تحويل رواتب “عمال داخل الخط الأخضر” إلى البنوك الفلسطينية.. تطمينات رسمية بعد “إضراب تاريخي” على المعابر- (صور)

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله- “القدس العربي”: بعد إضراب وصف بـ “التاريخي” نفذه قطاع كبير من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 لأول مرة، بدأت تتوالى التصريحات والتطمينات والقرارات الرسمية في محاولة لتجاوز مفاعليه، وتحديداً بعد أن أظهر العمال الفلسطينيون قدرتهم على الحشد والتعبئة عبر تنفيذ إضراب على المعابر الإسرائيلية الرابطة مع المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948.

وبدأ الإضراب مع ساعات فجر الأحد الأولى ولغاية الساعة الثامنة صباحاً، حيث تجمهر آلاف العمال على المعابر، ورفضوا الدخول لمزاولة أعمالهم اليومية مُعبرين عن رفض كبير لقرار تحويل مستحقاتهم المالية عبر البنوك الفلسطينية.

وعكس نجاح الإضراب حالة كبيرة من عدم الثقة بالحكومة الفلسطينية التي رحبت بالقرار الإسرائيلي الذي جاء متماشيا مع سياسات مالية احتلالية تهدف إلى تقليل التعامل بـالنقد/”الكاش”.

أبرز التصريحات الرسمية جاءت على لسان رئيس الوزراء محمد اشتية، الذي شدد على أن القرار الإسرائيلي المتعلق بتحويل أجور العمال إلى البنوك الفلسطينية لن يترتب عليه أي ضرائب من قبل الحكومة، لا ضريبة دخل ولا ضريبة قيمة مضافة.

وأضاف رئيس الوزراء في كلمته بمستهل جلسة الحكومة، اليوم الإثنين، أن هذا القرار لن يترتب عليه أي رسوم أو عمولات من البنوك، “وفي حال واجه أي عامل مشاكل مع البنوك عليه التوجه إلى سلطة النقد الفلسطينية”.

أظهر العمال الفلسطينيون قدرتهم على الحشد والتعبئة عبر تنفيذ إضراب على المعابر الإسرائيلية.

القرار الرسمي الأهم جاء من سلطة النقد الفلسطينية التي أصدرت تعليمات جديدة تلزم بموجبها المصارف بعدم استيفاء أية عمولات أو رسوم على أجور العمال العاملين في أراضي الـ48، كما طالبت المصارف بتسهيل إجراءات فتح الحسابات للعمال بهدف تسهيل استقبال واستلام أجورهم، والاستفادة من الشبكة المصرفية والخدمات التي تقدمها المصارف للجمهور.

وأوضحت سلطة النقد، في بيان صحفي، أن العامل سيستلم أجره من البنوك كاملا دون اقتطاع أية رسوم أو عمولات أو ضرائب، وأن القانون يكفل سرية البيانات والمعلومات للمتعاملين مع المصارف، مبينة أن عملية تحويل أجور العمال للمصارف هي إجراءات فنية تهدف إلى تحويل العمليات المالية مع الجانب الإسرائيلي إلى معاملات الكترونية من خلال الحد من استخدام النقد، والاعتماد بشكل أكبر على الشبكة البنكية بين الجانبين لتنفيذ التحويلات كبديل عن استخدام الكاش.

وأشارت إلى أن تنفيذ المرحلة الأخيرة من قانون خفض استخدام النقد (الكاش) في إسرائيل مطلع العام المقبل سيحول دون قدرة المشغلين في الداخل على تسديد أجور العمال نقدا، حيث سيصبح الحد الأعلى المسموح به للتعامل بالنقد 6000 شيقل.

وقالت سلطة النقد إن تنظيم عملية تحويل أجور العمال إلى المصارف يهدف بالأساس إلى الحفاظ على حقوق العمال، وتمكينهم من الاستفادة من الخدمات المالية والمصرفية وبرامج التمويل التي تقدمها المصارف.

وتؤيد الحكومة الفلسطينية قرار تحويل أجور العمال شهريًا من المشغل الإسرائيلي إلى البنوك الفلسطينية باعتبارها تصب في مصلحة العمال وتقلل من فرص استغلالهم عبر نظام سماسرة التصاريح، وهو أمر يشكك فيه قطاع عريض من العمال.

خطوة أولية

واعتبر مراقبون “الإضراب العمالي الأول” الذي ينظم من عمال فلسطينيين يعملون في الداخل المحتل، مستهدفا الجانب الإسرائيلي وكذلك السلطة الفلسطينية، حيث تشير التقديرات الأولية أن نسبة المشاركة فيه وصلت 60% من نسبة العمال الذين يقدر عددهم بـ 150 ألف عامل بحسب تقديرات غير رسمية.

واعتبر ممثلون عن الاعتصام بأن الإضراب “مجرد خطوة أولية”، وفي حال لم يتوصلوا إلى حل يرضيهم فإنه لن يكون الخطوة الأخيرة.

وشدد العمال على أن الحل المرضى بالنسبة لهم هو “وقف قرار تحويل الرواتب عبر البنوك”.

وزير العمل الفلسطيني: القرار بتحويل الرواتب عبر البنوك هو قرار إسرائيلي ولا توجد لوزارة العمل صلة به.

وتشير تقديرات أولية أن نسبة تفوق الـ50% من العمال يملكون تصاريح من خلال “السماسرة” الذين يحصلون على نسبة من التصاريح من جهات إسرائيلية، وهؤلاء يقومون ببيعها إلى عمال فلسطينيين مقابل مبلغ مالي يصل إلى 2200 شيقل (650 دولار أمريكي)، أما في حال قرار تحويل الراتب عبر البنوك بشكل شهري فإن ذلك سيترتب عليه إيقاف هذا النوع من تصاريح العمل.

ويعتبر ممثلو العمال في النسبة العالية من العمال الذين يعملون بنظام المياومة أو بالأجر الأسبوعي أكبر مشكلة تعيق تنفيذ القرار الإسرائيلي حيث يتلقون نظير عملهم أجرا يوميا أو أسبوعيا كما أنهم يعملون مع أكثر من مشغل بحسب ما يتوفر من فرص عمل.

ولا يخفي العمال أبرز مخاوفهم من الإجراء الجديد، حيث يتوقعون أن يترتب على تحويل رواتبهم ضرائب فلسطينية.

يذكر أن وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش أقر، في حديث صحافي، أن القرار بتحويل الرواتب عبر البنوك هو قرارٌ إسرائيلي ولا توجد لوزارة العمل صلة به.

وترى وزارة العمل أن الإجراء الجديد يضمن حق العامل الفلسطيني، لأنه يصرح عن كامل الراتب وهو ما يضمن له كامل حقوقه المالية، ويضمن القضاء على ظاهرة سماسرة التصاريح، كما أنه يمنح العامل حرية أكبر في التنقل من عمل لآخر، كونه لا يرتبط بالمشغل الذي كان يصدر له التصريح ويجبره على العمل معه.

واعتبر أبو جيش عملية تحويل الأجور للبنوك بالعملية المفيدة للعامل، فهي تعطيه وثيقة بأنه يعمل بهذه المنشأة أو تلك.

وشدد وزير العمل على أن تحويل أجور العمال ليس إجباريا، ولم تطلب وزارة العمل أو سلطة النقد من أي عامل تحويل راتبه، مؤكدا أنها “خطوة مفيدة للعمال وستساعدهم على ضمان حقوقهم”.

بدوره اعتبر عبد الحكيم الشيباني، عضو الدائرة القانونية في اتحاد نقابات عمال فلسطين، أن هناك تقصيراً كبيراً يقع على عاتق الجهات الرسمية في توضيح فوائد تحويل مستحقات العمال عبر البنوك الفلسطينية، وهو أمر وضع العمال في حالة من التخبط الذي قاد إلى الإضراب.

ويرى أن هناك حالة من حفظ الحقوق المالية للعمال في حال كان هناك قسيمة راتب شهرية. ومع ذلك شدد الشيباني على حق العمال في الشعور بالخوف في ضوء عدم وجود جهات فلسطينية تزيل هذه المخاوف وتوعي حول هذا الإجراء.

تعكس أزمة ثقة

وبحسب الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة فإن إضراب العمال هو انعكاس لأزمة وليس عنوانا لها.

وأضافت: “أساس أي عقد اجتماعي في أي مجتمع هو الثقة، وهذه الثقة تأتي من إثبات منظومة الحكم جدارتها بهذه الثقة من خلال النزاهة والشفافية وسيادة القانون واستقلال القضاء، وكل هذا لا يأتي إلا من خلال منظومة حكم تخضع للقانون والمساءلة الدورية من خلال الانتخابات”.

وتابعت أنه مع غياب هذه الثقة وأي من مقوماتها، وفي غياب أي محاولة لوجودها، “ينهار العقد الاجتماعي تماما كما نحن نشاهد الآن في كثير من جوانب الحياة، وإضراب العمال دليل ومؤشر على ذلك”.

الباحث الفلسطيني والمحاضر في جامعة بيرزيت عبود حمايل يقدم بدوره قراءة أوسع للقرار الإسرائيلي الأخير والترحيب الفلسطيني به، فبعد أن حاول الاحتلال ونجح جزئيا في فرض بنية معقدة تتحكم بحركة الأجساد التي تدخل وتخرج إلى الداخل الفلسطيني من خلال نظام التصاريح، يتم الآن محاولة فرض منظومة رقابة مالية تهدف إلى تحقيق ثلاثة أمور، وهي على النحو التالي، أولا: تحقيق الحد من دور الاقتصاد غير الرسمي المبني على “التداول” النقدي المباشر بين العامل في الداخل ومشغله، الرقابة على حركة الأموال من وإلى الداخل الفلسطيني المحتل ثانيا، وثالثا بناء منظومات تخدم رفد البنوك الفلسطينية ورأسمالها بسيولة تمكن عمليات الإقراض للقطاع العام والخاص، وفارضة على أكثر من 200 ألف عامل دخول منظومة البنوك الفلسطينية.

ويضيف حمايل: “سيتم الحديث عن العديد من المزايا، مزايا لقطاع البنوك الفلسطيني، ومزايا للتداول المالي من خلال البنى الرسمية، ومزايا لعمليات الإقراض، ومزايا ترتبط بالمخاطرات المالية التي تستطيع منظومة البنوك أخذها، أي قدرتها توفير أموال/ سيولة لمشاريع اقتصادية انتاجية تعود بنفع اقتصادي للبلد، كما لا يمكن نسيان أن البنوك توفر قروضاً لعمليات الاستهلاك المضمونة (البيت والسيارة وإقراض القطاع العام)، وأنها تبتعد عن لعب دور في بناء قطاعات حيوية- صناعة وبنى تحتية وزراعة وطاقة- ومشاريع كبرى واستراتيجية ذات عائد اقتصادي وسياسي مهم للمستقبل”.

العاروري: أهم أولويات العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الخضر تشكيل نقابة عمال خاصة بهم مسجلة في وزارة العمل، ومستقلة عن الاتحاد العام لنقابات العمال.

ويرى حمايل أنه في ضوء ذلك فإن جوهر هذه السياسات المالية يكمن بمحاولة السلطة والمانحين والاحتلال عدم ترك أي “هامش” أو هوامش من التداول الاقتصادي أو الاجتماعي الإنساني دون عبور ذلك التداول من خلال منظومات التحكم والسيطرة والرقابة. وكأن السلطة تبحث دوما عن فضاءات مظلمة، ومن ثم تحاول أن تُنيرها، أن تراها، وأن تفهمها، وأن تجعلها تداولا مفهوما يمر عبرها، تداولا يُمكن إما الاستفادة منه أو السيطرة عليه.

ويستحضر المحاضر حمايل بدايات بحث السلطة الفلسطينية عن سيولة مالية، معتبرا أن المسألة لم تبدأ مع مشروع ربط دخل “عمال الداخل” بالبنوك الفلسطينية، ولكنه بدأ في محاولة فرض منظومة ضمان اجتماعي من دون أن يكتب لها النجاح.

ويتابع قائلا: “بحث السلطة أساسه الحاجة للسيولة في ظل تذبذب المانحين والتمويل الخارجي في الأعوام الستة الماضية، ومحاولة ابتداع سياسات تخدم مصالح رأسمال الفلسطيني، واستدخال وخلق ميكانيكيات الهيمنة على شرائح اجتماعية مُتحررة من سطوة السلطة المالية، أي لا ترتبط نجاتها الاقتصادية على وجود السلطة، وهي سياسات تم “خلقها” في مختبر البنك الدولي”.

أما الباحث الحقوقي ماجد العاروري فتساءل عن أسباب عدم تشيكل “عمال الداخل” نقابة خاصة بهم؟

وبحسب العاروري، فإن أهم أولويات العمال الفلسطينيين العاملين في داخل الخط الخضر تشكيل نقابة عمال خاصة بهم مسجلة في وزارة العمل، ومستقلة عن الاتحاد العام لنقابات العمال، تكون منتخبة بشكل ديمقراطي ودوري، هدفها تحسين أوضاع وظروف عملهم، ويتولى مجلس نقابتها المنتخب التفاوض بشأن أية إجراءات تتعلق بمصالحهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية