مجازر في رفح: سقوط 28 شهيداً بقصف 11منزلاً

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: استبق الاحتلال دعوته سكان شرق رفح للإخلاء، بتنفيذ مجازر تواصلت بين مساء الأحد وفجر أمس الإثنين، حيث قصف 11 منزلاً ما أسفر عن سقوط 28 شهيدا. فقد قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل عائلة قشطة في حي التنور، غربي مدينة رفح، ما أسفر عن استشهاد 9 مواطنين بينهم الطفل الرضيع، هاني محمود قشطة، 7 أشهر، وأختاه الصغيرتان قمر ورؤى، 4 و5 أعوام على الترتيب، ليلحق الأولاد بالأم فداء الشاعر والأب هاني قشطة.
والمفارقة أن هاني الصغير من مواليد الحرب، فقد وُلد إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واستُشهد في الحرب بعد أقل من 7 أشهر على مولده، ففي يوم مولده قُصف منزل عائلته في رفح بينما كان جنيناً في بطن أمه، التي تم نقلها والأب هاني الكبير إلى مستشفى الهلال في حالة حرجة، حيث نجح الأطباء في توليدها مبكراً قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد الولادة.
وقال الطبيب محمد سلامة، رئيس وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى الهلال، الذي أجرى عملية ولادة قيصريه للشهيدة فداء في الشهر الثامن للحمل: «خرج هاني إلى النور من الظلام. خرج الحي من الميت تحت الركام. دخل الرضيع إلى الحضّانة في وضع صعب جداً، يعاني ضيقاً في التنفس، بعد موت أمه في القصف. تمت رعايته حتى استفاق».
وتابع لـ «القدس العربي»: «تفاجأ الجميع باستشهاده خلال فترة إسرائيلية استهدفت منزل لعائلة قشطة، ليلتحق بأمه وأبيه».
وكتب موظفو مستشفى الهلال في بيان المعلومات الخاصة بهاني داخل وحدة رعاية حديثي الولادة: «طفل الشهيدة فداء الشاعر».
وعن ذلك يوضح الطبيب محمد سلامة: «في العادة نكتب: طفل الأم فلانة، لكننا أضفنا لفظة (الشهيدة) إلى الأم، تكريمًا للشهيدة فداء الشاعر، وابنها الذي وُلد يتيم الأب والأم، وخرج إلى الحياة مصارعاً كل الظروف المحيطة بمولده».
وبينما كان هاني الصغير في الحضّانة جلست جدته آلاء قشطة إلى جوار سريره الزجاجي تنوح: «أمك وأبوك ماتا يا حبيبي. يا شماتة العرب فينا! قطعنا أملنا في العرب يا رب! حسبي الله ونعم الوكيل».
وتعرب عن أملها خلال حديثها لـ «القدس العربي» بالعثور على مكان آمن، لتربية الأطفال الثلاثة الأيتام «هاني ورؤى وقمر»: «الوضع صعب! أين أجد مكانًا آمنًا أربي فيه هؤلاء الأطفال؟ من يرحمني فيهم؟».
وبعد أقل من 7 أشهر على مولد هاني، قرر الاحتلال أن يقضي على ما تبقى من عائلة هاني قشطة، فقصف منزلهم غربي رفح، ليموت الأطفال الثلاثة رفقة 6 شهداء آخرين من عائلة قشطة، انتُشل بعضهم أشلاء، وهم، شادي محمود قشطة، 28 عاماً، ومحمود علي حمدان قشطة، 68 عاماً، وشهد محمود علي قشطة، 21 عامًا، ومي حجازي قشطة، وحياة نصار حسين قشطة، 60 عاماً، وليان فادي محمود قشطة.

شهادات لـ «القدس العربي» من ذوي الضحايا

بعد انتشال هاني من تحت الأنقاض جثة هامدة، وقف خاله وخالته يحملانه، وهما في حالة من الذهول، حيث صرخ الخال متسائلاً، خلال حديثه لـ «القدس العربي» وهو يشير إلى جثة الطفل: «هل هذا صاروخ؟! كيف بده يطير يا ربي هذا؟! وينكم يا عرب؟!»
أما الخالة فاحتسبت الله في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتساءلت أيضًا: «ما ذنب هذا الطفل يُولد ويُستشهد في الحرب؟ ماذا فعل؟! ماذا فعل هذا الطفل لكل الدول التي تشاهدنا في صمت؟!».
ووجهت تساؤلها إلى الدول العربية خلال حديثها لـ «القدس العربي» «ماذا فعل هذا الطفل؟ ماذا فعلنا؟ كل هذا عشان بندافع عن فلسطين؟!».
وتابعت: «فلسطين لنا وستظل لنا إلى يوم الدين، ولن يأخذها الاحتلال، وسنظل صامدين وبإذن الله سننتصر عليهم».

النفس الأخير

وليل الأحد – الإثنين، ارتقى شهداء بينهم ثمانية أطفال، كما أصيب العشرات إثر قصف طائرات الاحتلال 11 منزلاً في رفح، وتضمن القصف 3 منازل في حي الجنينة، بينها منزل عائلة أبو لبدة في شارع جامعة القدس، حيث استشهد 4 مواطنين، طفلان وامرأتان، وأصيب آخرون، والشهداء هم الطفل محمد أحمد محمد أبو عاذرة، الطفلة ريمان أحمد محمد أبو عاذرة، وسهى مروان عيسى أبو لبدة (الجمل) ونادية إبراهيم موسى أبو لبدة.
ونقلت سيارات الإسعاف المصابين إلى مستشفى أبو يوسف النجار، حيث قيّم مدير المستشفى، مروان الهمص، الحالات بأنها «متوسطة إلى خطيرة» وقال إن «الإصابات معظمها لنساء وأطفال وتتضح عليها الحروق».

وأشار لـ «القدس العربي» إلى حريق اندلع في المنزل في المستهدف لأن «رائحة البارود والدخان وصلت إلى المستشفى».
أحمد رضوان، أحد العاملين في طواقم الدفاع المدني في رفح، يؤكد لـ «القدس العربي» أن الاحتلال يقصف المنازل في رفح دون سابق إنذار، ما يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء أو المصابين، وتدمير البيت المستهدف بالكامل «يصبح أثراً بعد عين» بالإضافة إلى تضرر المنازل المجاورة.
وكان حظ عائلة مصلح سيئاً، لأن الخيمة التي نزحوا إليها في رفح كانت مجاورة لأحد المنازل التي استهدفها الاحتلال يوم 24 أبريل/ نيسان الماضي، إذ فوجئ أفراد العائلة بسقوط ركام المنزل على الخيمة وإصابة اثنين من أبنائهم.
تقول الجدة سميرة مصلح، 65 عاماً: «كنا قاعدين في أمان الله، وفجأة سقطت الركام علينا، فأصيب ابني وحفيدي».
«وين نروح؟» تتساءل المسنة الفلسطينية، التي اختارت رفقة عائلتها الإقامة في خيمة، طلبًا للأمان، عن الأماكن الآمنة في قطاع غزة: «كنا نحسب أن الخيام آمنة، لكن وين ما تروح في فلسطين مفيش أمان.. إلى أين نذهب؟».

وين نروح؟

واستنكرت خلال حديثها لـ «القدس العربي» إقدام الاحتلال على قصف المنازل دون تحذير السكان: «سمعنا أن الجيران اللي تم استهداف بيتهم عندهم أشلاء وشهداء. الله يلطف بهم».
وتناشد السيدة الفلسطينية قادة الدول العربية بالتدخل، وممارسة كل الضغوط على الاحتلال من أجل إنهاء تلك الحرب.
ويشير رضوان إلى أنهم في الدفاع المدني حينما يسمعون عن قصف منزل في رفح فإنهم يكونون متأكدين من أن جميع الشهداء عبارة عن أشلاء ممزقة «قطع صغيرة يصعب التعرف عليها، وأن الجرحى إصاباتهم خطيرة جداً».
وعن طبيعة الإصابات يوضح أنها «تكون عبارة عن بتر في الأطراف أو نزيف داخلي أو خارجي، وهي إصابات يصعب التعامل معها ميدانيًا أو في المستشفيات، وفي الغالب تودي بصاحبها إلى الموت».
وتواجه طواقم الدفاع المدني ضعفاً كبيراً في الإمكانيات المادية، والتي تمثل عائقًا وتحديًا كبيرًا أمامها، لكنها مع ذلك تستمر في تقديم الخدمات لأهالي قطاع غزة، وفقًا لعامل الدفاع المدني الفلسطيني: «دائمًا ما نحاول التعافي من أي استهداف، واستخراج الشهداء والمصابين في أسرع وقت، ولكن إمكانياتنا قليلة جدا وهذا هو العائق والتحدي الحقيقي».
وتنقل سيارات الإسعاف الشهداء والمصابين جراء القصف المتواصل على رفح إلى مستشفيي الكويتي التخصصي وأبو يوسف النجار.
وعن طبيعة الإصابات أفاد جمال الهمص، مدير المستشفى الكويتي، باستقبالهم عشرات الإصابات يوم أمس «جميعها كانت بالغة الخطورة، في الصدر والرأس والرقبة، كما أن نسبة الوفاة كانت عالية جداً فيها».
وأشار لـ «القدس العربي» إلى إصابة حاول الأطباء إبقاءها على قيد الحياة قبل استشهادها: «قدموا لها الإسعافات، بالإضافة إلى تدخل جراحي، ولم يتمكنوا من إنقاذها، لأن الإصابات كانت في الرأس والرقبة والصدر، بسبب الشظايا التي سكنت تلك المناطق من الجسم نتيجة الاستهداف المباشر لمنزلها في محافظة رفح».
وصُدم محمد أبو ندا، 29 عاماً، من منظر الشهداء والمصابين، الذين سقطوا في قصف أحد المنازل في رفح، وذلك أثناء توقفه لمساعدة الأهالي وطواقم الدفاع المدني في انتشال الضحايا، عدولاعن طريقه لشراء طعام الفطور لأسرته التي تقطن في إحدى الخيام
يقول الرجل بألم لـ «القدس العربي»: «المنزل المقصوف كان جميع سكانه من الأطفال والنساء، ولا يوحد فيه ولا رجل».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية