خبراء “الجزيرة للدراسات”: “طوفان الأقصى” يغير الشرق الأوسط وينسف السرديات الإسرائيلية

سليمان حاج إبراهيم 
حجم الخط
0

الدوحة ـ”القدس العربي”:

رصد تقرير تحليلي أصدره خبراء من مركز الجزيرة للدراسات، تداعيات الحرب على غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيراً إلى أنها غيرت الكثير من المفاهيم والمعطيات في الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بعد صمود المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الإسرائيلي على غزة وإنجازاتها الميدانية.

واعتبر الخبراء أن هذا الصمود وتلك الإنجازات وجَّها ضربة للقوى الفلسطينية المراهنة على اتفاق أوسلو وتسوياته السياسية والأمنية، وكذلك لمن راهن على صفقة القرن وترتيباتها على الأرض.

كما تناول التقرير ما أحدثته الحرب على غزة من تداعيات داخل الولايات المتحدة وعموم البلدان الغربية، وما كشفت عن اتجاه شعبي متزايد في أوساط الشباب خاصة، لمساندة القضية الفلسطينية ودعم المقاومة ومناهضة الاحتلال. كما أطلقت الحرب دينامية داخلية أفسحت المجال لشخصيات عامة وقيادات سياسية في تلك البلدان لمساءلة مؤسسات الحكم والتشريع عن دعمها غير المشروط لإسرائيل. أن الحرب على غزة بيَّنت أهمية شبكات التواصل الاجتماعي بما تملكه من حرية نسبية مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية التي أسهمت تاريخيًّا في دعم السردية الإسرائيلية وترسيخها في الغرب.

وأوضح أن هذه الشبكات قد أسهمت في كشف الحقائق وإنارة الرأي العام العالمي والغربي تحديدًا، وخاصة في أوساط الفئات الشبابية الأكثر قابلية للتحرر من قيود سردية الاحتلال وتقبل السردية الفلسطينية.

ورصد التقرير السنوي للعام 2023-2024 الذي أصدره مركز الجزيرة للدراسات  تحت عنوان “طوفان الأقصى” والحرب على غزة: تداعيات متعددة الأبعاد، تداعيات الحرب على غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنَّته كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على المستوطنات والثكنات الإسرائيلية في غلاف غزة، والذي أسفر عن قتل وأسر عدد من الإسرائيليين.

وتناول التقرير، الذي أعده الباحثون في مركز الجزيرة للدراسات، تداعيات الحرب الدائرة حاليًّا في غزة، فلسطينيًّا وعربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، راهنًا ومستقبلًا، ورسْمَ بعض السيناريوهات المحتمل أن تتجه إليها الأوضاع على المديين، المتوسط والبعيد.

فلسطينيًّا، أشار التقرير إلى ما أسفر عنه صمود المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الإسرائيلي على غزة وإنجازاتها الميدانية، وأوضح أن هذا الصمود وتلك الإنجازات وجَّها ضربة للقوى الفلسطينية المراهنة على اتفاق أوسلو وتسوياته السياسية والأمنية، وكذلك لمن راهن على صفقة القرن وترتيباتها على الأرض. كما أشار إلى أن اعتداءات الاحتلال المتكررة على سكان الضفة الغربية، في غياب أي دور للسلطة الفلسطينية، زادت من شعبية المقاومة هناك، وأكد التقرير على أن هذا التحول سيكون له آثار سلبية على مستقبل السلطة ودورها وموقعها في ترتيبات ما بعد الحرب، وتوقع أن تتوالى الجهود والمبادرات العربية والدولية لإصلاحها وإعادة هيكلتها بما يضفي عليها قدرًا من الفاعلية ويجعلها إطارًا جامعًا لكل الفصائل والتوجهات الفلسطينية.

عربيًّا، خلص التقرير إلى أن الدول العربية المنخرطة في مسار التطبيع مع إسرائيل ستضطر لمراجعة مرتكزات أمنها القومي والإقليمي بعدما أثبتت الحرب على غزة أن إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها بمفردها، وأنها ستظل بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكبرى، ومن ثمَّ فإنها لا تستطيع تحقيق الأمن لغيرها من الدول العربية التي راهنت على ذلك، وأن على هذه الدول التعايش مع النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة وأن عليها مقاربته من منظور مختلف عن منظور التطبيع.

الدول العربية المنخرطة في مسار التطبيع مع إسرائيل ستضطر لمراجعة مرتكزات أمنها القومي والإقليمي

ورغم العرقلة التي أحدثتها الحرب لمسار التطبيع فإن التقرير لا يتوقع توقف هذا المسار توقفًا تامًّا خلال المستقبل المنظور وإنما حتى تعيد الدولُ المطبِّعة النظر في أسس واستراتيجيات أمنها القومي.

في ذات السياق، أشار التقرير إلى الدور المتزايد الذي باتت تلعبه الجماعات المسلحة من غير الدول في شؤون الحرب والسلام مع إسرائيل، وخلص إلى أن هذه الجماعات ستفرض مستقبلًا على جميع الأطراف نمطًا جديدًا في التعامل معها ومع استراتيجياتها وقدراتها العسكرية المتنامية. وأوضح أن هذا المتغير ستزداد أهميته بترابط عناصره وتشكيله بيئة مشتركة تتعدد فيها جبهات المواجهة (وحدة ساحات المقاومة)، وسيحتِّم ذلك على إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عمومًا إعادة حساباتهم في المستقبل قبل أي عدوان جديد على غزة والفلسطينيين.

إقليميًّا، أشار التقرير إلى أن الأحداث تتجه لتجعل من إيران أكبر المستفيدين من هذه الحرب، وبرر ذلك بما تملكه من نفوذ في المنطقة وقدرة على إدارة قوتها الردعية، وتوزيع منسوب الضغط عبر أذرعها وحلفائها بكلفة منخفضة. وأوضح أن هذا الضغط على جبهات متعددة أدى إلى تقييد حركة الولايات المتحدة وإسرائيل وضيَّق خياراتهما، ما سيجعل من طهران طرفًا مهماً في أي ترتيبات أمنية في المنطقة، مع استمرار تعزيز نفوذها الإقليمي.

دوليًّا، ذكر التقرير أن حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول تسبب في إضعاف مرتكزات الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، تلك الإستراتيجية التي تهدف إلى تطبيع وضع إسرائيل ودمجها في نسيج المنطقة أمنياً واقتصادياً وسياسياً، مع ضمان تفوقها المطلق على الصعيد العسكري، ما يجعل من دول المنطقة تابعة لها وليست مكافئة أو شريكة. في المقابل، تتخفف أميركا تدريجياً من عبء إسرائيل لتتفرغ لمواجهة أو احتواء القوى المناوئة لها، مثل إيران إقليمياً والصين وروسيا عالمياً. لكن الحرب على غزة وصمود المقاومة خلخلا هذه المرتكزات وأكدا عدم جاهزية إسرائيل لهذا الدور وحاجتها الحيوية المستمرة للدعم الأمريكي والغربي بشكل عام.

أما ما أحدثته الحرب على غزة من تداعيات داخل الولايات المتحدة وعموم البلدان الغربية، فقد أوضح التقرير أن تلك الحرب كشفت عن اتجاه شعبي متزايد في أوساط الشباب خاصة، لمساندة القضية الفلسطينية ودعم المقاومة ومناهضة الاحتلال. كما أطلقت الحرب دينامية داخلية أفسحت المجال لشخصيات عامة وقيادات سياسية في تلك البلدان لمساءلة مؤسسات الحكم والتشريع عن دعمها غير المشروط لإسرائيل.

من جهة أخرى- يضيف التقرير- تتزايد الأهمية السياسية لكتلة الناخبين من العرب والمسلمين في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، ولتحالفاتهم مع فئات أخرى من المجتمع الأمريكي. وهذه كلها- يخلص التقرير- تطورات غير مسبوقة ستكون لها آثار مهمة خاصة على المديين، المتوسط والبعيد.

إعلاميًّا، خلص التقرير إلى أن الحرب على غزة بيَّنت أهمية شبكات التواصل الاجتماعي بما تملكه من حرية نسبية مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية التي أسهمت تاريخيًّا في دعم السردية الإسرائيلية وترسيخها في الغرب، وأوضح أن هذه الشبكات قد أسهمت في كشف الحقائق وإنارة الرأي العام العالمي والغربي تحديدًا، وخاصة في أوساط الفئات الشبابية الأكثر قابلية للتحرر من قيود سردية الاحتلال وتقبل السردية الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية