شيرين سيف النصر النجمة الأرستقراطية التي انحازت للبسطاء

كمال القاضي
حجم الخط
0

قبل عدة سنوات زهدت شيرين سيف النصر بالأضواء والشهرة فانسحبت بهدوء من الساحة الفنية وآثرت أن تعيش حياتها في سلام بعيداً عن الضوضاء ومطاردة الصحافة ووسائل الإعلام. فقد وعت الفتاة المصرية الفلسطينية المُثقفة مُبكراً حقيقة ما يصير عليه مصير الفنان بعد زوال الشهرة والمجد فأبت إلا أن تختار هي بنفسها ميقات وموعد اعتزالها لتظل عزيزة غالية على جمهورها.
وبالفعل اتخذت شيرين قرار الاعتزال بإرادتها وبدون أدنى محاولة للدعاية، فقد انزوت وأمضت ما تبقى لها من العُمر القصير في صمت فزادت قيمتها في نظر مُحبيها وتمنى جمهورها أن تعود مُجدداً لكنها حسمت أمرها ولم تترك فرصة للمساومة على رجوعها كما فعلت نجمات أخريات اعتزلن الفن وعُدن إليه مرة أخرى.
وبرغم أن الفنانة الراحلة ولدت نجمة، حيث اكتشفها المخرج يوسف فرنسيس الذي التقى بها في فرنسا وقدمها للوسط الفني في مصر بوصفها وجه جديد يصلح لأداء الأدوار الأرستقراطية، لم تتمسك الجميلة شيرين كثيراً بحياة الشهرة ولم تكن يوماً مشغولة بالمنافسة، ربما لأنها امتلكت ثقافة الترفع من كونها مُتحققة في ذاتها بأشكال مُختلفة، فهي خريجة كلية الحقوق ولها مرجعية اجتماعية متميزة أغنتها عن فكرة السعي وراء المنافع والمصالح وجعلتها بمنأى عن الصراعات التقليدية الدائرة في الوسط الفني، فأبوها إلهامي سيف النصر المُثقف والسياسي اليساري البارز.
على المستوى الفني كان اكتشاف الفنانة في أول أدوارها بمسلسل «ألف ليلة وليلة» غير مُلفت بالشكل المطلوب، فقد كان ظهورها مقروناً لدى الجمهور بالجمال وليس الموهبة، لذا أثر ذلك على قناعته بها كممثلة يُمكن أن تصل إلى درجة الاحتراف في المستقبل القريب. لكن توالي الفرص التي حصلت عليها شيرين سيف النصر في زمن قصير وقيامها بعدة بطولات مُطلقة قرب المسافة واختصر عليها الطريق فاكتسبت ثقة المُعجبين بها في وقت قياسي، إذ تم التمهيد لنجوميتها ببعض الأعمال التلفزيونية كان على رأسها مسلسل «من الذي لا يُحب فاطمة» للكاتب الكبير أنيس منصور فارتفعت أسهمها وتم تثبيتها داخل حيز البطولة واستمرت بفعل هذا الدعم إلى أن عرفت طريقها إلى السينما وباتت من عناصر الجذب في شباك التذاكر كنجمة لها اعتبارها ومكانتها.
وبالطبع كان لأدوارها مع عادل إمام تأثير كبير في تحقيق نجوميتها وتأكيدها، إذ وقفت أمامه في عدة أفلام مثل «النوم في العسل» حيث لعبت دور صحافية تُحقق بجدية في القضية المُثارة حول الظاهرة الغريبة التي ربط الكاتب وحيد حامد أطرافها ببعض المُشكلات السياسية في تنويه ذكي عن تبعات القهر وتداعياته.
وهذا الدور الذي لعبته باقتدار شيرين ابنة الكاتب والصحافي إلهامي سيف النصر كان علامة فارقة في رحلتها الفنية، فلم تكن أجواء الصحافة وخلفياتها غريبة عنها فهي محيطة بأبعادها وكواليسها.

تجربة مُختلفة

جاء فيلم «أمير الظلام» ليُمثل تجربة مُختلفة ومحطة أخرى في مشوارها مع النجم عادل إمام، فالدور اتسم في طبيعته الدرامية بالمعنى الإنساني وتميز فيه أداء البطلة تميزاً ملحوظاً إذ اعتمد على المشاعر والأحاسيس المُرهفة من جانبها تجاه البطل الطيار الذي فقد بصره جراء حادث مؤسف فاستدعى الظرف المؤلم أن تؤازره وتقف بجواره لتدعمه نفسياً ثم سرعان ما تحول الشعور الإنساني إلى عاطفة صادقة وارتباط قوي.
وباستمرار التعاون بين النجمة الشابة وعادل إمام جاءت المسرحية الكوميدية «بودي غارد» لتضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بقدرات الفنانة التي اكتسبت الكثير من الخبرات فصارت تؤدي أداءً احترافياً على المسرح مكنها من مواجهة الجمهور بشجاعة وبدون خوف وهو ما يُعد نقلة نوعية أضيفت لرصيدها كممثلة بعد ذلك.
وفي محاولة للاستفادة من نجوميتها وطبيعتها الارستقراطية جاء دورها في فيلم «سواق الهانم» أمام الفنان الراحل أحمد زكي لتُجسد شخصية الفتاة الغنية التي تمردت على التقاليد العائلية بتعاطفها مع السائق واقترابها منه كي تُثبت أنه لا فرق بين طبقة اجتماعية وأخرى إلا بالعمل الجاد والمُثابرة فهما المعيار الحقيقي لتصنيف الإنسان والحُكم عليه، وأمام إيمانها بهذه الحقيقة تحدت الفتاة الجميلة الرقيقة سليلة الحسب والنسب عادات وتقاليد وثقافة أمها سناء جميل ابنة البكوات والبشوات وفق دورها وارتبطت بالسائق وتزوجته بعد أن وجدت فيه ما افتقدته في الآخرين من ذوي الياقات البيضاء النظيفة.
وبهذا انتصرت للطبقة الكادحة وأيدت كفاحها المُتمثل في كفاح السائق الاستثنائي النبيل المُنحدر من أصول شعبية بسيطة.
وبعض تفاصيل أدوار الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر التي وافتها المنية عن عمر يناهز 56 عاماً، كان ترجمة حقيقية لثقافتها وأفكارها الاشتراكية المُنحازة لمبدأ المساواة، الرافضة للعنصرية والفوارق الطبقية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية