسم مدرسة حيفا، ليجد أنقاض مخبزه المؤسس قبل 5 سنوات، ويستعيد ذكريات الحياة حوله قبل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي: “كنا نوزع الخبز يوميًا، والناس تأكل وتشرب. أما اليوم فالمخبز دمار، الفرن احترق وعجانات الدقيق والقواطع. الحرب قضت على الأخضر واليابس” .
ويشير لـ “القدس العربي” إلى صعوبة ترميم في الوقت الحالي، نظراً لاتساع حجم الدمار فيه: “لا نعرف كيف نستأنف حياتنا بعد الحرب، الاستهداف كان للحجر والشجر والبشر، كل شيء، حتى المخابز كانت من مستهدفات الاحتلال”.
واستهدفت آلة الحرب الإسرائيلية مصنع “روز دريم” للمثلجات والبوظة في خان يونس، الحاصل على شهادة الجودة العالمية (أيزو) في عام 2023، فدمرته بالكامل، وفقًا لأحد ملاكه، أشرف المصري.
ويشير إلى تشريد عمال المصنع المقدر عددهم بحوالي 100 عامل: “هؤلاء اليوم أصبحوا بلا عمل أو مصدر رزق يومي، وينتظرهم مستقبل مجهول. الاحتلال دمر كل شيء حتى حياة الناس ومصدر رزق العائلات”.
ويوضح مالك مصنع “روز دريم” أنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال مصنعه، الذي أحدث طفرة جديدة في بوظة “أسكيمو” الغنية بالموز والتوت واللبن والخالية من السكر، ففي عام 2021، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي المصنع الواقع في المنطقة الصناعية في غزة. ويضيف: “بعد إعادة ترميم المصنع، واستحداث نوع جديد من بسكويت المولتو (الكروسون المحشو بالشوكولاتة)، اندلعت الحرب، ولم ير المنتج الجديد النور” .

خيام فوق الأنقاض

نازحون كثيرون في شرقي مدينة خان يونس، أقاموا خياماً فوق أنقاض منازلهم المدمرة. ففي بلدة خزاعة، بدأ سامي الزقزوق، في نصب خيمته ورص أمتعته فوق ركام بيته، بعد أن نقلها من مواصي خان يونس، التي نزح إليها في أيام الحرب الأولى، إثر الاجتياح البري من قبل قوات الاحتلال للمناطق الشرقية.
المواطن الفلسطيني الأربعيني رجع إلى بلدته خزاعة رفقة عدد لا بأس به من السكان، حسب تعبيره، حيث استطاعوا بالجهود الذاتية إصلاح الآبار الأرتوازية للمياه هناك، وتوصيل المياه إلى الخيام.
يقول لـ “القدس العربي”: “بعد عناء طويل استطعنا توفير المياه بجهودنا الذاتية، وسنظل صامدين في حينا ومدينتنا، فالشعب الغزي من حقه المياه مثل باقي شعوب الأرض” . وعن الدوافع وراء العودة إلى خان يونس رغم أن الاحتلال سبق وأعلن أن المدينة ما زالت مسرحًا للعمليات العسكرية لجيشه، يشدد الزقزوق على أن “حنين البيت والحديقة والذكريات دفعنا إلى ذلك، نعلم أن القوات البرية للاحتلال قد تعود إلى المناطق التي دخلتها مرة أخرى”. مشيرًا إلى أنهم يعيشون الآن في خوف وقلق من تلك الاحتمالية. وما يؤكد احتمالية عودة الاحتلال إلى مناطق خان يونس، هو تحليق طائرات “الكواد كابتر” في سماء المنطقة، حيث تمارس أعمال تصوير المواطنين الذين عادوا للسكن على أنقاض منازلهم، كما أن جيش الاحتلال يطلق قذائف الدبابات باتجاههم بين الفينة والأخرى، على حد قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية