معاناة جرحى الحرب على غزة: آلام مبرحة وإرهاق نفسي وأمل في السفر للعلاج

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: قصفت طائرات الاحتلال الحربية، منتصف إبريل/ نيسان الماضي، منزل عائلة العربي في مخيم النصيرات الجديد، وسط غزة، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى بينهم أطفال. منذ ذلك التاريخ لم ينجح الأهالي وطواقم الدفاع المدني في انتشال جميع جثث الضحايا.
وكان الطفل سند العربي، البالغ من العمر عامين و3 أشهر، بين المصابين، إذ تعرض للإصابة بتمزق كبير في الوجه، استلزم أكثر من 200 غرزة جراحية، كما أصيب بتهتك في عظام ذراعه اليمنى وبتر 4 أصابع في يده اليسرى، إلى جانب قص جزء من لسانه نتيجة إصابة الوجه، وفقاً لعمته علياء العربي.

شبه ميت

وتضيف لـ «القدس العربي»: « إنه شبه ميت هذه هي حالة الطفل سند عندما عثر عليه الأهالي مصابًاً تحت الأنقاض، لكن الحمد لله كان له نصيب في الحياة».
وتواصل: «جاء سند إلى مستشفى شهداء الأقصى ممزق الأطراف، ووجهه مفتوحا بشكل فظيع» مشيرة إلى «نجاح الأطباء في إعادة ترميم أنسجة الوجه».
وتتابع: «أما اليد اليسرى فتحتاج إلى طرف اصطناعي، فيما أخفق الأطباء في إنقاذ الأوتار التي تربط بين اليد اليمنى والساعد، واستبدلوها بشرائح البلاتين، نظراً لضعف الإمكانيات في المستشفى، وسط حصار الاحتلال للمستشفيات وإصراره على عدم إدخال المساعدات الطبية اللازمة».
العمة تشير إلى أن ابن أخيها سند هو ابن وحيد لأبيه وأمه المنفصلين، وترعاه جدته، فيما فقد جده الأكبر في القصف، بالإضافة إلى 9 آخرين من أفراد عائلته.
وتتابع باكية: «أنا كنت داخل البيت وتعرضت لإصابة طفيفة في وجهي، واستُشهد ثلاثة من أبنائي. حاولت أطقم الدفاع المدني بمساعدة الأهالي انتشال جثث جميع الشهداء لكنهم لم يستخرجوا إلا جثث العم وأولاد العم والعمة، بالإضافة إلى اثنين فقط من أبنائي، بسبب قلة الإمكانات».
أطقم الدفاع المدني لم تأت إلى موقع القصف إلا بعد مرور حوالي 16 ساعة على الغارة الإسرائيلية، بسبب حظر التجوال الذي يفرضه الاحتلال في شوارع مخيم النصيرات الجديد، توضح العمة: «تعرضنا لقصف عنيف. البعض منّا بقي 16 ساعة تحت الركام».
قدمت أسرة الطفل سند الأوراق التي تبين الحالة الصحية لابنها للمسؤولين عن السماح بمرور الحالات الإنسانية الحرجة إلى مصر، لكنها حتى الآن لم تتلق أي رد.
وتناشد لسفر سند في أسرع وقت: «وضعونا على قوائم الانتظار، وطفلنا يتألم، ويتناول الحليب بصعوبة، ويأخذ الأدوية عن طريق المحاليل، ويحتاج إلى العديد من مسكنات الألم غير المتوفرة في المستشفيات، كما فشل الأطباء في تركيب كانيولا له لتلاشي الأوردة».

16 ألف جريح

وهناك من ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة للشهر السابع على غزة من يحتاجون إلى السفر للعلاج في الخارج، بسبب عدم جاهزية المستشفيات في القطاع لإجراء عمليات جراحية دقيقة لهم، حسب إسماعيل الثوابتة، مدير مركز الإعلام الحكومي في غزة، الذي أشار إلى أن 1600 جريح يمثلون 1٪ فقط من جرحى الحرب خرجوا من الأراضي الفلسطينية للعلاج.
صابرين أبو ليلة، (37 عاماً) نازحة في مخيمات دير البلح، تعول طفلة تبلغ من العمر 5 أعوام، أصيبت بشظية في رأسها إثر إحدى الغارات الإسرائيلية على غزة، ما أدى إلى إصابتها بكسر في الجمجمة، فيما فشل أطباء مستشفى شهداء الأقصى في استخراج الشظية من رأسها، وقالوا إن «ذلك قد يعود بالضرر على الطفلة المصابة».
تتألم صابرين يومياً، وهي تشاهد ابنتها تصرخ من شدة الألم كلما حاولت توقيفها على قدمها: «ابنتي لا تستطيع المشي. بدي تمشي وترجع مثلما كانت. أنا أتعذّب منذ أن أخبروني في المستشفى أن استخراج الشظية سيؤثر على صحتها».
وتشير صابرين بحرقة وألم خلال حديثها لـ«القدس العربي» إلى أن الطفلة لا تنام ليلاً من شدة الألم الذي تحدثه تلك الشظية في رأسها.
وتناشد الأم الفلسطينية النازحة المسؤولين وأهل الخير تسفير ابنتها للعلاج في الخارج: «ملأت طلب التحويل إلى المستشفيات المصرية، وحتى الآن لم يأت اسمها ضمن المسموح لهم بالسفر. ابنتي حالتها تسوء يومياً. أناشد كل الأخوة أن يساعدوني في طفلتي. عشان خاطر ربنا ما تحرموني منها».

«مخنوق ومش قادر»

أما علي أبو مصلح، 46 عاماً، فيعاني حالة نفسية سيئة على سريره داخل مستشفى شهداء الأقصى، بعد أن فقد قدميه الاثنتين وتمزقت أوتار يده وضعف بصره إثر إصابته بصاروخ موجه من طائرة حربية إسرائيلية على مقربة من المستشفى.

عدد منهم تحدّثوا لـ «القدس العربي» عن كيفية وطبيعة إصاباتهم

ومثله مثل بقية المصابين الذي ينتظرون تصريح السفر الطبي إلى مصر، وقّع على أوراق التحويلة في معبر رفح، كي يستكمل رحلة علاجه في الخارج، دون رد: «أناشد أي شخص أن يساعدني لأخرج من غزة. أنا مخنوق مش قادر. تعبت نفسياً. لو لم أمت من الصاروخ سأموت من المعاناة هنا».
وأقعد صاروخ إسرائيلي الشاب الفلسطيني محمود عدنان شكر، 29 عاماً، على كرسي متحرك، كما قصف طيران الاحتلال بيته في شمال قطاع غزة، وأجبره على النزوح إلى جنوبي القطاع، ومنذ 6 أشهر لم يتناول محمود حبة دواء واحدة، حسب تعبيره.

بصوت مبحوح يناشد الشاب الفلسطيني العشريني أصحاب القلوب الرحيمة تبني علاجه في خلال حديثه لـ «القدس العربي»: «بدي أمشي على رجلي مثل بقية الشباب. اسمحوا لي بالسفر للعلاج، غزة مفيش فيها علاج، وكمان بيتنا تعرض للقصف ودُمر بالكامل، وأصبحنا في الشارع».
وترقد ملك محمود الزبيدي، 28 عاماً، في مستشفى شهداء الأقصى، تعاني من سرطان في الرئتين، وتضخم في الغدد الليمفاوية: «حالتي متأخرة. أعاني من ضيق في التنفس وسعال وإسهال شديد، كما تصل درجة حرارة جسمي إلى 40 درجة».
تنتظر الشابة الفلسطينية العشرينية رسالة نصية على الهاتف من الجهات المختصة في مصر، كي يسمحوا لها بالسفر للعلاج، نظراً لخلو مستشفيات قطاع غزة من أي علاج للسرطان: «هنا في المستشفى لا توجد أي علاجات. أعيش على المسكنات فقط».
ويُقاسي الطفل نبيل كحيل الويلات مع مرض سرطان الدم، بعد نزوحه من غزة إلى مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، حسب جدته التي تعتني به بعد رحيل عائلته كاملة «24 شخصا» في غارة إسرائيلية على شمال قطاع غزة. وبعينين مليئتين بالدموع وصوت مختنق، تناشد الجدة أصحاب القلوب الرحيمة بتسفيره للخارج: «لازم يطلع اليوم قبل بكرا».
كانت بعوضة في مخيمات النزوح هي من كشفت عن إصابة نبيل بـ «للوكيميا» إذ انتفخ وجهه وملأت البثور جسده بعد أن لدغته بعوضة معدية أثناء لعبه خارج خيمته في رفح.
وتوضح الجدة لـ «القدس العربي»: «عرضناه على الأطباء، الذين تشككوا في إصابته بسرطان الدم، وحولوه إلى مستشفى أبو يوسف النجار، الذي لم يستطع تقديم شيء له».
حملت الجدة الطفل البالغ من العمر 3 سنوات، وتوجهت به إلى مستشفى غزة الأوروبي، وهناك تبينت إصابة بتضخم في الكبد والطحال والكُلى: «نبيل لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وعنده آلام في بطنه. فرحة عمرنا بعد 17 سنة دون إنجاب الأولاد يعيش على المسكنات، وكل دقيقة يقضيها في قطاع غزة خطر على حياته» حسب الجدة.
وهناك 10 آلاف مريض سرطان في قطاع غزة يحتاجون للسفر بعدما تسبب الاحتلال في توقف مستشفى الصداقة التركي عن الخدمة، وهو المشفى الوحيد في القطاع لعلاج الأورام، كما تم منع إدخال أدوية السرطان، وفقًا للثوابتة، الذي أكد أن 800 فقط من مرضى السرطان تمكنوا من السفر للعلاج في الخارج.
ويرجع المسؤول الحكومي السبب في إعاقة سفر الجرحى والمرضى إلى «النظام المعمول به على معبر رفح، المتنفس الخارجي الوحيد لقطاع غزة، حيث يتم السماح لسفر عدد قليل جدا من الجرحى والمرضى يومياً مقارنة بعدد من يحق لهم السفر للعلاج في الخارج وعددهم 26 ألف جريح ومريض».

«غارق في الدماء»

ويصارع محمد وليد، 29 عاماً، الموت في مستشفى شهداء الأقصى، بعدما أصيب في غارة إسرائيلية يوم 4 آذار/مارس الماضي، ما أدى إلى بتر قدميه واستئصال خصيته اليسرى، فضلاً عن إصابته بثقب في الأمعاء، وبصوت مرهق من شدة المرض يناشد المسؤولين في مصر: «هنا في غزة مفيش حل. أنا قدمت طلب للعلاج في مصر. أتمنى منكم التعجيل بالسفر، لأنني أموت».
كذلك نزحت عائشة الأحمدي رفقة زوجها وأطفالها الثلاثة إلى رفح، بحثًا عن حياة آمنة، لكنها ذات ليلة استيقظت على صوت قصف استهدف قطعة أرض خالية بعيدة عن منزلهم، لكن إصابة ابنها فاقت توقعها: «فوجئت بابني غارقًا في الدماء، والشظايا تملأ عينه، كما ملأت الجروح يد إحدى بناتي».
وضعت الأم الفلسطينية ابنها المصاب فوق كتفها، وهرعت إلى مستشفى يوسف النجار: «كنت خائفة أن يموت قبل أن أصل إلى المشفى، لكن الحمد لله وصلت وكان يتنفس، وبعد إسعافه من قبل الأطباء تبين فقدان إحدى عينيه، وإصابته بنزيف في الرأس، بسبب إحدى الشظايا».
تناشد عائشة خلال حديثها لـ «القدس العربي» «أهل الخير لتسفير ابنها، البالغ من العمر 4 سنوات، إلى الخارج، لعلاجه من نزيف الرأس. النزيف ما زال مستمراً، وهناك احتمالية أن يصاب بشلل في جانبه الأيمن. عشان خاطر ربنا شوفوا لي حل».
يبدو أن شظايا جيش الاحتلال لم تترك طفلافي غزة إلا وأصابته في رأسه، إذ يشكو الطفل سامي خطاب، 4 سنوات، أيضاً، من نزيف في الدماغ، وضعف في الإبصار، بالإضافة إلى محدودية الحركة. ويعيش سامي في خيمة في مدينة دير البلح رفقة والدته بعد استشهاد والده في غارة إسرائيلية دمرت منازلهم في شمال قطاع غزة.
أدرجت الأم ابنها في كشوف الجرحى الذين ينتظرون السفر إلى مصر عبر معبر رفح منذ شهرين، نظرًا لأن وضعه الصحي يسوء يومًا بعد يوم، تقول لـ«القدس العربي»: «طلعوا ابني من المستشفى المليء بالجرحى، ووضعوه في خيمة. خيمتنا نار».
وتناشد خروجه من قطاع غزة: «أتمنى السماح بسفري رفقة، فأنا امرأة بلا معيل بعد استشهاد عائلتي، وعندي 3 أطفال وأنا حامل «.
وتعرضت سها سامي، 27 عاماً، لإصابة بالغة في العمود الفقري، يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إثر غارة إسرائيلية على منزلهم أدت إلى استشهاد زوجها وابنها، ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل الشابة الفلسطينية على تصريح بالسفر إلى مصر رغم تقديمها على التحويلة وخطورة حالتها الصحية. تطالب سها، التي ترتدي مشد ظهر لتثبيت العمود الفقري، بسرعة خروجها من قطاع غزة: «أناشد أي إنسان يقدر يساعدني ألا يتردد في الاستعجال بخروجي، لأن المزيد من الانتظار قد يتسبب في مشكلات بالحبل الشوكي وعجزي عن ممارسة حياتي بشكل طبيعي».

«يا عالم حسّوا بنا»

فيما تصرخ الطفلة أنسام العسكري، 10 سنوات، صوتها يمكن سماعه بالكاد من وقع المرض الذي أنهك جسدها النحيل: «يا عالم. يا بشر. حسوا بينا، بيكفي» كونها تعاني من فشل كلوي، يستلزم إجراء عمليات غسيل للكُلى ثلاث مرات أسبوعياً: «لما أجت الحرب صرت اغسل مرتين فقط أسبوعياً. أنا متعبة. لا أستطيع تحمل المرض».
ولشُح المياه النظيفة، امتنعت أنسام وأصدقاؤها من مرضى الفشل الكلوي عن شرب المياه: «بطلنا نشرب المياه لما بنكون عطشانين عشان مفيش غسيل ولا أدوية. صديقتي توفيت بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية».
وتناشد خلال حديثها لـ «القدس العربي» السفر من قطاع غزة: «طلعوا بره. والله تعبنا من كلها. إحنا لسه أطفال بنشوف حياتنا».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية