باقون في رفح.. الغزيون يواجهون مصيرًا مجهولًا وسط تهديدات بهجوم إسرائيلي جديد وشيك

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة- “القدس العربي”: بدأ الخوف يتسرب أكثر لسكان مدينة رفح ونازحيها، المقدّر عددهم بـ 1.5 مليون نسمة، أي أكثر من نصف سكان قطاع غزة، عقب الكشف إسرائيلياً عن قرب تنفيذ جيش الاحتلال عملية عسكرية برية في هذه المدينة، بسبب المجازر المتوقع ارتكابها في هذه المدينة، وعدم وجود أماكن لنزوحهم.

في مدينة رفح، الواقعة على أقصى الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، يتكدس نازحو الحرب بأعداد كبيرة، فالغالبية تقيم في خيام بلاستيكية منتشرة في مناطق عشوائية وأراض زراعية، وآخرون في مراكز إيواء تستضيف فوق طاقتها بأضعاف، ومنهم من يقيم في مساجد المدينة، أو عند أقارب أو أصدقاء، ويبلغ عددهم أكثر من مليون مواطن، يعيشون في مساحة ضيقة بجانب سكان المدينة.

ويقطن هذا العدد الكبير من السكان والنازحين في مساحة تقدر بحوالي 64 كيلو متر مربع فقط، فرغم أن المدينة تعتبر، من حيث الطول، أطول مناطق قطاع غزة، حيث يمتد طولها من الحدود الغربية على البحر إلى الشرقية مع الاحتلال 12 كيلو متر، إلا أن عرضها يعتبر ضيق جداً، مقارنة بالمناطق الأخرى في قطاع غزة.

وانتقل جميع النازحين إلى رفح من مناطق مدينة غزة وشمالها، ومنهم من وسط القطاع، ويقطنون المناطق الشرقية والشمالية، التي ينفذ فيها جيش الاحتلال باستمرار هجمات عسكرية، بناء على تهديدات سابقة للجيش مع بدء هجومه البري على تلك المناطق، حيث طالبهم بالانتقال إلى مدينة رفح باعتبارها منطقة “عمليات إنسانية”.

ولم تشهد هذه المدينة منذ بداية الحرب أي هجوم بري كبير من جيش الاحتلال، الذي اكتفى في البداية بقصف أهداف محددة في المدينة من الجو، قبل أن يضاعف هذه الهجمات خلال الأسابيع الأخيرة، ليجعلها يومية، يسقط فيها عشرات الشهداء، بينهم أطفال، وذلك بعد أن كشف عن خططه العسكرية لتنفيذ عملية عسكرية برية كبيرة، رغم التحذيرات الدولية التي تطالبه بعدم القيام بهذا الأمر، خشية وقوع مجازر أكثر دموية من تلك التي شهدتها من قبل مناطق قطاع غزة، بسبب التكدس السكاني في هذه المدينة.

وبعد الكشف الأخير من قبل جيش الاحتلال عن قرب تنفيذ العملية، والمصادقة على الخطط العسكرية والوقت المحدد لها، دون الكشف عنه، يعيش السكان، وفي مقدمتهم النازحون، حالة قلق وخوف كبيرين، إذ لم يكن يتوقع هؤلاء أن يشهدوا عملية برية كبيرة، تدفعهم للنزوح الاجباري من جديد، بعد أن ظنوا أن المدينة ستكون ملجأهم حتى انتهاء الحرب، والعودة إلى مناطق سكناهم.

وتواصلت “القدس العربي” مع العديد من النازحين في تلك المدينة وآخرين من السكان، وعلى خلاف ما كان قائماً في باقي مناطق القطاع، لم يجهز أي منهم نفسه لعملية إخلاء قسري ينفذها جيش الاحتلال، حيث تأخذ عملية التجهيز التي اعتاد عليها سكان غزة بالحسبان وضع الأوراق الثبوتية في حقيبة، وكذلك وضع بعض الأطعمة المعلبة والأرز والبقوليات في طرد كرتوني، وجعل الأمتعة الباقية في متناول اليد، لحزمها والانتقال بها إلى مناطق النزوح.

قرار بعدم المغادرة

ويقول أبو سائد، وهو أحد سكان المدينة، ويقطن في مركز إيواء في المنطقة الغربية من المدينة التي تعج بالنازحين، إنه رغم التهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، منذ نحو شهرين بشن عملية عسكرية ضد رفح، إلا أنه لم يكن يتخيل أن يحدث الأمر، بقدر ما كان يعتقد أنه مناورة من الاحتلال للضغط في ملف التهدئة.

ويؤكد هذا الرجل، وهو في العقد الخامس، ويعمل موظفاً حكومياً، أنه اضطر، في الأسبوع الثالث من الحرب التي بدأت يوم السابع من أكتوبر، للنزوح من منطقة سكنه في شمال قطاع غزة، إلى مدينة خان يونس، ومن ثم اضطر بعد انهيار التهدئة الإنسانية في بدايات شهر ديسمبر الماضي، وما تلاها من بدء جيش الاحتلال هجوماً على خان يونس، القدوم إلى رفح بناء على طلب من جيش الاحتلال، الذي ألقى في ذلك الوقت منشورات من الجو على سكان خان يونس، وتواصل هاتفياً عبر رسائل مسجلة مع الكثيرين.

ويقول إنه بعد الوصول إلى رفح لم يكن يتخيل أن يكون هناك نزوح جديد، ويضيف: “الكل لا يعرف ماذا سيحدث”، لافتاً إلى أنه وجيرانه من نازحي مركز الإيواء الذي يقيم فيه لم يجهزوا أي شيء للنزوح القادم، حال بدأ جيش الاحتلال في الهجوم على رفح.

وليس بعيداً عن هذا الرجل يقول إبراهيم صالح، الذي يقطن حي تل السلطان، إن منزل عائلته يعج بأقارب له يقيمون لديهم منذ خمسة أشهر، وأنه مع أشقائه ومن عندهم من نازحين، لم يهيئوا أنفسهم للنزوح، ورغم ما شاهدوه من مجازر دامية ارتكبها جيش الاحتلال ضد سكان المناطق التي نفذ فيها عملياته البرية، سواء في وسط أو شمال أو جنوب القطاع، وآخرها عملية خان يونس وغرب مدينة غزة، ولم يغادروها، إلا أن هذا الشاب يقول إن القرار الحالي لدى أسرته هو البقاء في المنزل وعدم المغادرة.

ويقيم النازحون في مراكز الإيواء، أو في خيام تنتشر بكثرة في ساحات رفح وقرب البحر وأخرى قرب الحدود مع مصر، والجميع يعاني من نقص حاد في الأطعمة والمياه والخدمات الصحية، حيث تنتشر هناك الأمراض الفيروسية كباقي مناطق القطاع بكثرة.

وليس بعيداً عن هذا الرأي يقول أبو كمال، الذي يقطن غرب المدينة، إن قرار عدم النزوح تتبنّاه غالبية من يعرفهم من الجيران والأقارب، ويوضح أن أوضاع الإقامة في الخيام في الفترة الحالية، مع بداية ارتفاع موجات الحر، وعدم وجود مساحة بالأصل لهذه الخيام في المناطق المفترض النزوح إليها، هي ما يدفع الغالبية لرفض النزوح، والبقاء في المنزل، وقال هذا الرجل بحسرة لـ “القدس العربي”: “العمر واحد والرب واحد”، وهي جملة يستخدمها السكان هنا، عند الحديث عن القدر، واحتمالية مواجهة خطر الموت.

والجدير ذكره أن جيش الاحتلال كان، في بعض الأحيان، وقبل بدء الهجمات البرية، يقوم بنشر إنذارات على صفحة الناطق العسكري، وإلقاء منشورات على المناطق المطالب سكانها بالإخلاء، ويترافق ذلك مع شنّ هجمات نارية بالطيران الحربي على شكل أحزمة نارية، بالتزامن مع قصف مدفعي وآخر من البحر، على المنطقة المستهدفة، لدفع سكانها للرحيل.

ويختلف في هذا الوقت الوضع كثيراً بالنسبة لسكان ونازحي رفح، حيث لم يعد هناك أي مكان يتسع لهم في مناطق جنوب وادي غزة، بعد إغلاق الاحتلال الطرق المؤدية إلى مدينة غزة وشمالها بالكامل.

وحالياً، فإن المناطق القريبة من ساحل بحر رفح، وكذلك مناطق مواصي خان يونس والأراضي الساحلية التابعة لمدينة دير البلح، وحتى مخيم النصيرات غرباً، آخر نقطة قبل الوصول إلى مناطق شمال قطاع غزة، تعج بخيام النازحين، ولم يعد فيها متسع لإقامة خيام جديدة، ولا يمكن لها عملياً أن تستقبل 1.5 مليون نسمة.

ويمكن مشاهدة هذا الأمر في حال المرور عبر الطريق الساحلي الرشيد من وسط القطاع إلى مدينة رفح جنوباً، حتى أن تكدس النازحين في تلك الأماكن يعرقل بشكل كبير حركة مرور السيارات، ويجعل قطع المسافة، التي لا تزيد عن 25 كيلو متر، يحتاج في بعض الأحيان إلى نحو الساعة.

وبسبب العملية العسكرية البرية التي دمر خلالها جيش الاحتلال مدينة خان يونس المجاورة، لم يعد هناك أي مكان يصلح حتى لسكن أهالي المدينة، الذين نزحوا سابقاً إلى مدينة رفح، حيث دمر الهجوم البري الكبير لجيش الاحتلال غالبية المنازل، بالإضافة إلى كل شبكات البنى التحتية، وفي مقدمتها شبكات المياه والصرف الصحي.

لا أماكن للنزوح الجديد

ويقول محمد الأشقر، أحد نازحي الحرب لـ “القدس العربي” إن أصدقاء له بحثوا قبل فترة عن مكان للنزوح حال اجتياح رفح، دون أن يجدوا مكاناً لذلك.

ويؤكد أن ذلك سينجم عنه، حال نفذت إسرائيل تهديداتها، إما مجازر دامية، تطال من يرفضون مغادرة المدينة، أو أمراض فتاكة تقتل النازحين بسبب نقص المواد التموينية وتفشي الأمراض الخطيرة بسبب التكدس الكبير الذي سيضاف إلى ما هو موجود حالياً في منطقة مواصي خان يونس ومناطق وسط قطاع غزة.

وإضافة إلى التكدس الكبير للسكان في المناطق التي يريد جيش الاحتلال إخلاء سكان رفح إليها، يواصل هذا الجيش شن غارات الدامية على تلك المناطق، وقد سجل مؤخراً استهداف العديد من خيام النازحين، كما استهدفت الزوارق الحربية الإسرائيلية شواطئ الزوايدة، ودير البلح، والنصيرات.

وخلال اليومين الماضيين تحدثت تقارير عبرية عن وجود استعدادات تقوم بها القوات الإسرائيلية لشن عملية كبيرة في مدينة رفح، تؤكد الاقتراب الحتمي من ساعة الصفر.

قالت إذاعة جيش الاحتلال إن الجيش يستعد لتوسيع “المنطقة الإنسانية” بغزة، لتمتد من المواصي جنوبًا، وعلى امتداد الشريط الساحلي، حتى مشارف النصيرات، وسط القطاع، وذلك تمهيداً لاجتياح رفح، وزعمت أن هذه المنطقة ستتمكن من استيعاب نحو مليون نازح.

وجاء ذلك بعد أن أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال دانييل هاغاري أن قرار اجتياح رفح قد اتخذ، ومن قبله أعلن ديوان رئيس الحكومة أنه جرى تحديد موعد لذلك، لكن دون أن يذكره بالتفصيل.

وشجب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك سلسلة الغارات الإسرائيلية على رفح في الأيام القليلة الماضية، التي أسفرت عن مقتل أشخاص معظمهم من الأطفال والنساء، مكرراً تحذيره من أي توغل واسع النطاق بالمنطقة.

وأكد السيد تورك مجدداً أن مثل هذه العملية سيؤدي إلى مزيد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما  “إلى المزيد من الجرائم الفظيعة، التي سيُحاسب المسؤولون عنها”.

وقال المفوض السامي: “إن قادة العالم متحدون بشأن ضرورة حماية السكان المدنيين المحاصرين في رفح”، وأضاف: “أحدث مشاهد لطفلة خديجة (ولدت قبل تمام فترة الحمل) مأخوذة من رحم أمها المحتضرة، ولمنزلين متجاورين حيث قتل 15 طفلاً وخمس نساء.. هذا أمر يتجاوز الحرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية