خيمة نزوح تتحوّل إلى روضة للأطفال في رفح

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: ألوانها زاهية من الخارج، ومن الداخل تعمها براءة الأطفال، يضحكون ويكتبون ويرسمون ويلعبون، اتخذت من «الملكية» اسما، فباتت تشبه خيمة الملوك وسط خيام النزوح والدمار. عشرات التلاميذ الصغار يقضون يومهم التعليمي فيها بعد أن حوّلها مؤسسها حسن جبر إلى روضة تعليمية وترفيهية في الوقت ذاته.
مبادرة «أول فصل دراسي للتعليم أثناء الحرب» دشنها حسن واستمدها فكرتها من روضة أطفال أسسها في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، قبل أن يدمرها القصف الإسرائيلي ويحولها إلى كومة ركام. يقول لـ«القدس العربي» إن فكرة المبادرة جاءته بعد انقطاع الأطفال لمدة 7 شهور عن التعليم، بسبب ظروف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: «كان لزاماً علينا أن نأخذ خطوة، ونبدأ في تدريس الأطفال في مراحل ما قبل التعليم الأساسي».
اتفق حسن مع معلمات رياض الأطفال والمربيات وجهّز المناهج الدراسية المطلوبة قبل دهان الخيمة وتلوينها بالألوان المبهجة الجاذبة لأعين الأطفال الصغار.
بالإضافة إلى ما سبق قام بتأثيثها بالمقاعد اللازمة، وكان الدافع الرئيسي وراء «الروضة الملكية لتعليم الأطفال» بالنسبة لمدرس رياض الأطفال الفلسطيني هو «اهتمام العديد من المبادرات بالترفيه دون تقديم خدمة للأطفال في مجال التعليم».
«خيمة التعليم» تستوعب 35 طفلاً فقط، ويحتاج حسن إلى 5 خيم أخرى، بالإضافة إلى مضاعفة أعداد المعلمات والمربيات، كي يستطيع التدريس لجميع أطفال مخيمه الواقع في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، الذي يؤوي 2000 نازح.
وأكد رفضه تكديس التلاميذ داخل الخيمة، لأن «شعار المبادرة التطوعية الجودة قبل الخدمة، وأيضاً إعطاء كل طفل حقه التعليمي في مرحلة رياض الأطفال».
ويشير إلى فرحة الأطفال الكبيرة عند رؤيتهم المقاعد الدراسية، وأنهم سيعودون مرة أخرى إلى الدراسة: «انتاب الأطفال شعور بالأمان عندما رأوا هذا المكان، خيمة تعليمية ستؤويهم وتعلمهم مثلما كان حالهم قبل الحرب».
واستطرد بقوله: «رغم أنه مع الحرب ليس هناك مكان آمن في قطاع غزة، لكن اليوم قدرنا أن نصل إلى نسبة 1 في الألف من الحالة التعليمية التي كان يعيشها أطفالنا في زمن السلم».

أول فصل دراسي للتعليم أثناء الحرب

ويوضح أن أهداف المبادرة تتضمن توصيل فكرة لكل النازحين في الخيام أنه «بتضافر الجهود، نستطيع الحفاظ على أطفالنا، وقيادتهم إلى ممارسة الحق في التعليم واللعب».
وشدد على أن أكثر فئة تضررت من الحرب هي الأطفال: «ليس لهم ذنب فيما يحدث، لذلك نقف أمام مسؤولياتنا، ونحاول تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، ندعو لأن يعيش الطفل الغزي في سلام ورفاهية مثل باقي أطفال العالم».

استجابة كبيرة

استجابة كبيرة وزحام شديد من الأهالي على خيمة «الروضة الملكية» وجدهما حسن مع الانتهاء من الشكل النهائي للخيمة، موضحاً أنه في البداية «كان النازحون يستنكرون موضوع التعليم وسط الحرب والدمار، ولكن ألوان الخيمة الزاهية جذبت أنظار الأطفال والأهالي معًا، وصار الكل يريد أن يسجل أبناءه».
ويقضي الطلاب حوالي 6 ساعات من التعليم والترفيه في خيمة «الروضة الملكية» وعندما يأتي وقت الرحيل لا يرغبون في المغادرة، لأنهم «افتقدوا إلى شعور الدراسة واللعب وتفريغ طاقاتهم الإبداعية على مدار الأشهر الستة الماضية، التي قضوها مع عائلاتهم في النزوح من مكان إلى مكان، يلاحقهم القصف والدمار والموت أينما ارتحلوا». ويناشد مؤسس مبادرة «أول فصل دراسي للتعليم أثناء الحرب» مؤسسات المجتمع المدني بالوقوف عند مسؤولياتها ودعم أهداف المبادرة المجانية في الوصول إلى جميع مخيمات النزوح في قطاع غزة، لأن «الجميع يجهلون الوقت الذي ستنتهي فيه الحرب، وهو الأمر الذي يستلزم تأهيل الأطفال للتعايش مع تلك الظروف، فالطفل هو الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع» حسب تعبيره.

مُحبّ للتعليم بطبعه

ياسمين سامي أبو مطر، معلمة رياض أطفال، كانت تعمل في رياض أطفال «الروضة الملكية» قبل قصفها في مدينة خان يونس، وهي الآن متطوعة في خيمة «الروضة الملكية لتعليم الأطفال» تؤكد أن الشعب الفلسطيني «مُحب للتعليم بطبعه» كما أن الطفل الفلسطيني «عنده غريزة حب غريبة للتعليم وإقبال على التعلم».
وتبدي تعجبها من إقبال الأطفال على الخيمة: «يومياً يأتينا 200 طالب، يرغبون في حضور أنشطتنا التعليمية المختلفة. هناك أطفال يبكون عندما نبلغ أهلهم أنهم لا يستطيعون الحضور اليوم، لأن الخيمة سعتها 35 طالباً فقط».

وتشير لـ«القدس العربي» إلى الذكاء المفرط لدى الأطفال الفلسطينيين، بالإضافة إلى جمال خطوطهم، وهي «أشياء تجعلك تستنكر أن هؤلاء تلاميذ في الصف التمهيدي».
أما عن استفادة الأطفال من مبادرة التعليم في ظل الحرب، فتوضح: «استفاد الأطفال كثيراً من الأنشطة الترفيهية والتعليمية واللعب، تلك البيئة التعليمية التي كان من المفترض أن يوجد فيها أطفال غزة، لكنهم حُرموا منها لمدة 7 أشهر».

كرامة العلم

وتوضح أن الأطفال كانوا مشتتين في أول يوم دراسي داخل الخيمة: «كانوا يحتاجون إلى تفريغ للطاقة السلبية وعمل تربوي على الجوانب النفسية، وهو ما نجحنا فيه، مرة بعد مرة بدأ الأطفال في الاستجابة الإيجابية للمحتوى التعليمي، وبدأوا في تذكر الحروف والأرقام والأشكال والمناهج التي درسوها في الشهر الأول من العام الدراسي قبل بدء الحرب».
الجهود التربوية المبذولة في خيمة «الروضة الملكية» انعكست على الطفل محمد صيام، النازح من شمال قطاع غزة إلى مدينة رفح، الذي تبددت مخاوفه من القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وأصبح يكتب ويلعب ويرسم، ويتحدى أقرانه في الأنشطة التعليمية المختلفة.
يشعر محمد بسعادة كبيرة لأنه عاد مرة أخرى إلى الدراسة واللعب، وهو إحساس افتقده كثيرًا طيلة الأشهر السبعة الماضية. وأعرب عن فرحتة خلال حديثه لـ«القدس العربي» لأن القائمين على مبادرة «خيمة الروضة الملكية» أعطوه زياً دراسياً جميلًاً عبارة عن «ترنج» رياضي مبهج.
ويقول: «أعطوني أوراقا وأقلاما لكي أكتب وأتعلم» وها هو «ينتظر حصته من الألعاب التي سيتم توزيعها في الغد القريب» وشعاره: «أتيت هنا للتعلم وعندي كرامة العلم».
وتشير احصاءات رسمية إلى أن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان بلغ أكثر من خمسة آلاف شهيد، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من مئة معلم في القطاع. وفاق عدد الجرحى أكثر من تسعمئة جريح، وهي إحصاءات تؤكد حجم الضرر الذي وقع على العملية التعليمية في قطاع غزة جراء هذه الحرب المتواصلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية