خطوة سموتريش المصرفية… انهيار للسلطة و”أوسلو” أم تمهيد لـ”عِملة دولة فلسطينية”؟

حجم الخط
0

لقد بقي يومان فقط لمنع انفصال البنوك الفلسطينية عن منظومة إسرائيل البنكية. لا يبدو أن الحكومة مستعجلة لفعل شيء بهذا الشأن. وزير المالية، سموتريتش، يصمم على الوصول إلى فصل بنكي كهذا، ومن كان يستطيع وقفه، رئيس الحكومة نتنياهو، لا يسارع إلى عقد الكابنيت السياسي – الأمني لاتخاذ قرار يتجاوز الوزير. إذا لم يتم عقد الكابنيت حتى الجمعة وإذا لم يتم اتخاذ قرار آخر فيه، فستبدأ من الإثنين القادم قطيعة للبنوك الفلسطينية عن المنظومة البنكية في إسرائيل – وعن كل العالم.

بنكا “ديسكونت” و”هبوعليم” هما اللذان يجريان الآن اتصالات البنوك الفلسطينية مع المنظومة البنكية. هما يعملان كبنكين رابطين – أو مراسلين – للبنوك الفلسطينية مع المنظومة المصرفية في إسرائيل وكل العالم المالي. كما هو معروف، يقوم الاقتصاد الفلسطيني على الشيكل، لذا يجب أن تمر علاقته مع العالم عبر بنك إسرائيل المركزي والبنوك الإسرائيلية. في اتفاق أوسلو، التزمت إسرائيل أيضاً بوجود هذه العلاقة البنكية.

لكن هذين البنكين الإسرائيليين يعرضان أنفسهما لمخاطرة كبيرة لأنهما ضامنين للبنوك الفلسطينية، ولأن البنوك الفلسطينية ترفض الامتثال لقواعد حظر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. عملياً، تضع السلطة الفلسطينية العقبات أمام إجراء تفتيش دولي، الذي سيتأكد من عدم ارتكاب البنوك الفلسطينية مخالفة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب. في ظل غياب هذه الرقابة، وإذا تبين أن البنوك الفلسطينية مولت الإرهاب، فستكون البنوك الإسرائيلية الضامنة معرضة لتقديم دعاوى ضدها، بما في ذلك دعاوى جنائية.

هذا هو السبب الذي من أجله، منذ العام 2009، يريد البنكان وقف العلاقة مع البنوك الفلسطينية، وإسرائيل هي التي توسلت لهما خلال هذه السنين من أجل الاستمرار في ذلك. ولإقناع هذين البنكين على الموافقة على الاستمرار في ذلك، اتخذت الدولة ثلاث خطوات: أولاً، أقامت شركة حكومية باسم شركة المراسلة محدودة الضمان، التي تكون مسؤولة عن العلاقة مع البنوك الفلسطينية. ولكن الشركة لم تبدأ في العمل بعد. ثانياً، تعد الدولة البنكين بالحصانة أمام الدعاوى الجنائية في إسرائيل، ووعدت بالحماية من الدعاوى المدنية التي تقدم ضدهما. مؤخراً بسبب زيادة المخاطرة بتقديم دعاوى بسبب تمويل الإرهاب في أعقاب 7 أكتوبر، طلب البنكان زيادة حجم التغطية المعطاة لهما.

الحماية والتعويض اللذان تعطيهما لهما المحاسب العام في وزارة المالية، سينتهيان الأحد 31 آذار. في الوضع العادي كانت الدولة ستستأنف هذه الحماية وتجري مفاوضات مع البنكين حول ما يتعلق بطلبهما زيادة مبلغ الحماية (التعويض)؛ لكن الدولة لم تبدأ هذه المرة بإجراءات تمديد الحماية. وحسب وضع الأمور الآن، ستنتهي الحماية ولن تجدد الأحد.      

انتقام سموتريتش

سبب عدم تمديد التعويض “الحماية”، هو قرار وزير المالية سموتريتش معاقبة الأمريكيين والبنوك الإسرائيلية على تفعيل العقوبات على بعض المستوطنين المتطرفين. ولأن الإدارة اعتبرت المستوطنين المتطرفين إرهابيين، فإن جميع البنوك في العالم الخاضعة لقواعد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب كان عليها وقف نشاطاتهم المالية. هكذا فعلت البنوك في إسرائيل عندما أغلقت حساباتهم. غضب سموتريتش من هذه الخطوة، رغم أن الأمر يتعلق بعدد محدود من الإسرائيليين مقابل آلاف الإرهابيين الفلسطينيين الذين تم تجميد حساباتهم استناداً لنفس السياسة، لذلك قرر القيام بخطوة مقاطعة البنوك الفلسطينية بواسطة وقف الحماية المعطاة لبنكي هبوعليم وديسكونت.

بدون هذه الحماية، يتوقع إعلان هذين البنكين بدءاً من الأسبوع القادم وقف النشاطات مع البنوك الفلسطينية. وقد تكون والتداعيات المالية باهظة: أي شركة إسرائيلية تجري علاقات تجارية مع السلطة الفلسطينية لن تستطيع إيداع الشيكات الفلسطينية أو الحصول على دفعات من البنوك الفلسطينية. يدور الحديث عن إضرار كبير بكل من له علاقات تجارية مع فلسطينيين. ببساطة، لن يحصلوا على الدفعات التي يستحقونها.

والعمال الفلسطينيون الذين حسب قرارات الحكومة يجب أن يحصلوا على رواتبهم عن طريق البنك وليس نقداً، لن يتمكنوا من تسلم رواتبهم في البلاد، ويجب أن يكون الدفع لهم نقداً فقط.

إذا لم يكن هذا كافياً، فسيتم قطع السلطة الفلسطينية نفسها عن العالم المالي وعن اقتصاد إسرائيل – فصل سيؤدي إلى انهيارها. عملياً، قد يتدهور الاقتصاد الفلسطيني إلى مستوى غزة بكبسة زر. التداعيات من ناحية إسرائيل كارثية. انهيار الاقتصاد الفلسطينية والسلطة الفلسطينية يعارض مصلحة إسرائيل، وإن عودة الاقتصاد الفلسطيني إلى الاعتماد على الدفع نقداً فقط في ظل غياب علاقات بنكية، ستفاقم خطر تمويل الإرهاب.

بشكل عام، هي خطوة ستفسرها العالم بأنها خرق لاتفاق أوسلو، ومحاولة متعمدة لتدمير السلطة الفلسطينية. لذلك، يتوقع حدوث تداعيات خطيرة:

أولاً، ربما يؤدي هذا إلى فرض مقاطعة للبنوك الإسرائيلية بذريعة أنها بذلك تتعاون مع الحكومة على تدمير البنوك الفلسطينية. بدلاً من أن تدخل البنوك الفلسطينية إلى حصار، قد تجد البنوك الإسرائيلية نفسها في حصار دولي، وإذا حدث ذلك فسينهار اقتصاد إسرائيل.

ثانياً، إذا ظهرت إسرائيل على أنها خارقة لاتفاق أوسلو وتعمل على تدمير المنظومة المالية الفلسطينية، فسيكون للسلطة الفلسطينية شرعية في إصدار عملة خاصة بها، وتطالب العالم الاعتراف بها. وإذا حدث ذلك، فهي الخطوة الأولى قبيل اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة. المعنى، أنه بدلاً من تدمير السلطة الفلسطينية، فقد تكون هذه العملية خطوة أولى لإقامة الدولة الفلسطينية.

       الحكومة تقوض مصلحة إسرائيل

الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، جميعها تدعم استمرار العلاقة مع البنوك الفلسطينية، وهذا هو السبب في إغراء إسرائيل بنكي العمال وديسكونت طوال السنين للاستمرار في هذه العلاقة بضمان حماية وتعويض في حالة تقديم أي دعاوى ضدهما. هذا إلى أن جاء سموتريتش الذي يرفض استئناف العلاقات مع البنوك الفلسطينية حتى مقابل مخاطرة بأنها خطوة ستؤدي بشكل معاكس إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

التقدير حتى الفترة الأخيرة هو أن الأمريكيين سيتدخلون ويطلبون من نتنياهو تجاوز سموتريتش واتخاذ قرار حول تمديد التعويض والحماية في الكابنت السياسي – الأمني. ولأن نتنياهو منشغل بمقاطعاته الخاصة، فهو الآن يقاطع الإدارة الأمريكية. بناء على ذلك، امتنع نتنياهو حتى الآن الإعلان عن عقد الكابنت وعن طرح موضوع الحماية والتعويض لمناقشته. نأمل عقد الكابنيت في الأيام القريبة القادمة. ولكن لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار حول ذلك.

 ميراف ارلوزوروف

 هآرتس/ ذي ماركر 28/3/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية