نتنياهو يفضّل رفح على الرياض.. فيما مزاج إسرائيل يتجه لـ”صفقة الآن أهم من انتصار في غزة”

وديع عواودة
حجم الخط
0

 الناصرة: “القدس العربي”: إزاء المساعي المصرية الحثيثة لإحداث اختراق في المداولات العالقة، يحتدم الجدل في إسرائيل حول الخطوة المطلوبة منها الآن للخروج من مأزقها؛ الذهاب لصفقة مرحلية، وللرياض، أم إلى رفح.

وتتفاوت المعلومات حول ملامح الصفقة المتداولة، وهي مزيج مقترحات مصرية وإسرائيلية تمّت بلورتها خلال زيارة بعثة أمنية لتل أبيب، يوم الجمعة، برئاسة وزير المخابرات عباس كامل. لكن في الجوهر، وطبقاً للتسريبات فقط، يدور الحديث عن اعتماد منطق المرحلية، لا صفقة بدفعة واحدة، وتشمل استعادة نحو 30 محتجزاً إسرائيلياً من المرضى والجرحى وكبار السن، مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب الاحتلال من محور جحر الديك إلى شارع الرشيد والذي يبتر القطاع لنصفين، تمكين الغزيين من العودة للشمال، وهدنة طويلة دون ذكر إنهاء الحرب.

لبيد: نعم، كنت لأوقف الحرب، وأتنازل عن رفح، وأعيد المخطوفين، فبمقدورنا العودة للقطاع مستقبلاً متى نشاء

وهنا يقول مصدر إسرائيلي لصحيفة “هآرتس”، اليوم، إنه من المبكّر تحديد الموقف هل تذهب إسرائيل باتجاه المقترح المصري أم إلى رفح.

في التزامن، يقول مصدر أمني إسرائيلي للإذاعة العبرية العامة: “إننا مصمّمون على اجتياح رفح، لكننا سنعطي فرصة أخيرة لصفقة“. وبخلاف تصريحات تنسب لمسؤولين إسرائيليين، تقول مصادر إسرائيلية، محجوبة الهوية هي الأخرى، في تسريبات صحفية، إن إسرائيل تبدي موافقة على مطالب حمساوية رفضتها في السابق، لكنها مصمّمة على رفض إنهاء الحرب والانسحاب التام من القطاع ومطالب أخرى.

المزاج العام

تزامناً مع التسريبات عن مساعي الصفقة، التي تعتبرها بعض الأوساط فرصة أخيرة، تفيد قرائن متنوعة أن مزاج مجمل الإسرائيليين قد تغيّر لصالح إنجاز صفقة فوراً، خاصة في التزامن مع عيد الفصح عيد الحرية، الذي امتاز بهيمنة مشاعر حزن وإحباط: أدى استمرار الحرب المكلفة دون نتائج إلى فهم لدى إسرائيليين كثر بأن الضغط العسكري بات غير مُجدٍ، وربما يسبّب حرباً واسعة مع “حزب الله” وإيران، بقاء نحو 100 ألف إسرائيلي نازح دون حلّ، تحذيرات جنرالات في الاحتياط وأوساط معارضة مؤثّرة في الرأي العام من مواصلة التأجيل والمضي في القتال والذهاب في “مغامرة خطيرة” لرفح. كذلك تضامن وسائل إعلام عبرية مع  مطلب عائلات المحتجزين باستعادة أقاربهم فوراً، ومع وقف الحرب، أكثر من أي وقت مضى. ويضاف لها الاحتجاجات الواسعة في العالم على الحرب، والتي حوّلت إسرائيل لدولة منبوذة، ما يهدد الإسرائيليين واليهود ويثير حنقهم، أزمة الثقة المتفاقمة لدى أغلبية ساحقة من الإسرائيليين بحكومتهم الفاشلة في إدارة شؤون الحرب والبلاد، وفيها وزيرُ أمن قومي ينتهك حتى حقوق السير، ويتورّط بحادثة سير تهدد مَن في الشارع. ولاشك أن موقف المؤسسة الأمنية يؤثر في تحديد هذا المزاج العام، فالتسريبات المتتالية، خلال الأيام الأخيرة، تعكس رغبة الجيش وكل أذرع الأمن الإسرائيلية بالذهاب لصفقة الآن، بعدما فهمت أن الحرب استنفدت، ولا يمكن تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن، وأنه بدون رؤية سياسية للمستوى السياسي ستتحول الحرب لعبثية ومكلفة أكثر.

وعبّر قائد غرفة العمليات السابق الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، بشكل غير مباشر، عن موقف المؤسسة الأمنية التي يحتفظ بعلاقات وطيدة معها حتى اليوم، بقوله إن الخطوة الملحّة الآن هي وقف الحرب، استعادة كل المخطوفين، والتعاون مع واشنطن في البحث عن أفق سياسي يشمل تطبيعاً مع السعودية، محذراً، في مقالاته وتصريحاته، من أن اجتياح رفح مغامرة خطيرة، لأن “حماس” تُعِدُّ “كميناً إستراتيجياً” لإسرائيل هناك، عسكرياً ودبلوماسياً.

 وتفيد التسريبات بأن هذا هو أيضاً هو موقف معظم قيادة المستوى السياسي لفهمهم أنه لا توجد بدائل حقيقية، خاصة أن نتنياهو يرفض طرح تصور لـ “اليوم التالي”. بيد أن قلّة من الوزراء، أبرزهم سموتريتش وبن غفير، يفرضون “فيتو” على الصفقة، ويهدّدون مجدّداً بتفكيك الحكومة.

دعوة يائير لبيد

هذا الواقع المأزوم دفع رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد للقول، صباح اليوم الأحد، رداً على سؤال الإذاعة العبرية: “نعم، كنت أوقف الحرب، وأتنازل عن رفح، وأعيد المخطوفين، فبمقدورنا العودة للقطاع مستقبلاً متى نشاء”.

ويرى لبيد أن رفح لا تنطوي على قيمة إستراتيجية أهم من غزة ومن خان يونس، منبهاً لوجود تحفظ مصري وأمريكي لعدم وجود خطة حقيقية لنقل مليون ونصف المليون فلسطيني من رفح.

ويشدّد لبيد مجدّداً على أن الأولوية الآن للمخطوفين الذين أهملتهم حكومة نتنياهو مرتين، وهم الآن يموتون في الأسر، ومسؤولية إسرائيل استعادتهم”.

 وجدّد لبيد حملته على نتنياهو بالقول إن ما يعنيه هو البقاء في الحكم. ويدعوه للقيام بالمهم لإسرائيل وليس له شخصياً.

تفاؤل مبكّر

وما زالت أوساطٌ واسعة في إسرائيل تشكّك بنوايا، حسابات وأولويات نتنياهو، لذا فإن المعلق العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل محق في قوله، اليوم الأحد، إن التفاؤل حول صفقة تبادل جديدة في ازدياد، غير أننا كنّا في مثل هذا الفيلم، منبهاً إلى أن مصر تنثر توقّعات مشجعة حول صفقة قريبة، بيد أن وزراء اليمين المتشدّد من شأنهم وضع عراقيل لا يمكن اجتيازها. ولذا يقول هارئيل إنه من المرجّح أن يستقيل غانتس وآيزنكوت من الحكومة بحال تمّ تفويت الفرصة هذه المرة أيضاً. ويضيف: “حالياً يخشى نتنياهو من خطوات المدعي العام في محكمة العدل الدولية في هاغ، في ظل تسريبات حول نيّته إصدار أمر اعتقال بحقه”.

رفح؟ ليس معروفاً خيرها من شرّها!

ويبدي زميله، محرّر الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية رونين بيرغمان شكّاً مشابهاً بنوايا وصحة قرارات نتنياهو، بقوله إن إسرائيل، في الصفقة المطروحة الآن، من شأنها الموافقة على شروط رفضتْها في السابق، مشدداً على أنه كان بالإمكان إنجاز ذات الصفقة، بل أفضل منها  قبل شهور.

ويتابع بيرغمان: “بات واضحاً أن استمرار القتال يؤدّي لموت المخطوفين، والآن يحاولون التغرير بالإسرائيليين وكأن عملية في رفح ستتيح استعادتهم وتقتل حماس”.

ويخلص بيرغمان للتحذير من أن عمليةً في رفح تعني شهوراً جديدة من الحرب، وليس واضحاً أبداً خيرها من شرها”.

يشار إلى أن بيرغمان وجّه، منذ بدء الحرب على غزة، انتقادات مباشرة لحكومة الاحتلال، مشدّداً على عدم وجود فرصة للانتصار على “حماس” في هذه الحرب، واتهم نتنياهو، مرة تلو المرة، بالسعي لعرقلة صفقة لاستعادة المخطوفين، وهي عملية بنظره أكبر وأخطر من مسألة إنسانية كونها قضية أمن قومي.

السنوار لاعب الشطرنج  الماهر

ويتكاتب الكاتب المعلق الصحفي روغل ألبير مع بيرغمان في تأكيد عبثية استمرار الحرب “الفاشلة” على غزة، والتنبيه من تبعاتها على صورة إسرائيل والإسرائيليين في العالم، لكنه يتوقف عند السؤال: لماذا فشلت إسرائيل بحربها؟

 يوضح ألبير أن الإسرائيليين منقسمون حول هذا السؤال، فالمعسكر المتشدّد يقول إن السبب يكمن بعدم استخدام قوة كافية، بينما يقول المعسكر المعارض إن السبب هو فقدان رؤية سياسية وتصوّر لـ “اليوم التالي”. بيد أنه يقدّم تفسيراً ثالثاً ينبّه فيه لكونه “صعب الهضم” على الإسرائيليين، ومفاده أن “السنوار أكثر ذكاء من مجلس الحرب الإسرائيلي “الأعمى”، فهو بخلاف قادتنا يرى كيلومتر للأمام، ويقرأ عدة خطوات مستقبلية، ويفاجئ إسرائيل كل مرة من جديد. نعم هو قاتل وإرهابي، لكن الحقيقة ينبغي قولها: السنوار لاعب شطرنج من الطراز الأول”.

المعركة على الوعي

ربما يندرج في هذا السياق تسجيل مصور لكيث سيغال وعمري ميران وهما محتجزان إسرائيليان، بثته “حماس”، يستدل منه أنها تتعلم من تجربتها في استخدام هذه الوسيلة للتأثير على وعي الإسرائيليين.

يقول هارئيل إن من المرجّح أن يستقيل غانتس وآيزنكوت من الحكومة بحال تمّ تفويت الفرصة هذه المرة أيضاً

بخلاف فيديوهات من بدايات الحرب، الفيديو هذه المرة يكاد يخلو من الإملاء وآثار الإخراج وعوامل التأثير، كموسيقى الخلفية المرعبة، وهو يخاطب الإسرائيليين بالأساس، وليس صناع القرار برسائل مبطنة ومباشرة ناجعة في تركها مفاعيل على وعي المتلقي، وبالتالي على سلوكه.

ويخاطب الفيديو هذه المرة الوجدان بالقول: “نحن نموت، ونحن نعاني، نحن بلا عيد.. وبدون أقاربنا”. وفيه يظهر المحتجز يناجي بناته والتعبير عن حنينه الكاوي لأيام أفضل، ويحذّر من الموت جراء استمرار الحرب ومن العودة موتى في توابيت لا أحياء. بنظرة سيكولوجية كانت دموع المحتجز ورسائله كافية، وكل زيادة على الفيديو فيها نقصان، ومن المرجّح أن يقترب الفيديو من أهدافه في التأثير على الإسرائيليين بمخاطبته عقولهم لا عاطفتهم فحسب، وهو يشير لواجب التكافل ومسؤولية الدولة في تأمين ثقة مواطنيها بها وبمستقبلهم، ويبدو أن قوة الشريط دفعت عائلات المحتجزين للسماح بنشره في الإعلام الرسمي العبري.

الرياض مقابل رفح

 نتيجة اجتماع عدة عوامل، وضغوط داخلية وخارجية، يستمر تحوّل الشارع الإسرائيلي نحو صفقة الآن، بدلاً من مواصلة الحرب، طمعاً بانتصار، أو صورة انتصار تحفظ لهم ولحكومتهم فرصة للاحتفاظ بقدر من الهيبة وقوة الردع. بيد أن ارتفاع درجة الاحتجاج لم يبلغ درجة الغليان التي ستؤدي عندئذ إلى خروج مئات آلاف الإسرائيليين للشارع، لكنها تبدو وشيكة نتيجة ما ذكر.

مع ذلك يبدو أن نتنياهو ابن المؤرخ المسكون بهاجس التاريخ، الذي طالما تباهى بكونه “سيد الأمن”، وتشرتشل إسرائيل، صاحب “الأنا” المتضّخمة، لا يبدي مؤشّرات على تغيير موقفه الرافض لوقف الحرب والذهاب لصفقة، نتيجة تمسّكه بحساباته هو، وتهديدات شركائه بإسقاطه رغم الجزرة الأمريكية التي تَعرض عليه الرياض بدلاً من رفح، وربما ينتظر أن رداً سلبياً من “حماس” يختبئ خلفه ويخفي مطامعه وحقيقته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية