مواطنون غزيون «نحن مشردون»: رسالة إلى العالم من تحت أنقاض المنازل المدمرة

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: في يوم الأربعاء 17 نيسان/أبريل الماضي، هاجمت طائرات إسرائيلية مسيرة من نوع «كواد كابتر» السكان في مخيم الجديد ببلدة النصيرات في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، عبر إطلاق الرصاص بشكل كثيف عليهم فنزحوا من منازلهم إلى المناطق الجنوبية من مدينة دير البلح، ثم بدأت الطائرات الحربية للاحتلال قصفًا عنيفًا على الأبراج السكنية في المخيم طمس معالمها بالكامل.
والأسبوع الماضي أبلغ الصليب الأحمر الأهالي بإمكانية العودة إلى منازلهم بعد انسحاب آليات جيش الاحتلال من المنطقة الوسطى، وفقًا عبد الله الطويل، أحد سكان أبراج المخيم الجديد، الذي صُدم مع العائدين من حجم الدمار الهائل الذي لحق بحوالي 50 برجًا سكنيًا في المخيم.
يصف عبد الله مشهد نزوح أهالي مخيم الجديد إلى دير البلح بينما تلاحقهم طائرات «كواد كابتر» فيقول لـ«القدس العربي»: «هربنا خائفين من الشوارع الضيقة، لأن جيش الاحتلال كان يغلق الطرق الرئيسية. نجونا من الموت بأعجوبة حتى وصلنا إلى دير البلح. أرهقنا كثرة النزوح. نريد العودة إلى حياتنا الطبيعية. لابد أن تنتهي هذه الحرب».

وبعد العودة إلى المخيم يشير عبد الله إلى العمائر السكنية التي دُمرت واجهاتها وحوائطها الداخلية ولم يبق منها إلا الأعمدة، ولم تعد تصلح للحياة.
ويقول: «معالم المخيم الجديد اختفت تمامًا» متسائلًا: «ماذا يريد الاحتلال بعد تدمير مربعات سكنية كاملة؟ لن أقول بضياع البرج الذي أسكن فيه أو المحلات أو حتى المال. هذا ليس المخيم الذي نعرفه، لم يبق لنا أي شيء».

يناشد الفلسطيني الأربعيني، مسؤولي البلدية بتوصيل المياه إلى أهالي شوارع مخيم الجديد: «منذ عودتنا ونحن نعيش دون مياه بعد ما دمر الاحتلال خطوط المياه الرئيسية».
ويطالب جميع الدول العالم الضغط على الاحتلال لإنهاء الحرب المستمرة على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي: «تعبنا! لا نقوى على الكلام حتى. أهلي تشتتوا كل واحد في منطقة. بيكفي حرب. خلي العرب يحسوا فينا شوية!».
ويشعر هشام الطويل، 35 عامًا، شقيق عبد الله، أيضًا بالضيق من استمرار الحرب، التي دمرت مأواهم، بينما يشير إلى ركام المنازل المدمرة: «هذا المنظر غير طبيعي. لقد دُمرنا. وطفحت مياه المجاري في الشوارع بسبب استهداف المرافق الصحية والبنى التحتية».
ويؤكد لـ«القدس العربي» احتراق ملابسهم والأثاث مع الشقق السكنية المدمرة، بالإضافة إلى شُح الطعام وضيق ذات اليد: «مفيش عندنا فراش أو ملابس. والأكل شحيح وغالي الثمن ولا نملك المصاري لشرائه».
ويوجه الشاب الفلسطيني رسالة للعالم بإنهاء الحرب: «يا عالم حسوا بينا! وقفوا الحرب! زهقنا تعبنا! دار عمي دمار وداري وبرجنا بالكامل. نحن مشردون!».
قبل تاريخ 7 نيسان/أبريل كان أهالي مخيم الجديد نازحون في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وعادوا إلى منازلهم بالتزامن مع انسحاب القوات البرية لجيش الاحتلال المنطقة الوسطى لقطاع غزة، وفقًا لنادية الجالي، التي فوجئت أن العمليات العسكرية لجيش الاحتلال لم تنته: «خرجنا في 17 أبريل بعد هجوم الكواد كابتر. قلنا: عملية عسكرية ستستغرق نحو 5 أيام وتنتهي».
لم تتوقع نادية استهداف الأبراج السكنية من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي خاصة أن جميع قاطنيها هم مدنيون لا يحملون السلاح.
وتكمل لـ«القدس العربي»: «أبراجنا هادئة وبعيدة عن التنظيمات السياسية، وعلى كل برج هناك لجنة مكونة 4 أفراد، لا تسمح بإخلال النظام أو تواجد أي عنصر من عناصر المقاومة الفلسطينية. هؤلاء نبعدهم جميعًا من أجل الأمان».
تجلس نادية على أنقاض المنزل يوميًا، فهي حتى الآن غير قادرة على استيعاب ما حدث: «لا أستطيع ترك منزلي. ذكريات 11 سنة ضاعت في لحظة. نحن نعيش كارثة بمعنى الكلمة بعدما تحولنا من الأمان إلى التشريد» فيما يشغل بالها سؤال واحد لا إجابة له: «لماذا فجأة أصبحت بلا مأوى؟ فجأة أصبحت في الشارع أعيش على أنقاض بيتي (مملكتي)».
ثم تنظر ربة المنزل الثلاثينية إلى حجم الدمار الذي أصاب 49 برجًا بخلاف البرج الذي تسكن فيه، وتبدأ في حصر العائلات المشردة: «هدم الاحتلال 50 برجًا متعددة الطوابق، في كل طابق حوالي 5 شقق سكنية، وفي كل برج حوالي 36 شقة. بمعنى أن 1800 عائلة قد شُردت. لو استبدلنا الأبراج بخيام للأهالي فإنها لا تستطيع استيعاب كل هذا العدد».
وتطالب بإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: «يكفي ما حدث لنا حتى الآن. انظروا إلينا بعين الرحمة. لا نريد مساعدات إنسانية أو أموالا بل نريد وقف العدوان ونحن سنتدبر حالنا. امنعوا الطائرات الحربية الإسرائيلية عن قصف منازلنا. نريد الأمان. هناك حساب عسير ينتظر من تجاهلوا حقوق الشعب الغزي».

شهداء ورضيعة تحت الركام

وليلة السبت، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي منزلًا جنوب مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة ما أدى إلى استشهاد 9 مواطنين بينهم 4 أطفال، وإصابة 30 آخرين بينهم طفلة رضيعة تم إنقاذها جريحة من تحت الأنقاض.
ووثق مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، لحظة انتشال طفلة رضيعة، لا يتعدى عمرها عامًا واحدًا، مصابة أسفل الأنقاض إثر استهداف منزل عائلة الجدبة في مخيم 2 ببلدة النصيرات، إذ ظهر الأهالي يصيحون «طفلة. طفلة. لا إله إلا الله» بينما يزيل بعضهم الركام الذي غطى جسدها بالكامل.
«بدون سابق إنذار استيقظنا على صوت الانفجار، الأشبه بزلزال مدمر، فهرعنا إلى المنزل، حيث فوجئنا بالشهداء» يقول علي الصالح، 39 عامًا، لـ«القدس العربي» أحد سكان مخيم 2 في بلدة النصيرات، أثناء عمله رفقة الأهالي وطواقم الدفاع المدني على انتشال جثث الشهداء والمصابين تحت الأنقاض، مشيرًا إلى أن الإمكانات البسيطة تعرقل إتمام عملهم في انتشال الضحايا.
وألحقت الغارة الإسرائيلية أضرارًا في منازل أخرى محيطة ببيت عائلة الجدبة المستهدف، بينها بيت سامية الفارس، 55 عامًا، الذي طارت أبوابه وشبابيكه: «كان ابني نائمًا في ذلك التوقيت، واستيقظ فزعًا مع سقوط شباك غرفته عليه».

وتضيف لـ«القدس العربي»: «خرجنا مسرعين بعدما انهارت باب الدار الذي يأوي العشرات من السكان بينهم نازحون من المخيم الجديد».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية