مقترحات التهدئة الجديدة هل تمنع اجتياح رفح أم تعيد تصعيد الحرب؟

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: باتت الأنظار في هذا الوقت تتجه إلى مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، والتي تشترك في حدودها مع الأراضي المصرية، باعتبارها المحطة الجديدة للتهديد العسكري الإسرائيلي، إذ من الممكن أن تؤجل أو توقف دولة الاحتلال خطتها العسكرية التي أقرت بشكل نهائي لاجتياح المدينة بعملية كبيرة، في حال نجاح مساعي الوسطاء، أو أن تبدأ العملية بشكل عنيف، في حال فشلت الجهود، على غرار ما اعتاد عليه سكان قطاع غزة في مرات سابقة.

الخوف من الآتي

وبالعودة إلى الوراء، فقد اعتاد سكان قطاع غزة، على أن تبدأ قوات جيش الاحتلال، بتنفيذ خطط عسكرية دامية، بعد كل جولة محادثات تهدئة، لا تنتهي باتفاق حسب الشروط الإسرائيلية، في مسعى للضغط على المقاومة الفلسطينية، وهو أمر لا ينكره ساسة تل أبيب وقادة جيشها.
أول تلك الهجمات العنيفة، كانت عقب أول اتفاق «هدنة إنسانية» أبرم نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، واستمر حتى مطلع كانون الأول/ديسمبر، حيث جرى تبادل لإطلاق سراح أسرى محدود، أتبعته إسرائيل بعد انهيار التهدئة، لوضعها شروطا رفضتها المقاومة، بعملية عسكرية برية استهدفت فيها مدينة خانيونس، ووسعتها على مدار أربعة أشهر، حتى حولت المدينة قبل انسحابها إلى مدينة أشباح وخلفت أعدادا كبيرة جدا من الضحايا.
وفي خضم تلك المعركة التي كانت تتوسع على وقع انهيار وساطات التهدئة السابقة، بحيث كان جيش الاحتلال يضم مناطق جديدة في المدينة إلى هجماته، كانت قوات أخرى توسع من نشاطاتها العسكرية في مناطق أخرى في القطاع، كان أبرزها الدخول مجددا لمدينة غزة، خاصة أحيائها الغربية، وقد كررت الأمر هذا مرتين، كانت الأخيرة هي الأعنف، حين دخلت مجددا إلى مشفى الشفاء.
وتلا ذلك أن قام جيش الاحتلال بتوسيع رقعة عملياته العسكرية وسط قطاع غزة، حيث نفذ اجتياحا لشمال مخيم النصيرات، بعد فشل آخر جولة مفاوضات استضافتها مصر، في نهاية شهر رمضان الماضي، وقد بدأ ذلك الهجوم الذي استمر لأكثر من أسبوع، في اليوم الأول لعيد الفطر، رغم أن السكان وقتها كانوا يأملون في التوصل خلاله إلى تهدئة متدحرجة، غير أن استمرار إسرائيل في وضع شروطها التعجيزية، وأساسها عدم الموافقة على وقف شامل لإطلاق النار، وعدم الانسحاب الكلي من قطاع غزة، أمر دفع المقاومة لرفض التعامل معها وحال دون تلك الصفقة.
والآن فإن المشهد يشابه ما كان عليه الوضع في تلك الأوقات، رغم الحديث عن تقديم مقترحات جديدة من قبل الوسطاء للحل، وما كشف عن ضغوط أمريكية تمارس لإنجاز الصفقة، والمزاعم التي تحدثت عن وجود «ليونة» في الموقف الإسرائيلي.
وبما يدلل على ذلك، هو استمرار تهديد قادة جيش الاحتلال، باستمرار تنفيذ الهجمات الدامية ضد غزة، في حال فشلت مساعي التهدئة الجديدة، في سياق سياسة الضغط على حركة حماس، وهو أمر من المؤكد أن لا يأتي بأي ثمار، خاصة في ظل رفض حماس سابقا لتلك الضغوط، وتأكيدها مجددا على رفض الضغوط الجديدة.

الاستعداد العسكري للاجتياح

بات المشهد العام يشير إلى أن حكومة إسرائيل بحديثها عن «الليونة» والزعم بتقديم تنازلات، تريد «ذر الرماد في العيون» لتهدئة موجة الغضب الدولي من أفعالها العسكرية على الأرض، وفي ظل ما يتردد من أنباء عن وجود توجه لدى المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال لمسؤولين كبار، في مقدمتهم رئيس الحكومة ووزير الجيش ورئيس هيئة الأركان، لاتهامهم بارتكاب «جرائم حرب».
وفي هذا السياق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، وهي وسيلة إعلام رسمية، أن العملية المحتملة في رفح «ستبدأ قريبا إذا فشلت المفاوضات» بشأن الاتفاق مع حماس، وذلك بعد أن أعلنت إسرائيل أن الخطة تشمل إنشاء ما زعمت أنها ستكون «منطقة إنسانية» لإسكان النازحين من المدينة، تمتد من حدود مدينة خانيونس الغربية، حتى مشارف مخيم النصيرات وسط القطاع.
وقد دلل على هذا الأمر الكثير من قادة جيش الاحتلال، وبالرغم من بدء جولة جديدة من محادثات التهدئة التي يقودها الوسيط المصري، إلا أن سلطات الاحتلال، أبقت على وتيرة هجماتها العنيفة ضد كافة مناطق قطاع غزة وبالأخص مدينة رفح.
ونقلت تقارير عبرية عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، قوله «إن الاستعدادات تتواصل لاجتياح مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة» مشددا على أن إسرائيل «لن تتنازل في أي صفقة، في حال تمت، عن أهداف الحرب».
وجاء ذلك بعد ان كشف النقاب بأن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، أقر خطط مواصلة الحرب في قطاع غزة، مع قائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، وجميع قادة الفرق والألوية التابعة للقيادة، وحسب ما كشف فإن الخطط اشتملت على اجتياح مدينة رفح، وكان قائد جيش الاحتلال يريد توجيه رسائل ضغط كبيرة لحماس، ويكشف عن نوايا جيشه للفترة المقبلة، كما ترافق ذلك مع الكشف عن وضع خطة الاجتياح للمرة الرابعة.
وفي دلالة على ذلك جرى في إسرائيل استدعاء المزيد من الجنود لتنفيذ هذه المهمة، التي حال نفذت ستنجم عنها مجازر أكثر دموية من تلك الني حصلت منذ بدء الحرب، بسبب الكم الكبير للنازحين الموجودين هناك، والمقدر عددهم بـ 1.5 مليون نسمة، أي أكثر من نصف سكان القطاع.
وقد أكدت قناة «i24NEWS» الإسرائيلية، أن جيش الاحتلال يستعد لعملية عسكرية «طال انتظارها» في مدينة رفح وذكرت أن قضية شن الهجوم البري على رفح، شهدت تسارعا كبيرا خلال الأسابيع الأخيرة، بعد معالجة التحفظات الأمريكية المتعلقة بسلامة المدنيين.
وذكرت أنه في هذا الوقت تتكثف الاستعدادات للتوغل البري، وزعمت وجود خطط لإجلاء السكان المدنيين في رفح، الذين يقدر عددهم بنحو 1.4 مليون من سكان غزة، خلال فترة أربعة أسابيع، ووفقا لخطة الجيش الإسرائيلي، سيُطلب من الفلسطينيين الموجودين في رفح إخلاء مواقعهم إلى مجمعات الخيام التي أقيمت في الأشهر الأخيرة، والتي بنتها وكالات الإغاثة الدولية بالتعاون مع دول أخرى.
وأعلن الناطق بلسان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيحاي أدرعي، أنه تم توسيع ما زعم أنها «منطقة إنسانية» المخصصة لسكان المدينة وللنازحين الذين قدموا إليها بعد وصولهم إليها قسرًا خلال الحرب الدائرة، عند بدء الهجوم، وقال إن المنطقة تقع ما بين المواصي وخانيونس، والتي زعم أنه ستتدفق إليها المساعدات الإنسانية.
وتقضي الخطة التي قدمت إلى الأمريكيين والوكالات الأخرى في المنطقة، بأن يتقدم الجيش في رفح على مراحل حسب التقسيم إلى مناطق محددة، وزعمت أنه سيتم خلالها إبلاغ السكان مسبقًا قبل تحرك قوات الجيش الإسرائيلي، بحيث يتمكن السكان من إخلاء المنطقة على مراحل.

تهديدات نتنياهو

ترافق ذلك مع تهديدات للوزيرين المتطرفين بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، بالانسحاب من حكومة اليمين والعمل على حلها، في حال لم تقم بتنفيذ العملية البرية ضد مدينة رفح، وقال سموترتش، بعد ما ترددت مزاعم عن «تنازلات» إسرائيلية لعقد صفقة تبادل ضمن اتفاق التهدئة المقدم من الوسطاء «قبول الصفقة القائمة يعني بالتأكيد رفع العلم الأبيض ومنح النصر لحماس» معتبرا أن تأجيل احتلال رفح هو تحقيق بالضبط لخطة قائد حماس في غزة يحيى السنوار للفوز، واعتبر التأجيل بمثابة «استسلام لدولة إسرائيل» وقد طالب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بـ «أصدر الأمر (بدء عملية رفح العسكرية)» وأضاف وهو يخاطب نتنياهو «أظهر القيادة المطلوبة».
ولم يدم ذلك طويلا، حتى أعلن نتنياهو الذي لا يريد توقف الحرب، خشية من محاكمته بعد سقوط حكومته إنه «من غير الوارد الاستسلام لحماس وإنهاء الحرب، والجيش الإسرائيلي سيدخل رفح بصفقة أو بدونها» وكرر حديثه هذا مرتين في الأسبوع الماضي.
ونقل بيان صدر عن مكتب نتنياهو قوله «فكرة أن نوقف الحرب قبل تحقيق جميع أهدافها غير واردة، سندخل رفح ونقضي على جميع كتائب حماس هناك – باتفاق أو بدونه، لتحقيق النصر المطلق» مؤكدا أن «عملية إخلاء السكان في رفح قد بدأت بالفعل استعدادا للعملية العسكرية التي ستنفذ قريبا» مشيرا إلى أن جميع وزراء الحكومة يؤيدون اجتياح رفح، ووصف كذلك فرصة التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع حماس بأنها «ضئيلة للغاية» واتهم حركة حماس «بمواصلة التمسك بمواقفها» باعتبار أن حماس تطلب بوقف كامل للحرب.
ولذلك من المحتمل أن تفجر إسرائيل الصفقة الحالية، من خلال استمرار تهربها من تقديم أي ضمانات لتنفيذ ما عليها من التزامات، وهو أمر سيدفع حماس للتشبث بموقفها، الذي يؤكد على ذلك، لضمان إطلاق سراح الأسرى وانسحاب جيش الاحتلال من داخل القطاع، والسماح بعودة النازحين، كما أنه من المحتمل حال تمت الصفقة، أن تعمل دولة الاحتلال على إفشالها وخرقها، بهدف تمزيق بنودها، والعودة مجددا للحرب، حيث ستكون الوجهة القادمة لها مدينة رفح.
والجدير ذكره أن نص الاتفاق الجديد يشتمل على بند، يؤكد على أن توقف القتال سيستمر في حال لم يجر خرقه، وجاء في النص «ترتبط عمليات التبادل بمدى الالتزام ببنود الاتفاق، بما فيها إيقاف العمليات العدوانية وإعادة انتشار القوات وعودة النازحين ودخول المُساعدات الإنسانية» وهو ما يعني أن توقف العمل به سيكون واردا ومرتبطا بالالتزام الذي تعودت إسرائيل على عدم الوفاء به، كما أن الاتفاق في مرحلته الأولى يعتبر مؤقتا، ولا يشمل وقفا تاما لإطلاق النار، حيث جاء النص على «الهدوء المستدام» في المرحلة الثانية من الاتفاق حال حصلت، وهي مرحلة كما نص عليها المقترح الجديد غير مرتبطة بالمرحلة الأولى.
وقد كانت حركة حماس، أكدت على لسان القيادي غازي حمد، على استمرارها في موقفها السابق، الخاص بإنهاء الحرب، والذي يشمل انسحاب جيش الاحتلال من القطاع والسماح بعودة غير مشروطة للنازحين، ووقف شامل لإطلاق النار، حيث قال في رده على تهديدات قادة الاحتلال «لا مجال أمام الإسرائيليين إلا المفاوضات والتوصل إلى الاتفاق لأنهم لن يجنوا شيئاً من دخول رفح».

مقترح التهدئة الجديد

والجدير ذكره أن الوسيط المصري عرض مقترحاً جديداً للهدنة، يشمل إطلاق سراح 30 أو أكثر بقليل من الأسرى الإسرائيليين خلال وقف إطلاق نار مبدئي مدته ثلاثة أسابيع، فيما ترددت أنباء أخرى أن مدة وقف إطلاق النار ستستمر لستة أسابيع.
وتطلب حماس إطلاق سراح 50 أسيرا مقابل كل جندي إسرائيلي، و30 أسيرا مقابل كل مدني تأسره.
ووفق ما كشف، فإن المقترح المصري المطروح على الطاولة يقضي بعدم وجود مفتشين إسرائيليين في الممر الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، وزعمت تقارير عبرية أن جيش الاحتلال وافق على سحب قواته من ذلك الممر، في إطار ما سمته «مزيدا من المرونة» في المفاوضات، وأن حماس تُطالب بتوضيحات وضمانات واضحة تتعلّق بتنفيذ مطالبها الأساسية مثل وقف إطلاق نار دائم والانسحاب من غزة.
ووفق المعلومات التي كشف النقاب عنها، والخاصة بمفاوضات التهدئة الأخيرة، فإن هناك نقطتين عالقتين، الأولى تتعلق بعدد الأسرى الذين يجري التفاوض بشأن إطلاقهم، فيما تتمثل النقطة الثانية في الضمانات التي تطالب بها حركة حماس بها لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، وهو أمر ترفضه حكومة تل أبيب.
وبات واضحا أن هناك خفايا في الاتفاق، خاصة بعد الإعلان من قبل مسؤول إسرائيلي كبير بأنه «سيكون بالإمكان التوصّل إلى صفقة فقط في حال تخلّت حماس عن مطالبها بإنهاء الحرب وخروج الجيش الإسرائيلي من غزة» وكان بذلك يؤكد عدم صحة الأنباء التي تحدثت عن موافقة الجيش على سحب قواته من غزة، وهو أحد شروط حماس الرئيسية.
وفي دلالة على ذلك، علق القيادي في حركة حماس أسامة حمدان، بعد الأنباء التي تحدثت عن «الأجواء الإيجابية» للمفاوضات الأخيرة، بالقول «قلنا بوضوح إن ورقة التفاوض الحالية موقفنا سلبي منها» وتلا ذلك أن قام إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، بدلا من إبلاغ موقف الحركة النهائي من الورقة، بعد أيام من تسلمها رسميا من مصر، أن الحركة سترسل وفدا إلى القاهرة، للتشاور مع الوسيط المصري، بشأن التوصل إلى اتفاق، من دون أن يحمل تصريحاته التي جاءت بعد اتصالين أجراهما مع رئيس الوزراء القطري ورئيس المخابرات المصرية.
وأبلغ هنية مدير المخابرات المصرية، بقدوم وفد الحركة للمفاوضات لمصر في أقرب وقت لـ«استكمال المباحثات الجارية بهدف إنضاج اتفاق يحقق مطالب شعبنا ويوقف العدوان» مؤكدا على «الروح الإيجابية عند الحركة في دراسة مقترح وقف إطلاق النار».
وكانت حركة حماس، وقبل بدء جولة التفاوض الجديدة، عقدت اجتماعا مع مسؤولي تنظيمات الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خصص لبحث التطورات الميدانية والسياسية المتسارعة في القضية الفلسطينية والعدوان على قطاع غزة، وضمّ اللقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية جميل مزهر، ونائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إضافة إلى عدد من قادة القوى الثلاثة.
وذكرت الحركة أن المجتمعين بحثوا الجهود المبذولة لوقف العدوان وتحقيق الانسحاب الفوري الكامل والشامل من القطاع، وإطلاق سراح الأسرى، والسُبل الكفيلة للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، وتعزيز صمود الجبهة الداخلية أمام غطرسة الاحتلال وعنصريته، غير أن هناك تحليلات أشارت إلى أن الاجتماع جاء في ظل الاستعدادات على الأرض، لاستمرار الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ومخطط الاحتلال لاجتياح رفح.
وفي خضم كل هذه الأحداث، عبر سكان غزة عن أملهم في انتهاء الحرب قريبا، وتساءل الكثير منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عن إمكانية أن تؤدي الجهود المبذولة إلى وقف قريب للحرب لتنهي مأساة النزوح والتشريد والقتل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية